|
ما يخططه الإسلام السياسي للمحكمة الإتحادية في العراق
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 6839 - 2021 / 3 / 13 - 01:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأجواء التي نعيشها منذ اكثر من عام مع وباء كورونا تطرح امامنا كثيراً من المعلومات التي كنا قد سمعنا بها إلا اننا لم نعشها بواقعها كما هي فعلاً . ومن اهم هذه المعلومات هي التطور السريع لهذا الفايروس بحيث اصبح يخلق اجيالاً جديدة يمكن ان تشكل خطراً اكثر وامضى من اجياله السابقة . طبعاً لم يلجأ فايروس كورونا الى هذا التطور إلا لأن اجياله الأولى وجدت نفسها غير قادرة على مواجهة الأمصال التي تريد القضاء عليها ، فحاولت ان لا تستسلم امام قوى العلم التي تلاحقها للقضاء عليها كلياً ، كما قضت تقريباً على مثيلاتها في الطاعون والجدري والتدرن وشلل الأطفال وما شابه من الامراض التي اختفت مسبباتها او في طريقها الى الإختفاء والزوال. وهكذا الأمر مع فايروس الإسلام السياسي الذي يحاول ان يتدارك مواقع سقوطه نحو الحضيض ليختفي ويتلاشى في قعر مزبلة التاريخ ، بعد ان نشر روائحه العفنة في ارجاء وطننا العراق ولوث عقول كثيراً ممن انخدعوا به كدين وكدعوة الى مجتمع العدالة والسلام الإجتماعي. لقد توغل رواد الإسلام السياسي في غيهم وفسادهم ولصوصيتهم وكذبهم وفقدانهم لكل مقومات الشرف والأخلاق وعمق سقوطهم في مستنقع الطائفية وكل ما تبعها من محاصصات مصلحية مقيتة على حساب قوت الجماهير وحياتهم كبشر في مجتمع القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية . وبعد ان نشر الإسلام السياسي كل جراثيمه القاتلة في مؤسسات الدولة قاطبة ، وبعد ان جهز كل ما لديه من فكر متخلف واطروحات كاذبة لتشويه العقول وإشاعة الفوضى والإرهاب وتأجيج الإحتراب في المجتمع ، وبعد الكثير الكثير مما سببه في تخريب المجتمع، يلجأ اليوم الى تجديد نفسه من خلال نشر بعض جراثيمه في المحكمة الإتحادية التي لم يزل كثير من العراقيين يعول عليها بأن تكون حامية للعدالة في القضاء وصمام امان وحفظ لما تبقى من سمعة المؤسسة القضائية بالرغم من تعاملها مع رواد الإسلام السياسي بما لا يتفق ورسالتها الإنسانية في كبح جماح الفاسدين ووضع رؤوس الفساد الكبرى تحت طائلة القضاء. يحاول الإسلام السياسي ان يلوث المحكمة الإتحادية من خلال تسريب بعض ممثليه في كيانها ليشل حركة هذا الكيان ككيان عراقي ، وعراقي فقط في بلد ينص دستوره على الديمقراطية وعلى حقوق مواطنية بغض النظر عن دينهم او قوميتهم او اي انتماء آخر لهم. وحينما نعبر عن ايماننا المطلق بهذا التلوث الوبائي للمحكمة الإتحادية العراقية والمؤدي الى شل حركتها وبالتالي الهبوط بالقضاء العراقي الى الحضيض ، فإننا نستند الى الحقائق التالية :
