أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جهاد - النادل- خاطرة














المزيد.....

النادل- خاطرة


محمد جهاد

الحوار المتمدن-العدد: 6839 - 2021 / 3 / 13 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


تتوسد الاقواس ناصية المقهى المغربية البيضاء هذه وتحلق منها عاليا، حيث السقف والسماء وغيومها السمراء المشبعة برائحة البحر وسكان البحر ومقتربات البحر. يلتمع البرد في موقدها القديم الذي يتوسط العراء خاويا من اي شيء سوى الرماد والصدا ورائحة الذكريات، حلوها ومرها، وزخرفها الموروث تلاشى تحت وطأة السنة اللهب، حتى زجاجها الملون ما عاد ملونا.
لن تجد من يستمع اليك هنا في هذا المقهى المستلقي على رمال الشاطيء الازرق المتلاطم الامواج، طلاء جدرها يتقشر منها ليبقى وصلا معلقة راسمة مع بعضها ملامح الغد للبحر الذي كله ملح وماء وصراخات نوارس، تستمر الاشياء هنا اجيالا وان امنوا بالزمن او بالاقدار الا الغيم الملث الماطرالذي يتدحرج كل حين ليغسلها برفق وحنان، الساعة فيها ثابة عند الثانية وخمس دقائق، بين رمال الشمس وقرار البحر قصائد لم تكتب وليس لها عنوان.
على جدارالمقهى المهمل عند منحدرها نحو العراء كتابات مبعثرة عن الوداع والذكرى والوصال واناث ورجال واغان عن السفر والترحال واوطان قد لا تطال، وعلى شاطيء بحرها الندي وصل من اخشاب متهالكة بلا هوية او عنوان، قد تخبرنا اخشاب السفن المهشمة عن معنى البحر وثنايا البحر ولكنها لن تخبرنا بما اودى بها الى هذا المصير، وكانها تقول: ايها العابر للبحار والزمن دع صراخك تحت جلدك وخذ مني صمتي الابيض النقي لايامك السود القاتمات القادمات.
القهوة تبرد مع هبوب النسيم ولا تبلل الشفاه، قهوة مرة بطعم الارض، كل شيء عابر هنا مثل رمال الشاطيء البيضاء، تنام برفق مع بعضها حتى تفرقها سلاسل امواج البحر وعندما تجف شواطئها تحملها الرياح الى المجهول، الى افانين السعف الاخضر الطرية ورائحة الخبز الاسمر وبقايا من مساكن منسية مزقتها الامنيات، امنيات عن الجنة التي كانوا بها يوعدون.
حنجرة الكهل السمراء التي خاطبت الطغاة يوما في عاصمة الظلم عن الخبز والفرح والستر والملماة ما زالت تتمتم، انتم هنا وانا هنا، سترحلون وارحل، ان حرقتم سفنكم او شحنتموها بكل متاع الارض فسنرحل، بالضجيج او بالصمت المطبق سنرحل، الناس تحيا بالحرية لا بصرير اعمدة مشانقكم وان فرقت بين الفكر والجسد، الثورة شريان الحياة وان ترنحت حينا، من عاش خانعا ولم يوقد جمرة فقد ضييع عمره، لم تصافح يداه الا زندها ولم يجالسه احد منذ عصور، ظهره مسمر بجدار المقهى وعيناه لا تفارق الشاطيء، شاطيء الامل، حدود الوطن المجنون، من عهد سومر والى الان يكذبون، عن الهة لا ترى وحانة للقرار روادها تشترى، وصخرة سوداء ارواحنا فيها تمترى، لا يصدقه احد حتى الغبار المنبعث من شمس النافذة وان كان اقل تطايرا في تلك الساعة.
هو النادل هنا وان نسي، مستانس في منفاه الاختاري لا يتزحزح، كفنار يرشد الضالين عندما يخبو ضوء الله من شمسه الحارقة او تحجب غربان الحقد والكراهية خيوط الحرية البيضاء الناصعة، لا يقول شيئا مفهوما حتى يصمت، تلفح انفاسه الكوفية السمراء اسفل انفه وتخفي وجها قتله العنفوان وحب الوطن، واي وطن، وطن يلبس ثوب الحداد من غابر الزمن، وطن تمزقه كلاب الصيد الاجيرة والبنادق الخرساء، وطن لم يسنشق قاطنيه عطرا قدر استنشاق الغازات الخانقة، وطن يحتضر تحت اقدام مومسات رحلات الاستجمام صاحبات اللحم الطري والورود الملفقة ورعشات عصافير الاغصان القرمزية.
ما عاد يملك صحبة حميمية تجتر منه نحيبه، متمرد على كل شيء حتى على خلجات نفسه، هو والمكان الوحدة بعينها، يمضي في خياله وحيدا الى كل الثغور، لا سكن مامول ولا صدر مسؤول ولا فكرة ولا حلول، هو لم يعرف للفرح معنى ولم يفكر في الحزن ابدا، هو هكذا منذ الف عام، يكتب القصائد للراحلين ويضمد جراحه بالثرى، يخاطب السماء التي لم يحلق اليها ويحلم بالارض التي طرد منها ولم يتذوق منها اي ثمر، سيبقى في هذا القبو الكئيب يدخن تبغه الاسود ويشرب نخب الراحلين الافذاذ الى يوم يتوقف الزمن، سيبقى يستقي النار معتنقا حلمه الاخضر، سيبقى كفرقد في السماء لا يحترم شيئا حتى المه.
محمد جهاد- 2021



#محمد_جهاد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليلة الاخيرة
- في مركز التسوق
- المحطة - قصة قصيرة
- مدان
- محمد البو عزيزي
- دار دور وطن مهدور
- الى اخي الشهيد ابراهيم لفته
- في العام التاسع بعد الالف
- وطن من طين
- فطور عادل
- مرشك باللغة الكردية دجاجة
- في صفوف المخابرات الامريكية
- الفضائية العراقية ... زووم- ان
- ألعبث بالشموع
- طبخ سمك الجرّي على طريقة جيني و رامسفلد
- الملابس الداخلية و الامبريالية
- مصوغات وردة
- أليس سهلا أن تكون عميلاً لدولةٍ اجنبية؟
- وزيرٌ لحقوق الانسان ألعراقي أم ببغاء؟
- من منا الحمار؟؟


المزيد.....




- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد جهاد - النادل- خاطرة