أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - صراع ضد الداخل ام صراع ضد الخارج ... توالد الافكار ..















المزيد.....

صراع ضد الداخل ام صراع ضد الخارج ... توالد الافكار ..


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 24 - 08:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ ان دبّ الصراع السياسي بأشكاله المختلفة في ستينات القرن الماضي ، طرحت القوى السياسية المتصارعة سؤالا كانت له أهميته القصوى في ذاك الابان ، وفقد بريقه اليوم بسبب الهزيمة المدوية التي حلت بالجميع ، سواء أصحاب الصراع ضد الداخل ، او أصحاب الصراع ضد الخارج .. واصبحنا امام وضع واضح غير ملتبس ولا بمبهم ، الاّ من يريد ان يصدق الوهم لينشر الوهم من اجل التضبيب ، و لترديد الشعارات التي لم تعد تنفع في شيء ، ولا تستجيب للتحولات التي طرأت في المسرح الدولي ، مع سيادة الستاتيكو داخليا . بل تحول ما يسمى بالانتصارات الكارطونية الى هزيمة وفشل ، جعل الجميع ومن دون استثناء ، يرتمي من دون مقدمات في حضن النظام الذي زاد طغيانا وتجبرا ، بسبب الفراغ الذي ضرب الساحة التي تحولت الى مستنقع يزكم الانوف والنفوس ، والى اطلال تتباكى على ماض لم يحسنوا بناءه كما كان ينبغي ان يكون ..
هكذا رفع دعاة الصراع ضد الداخل ، شعارات ضد بعضهم البعض ، وضد النظام . لكنها تمجد بطولات لم يكن منها غير الاسم ، لان كل ما كان يتغدى به المتصارعون ، كان يجد طريقه الى مسامع النظام قبل هضمهم الغداء .. فالنظام حنط الجميع في بوثقه جعلته مؤهلا وحيدا ، لرسم الاختيارات المفروضة التي ينصاع لها الجميع ، لان الميت لا حيلة له امام غسّاله ..
وبالموازاة مع انصار الصراع ضد الداخل ، اتجهت جماعات ترفع شعار الصراع ضد الخارج ، بدعوى المؤامرة المدبرة في ليل بهيمي ، وبدعوى دور هذا الخارج في توفير الحماية للنظام للاديمقراطي الذي بطش بالجميع ... فأي انتصار على الخارج سينعكس على الصراع في الداخل ، ونتيجته لن تكون غير الانتصار عند هزيمة الخارج ...
فهناك اذن عدوان . عدو داخلي ، وعدو خارجي ، واولوية النضال تفرضها شروط المرحلة الفارضة لنفسها في الصراع الدائر بين جل المتصارعين ...
فبينما كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يركز على الصراع ضد الداخل ، فان اليسار الجديد السبعيني ، بالرغم انه قاد صراعا أيديولوجيا ومشروعيا ضد النظام ، فانه كان ينظر للصراع الكبير مع الخارج المحتضن لنظام عدو الداخل ... فاسترسل ينظر لكيفية المواجهة مع القوى الامبريالية المساندة للنظام ، وعلى رأسها أمريكا وفرنسا ...
في ذاك الزمان . كان سؤال الساعة المطروح بين المتصارعين الحاملين ، والمعتنقين لمختلف الأيديولوجيات ، هو من اين نبدأ وكيف وأين سننتهي ... وبما ان الصراع كان تقوده النخبة والمثقفين ، فتوالد البنى الفكرية كانت تفرضه طبيعة المرحلة ، ونوع الظروف التي يجري فيها الصراع ، في مواجهة العدو الداخلي النظام ، او في مواجهة عرابه وحاميه ، الامبريالية العالمية ... وكمثقفين نخبويين ، ومتمايزين ، مُوّجهين للصراع في شكليه ، الصراع ضد الداخل ، والصراع ضد الخارج ، طرح المتصارعون بعض الاستفسارات ، وبعض التساؤلات . وكانت في اصلها تعابير مختلفة ، بتعدد مشارب المهتمين بها عن الغرب الامبريالي المادي كعدو ، وعن الآخر الذي يعكس القيم المهددة من هذا الغرب ، الذي هي روح الشرق ، وبالضبط الحضارة العربية ، والحضارة الإسلامية .. فالتناقض بين العالمين الذي اكتوت به بلادنا ، اثر في رسم طبيعة الصراع ، وحدد أولوية واسبقية الصراع ... فاصبح الصراع من جهة حضاريا ، ومن جهة وبالنسبة لجماعات أخرى ، اصبح الصراع فلسفيا وايديولوجيا ..
