|
صراع ضد الداخل ام صراع ضد الخارج ... توالد الافكار ..
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 24 - 08:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ ان دبّ الصراع السياسي بأشكاله المختلفة في ستينات القرن الماضي ، طرحت القوى السياسية المتصارعة سؤالا كانت له أهميته القصوى في ذاك الابان ، وفقد بريقه اليوم بسبب الهزيمة المدوية التي حلت بالجميع ، سواء أصحاب الصراع ضد الداخل ، او أصحاب الصراع ضد الخارج .. واصبحنا امام وضع واضح غير ملتبس ولا بمبهم ، الاّ من يريد ان يصدق الوهم لينشر الوهم من اجل التضبيب ، و لترديد الشعارات التي لم تعد تنفع في شيء ، ولا تستجيب للتحولات التي طرأت في المسرح الدولي ، مع سيادة الستاتيكو داخليا . بل تحول ما يسمى بالانتصارات الكارطونية الى هزيمة وفشل ، جعل الجميع ومن دون استثناء ، يرتمي من دون مقدمات في حضن النظام الذي زاد طغيانا وتجبرا ، بسبب الفراغ الذي ضرب الساحة التي تحولت الى مستنقع يزكم الانوف والنفوس ، والى اطلال تتباكى على ماض لم يحسنوا بناءه كما كان ينبغي ان يكون .. هكذا رفع دعاة الصراع ضد الداخل ، شعارات ضد بعضهم البعض ، وضد النظام . لكنها تمجد بطولات لم يكن منها غير الاسم ، لان كل ما كان يتغدى به المتصارعون ، كان يجد طريقه الى مسامع النظام قبل هضمهم الغداء .. فالنظام حنط الجميع في بوثقه جعلته مؤهلا وحيدا ، لرسم الاختيارات المفروضة التي ينصاع لها الجميع ، لان الميت لا حيلة له امام غسّاله .. وبالموازاة مع انصار الصراع ضد الداخل ، اتجهت جماعات ترفع شعار الصراع ضد الخارج ، بدعوى المؤامرة المدبرة في ليل بهيمي ، وبدعوى دور هذا الخارج في توفير الحماية للنظام للاديمقراطي الذي بطش بالجميع ... فأي انتصار على الخارج سينعكس على الصراع في الداخل ، ونتيجته لن تكون غير الانتصار عند هزيمة الخارج ... فهناك اذن عدوان . عدو داخلي ، وعدو خارجي ، واولوية النضال تفرضها شروط المرحلة الفارضة لنفسها في الصراع الدائر بين جل المتصارعين ... فبينما كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يركز على الصراع ضد الداخل ، فان اليسار الجديد السبعيني ، بالرغم انه قاد صراعا أيديولوجيا ومشروعيا ضد النظام ، فانه كان ينظر للصراع الكبير مع الخارج المحتضن لنظام عدو الداخل ... فاسترسل ينظر لكيفية المواجهة مع القوى الامبريالية المساندة للنظام ، وعلى رأسها أمريكا وفرنسا ... في ذاك الزمان . كان سؤال الساعة المطروح بين المتصارعين الحاملين ، والمعتنقين لمختلف الأيديولوجيات ، هو من اين نبدأ وكيف وأين سننتهي ... وبما ان الصراع كان تقوده النخبة والمثقفين ، فتوالد البنى الفكرية كانت تفرضه طبيعة المرحلة ، ونوع الظروف التي يجري فيها الصراع ، في مواجهة العدو الداخلي النظام ، او في مواجهة عرابه وحاميه ، الامبريالية العالمية ... وكمثقفين نخبويين ، ومتمايزين ، مُوّجهين للصراع في شكليه ، الصراع ضد الداخل ، والصراع ضد الخارج ، طرح المتصارعون بعض الاستفسارات ، وبعض التساؤلات . وكانت في اصلها تعابير مختلفة ، بتعدد مشارب المهتمين بها عن الغرب الامبريالي المادي كعدو ، وعن الآخر الذي يعكس القيم المهددة من هذا الغرب ، الذي هي روح الشرق ، وبالضبط الحضارة العربية ، والحضارة الإسلامية .. فالتناقض