أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هدايانا لأمهاتنا في عيد الأم… وهداياهن لنا!














المزيد.....

هدايانا لأمهاتنا في عيد الأم… وهداياهن لنا!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 24 - 11:35
المحور: حقوق الانسان
    


هذا "عيدُ الأم" المبهج. العيدُ الذي تسبقه جلساتُ التآمر ووضع الخطط الاستراتيجية التي يعقدُها الصغارُ لحبكِ المفاجآت وشراء الهدايا لأمهاتهم من أجل رسم الفرح على شفاههن. فعلنا هذا حين كنّا صغارًا، ويفعلُ هذا الآن أطفالُنا لإبهاجنا حين صرنا أمهات. ولا ننسى أبدًا تلك الهدايا التي جلبناها لأمهاتنا ونحن صغار. لأنها محفورةٌ في خانة "الذاكرة العميقة" التي تعبر فوق الزمن، وتتحدّاه.
أول هدية لأمي كانت في الصف الأول الابتدائي. وزّعت علينا المعلمةُ بطاقاتٍ ملونةً، وكتبتْ على السبورة: “إلى ماما الحبيبة، كل سنة وأنتِ طيبة.” وطلبت منّا أن ننقل المكتوب في الكارت، وعلى سطر التوقيع، نكتبُ أسماءنا بعد كلمة: “ابنتك المطيعة”. ولم أعرف معنى "مطيعة" إلا بعد سنوات. ولو علمتُها، ما كتبتُها. فأنا أبعدُ البشر عن الطاعة. فكنتُ طفلة مشاكسة كثيرة السؤال عن السبب. وكما حيّرتني كلمة "مطيعة" في كارت عيد الأم، حيرتني كلمة أخرى كنتُ أسمعُها كثيرًا دون أن أفهمها، أو أعرف إن كانت مدحًا أم ذمًّا. “لِمضَة". طوال الوقت كانت أمي تقول لي: “يا لمضة". حين أسألُ أسئلة وجودية كبرى لا تناسبُ طفولتي، كانت تقولها بنبرة عالية غضوب. وإن كانت راضية عني أو سألتُ سؤالا طفوليًّا لا إجابة له، ابتسمت بزهو وتمتمت بلحن رومانسي ناعم: “آه يا لمضاااا!” لهذا لم أحدِّد أبدًا، هل أفخرُ، أم أخجل من نفسي لأنني لمضة!
ثم توالت هداياي لأمي وتطورت مع مرور السنوات وبداية دخول ضيف جديد في حياتي: “الحصّالة”. تلك التي لم أنجح أبدًا في ملئها. قارورة عطر، مناديل مطرزة بورود، صباع زبدة كاكاو، بروش رخيص، وغيرها من أشياء أجلبها من بوتيك "عم يونان" أسفل عمارتنا. وكان الردُّ الدائم لأمي على هداياي وهدايا شقيقي: (مش عاوزة هدايا، انتوا هديتي، بس ذاكروا واطلعوا الأوائل وأنا أفرح.) لهذا، غالبًا ما كنت "أستعبط" وأسترد تلك الهدايا، بمكر الصهاينة، بعد مرور عدة أيام، مبررةً تلك "الخطيئة" لنفسي بأن ماما “مش عاوزة هدايا”. وماما واخدة بالها طبعًا ومتواطئة مع مكري الطفولي.
ثم دخلتُ في مرحلة جديدة من الهدايا التي لا تُحوجني إلى الحصالة الفارغة. القصائد. ورقة بيضاء منزوعة من منتصف كشكول العربي، أكتب فيها كام بيت مكسورين عَروضيًّا دون شك، ثم أزيّن حوافَّ الورقة برسم بعض الزهور الملونة والعصافير. ثم دخلت في مرحلة إهدائها كتبي مع إهداء رومانسي في صفحته الأولى، لو تصادف صدور أحد كتبي مع عيد الأم. ديواني الأول "نقرةُ إصبع" كان مهدًى لأمي في ترويسة الكتاب.
أما ماما، فكانت هداياها لنا مبتكرة وغير تقليدية. أول عروسة لعبة جاءتني في طفولتي، أهداها لي مستر "وليم"، مدرس الإنجليزية، في المرحلة الابتدائية. ولم أعرف أبدًا أن أمي هي التي اشترتها وأعطتها له ليهديها لي لكي أحبّه فأحبُّ الإنجليزية، إلا وأنا زوجة وأم. حين دخلت ماما عليّ يومًا وأنا أذاكر لابني "مازن"؛ ولم تعجبها عصبيتي وتوتري، فهمستْ في أذني: (اعملي زي ما كنت باعمل معاكي. اشتري هدايا وخلي المدرسين بتوعه في المدرسة يقدموها له، فيحب الدراسة ويتفوق. إنما العصبية دي هاتخلي الولد يتعقد!) وأفقتُ من الوهم الأكبر الذي عشتُ حياتي أحكيه لأصدقائي بأن المدرسين بتوعي همّا اللي بيجيبوا لي هدايا نظرًا لتفوقي! إنها الخدعةُ النبيلة التي نسجتها أمي طوال سنوات دراستي.
في عيد الأم، أهدي ماما "سهير" قصيدة، ليست مثل قصائدي القديمة على ورقة من كراسة قديمة لا تكلف شيئًا. بل كلفتني أنهارًا من الدموع، طفرت من عينيّ يوم طارت ماما إلى حيث تطير الأمهاتُ، ولا يعدن. كتبتُها حين دخلتُ بيتها بعد رحيلها فوجدتُ كلُّ شيء مُكفّنًا بالأبيض. فصرتُ "أخاف اللون الأبيض”:
وماذا أفعلُ بأكياس الأرزِ والسُّكر/
وبازلاءَ مجفّفة/
ورءوسِ ثومٍ/
عثرتُ بها في مطبخِك؟/
ماذا أعملُ بالثلجِ عشّشَ في أركان البيت/
بقطّتكِ البيضاء/
تُقعي في الصالة/
في صمتٍ تنظرُ إلى باب الشقة/
ترجُفُ أذناها/
مع كلِّ قدمٍ على السُّلّم؟/
ماذا أفعلُ/
بصورِ العائلة على الحائط الأبيض؟/
بالأبوابِ البيضاءِ المغلَّقةِ أمام قلبي/
بستارةٍ بيضاءَ ساكنةٍ/
لأن الشيشَ مُقفل؟/
بالسيارة البيضاء العجوز/
التي لم تعد تحت البيت؟/
بفوطةٍ بيضاءَ تحملُ رائحتَكِ/
بخُصلةٍ من شَعرِكِ بيضاءَ عالقةٍ بالمشط/
بشالِ حريرٍ أبيضَ جلبتُه لك من اليمن/
ليضمَّ كتفيكِ المُجْهدين/
بقطرةٍِ من ماءِ زمزمَ/
عالقةٍ في كأسِ غُسْلِك/
بوحشتي/
بخوفي؟/
هل أبيعُها وأشتري أقراصًا منومّة؟/
هل أقايضُ بثمنها على أبٍ قديمٍ/
نسيتُ ملامحَه،/
وأمٍّ/
تركتني وطارتْ/
ويدي لم تزل/
معلّقةً في طرفِ ثوبِها؟