وامام هذا الصراع ، طرح الجميع ازمة الذات ، التي يجب ان ترتبط بالوجود . أي إمّا ان نكون او لا نكون .. فهناك مؤامرة مدبرة داخليا يقودها وكلاء الاستعمار، وبالموازاة هناك مؤامرة مدبرة خارجيا ، وتكملها . أي تكمل المؤامة الداخلية التي تنفد بأيدي محلية ، وليس بأيدي اجنبية . أي من قبل وكلاء الاستعمار الجديد .. النظام السياسي الجاثم على صدر الامة والشعب ..
في خضم هذا التجاذب والتدافع بين المتصارعين ، فان الجميع ، ورغم اختلاف الايمان الأيديولوجي . آمن بالهزيمة التي اصابت الجميع ، والتي زاد منها هزيمة الأنظمة البرجوازية الصغيرة التي خسرت معركة الشعب عند البعض ، وخسرت معركة الامة عند اخرين ( فلسطين ).. فكانت النتيجة ، انّ الجميع وعن طيب خاطر ، قبل بالهزيمة الداخلية والخارجية . وهذا القبول لم يكن نقدا ذاتيا او نقدا للأخر المتصارع المنهزم . بل كان الاعتراف ، تعزية للنفس من الهزائم المتواصلة ، والتي لا تزال تتواصل من دون انقطاع .. بل وصلت الهزيمة عندما بدأ العرب يهرولون من دون فرامل ولا حصارات تجاه إسرائيل ، في الوقت الذي كانت فيه هذه تترجى وتتمنى انْ يبادلها حاكم عربي فقط التحية والسلام في لقاء دولي ، او في حضور مؤتمر من المؤتمرات التي كانت تُنضّم خارج الوطن العربي ، وبإشراف الأمم المتحدة في بعض المرات ..
والنتيجة التي خرج بها الجميع من هذا الصراع ضد الخارج ، الذي ترتبط به الأنظمة السياسية العربية ، انّ الجميع أصبح يؤمن بحقيقة يستحيل الغاءها ، هي ان الغرب الامبريالي الاستعماري الذي اذلّنا ، وحطم ( كبريائنا ) ، وتآمر علينا حين دعم الحاكم العربي وكيله ، وحين مرغ انوفنا في الوحل . بل بعثر كل اوراقنا وتركنا مذهولين مصطولين .. هو مادة وروح العصر .. وانّ محيطنا وعالمنا الذي تؤثثه قيمنا البالية ، وربما شرقنا القيمي والحضاري المتهاوي ، قد فقد روحه منذ زمن بعيد ، على الرغم انه كان في فترات تاريخية سابقة ، مادة العالم وروحه ..
قبل ان يتم النبي محمد سيطرته على شبه الجزيرة ، فرض على اتباعه الهجرة من شبه الجزيرة العربية ، الى العالم الخارجي .. أي انتقال الصراع من محيطه الداخلي ضد العدو الداخلي ، الى المحيط الخارجي ضد العدو الخارجي .. فالهجرة اذن كما هاجر الجمهوريون قوميون او ماركسيون ، بلادهم هاربين من القمع الدولتي ، ولإحياء الصراع الخارجي ضد العدو الخارجي ، لم يكن فقط انتقالا من مكة الى المدينة ، لكنها بالمعنى الاوسع والاشمل ، كانت هجرة من النطاق المحلي ، الى النطاق الكوني .. حصل هذا قبل ان تظهر التروسكية ( الصراع ضد العدو الخارجي ) ، التي جابهت الستالينية التي اقتصرت الصراع ضد العدو الداخلي .. والهجرة الى العالم الخارجي معناها ، إعطاء الأولوية للصراع الخارجي على الصراع الداخلي .. فالصراع الخارجي هو ما يوحد الامة ، ويخفف آثار التناقضات الداخلية بين الفرق السياسية ، ضد النظام الطاغي المريض ، الحاكم قهرا بالسيف ، والجبر ، والطغيان .. أي ان الصراع الخارجي ، هو الذي سيلعب الدور الحاسم الذي سيسبب هزيمة العدو الداخلي . أي اجماع الامة كقوة واحدة متماسكة ، ضد النظام المسيطر لوحده على الجاه ، والسلطة ، والمال ، والثروة التي يهربها الى خارج الوطن ، عند العدو الخارجي الذي يجب ان يتصدى له الصراع الخارجي .. فالصراع الخارجي ، وبالترابط ، وبالموازاة مع الصراع الداخلي ، هو وحده يحقق الصلة بين الامة ، والشعب ، والعالم الخارجي ..