أولاً : إن قوى الإسلام السياسي لا تؤمن بالديمقراطية اساساً ، وهي إن تتحدث بها فهي إنما تقوم بذلك لإستعمالها كوسيلة تحاول بها خداع الجماهير والكذب عليهم بالوعود الباطلة وإستغلال الدين للوصول إلى السلطة . وما ان تمسك بالسلطة السياسية للدولة حتى تنقلب على كل إدعاءاتها وتقولاتها حول الديمقراطية وتستبدل كل هذه المصطلحات فوراً بالمصطلحات الدينية الخادعة كالشرعية وإطاعة الحاكم وعدم جواز الخروج عليه وتكفير المخالفين وإشاعة العنف والكراهية في المجتمع . وما يجري في وطننا العراق منذ ان جاء خلفاء البعث من الإسلاميين ليقفوا على راس السلطة السياسية في العراق ليذيقوا اهله طيلة الثمانية عشر سنة الماضية من حكمهم مرارة العيش الذي اكملوا به ما بدأته البعثفاشية المقيتة ومارسته لأربعة عقود من تاريخ وطننا ، إلا امثلة صارخة على ذلك . ثانياً : الإسلام السياسي يؤمن إيماناً كاملاً بأنه يملك فقهاً متكاملاً لكل مناحي الحياة بدءً بالأذان في أذن الوليد الجديد مروراً بكل مرافق محطات حياته الأخرى وحتى إنزاله إلى القبر وذلك حسب المواصفات التي تركها له السلف الصالح وما سار عليه هذا السلف الذي يؤمن الإسلام السياسي بأزلية افكاره . لذلك فإن هذا الإسلام ورواده لا يعترفون بأي تغيير يجري على هذه الطقوس التي يعتبرونها منزلة من السماء وما هي بالحقيقة إلا طقوس الفقهاء . وعلى هذا الأساس فإنهم يحاربون الدولة المدنية الحديثة التي تشكل الديمقراطية بمفهومها الإنساني الحديث ركناً أساسياً من اركانها ويعتبرون قوانينها وضعية لا يجوز إطاعتها والعمل بها . فلنا ان نتصور دولة يحكمها سكنة القبور بكل ما جاءوا به من تعليمات وشرائع لزمانهم ويظل إنسان القرن الحادي والعشرين محاصَراً ضمن هرطقاتهم التي تبيح لهم قتل من لا يعمل بهذه الهرطقات . ولنا ان نتصور ذلك ايضاً فيما اذا تجلى في اعمال اهم مؤسسة قضائية في البلاد والمتمثلة بالمحكة الإتحادية ، فما علينا في هذه الحالة إلا ان نقول : أقرا على القضاء واهله السلام. ثالثاً : إن الإسلام السياسي بتصرفاته هذه يؤكد اكاذيبه التي ينشرها يومياً على المجتمع . فهو لا يخبر الناس كيف توصل إلى هذه الأحكام التي يعتنبرها سماوية في حين ان النص القرآني الذي يعتبرونه مرجعاً اساسياً لهم لم يعالج المسائل الشرعية الخاصة بحياة الإنسان إلا في مواقع قليلة جداً وجدت لها تفسيرات وتأويلات وإضافات واجتهادات من قبل فقهاء السلاطين لتصبح التوجيهات القرآنية القليلة والواضحة مجلدات وصحاح وكتب تفسير وحديث لا حصر ولا عد لها . وهنا يتبادر السؤال إلى ذهن أي إنسان يريد ان يعي هذه الأمور : أليس هذا كله من وضع الإنسان ؟ ألم تأت هذه التعليمات والتفسيرات والتأويلات من بشر يصيبون ويخطئون ؟ فلماذا إذن لا تعتبر قوانين هؤلاء الفقهاء قوانين وضعية في الوقت الذي تُرفض فيه قوانين الدولة المدنية باعتبارها قوانين وضعية ؟ ثالثاً : قد يلجأ الإسلام السياسي إلى المقولة التي طالما يوظفها على هواه والمتعلقة بالمصدر الثاني للإسلام وهي السنة النبوية . وهنا يتبادر السؤال المهم حول هذا الإدعاء والمتعلق بالسُنن النبوية التي يدعيها كل فرع من فروع هذا الإسلام الكثيرة جداً . فإذا ما تجاوزنا إدعاءات وأكاذيب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي وكل الفرق والجماعات المنبثقة عن هذين التوجهين حول مصداقية السنة التي يمثلها ونتطرق إلى السنة التي تعمل بها الفرق الإسلامية المختلفة والتي يعتبرها فقهاء الإسلام قد وصلت إلى ثلاث وسبعين فرقة وربطوها بحديث يشير إلى ان فرقة واحدة هي الناجية والبقية جميعها في النار ، فكيف يمكننا ان نمنع اية فرقة من ان تدعي بأنها على طريق الحق وإنها الفرقة الناجية ؟ بمعنى آخر يمكننا القول بأن السنة التي يعتبرها البعض مصدراً اساسياً موازياً للقرآن لا ثانياً مكملاً له لا تمثل وجهاً واحداً للدين إلا من خلال الأحاديث او الممارسات النبوية التي يجري عليها الإتفاق باعتبارها صحيحة . وهذه قليلة بشكل لا يمكنه جعل الفقه الذي يتبناه الإسلام السياسي في شؤون الحياة كافة فقهاً إلهياً ، بل بشرياً وضعياً .فكيف يريد مثل هذا الفقه المشوه ان يبلور احكام محكمة اتحادية لدولة بكاملها وتعداد سكان اربعين مليون تقريباً ليعكش العدالة الإٌجتماعية بين كل هؤلاء السكان المختلفي الأديان والقوميات والإنتماءات. رابعاً : الإسلام السياسي يكذب حينما يتكلم عن الدستور لأنه يتكلم عن شيئ لا يؤمن به إطلاقاً لا لكونه يضم قوانين وضعية ، كما اسلفنا في حالة دستور الدولة المدنية الديمقراطية ، بل لانه لا يعترف بوجود شيئ اسمه الدستور طالما هناك النص القرآني والسنة النبوية التي يعتبرونها دستورهم الذي يفسرونه كما يريدون وحسب مقاساتهم . فدولة آل سعود مثلاً ، موطن السلفية ، لا تعمل بدستور يجري على اساسه تنظيم امور الدولة .وقد يسير الإسلام السياسي في العراق من خلال المحكمة الإتحادية التي يريد ان يتحكم بشؤونها بهذا الإتجاه الذي يتصدى للدولة المدنية وقوانينها التي ينبغي لها ان تتجاوب مع متطلبات الحياة البشرية في هذه المرحلة من التاريخ . خامساً : الإسلام السياسي لا يعترف بالوطن اصلاً ولا بالمواطنة في الوطن لأن وطنه هو كل الديار الإسلامية حسبما يزعم . وعلى هذا الأساس ترى تحركاتهم الإجرامية التي ينشرونها من خلال المفخخات وجرائم التفجيرات التي ينفذها مجرمو الإسلام السياسي في بلدان مختلفة لا علاقة لهم بها من قريب او بعيد بعد ان يرحلوا لهذه البلدان من بلدهم الأصلي مُدَّعين الجهاد . فعمليات غسل الدماغ التي يخضعون لها لا تمكنهم في مثل هذه الحالات من السؤال : الجهاد ضد مَن ؟ وهل يجوز الجهاد باسم الإسلام ضد مَن إعتنق الإسلام بغض النظر عما في قلبه من إيمان ؟ لهذه الظاهرة انعكاسات جلية في وطننا العراق حينما تعلن الفصائل المختلفة للإسلام السياسي عن ولاءاتها غير العراقية التي ستجعل من جلوس ممثليهم في المحكمة الإتحادية مواقع تسلط خارجي على كل القرارات والأحكام التي ينبغي ان تعبر عن النفس العراقي والإرادة العراقية. تحت هذه المعطيات ومعطيات اخرى كثيرة يتحرك ضمنها فكر الإسلام السياسي بكل منظماته وأحزابه وتجمعاته حتى وإن أخفى البعض ذلك تقيةً في الوقت الحاضر فإنه سيعكس ذلك على كل تصرفاته تجاه الآخرين في المستقبل ، إذ أنهم جميعاً جُبلوا على ذلك. فكيف يمكننا والحالة هذه ان نتعامل مع هذا الفكر المتخلف الذي تربع على السلطة السياسية فسار بها الى الحضيض وانهيار الإقتصاد وخراب التعليم ونشر الفساد والرذيلة ونهب المال وغياب الخدمات وارتفاع نسبة الفقر المدقع في المجتمع العراقي وشموخ اللصوصية ، وكل المآسي التي حلت بوطننا ، فنسمح له بالسيطرة على اهم موقع قضائي عراقي لم يزل يشكل قِشة الإنقاذ للعدالة الإجتماعية التي احوج ما نكون لها في وطننا العراق اليوم . إن جل عملنا على الساحة السياسية يجب ان ينطلق من فضح الإسلام السياسي بكافة توجهاته المذهبية والسياسية ، فلا يوجد في جميع توجهاته هذه من هو أحسن من الآخر . وقد برهن الإسلام السياسي في المواقع السياسية التي يحتلها اليوم بأنه مؤهل لتدمير كل شيئ في سبيل بقاءه على رأس السلطة واحتفاظه بها . والتجارب في هذا المجال لا حصر لها .وفي هذا الوقت بالذات ينبغي توجيه كل الأنظار الى خطورة سيطرة ممثلي الإسلام السياسي على اعلى سلطة قضائية في العراق وتشويههم لمفهوم العدالة الإجتماعية التي لا يفقهون منها شيئاً ، إذ ان الفقيه الديني لا علاقة له بالفقيه القضائي ،وإن زعم ذلك .
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى ... صرخة بلا صدى
-
بَرزَ الثعلب
-
قافلة الموت
-
وحدة القوى المدنية الديمقراطية ضمانة التغيير المنشود
-
قطارا الموت
-
ثورة تشرين والمعادلة الصعبة
-
تفكيك دولة المكونات في العراق من خلال تفكيك مقوماتها الفكرية
-
- يتهمني البعض -
-
ثورة تشرين واشكالية التنظيم والتمثيل
-
ماذا بقي لنا من الشرف في دولة الإسلاميين الأشراف جداً ؟
-
آفاق أفرزتها ثورة شباب تشرين
-
بداوة القرن الحادي والعشرين
-
الى اليسار در
-
لماذا يكره الإسلاميون الجمال والفرح ؟
-
تبريرات فقهية جديدة لجرائم الإسلاميين
-
كَفا كُم .......
-
هذيان الرعب ورفسات الموت
-
عودة النقاش حول القضية الكوردية مجدداً
-
مسابقة الكرامات
-
داعشي آخر يحرض على قتل اهلنا من غير المسلمين
المزيد.....
-
عام من الألم للأمهات في غزة وإسرائيل.. ونداء لإنهاء الحرب -ل
...
-
-بضاعتكم ردت إليكم-.. -حماس- تنصب كمينا لقوات إسرائيلية باست
...
-
الأزهر يوجه رسالة لـ-المقاومين الشرفاء- بعد عام من الحرب على
...
-
في ذكرى -طوفان الأقصى-.. ستارمر يتجاهل الضحايا الفلسطينيين و
...
-
كم بلغ حجم الخسائر الإسرائيلية في الجبهات الداخلية والخارجية
...
-
موسكو تحقق مع 14 صحفياً أجنبياً بعد تجاوزهم الحدود الروسية ا
...
-
بالأرقام.. عام على هجوم 7 أكتوبر
-
إجلاء العرب من لبنان بعد تصاعد القصف الإسرائيلي
-
ماكرون يدعو إلى وقف تسليم الأسلحة لإسرائيل ونتنياهو يرد -عار
...
-
إسرائيل تتذكر الرهائن في الذكرى الأولى لهجوم السابع من أكتوب
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|