بين العالمين الذي اكتوت به بلادنا ، اثر في رسم طبيعة الصراع ، وحدد أولوية واسبقية الصراع ... فاصبح الصراع من جهة حضاريا ، ومن جهة وبالنسبة لجماعات أخرى ، اصبح الصراع فلسفيا وايديولوجيا .. وامام هذا الصراع ، طرح الجميع ازمة الذات ، التي يجب ان ترتبط بالوجود . أي إمّا ان نكون او لا نكون .. فهناك مؤامرة مدبرة داخليا يقودها وكلاء الاستعمار، وبالموازاة هناك مؤامرة مدبرة خارجيا ، وتكملها . أي تكمل المؤامة الداخلية التي تنفد بأيدي محلية ، وليس بأيدي اجنبية . أي من قبل وكلاء الاستعمار الجديد .. النظام السياسي الجاثم على صدر الامة والشعب .. في خضم هذا التجاذب والتدافع بين المتصارعين ، فان الجميع ، ورغم اختلاف الايمان الأيديولوجي . آمن بالهزيمة التي اصابت الجميع ، والتي زاد منها هزيمة الأنظمة البرجوازية الصغيرة التي خسرت معركة الشعب عند البعض ، وخسرت معركة الامة عند اخرين ( فلسطين ).. فكانت النتيجة ، انّ الجميع وعن طيب خاطر ، قبل بالهزيمة الداخلية والخارجية . وهذا القبول لم يكن نقدا ذاتيا او نقدا للأخر المتصارع المنهزم . بل كان الاعتراف ، تعزية للنفس من الهزائم المتواصلة ، والتي لا تزال تتواصل من دون انقطاع .. بل وصلت الهزيمة عندما بدأ العرب يهرولون من دون فرامل ولا حصارات تجاه إسرائيل ، في الوقت الذي كانت فيه هذه تترجى وتتمنى انْ يبادلها حاكم عربي فقط التحية والسلام في لقاء دولي ، او في حضور مؤتمر من المؤتمرات التي كانت تُنضّم خارج الوطن العربي ، وبإشراف الأمم المتحدة في بعض المرات .. والنتيجة التي خرج بها الجميع من هذا الصراع ضد الخارج ، الذي ترتبط به الأنظمة السياسية العربية ، انّ الجميع أصبح يؤمن بحقيقة يستحيل الغاءها ، هي ان الغرب الامبريالي الاستعماري الذي اذلّنا ، وحطم ( كبريائنا ) ، وتآمر علينا حين دعم الحاكم العربي وكيله ، وحين مرغ انوفنا في الوحل . بل بعثر كل اوراقنا وتركنا مذهولين مصطولين .. هو مادة وروح العصر .. وانّ محيطنا وعالمنا الذي تؤثثه قيمنا البالية ، وربما شرقنا القيمي والحضاري المتهاوي ، قد فقد روحه منذ زمن بعيد ، على الرغم انه كان في فترات تاريخية سابقة ، مادة العالم وروحه .. قبل ان يتم النبي محمد سيطرته على شبه الجزيرة ، فرض على اتباعه الهجرة من شبه الجزيرة العربية ، الى العالم الخارجي .. أي انتقال الصراع من محيطه الداخلي ضد العدو الداخلي ، الى المحيط الخارجي ضد العدو الخارجي .. فالهجرة اذن كما هاجر الجمهوريون قوميون او ماركسيون ، بلادهم هاربين من القمع الدولتي ، ولإحياء الصراع الخارجي ضد العدو الخارجي ، لم يكن فقط انتقالا من مكة الى المدينة ، لكنها بالمعنى الاوسع والاشمل ، كانت هجرة من النطاق المحلي ، الى النطاق الكوني .. حصل هذا قبل ان تظهر التروسكية ( الصراع ضد العدو الخارجي ) ، التي جابهت الستالينية التي اقتصرت الصراع ضد العدو الداخلي .. والهجرة الى العالم الخارجي معناها ، إعطاء الأولوية للصراع الخارجي على الصراع الداخلي .. فالصراع الخارجي هو ما يوحد الامة ، ويخفف آثار التناقضات الداخلية بين الفرق السياسية ، ضد النظام الطاغي المريض ، الحاكم قهرا بالسيف ، والجبر ، والطغيان .. أي ان الصراع الخارجي ، هو الذي سيلعب الدور الحاسم الذي سيسبب هزيمة العدو الداخلي . أي اجماع الامة كقوة