أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - نزاع مسلح … ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

نزاع مسلح … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6844 - 2021 / 3 / 18 - 13:53
المحور: الادب والفن
    


قبل ان يرتدي الناس قناع الكراهية الذي مزق المجتمعات ، واعطب القيم ، وأحرق الاخضر واليابس ، كنا نعيش بسلام نادر وحقيقي ، ولا نعرف الحروب ولا مآسيها ، ولم نرى الاسلحة ، ولا نعرف استعمالها ، عدا تلك المسدسات الصغيرة الصدئة ، والمنزوعة الانياب والمخالب ، التي يحملها شرطة المرور ، والتي لا تخيف ذبابة ، فالشرطي في ذلك الزمان لا يملك الا العصا الغليظة ، وقوة القانون .. وهيبته !
حتى كانت تلك الليلة الاستثناء ، والفريدة في أحداثها ، وفي كل تفاصيلها ، عندما سمعنا ، وبشكل مفاجئ صوت اطلاق رصاص وصراخ من مكان قريب .. في البداية ، لم نصدق ما سمعته آذاننا التي لم تألف مثل هذه الأصوات .. حتى ازدادت وتيرة الاطلاقات وتتابعها ، وبدافع الفضول المرضي انطلقنا ، كغربان مفزوعة ، غير مقدرين للعواقب ، وبدءنا في العدو نحو مكان الحادث !
رأينا المكان ، وهو غارق في ظلام لا يمزقه الا ضوء مصباح مهموم من عمود كهرباء يتيم .. كأنه بصيص ذبالة تحتضر .. اخذنا وضع الانبطاح .. كان المنظر مخيفاً ، والمكان في حالة من الهياج والسُعار ، والرصاص يتطاير كالرذاذ .. من فوق الاسطح ، وبين الأزقة ، ومن خلال النوافذ ، والخطر يقترب من رقاب الكل ، ولا يستثني أحداً حتى الفضوليين من المتفرجين امثالنا !
كانت لحظة كالحلم ، رأينا فيها رؤوف ، وهو شاب طيب كنا نعرفه ، مطروحاً على الارض وهو ينزف ، ويئن من الألم ، ووجهه ممتقع ، وبيده مسدس صغير .. يبدو انه قد اصيب في ساقه ، وربما في مكان آخر ايضاً .. تراجع الكل مذعورين عندما سمعوا صوت صفارة سيارة الشرطة ، وهي تعوي كذئب جائع .. قام عناصرها على الفور بتطويق المكان ، وتسليط كشافاتهم على البيوت ، فتوضحت أمامنا تفاصيل المكان .. ثم تحول الصراخ الى غمغمات ، وبكاء خافت .. يحدق رؤوف مرعوباً ، وكأنه يشاهد ملَك الموت ، في وجه شرطي ضخم ، وهو يربض فوقه .. ويصيح به :
انهض يا كلب .. ثم سحب المسدس من يده بعنف واشمئزاز !
توقف اطلاق النار ، بمجرد ما وطأة أقدام رجال الشرطة المكان ، وسيطرتهم على الموقف ، وهجع كل شئ فجأةً ، ثم خيم صمت بارد الا من عويل النساء المكبوت ، واصوات الكلاب المفزوعة الذي يرتفع في هستيرية .. من النباح المتواصل .. !
أخذ رجال الشرطة يركلون ، ويضربون بالعصا كل من يقف في طريقهم دون تمييز ، حتى نالنا منهم نصيب وافر نستحقه .. تقدم الضابط منا ، وبريق غريب يشع من عينيه ، وكأن غرائزه البوليسية قد استُنفرت ، وسلط على وجوهنا مصباحاً صغيراً .. يتأملنا في نظرة هي خليط من الشفقة والازدراء ، بدونا كأننا أطفال مشاغبين قد تم ضبطهم متلبسين في عمل شائن ، تسري رعدة في مفاصلي ، بللت فمي الجاف بلساني ، وتمتمت مع نفسي : هل ساقني قدري الى هنا ؟ صاح بنا من بين اسنانه : أغبياء .. الا تخافون على انفسكم ، ثم تمتم بصوت خافت : مجانين اولاد مجانين ! ثم يستدير وينصرف مبتعداً ، كان لأنفعال الضابط ما يبرره ، فالأصابات كانت كبيرة قياساً بمعركة صغيرة من هذا النوع ، وأردنا نحن بغبائنا ، واندفاعنا الصبياني زيادتها !
رأينا احد المتورطين .. وقد أصبح فريسة سهلة للركل والرفس والسباب من قبل رجال الشرطة بعد ان فقد قوته ، وعنجهيته .. استطاع البعض ان يفلتوا ، ويفروا مستفيدين من ستر الظلام ، ولكن الى حين ! اقتحمت الشرطة بعد ذلك البيوت المتورطة في الحادث ، وخلعت الابواب العصية على الفتح ، وشدد الضابط عليهم الامر .. بأن يسوقوا الجميع الى مركز الشرطة .. تُفتح البيوت المحافظة ، والمستورة ارحامها ، وتُنتهك حرماتها ، وكانت فضيحة ظل الناس يتكلمون عنها الى وقت طويل ، وساقوهم جميعاً رجال ، ونساء منحني الرؤوس الى سيارة الشرطة ، ونُقل المصابون منهم الى المستشفى !
ثم ، غرق المكان في السكون ، وانتهت لحظات الجنون ، تلمسنا طريقنا ، انا وصديقي ، وبعض الفتية نحو فجوة صغيرة في الطوق الامني غير مغطاة جيداً ، فمرقنا بهدوء وحذر تحت ستر الظلام ، وهربنا كعصافير فزعة .. حيث تنتظرنا امهاتنا بالصراخ ، ولطم الخدود ، وهن فزعات من الخوف ، والهلع علينا ! اتذكر شهقة امي بالبكاء ، فور وصولي إلى البيت ، ينخلع قلبي ، وانا اشاهدها في ذلك الحال ، أتكوم منهاراً في أحد الاركان وسط برودة الصمت ، وقد تملكتني روح رخوة منهزمة ، حزيناً على نفسي هذه المرة .. !
لم يعرف احد على وجه الدقة الصاعق الذي اشعل الفتيل المتفجر بين الجيران .. تكثر التفسيرات ، ويرتفع سقف التوقعات كل يوم ، ولا يستبعد الكثيرون وجود إمرأة في الموضوع ، بل يجزم البعض ، ويؤكدون ذلك !
أصيب رؤوف بعرج دائم في ساقه اليمنى ، حتى أصبح الناس يلقبونه برؤوف الاعرج ، وأمرأة بذراعها ، وشاب بكتفه ، واصابات وحماقات اخرى كانت أكثر من ان أستطيع تذكرها كلها ، والقي القبض على كل الفارين ، وبقيت هذه الحادثة .. لحظةً فارقة ، وعلامةً بارزة نؤرخ فيها الاحداث قبلها وبعدها ، فيكفي ان نقول قبل أو بعد معركة بيت رؤوف بسنة أو سنتين ليعرف المستمع التأريخ بالضبط !
بقينا محجوزين في بيوتنا لأسبوع كامل بسبب همومنا ، وتوتر الاجواء من حولنا ، وخشيةً من استدعائنا من قبل الشرطة كشهود على تفاصيل الحادث ، لم يحصل ذلك لحسن الحظ لان القرائن كما يبدو كانت كافية .. لم نسمع بعد ذلك حتى وقت مغادرتنا الحي نهائياً .. اطلاق رصاصة واحدة !!