وعندما قيل للنبي . انّ هناك عددا من الحربائيين ، الوصوليين ، المنافقين بيننا ، فانه لم يقتلهم ، ولا حاربهم... ، لكن سعى الى تأليف قلوبهم بالعطاءات . أي رشاهم ، واشتارهم ، ليدجنهم ، ويتحكم فيهم كطابور بيد العدو الداخلي .. أي عيّاشة ذاك الزمان ...
اذن . فبدل ان يستنزف النبي جهود الامة في صراعات داخلية مع المنافقين ، كما ساد عندنا طيلة الستينات ، والسبعينات ، وحتى النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي ، وجه اتباعه لخوض النزاع ضد العدو الخارجي ، الذي كان يتربص بالجميع من دون استثناء ، كما يفعل اليوم العدو الجزائري ضد وحدة الأرض المغربية ، وضد وحدة الشعب المغربي .. هذا كان البند الأساسي في مشروع محمد ، لبناء دولة موحدة قوية ، ومجتمع جديد موحد وقوي .. فلم يكن هناك من أفكار او خرجات تضرب الوحدة ، وتنتصر الى التفرقة والتجزئة .. بل كان الصراع في الداخل وضد الخارج ، ضمن الوحدة التي بدونها سيكون الإفلاس والهزيمة ، حتمية ومصير الثوار والمناضلين ..
واذا عدنا الى ما يختمر اليوم من صراع بمحيطنا ، وبعالمنا العربي الجريح ، سنجد ان الإسلاميين المعاصرون ، يعطون الأولوية والاسبقية للصراع ضد المنافقين اعداءهم الداخليين ، من قوميين ، وبربريين ، وماركسيين ، ولينينيين .. ، على الصراع ضد العدو الخارجي .. فجماعات التكفير المختلفة ، كالداعشية والقاعدة ، تكرس كل جهودها لتطبيق الشريعة . أي الصراع ضد الأعداء الداخليين المنافقين .. لكنهم ينسون او يتناسون الصراع ضد إسرائيل ، وضد هيمنة الغرب الامبريالي .. وبدل ان يكون لديه عداء سياسي للغرب الاستعماري ، نجده يركز جهوده على العداء الثقافي للغرب ، ويهادنه سياسيا بحجة مكافحة عملاءه في الداخل ..
اما الجيل السابق من ثوريين وقوميين كانوا، ام ماركسيين ، ام يساريين ، فكان يحاكم عبد الناصر على أساس الأوضاع الداخلية ، متناسيا انه يخوض حربا فعلية متواصلة ضد إسرائيل ، وضد الغرب الامبريالي ..
كان ذلك الجيل يحكم سلبيا على عبد الناصر، على أساس انه إصلاحي ، وغير ديمقراطي .. هكذا كان الثوريون القوميون ، واليساريون أيضا ، يعطون الأولوية للصراع الداخلي على الصراع الخارجي ..
ومن ناحية أخرى ، نجد الاسلامويين الأصوليين الآن ، مثل الثوريين قبلهم ، غير قادرين على استخدام النص استخداما عقلانيا ، واعيا . فكلاهما قاصر عن فهم مغزاه التاريخي ، او معناه المطلق ..
الثوريون القوميون العرب كالاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، استخدموا مفاهيم أساسية مثل الامة ، والوحدة ، والعروبة ، وعملوا من اجلها . لكنها بقيت على رغم صحتها وضرورتها ، عناوين هشة ضحلة المضامين . فالأمة في نظرهم ، ليست مجتمعا ذا تاريخ ، وسيرورة مستمرة ، وتجدد ، وتغير دائمين .. ولذلك لم تستطع احزابهم رسم برامج تؤدي الى نتائج مرضية ، ولم يستطيعوا تحقيق أي من أهدافهم على رغم التأييد الشعبي الواسع لهم في فترة من الفترات .. وما نسمعه يتردد على لسان اكثير من الناس ، انّ برامج الأحزاب ، هي في معظمها صحيحة على العموم ( المؤتمر الاستثنائي / يناير 1975 ) ، لكن الأخطاء هي في التطبيق ، هو قول غير صحيح . فالعلة في الأساس ، هي انّ البرامج التي رسمها الثوريون ، كانت خاطئة ، لأنها صدرت عن وعي قاصر غير تاريخي ، والعجز في التطبيق كان نتيجة حتمية لذلك ..