واحدة متماسكة ، ضد النظام المسيطر لوحده على الجاه ، والسلطة ، والمال ، والثروة التي يهربها الى خارج الوطن ، عند العدو الخارجي الذي يجب ان يتصدى له الصراع الخارجي .. فالصراع الخارجي ، وبالترابط ، وبالموازاة مع الصراع الداخلي ، هو وحده يحقق الصلة بين الامة ، والشعب ، والعالم الخارجي .. وعندما قيل للنبي . انّ هناك عددا من الحربائيين ، الوصوليين ، المنافقين بيننا ، فانه لم يقتلهم ، ولا حاربهم... ، لكن سعى الى تأليف قلوبهم بالعطاءات . أي رشاهم ، واشتارهم ، ليدجنهم ، ويتحكم فيهم كطابور بيد العدو الداخلي .. أي عيّاشة ذاك الزمان ... اذن . فبدل ان يستنزف النبي جهود الامة في صراعات داخلية مع المنافقين ، كما ساد عندنا طيلة الستينات ، والسبعينات ، وحتى النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي ، وجه اتباعه لخوض النزاع ضد العدو الخارجي ، الذي كان يتربص بالجميع من دون استثناء ، كما يفعل اليوم العدو الجزائري ضد وحدة الأرض المغربية ، وضد وحدة الشعب المغربي .. هذا كان البند الأساسي في مشروع محمد ، لبناء دولة موحدة قوية ، ومجتمع جديد موحد وقوي .. فلم يكن هناك من أفكار او خرجات تضرب الوحدة ، وتنتصر الى التفرقة والتجزئة .. بل كان الصراع في الداخل وضد الخارج ، ضمن الوحدة التي بدونها سيكون الإفلاس والهزيمة ، حتمية ومصير الثوار والمناضلين .. واذا عدنا الى ما يختمر اليوم من صراع بمحيطنا ، وبعالمنا العربي الجريح ، سنجد ان الإسلاميين المعاصرون ، يعطون الأولوية والاسبقية للصراع ضد المنافقين اعداءهم الداخليين ، من قوميين ، وبربريين ، وماركسيين ، ولينينيين .. ، على الصراع ضد العدو الخارجي .. فجماعات التكفير المختلفة ، كالداعشية والقاعدة ، تكرس كل جهودها لتطبيق الشريعة . أي الصراع ضد الأعداء الداخليين المنافقين .. لكنهم ينسون او يتناسون الصراع ضد إسرائيل ، وضد هيمنة الغرب الامبريالي .. وبدل ان يكون لديه عداء سياسي للغرب الاستعماري ، نجده يركز جهوده على العداء الثقافي للغرب ، ويهادنه سياسيا بحجة مكافحة عملاءه في الداخل .. اما الجيل السابق من ثوريين وقوميين كانوا، ام ماركسيين ، ام يساريين ، فكان يحاكم عبد الناصر على أساس الأوضاع الداخلية ، متناسيا انه يخوض حربا فعلية متواصلة ضد إسرائيل ، وضد الغرب الامبريالي .. كان ذلك الجيل يحكم سلبيا على عبد الناصر، على أساس انه إصلاحي ، وغير ديمقراطي .. هكذا كان الثوريون القوميون ، واليساريون أيضا ، يعطون الأولوية للصراع الداخلي على الصراع الخارجي .. ومن ناحية أخرى ، نجد الاسلامويين الأصوليين الآن ، مثل الثوريين قبلهم ، غير قادرين على استخدام النص استخداما عقلانيا ، واعيا . فكلاهما قاصر عن فهم مغزاه التاريخي ، او معناه المطلق .. الثوريون القوميون العرب كالاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، استخدموا مفاهيم أساسية مثل الامة ، والوحدة ، والعروبة ، وعملوا من اجلها . لكنها بقيت على رغم صحتها وضرورتها ، عناوين هشة ضحلة المضامين . فالأمة في نظرهم ، ليست مجتمعا ذا تاريخ ، وسيرورة مستمرة ، وتجدد ، وتغير دائمين .. ولذلك لم تستطع احزابهم رسم برامج تؤدي الى نتائج مرضية ، ولم يستطيعوا تحقيق أي من أهدافهم على رغم التأييد الشعبي الواسع لهم في فترة من الفترات .. وما