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معالي الباشا في حيّنا … ! ( قصة قصيرة )
- الكفيف … ! ( قصة قصيرة )
- زوجة … لا حدود لغيرتها … ! ( قصة قصيرة )
- إيه يا زمن … ! ( قصة قصيرة )
- عندما تغضب أُمنا الطبيعة … ! ( قصة قصيرة )
- لسعة السياط … ! ( قصة قصيرة )
- مخالب الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
- قلوب لينة … ! ( قصة قصيرة )
- من أيام الحصار … ! ( قصة قصيرة )
- الفرصة لمن يقتنصها … ! ( قصة قصيرة )
- بائع الجرائد الاعرج … ! ( قصة قصيرة )
- أحلام مستحيلة … ! ( قصة قصيرة )
- لحظة شجاعة نادرة … ! ( قصة قصيرة )
- أرملة في بازار … ! ( قصة قصيرة )
- مشروع زواج فاشل … ! ( قصة قصيرة )
- هاشم الغبي … ! ( قصة قصيرة )
- موعد مع اليأس … ! ( قصة قصيرة )
- جريمة شرف … ! ( قصة قصيرة )
- مأساة ( حربونة ) … ! ( قصة قصيرة )
- يوم … في حياة زوج ، وزوجة ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - نزاع مسلح … ! ( قصة قصيرة )