وعندما احس الثوريون القوميون العرب ، ومغاربة الصف الأول والثاني بفشلهم ، وعجزهم ، لجأوا الى الماركسية ، واساؤوا استخدام نصوصها اسوة بغيرهم من الماركسيين القدماء ( الأحزاب الشيوعية العربية ) .. فكانت الماركسية بالنسبة الى هؤلاء جميعا ، مجموعة استنتاجات مفرغة من سياقها التاريخي .. هم لم يجدوا في الماركسية انتاجا فكريا غربيا ، نبع من تراث اوربة ، واستند الى النتائج العلمية التي كانت متاحة آنذاك . وبالتالي فهي أي الماركسية ، يمكن تجاوزها في ضوء المستجدات العلمية في مختلف العلوم الإنسانية والمادية .. والأهم من ذلك ، كانوا وما يزالون يستخدمون الشعارات والنصوص ، لرؤية وقائع الأمور ، من دون ان يحاولوا دراسة التاريخ الفعلي ، واستخراج النتائج والعبر منه ، لاستخدامها في برامج تنفيذية تفيد الامة .. النص عندهم ليس مسألة ، وليس تعبيرا عن إشكالية تاريخية . لذلك كان فكرهم غير نقدي .. وكل ذلك يناقض المبادئ الأساسية للنظرية التي يعتنقونها ، وهي التي قامت على اعتبار النظرة التاريخية ، والموقف النقدي ، منطلقين أساسيين ..
في المقابل . نجد الاسلامويين الأصوليين الآن ، يجعلون النقطة المركزية في دعوتهم تطبيق الشريعة . وهم أيضا ينكرون التاريخ والتغيير ، على رغم انهم يقرون بالناسخ والمنسوخ ، ولا يستطيعون تقديم التفسيرات الوافية عن أسباب الاختلافات الفقهية ، على رغم وحدة النص القرآني ، وينكرون ان هذه الاختلافات نجمت عن اختلافات في الظروف التاريخية ، والأوضاع الاجتماعية للفقهاء والمفسرين ، ويصرون على ان يروا النص بمعزل عن السياق التاريخي للامة ، بل ينكرون التاريخ برمته ، ويعلنون ذلك اعلانا واعيا ..
الدين ، بمعنى ما ، هو دليل عمل ، والشريعة تعكس الاطار الروحي للروحية الدينية . هي ليست مجموعة قوانين محددة . هي اطار روحي ، وذهني ، ومنهجية معينة ، تعطينا نتائج مختلفة في ظروف مختلفة . وقد عجز الاسلامويون الاصوليون عن صياغة برنامج سياسي للامة ، لان منهجيتهم غير تاريخية ، ووعيهم غير نقدي .. وما يمنعهم من ذلك ، هو اعتبارهم لقدسية النص ، في الوقت الذي يضطرون فيه لممارسات غير قدسية . لا يستطيعون الفصل بين النظرية والممارسة ، ولذلك فان فكرهم يخلو من التنظير ، وصولا الى الغاء الفكر عينه ...
ان إشكالية النص والتأويل ، واشكالية النظرية والممارسة ، غائبتان عن تفكيرهم . فلانهم يهملون التناقضات ، يجدون انفسهم مضطرين لا نكار التغيير ، وبالتالي لإلغاء التاريخ ..