نسمعه يتردد على لسان اكثير من الناس ، انّ برامج الأحزاب ، هي في معظمها صحيحة على العموم ( المؤتمر الاستثنائي / يناير 1975 ) ، لكن الأخطاء هي في التطبيق ، هو قول غير صحيح . فالعلة في الأساس ، هي انّ البرامج التي رسمها الثوريون ، كانت خاطئة ، لأنها صدرت عن وعي قاصر غير تاريخي ، والعجز في التطبيق كان نتيجة حتمية لذلك .. وعندما احس الثوريون القوميون العرب ، ومغاربة الصف الأول والثاني بفشلهم ، وعجزهم ، لجأوا الى الماركسية ، واساؤوا استخدام نصوصها اسوة بغيرهم من الماركسيين القدماء ( الأحزاب الشيوعية العربية ) .. فكانت الماركسية بالنسبة الى هؤلاء جميعا ، مجموعة استنتاجات مفرغة من سياقها التاريخي .. هم لم يجدوا في الماركسية انتاجا فكريا غربيا ، نبع من تراث اوربة ، واستند الى النتائج العلمية التي كانت متاحة آنذاك . وبالتالي فهي أي الماركسية ، يمكن تجاوزها في ضوء المستجدات العلمية في مختلف العلوم الإنسانية والمادية .. والأهم من ذلك ، كانوا وما يزالون يستخدمون الشعارات والنصوص ، لرؤية وقائع الأمور ، من دون ان يحاولوا دراسة التاريخ الفعلي ، واستخراج النتائج والعبر منه ، لاستخدامها في برامج تنفيذية تفيد الامة .. النص عندهم ليس مسألة ، وليس تعبيرا عن إشكالية تاريخية . لذلك كان فكرهم غير نقدي .. وكل ذلك يناقض المبادئ الأساسية للنظرية التي يعتنقونها ، وهي التي قامت على اعتبار النظرة التاريخية ، والموقف النقدي ، منطلقين أساسيين .. في المقابل . نجد الاسلامويين الأصوليين الآن ، يجعلون النقطة المركزية في دعوتهم تطبيق الشريعة . وهم أيضا ينكرون التاريخ والتغيير ، على رغم انهم يقرون بالناسخ والمنسوخ ، ولا يستطيعون تقديم التفسيرات الوافية عن أسباب الاختلافات الفقهية ، على رغم وحدة النص القرآني ، وينكرون ان هذه الاختلافات نجمت عن اختلافات في الظروف التاريخية ، والأوضاع الاجتماعية للفقهاء والمفسرين ، ويصرون على ان يروا النص بمعزل عن السياق التاريخي للامة ، بل ينكرون التاريخ برمته ، ويعلنون ذلك اعلانا واعيا .. الدين ، بمعنى ما ، هو دليل عمل ، والشريعة تعكس الاطار الروحي للروحية الدينية . هي ليست مجموعة قوانين محددة . هي اطار روحي ، وذهني ، ومنهجية معينة ، تعطينا نتائج مختلفة في ظروف مختلفة . وقد عجز الاسلامويون الاصوليون عن صياغة برنامج سياسي للامة ، لان منهجيتهم غير تاريخية ، ووعيهم غير نقدي .. وما يمنعهم من ذلك ، هو اعتبارهم لقدسية النص ، في الوقت الذي يضطرون فيه لممارسات غير قدسية . لا يستطيعون الفصل بين النظرية والممارسة ، ولذلك فان فكرهم يخلو من التنظير ، وصولا الى الغاء الفكر عينه ... ان إشكالية النص والتأويل ، واشكالية النظرية والممارسة ، غائبتان عن تفكيرهم . فلانهم يهملون التناقضات ، يجدون انفسهم مضطرين لا نكار التغيير ، وبالتالي لإلغاء التاريخ .. ان شعار تطبيق الشريعة الذي يطرحه الاصوليون الاسلامويون الآن ، هو تكريس لمبدأ إعطاء الأولوية للصراع الداخلي ، على الصراع الخارجي .. وهذا مخالف للاجتهاد في الإسلام ، ومخالف للعقل .. يضاف الى ذلك ، انّ هذا الشعار يستخدم لقمع الناس ، وتغيير نمط عيشهم من دون اقتناع منهم ، فالشريعة عندما تؤخذ من زاوية وحيدة الجانب ، وتفرض على المسلمين الاخرين الذين لا غبار على ايمانهم