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصريون في وداع قداسة البابا شنودة
- مقتل سيدة السلام … والتطهُّر الأرسطي
- براءةُ أطفالنا … في رقبة من؟
- بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!
- الانفجارُ السكّاني … والضفدعُ المغلي
- في انتظار … كوكو!
- القليلُ كثيرٌ … في الطعام والعيال والفرح!
- ثروت عكاشة … أسطورةٌ مصريةٌ خالدة
- هل نستحقُّ كورونا وما يليها؟
- البرنيطة … أمّ شريطة صفراء!
- إلهام شاهين … فارسةُ دراما الرسالات
- الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة
- صخرةُ محمود أمين العالم
- ماذا علّمتني سيدةُ: الباقياتُ الصالحات؟
- بيكار … مايسترو صناعة النور
- ضحكات المصريين ... في زمن الكورونا
- قلقاسُ الغطاس … في بيت ميرنا ذكري
- هديةٌ السيدةِ التي لم أرها!
- بوابـةُ العَدَم
- -الكريسماس- على الطريقة الإنسانية


المزيد.....




- مسئول بالأمم المتحدة يحذر من مذبحة في حال اجتياح إسرائيل لرف ...
- من بينها عربية.. خريطة توضح حرية الصحافة في دول العالم بـ202 ...
- -الأونروا-: 37 طفلا في غزة يفقدون أمهاتهم كل يوم
- سويسرا تعتزم استخدام بيانات الهواتف المحمولة لتحديد هوية طال ...
- موقع بريطاني: ما مدى تأثير مذكرات الاعتقال على إسرائيل وحلفا ...
- اعتقال 2000 شخص في احتجاجات الجامعات الأميركية
- اليونيسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين بغزة ...
- المحكمة الجنائية الدولية تطالب بالتوقف عن ترهيب موظفيها
- اقتحامات واعتقالات بالضفة وأهالي بيتا يتصدَّون للمستوطنين
- المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تبرر عدم حسمها الدعاوى بخصوص ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هدايانا لأمهاتنا في عيد الأم… وهداياهن لنا!