ان شعار تطبيق الشريعة الذي يطرحه الاصوليون الاسلامويون الآن ، هو تكريس لمبدأ إعطاء الأولوية للصراع الداخلي ، على الصراع الخارجي .. وهذا مخالف للاجتهاد في الإسلام ، ومخالف للعقل .. يضاف الى ذلك ، انّ هذا الشعار يستخدم لقمع الناس ، وتغيير نمط عيشهم من دون اقتناع منهم ، فالشريعة عندما تؤخذ من زاوية وحيدة الجانب ، وتفرض على المسلمين الاخرين الذين لا غبار على ايمانهم وتعلقهم بالإسلام ، تكون مجرد شعار قمعي .. فالمقصود من تطبيق الشريعة في نظرهم ، ليس فهم النص الإسلامي ، واستيعابه كي يكون دافعا روحيا ، واخلاقيا . بل هو اجبار الناس كي يعيشوا حسب النمط الذي فرضه أصحاب الشعار .. بل ان الامر اكثر من ذلك . فهم عندما يدعون تمثيل الإسلام والحديث باسمه ، وبدعوة أولوية ، يفعلون ذلك بطريقة حصرية ، فيتماهون مع الإسلام ، ويصبحون هم المسلمين الوحيدين ، ويواجهون المجتمع كله بحاكميه ومحكوميه ، باعتبارهم جميعا موضع تهمة ، وينبغي فرض اسلامهم على كل الاخرين ، ولو بالقوة والارهاب .. ان مشكلة الاسلامويين الأصوليين ، ومشكلة النخبة المغربية ، ومشكلة المثقفين بوجه عام ، انهم يعتبرون التاريخ مجرد سلسلة حوادث مشبوهة ، فتلغي بذلك التاريخ ..
الإسلام صنع احداثا سماها المتطرفون أصحاب النقل ، فتوحات ، وسماها العقلانيون التاريخيون غزوات ... المتطرفون اعتبروها امجادا تثير العواطف والاعتزاز ، وأصحاب العقل اعتبروها نقطة لبداية التحول التراجعي للتقوقع على الذات .. لكن ان كانت امجادا ، او بداية لسلسة تراجعات انتهت بالهزيمة ، فلا ننسى ان ثلاثة خلفاء من الراشدين ، وما هم براشدين ماتوا قتلا بخناجر تدق في ظهورهم ، وهم يؤدون الصلاة في قلب المساجد ، لا في قلب مسرح ، ولا في حانة من الحانات التي تعرضت للتفجير باسم الإسلام في الدول الاوربية .. والخطورة التي خلفتها الهزيمة على الواقع الذي لم يعد مستساغا ، ولا مقبولا ، انّ السلالات العربية التي حكمت بعد ذلك ، اغتصبت الحكم ، وكانت مشبوهة في شرعيتها ، مثل احفادها اليوم المشكوك في شرعيتهم ، لاغتصابهم الحكم ، والجاه ، والسطوة ، والنفوذ .. وبعد ذلك وهذه الخطورة الأكثر من خطورة ، جاءت سلالات غير عربية ، او ما هي بعربية ، او شِبه عربية ، فحكمت البلاد العربية ، وكانت بدورها مشبوهة في شرعيتها بدرجة اكبر، لتصبح اكبر سلالة مغتصبة لكل البلاد ، ولجميع العباد ، مستعملة في اغتصابها للبلد ، الجبر ، والقهر ، والقمع ، والاغارات لجلب الضريبة ، وقطع رأس من يتشبث بالقيم ، وبالتقاليد المحلية ، حتى تسود الميوعة ، ويصبح الفساد القاعدة ، والاستثناء الالتزام والوضوح ... فالتاريخ هنا يصبح انحطاطا لمرحلة مجيدة زاهية ، لا يمكن التعامل معه بعقل بارد ، لذلك يتم تجنبه ...
وان المؤسف له ، انّ رغم هذا الفشل ، ورغم الهزيمة التاريخية ، ما زالت النخبة المغربية الحقيقية ، ترتطم بحاجز القدسية الذي يحجب عنها الرؤية التاريخية ، ويجعلها تكتفي بالممارسة من دون نظرية ... فمن اخطار القدسية التراثية ، الاستسلام الفكري المرتاح . وهي تحول بهذا ، دون ظهور نزق فكري يخرج عن المألوف ، ليجدد ويبدع ... نعم نقول النزق الفكري ولا نظن اننا مغالون .. ولو كان العرب المسلمون الأوائل من دون نزق الرؤية ، لاستسلموا للمألوف ، ولم يخرجوا من شبه الجزيرة العربية ، ويغزو كقوة العالم ، علما ان ميزان القوة العسكرية آنذاك ، لم يكن في صالحهم ... ، أي ان العرب تجاوزوا الصراع ضد الداخل الذي وحد الامة ، والتجأوا كقوة الى الصراع ضد الخارج ، الذي تجسد في غزو البلدان والأمم والشعوب التي أصبحت مستعمرة ، مثل الغزو الذي يمارسه العدو الخارجي للشعوب العربية وللبلاد العربية ..