وتعلقهم بالإسلام ، تكون مجرد شعار قمعي .. فالمقصود من تطبيق الشريعة في نظرهم ، ليس فهم النص الإسلامي ، واستيعابه كي يكون دافعا روحيا ، واخلاقيا . بل هو اجبار الناس كي يعيشوا حسب النمط الذي فرضه أصحاب الشعار .. بل ان الامر اكثر من ذلك . فهم عندما يدعون تمثيل الإسلام والحديث باسمه ، وبدعوة أولوية ، يفعلون ذلك بطريقة حصرية ، فيتماهون مع الإسلام ، ويصبحون هم المسلمين الوحيدين ، ويواجهون المجتمع كله بحاكميه ومحكوميه ، باعتبارهم جميعا موضع تهمة ، وينبغي فرض اسلامهم على كل الاخرين ، ولو بالقوة والارهاب .. ان مشكلة الاسلامويين الأصوليين ، ومشكلة النخبة المغربية ، ومشكلة المثقفين بوجه عام ، انهم يعتبرون التاريخ مجرد سلسلة حوادث مشبوهة ، فتلغي بذلك التاريخ .. الإسلام صنع احداثا سماها المتطرفون أصحاب النقل ، فتوحات ، وسماها العقلانيون التاريخيون غزوات ... المتطرفون اعتبروها امجادا تثير العواطف والاعتزاز ، وأصحاب العقل اعتبروها نقطة لبداية التحول التراجعي للتقوقع على الذات .. لكن ان كانت امجادا ، او بداية لسلسة تراجعات انتهت بالهزيمة ، فلا ننسى ان ثلاثة خلفاء من الراشدين ، وما هم براشدين ماتوا قتلا بخناجر تدق في ظهورهم ، وهم يؤدون الصلاة في قلب المساجد ، لا في قلب مسرح ، ولا في حانة من الحانات التي تعرضت للتفجير باسم الإسلام في الدول الاوربية .. والخطورة التي خلفتها الهزيمة على الواقع الذي لم يعد مستساغا ، ولا مقبولا ، انّ السلالات العربية التي حكمت بعد ذلك ، اغتصبت الحكم ، وكانت مشبوهة في شرعيتها ، مثل احفادها اليوم المشكوك في شرعيتهم ، لاغتصابهم الحكم ، والجاه ، والسطوة ، والنفوذ .. وبعد ذلك وهذه الخطورة الأكثر من خطورة ، جاءت سلالات غير عربية ، او ما هي بعربية ، او شِبه عربية ، فحكمت البلاد العربية ، وكانت بدورها مشبوهة في شرعيتها بدرجة اكبر، لتصبح اكبر سلالة مغتصبة لكل البلاد ، ولجميع العباد ، مستعملة في اغتصابها للبلد ، الجبر ، والقهر ، والقمع ، والاغارات لجلب الضريبة ، وقطع رأس من يتشبث بالقيم ، وبالتقاليد المحلية ، حتى تسود الميوعة ، ويصبح الفساد القاعدة ، والاستثناء الالتزام والوضوح ... فالتاريخ هنا يصبح انحطاطا لمرحلة مجيدة زاهية ، لا يمكن التعامل معه بعقل بارد ، لذلك يتم تجنبه ... وان المؤسف له ، انّ رغم هذا الفشل ، ورغم الهزيمة التاريخية ، ما زالت النخبة المغربية الحقيقية ، ترتطم بحاجز القدسية الذي يحجب عنها الرؤية التاريخية ، ويجعلها تكتفي بالممارسة من دون نظرية ... فمن اخطار القدسية التراثية ، الاستسلام الفكري المرتاح . وهي تحول بهذا ، دون ظهور نزق فكري يخرج عن المألوف ، ليجدد ويبدع ... نعم نقول النزق الفكري ولا نظن اننا مغالون .. ولو كان العرب المسلمون الأوائل من دون نزق الرؤية ، لاستسلموا للمألوف ، ولم يخرجوا من شبه الجزيرة العربية ، ويغزو كقوة العالم ، علما ان ميزان القوة العسكرية آنذاك ، لم يكن في صالحهم ... ، أي ان العرب تجاوزوا الصراع ضد الداخل الذي وحد الامة ، والتجأوا كقوة الى الصراع ضد الخارج ، الذي تجسد في غزو البلدان والأمم والشعوب التي أصبحت مستعمرة ، مثل الغزو الذي يمارسه العدو الخارجي للشعوب العربية وللبلاد العربية .. لقد فشل الصراع ضد الداخل ، أي ضد النظام الجاثم قهرا على صدر