لقد فشل الصراع ضد الداخل ، أي ضد النظام الجاثم قهرا على صدر الشعب ، وانتهى صراع الداخل بين القوى السياسية بعضها ضد البعض الاخر ، باستثناء الاسلامويون الذي اهملوا الصراع ضد الخارج ، واكتفوا بالصراع ضد الداخل ، ضد النظام ، وضد البرابرة ، وضد القوميين ، والوطنيين ، والعلمانيين ، والماركسيين ، والشيوعيين ، والملحدين ... فتفرقت الامة ، وتفرق الشعب ، وغابت القوة التي استعملها النبي محمد عندما نادى بالهجرة الى الكون الخارجي ... واصبح اللاّعب الوحيد المتحكم في كل المفاصل التي يمكن ان تنفلت منها معارضة اممية ، تكدر صفو عيشه ، وتهدده في وجوده .. ، هو النظام الذي ينتظر الجميع فتات مائدته بدونية وبلهف ، لا يتقن صنيعته حتى الكلاب الضالة التي تهاجر كل سوق اسبوعي الى مجزرة ذبح الحيوانات علها تظفر بعظم يلوح به عليها جزار، لنهرها كي تبتعد عن فريسته ، او ذبيحته ..
وكما فشل الصراع ضد الداخل ، واعترف الجميع بالهزيمة .. فشل الصراع ضد الخارج ، عندما آمن الجميع بروح الغرب المدنية والحضارية ، وهي القيم التي تفصلها عن ( قيمنا ) مسافة دورة شمسية كاملة ... فالعرب اليوم يهرولون الى إسرائيل .. ويرهنون كل ثرواتهم للغرب الذي يهينهم عندما ينظر الى ثرواتهم ، ويمتعض من النظر الى وجوههم القبيحة ... وكان اكبر فشل عندما تنكروا لفلسطين ، وطبعوا مع اليهود ، وصفقوا لصفقة القرن ...



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبواق النظام الجزائري
- مجلس الامن على ابواب دورة ابريل 2021 بشأن نزاع الصحراء
- القمع الذاتي والحظر الذاتي
- تفجيرات مدريد في 11 مارس 2004
- السياسة
- الناطق الرسمي باسم الامين العام للامم المتحدة السيد ستيفان د ...
- الاعلام الفرنسي يعترف بجبهة البوليساريو
- هل جبهة البوليساريو منظمة ارهابية ؟
- تشنج العلاقات بين النظام المغربي وألمانيا الديمقراطية
- ذكرى تأسيس ( الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية )
- بين رشيد الغنوشي الإخواني رئيس البرلمان ، وقيس سعيد رئيس الج ...
- القضاء الكوني يبدأ النظر في جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الا ...
- هل حددت إدارة جون بايدن موقفها من اعتراف دونالد ترامب بمغربي ...
- خطاب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون
- إتحاد المغرب العربي
- ذكرى انتفاضة يناير 1984
- ذكرى حركة 20 فبراير / بأية عيد عدت يا عيد / بما مضى ام في ام ...
- إختطاف شفيق العمراني من المطار
- اختطاف معارض من مطار الرباط سلا
- المعارضة


المزيد.....




- بالأسماء والتهم.. السعودية نفذت 3 إعدامات السبت بحق يمني ومو ...
- -أمام إسرائيل خياران: إما رفح أو الرياض- - نيويورك تايمز
- صدمتها مئات الاتصالات -الصعبة- في 7 أكتوبر.. انتحار موظفة إس ...
- مفاوضات -الفرصة الأخيرة-.. اتفاق بشأن الرهائن أم اجتياح رفح! ...
- مذكرة أمريكية تؤكد انتهاك إسرائيل القانون الدولي في غزة
- زيلينسكي يخفي الحقيقية لكي لا يخيف الشعب
- الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع -حماس-
- ميزات جديدة تظهر في -تليغرام-
- كيف يمكن للسلالم درء خطر الموت المبكر؟
- كازاخستان تنفي بيعها مقاتلات خارجة عن الخدمة لأوكرانيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - صراع ضد الداخل ام صراع ضد الخارج ... توالد الافكار ..