الشعب ، وانتهى صراع الداخل بين القوى السياسية بعضها ضد البعض الاخر ، باستثناء الاسلامويون الذي اهملوا الصراع ضد الخارج ، واكتفوا بالصراع ضد الداخل ، ضد النظام ، وضد البرابرة ، وضد القوميين ، والوطنيين ، والعلمانيين ، والماركسيين ، والشيوعيين ، والملحدين ... فتفرقت الامة ، وتفرق الشعب ، وغابت القوة التي استعملها النبي محمد عندما نادى بالهجرة الى الكون الخارجي ... واصبح اللاّعب الوحيد المتحكم في كل المفاصل التي يمكن ان تنفلت منها معارضة اممية ، تكدر صفو عيشه ، وتهدده في وجوده .. ، هو النظام الذي ينتظر الجميع فتات مائدته بدونية وبلهف ، لا يتقن صنيعته حتى الكلاب الضالة التي تهاجر كل سوق اسبوعي الى مجزرة ذبح الحيوانات علها تظفر بعظم يلوح به عليها جزار، لنهرها كي تبتعد عن فريسته ، او ذبيحته .. وكما فشل الصراع ضد الداخل ، واعترف الجميع بالهزيمة .. فشل الصراع ضد الخارج ، عندما آمن الجميع بروح الغرب المدنية والحضارية ، وهي القيم التي تفصلها عن ( قيمنا ) مسافة دورة شمسية كاملة ... فالعرب اليوم يهرولون الى إسرائيل .. ويرهنون كل ثرواتهم للغرب الذي يهينهم عندما ينظر الى ثرواتهم ، ويمتعض من النظر الى وجوههم القبيحة ... وكان اكبر فشل عندما تنكروا لفلسطين ، وطبعوا مع اليهود ، وصفقوا لصفقة القرن ...
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبواق النظام الجزائري
-
مجلس الامن على ابواب دورة ابريل 2021 بشأن نزاع الصحراء
-
القمع الذاتي والحظر الذاتي
-
تفجيرات مدريد في 11 مارس 2004
-
السياسة
-
الناطق الرسمي باسم الامين العام للامم المتحدة السيد ستيفان د
...
-
الاعلام الفرنسي يعترف بجبهة البوليساريو
-
هل جبهة البوليساريو منظمة ارهابية ؟
-
تشنج العلاقات بين النظام المغربي وألمانيا الديمقراطية
-
ذكرى تأسيس ( الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية )
-
بين رشيد الغنوشي الإخواني رئيس البرلمان ، وقيس سعيد رئيس الج
...
-
القضاء الكوني يبدأ النظر في جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الا
...
-
هل حددت إدارة جون بايدن موقفها من اعتراف دونالد ترامب بمغربي
...
-
خطاب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون
-
إتحاد المغرب العربي
-
ذكرى انتفاضة يناير 1984
-
ذكرى حركة 20 فبراير / بأية عيد عدت يا عيد / بما مضى ام في ام
...
-
إختطاف شفيق العمراني من المطار
-
اختطاف معارض من مطار الرباط سلا
-
المعارضة
المزيد.....
-
السعودية.. الداخلية تعلن تنفيذ -حد الحرابة- بحق مصري الجنسية
...
-
زلزال قوي قبالة كامتشاتكا وتحذيرات من تسونامي
-
إيران تعود إلى طاولة المفاوضات النووية مع -الترويكا الأوروبي
...
-
اليابان تختتم مهرجان -هاكاتا جيون ياماكاسا- بسباق عوامات يزن
...
-
الإعصار -ويفا- يضرب هونغ كونغ ورياح عاتية تؤثر على أجزاء من
...
-
ما القصور الوريدي المزمن الذي شخص به ترامب؟
-
مراسل الجزيرة يرصد سفنا متضامنة مع السفينة -حنظلة- لكسر حصار
...
-
عاجل | حماس: ما يجري في غزة تطهير عرقي ممنهج يستخدم فيه القت
...
-
الإعلام الحكومي بغزة: القطاع يقترب من مرحلة -الموت الجماعي-
...
-
معاريف: لسنا قريبين من النصر وحان الوقت لإنهاء الحرب
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|