نشأت الجامعة العربية بإرادة واتفاق السلطات العربية ، وكانت على الدوام البيت الذي تستريح فيه السلطات الغارقة في عناء مشاكلها وخلافاتها ، وباتت الجامعة العربية الخيمة السياحية التي تقصدها الحكومات العربية عند الحاجة .
وغالباً مايتم حشر الجامعة العربية المكتظة بموظفي هذه الحكومات وبالمستشارين الذين لم تستفد الجماهير العربية من استشاراتهم ودراساتهم المتعددة المتفيئة تحت مظلة الجامعة سواء في مجلس الوحدة الاقتصادية أو منظمة العمل العربية أو المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .
وحشر الجامعة العربية بات ضروريا من أجل أستكمال الشكلية في الاجتماعات الدورية لأجتماعات القمة التي تعقدها الحكومات العربية بشكل آلي ممل وضمن روتين قاتل ، مثلما يكون للجامعة العربية الدور الفاعل الذي يظهر بشكل واضح ويتم تسليط الأضواء عليه ، عند وقوع خلاف أو أشتباك أو حرب بين قطرين عربيين ، فتتقمص الدور الحيادي بقدر الأمكان وتبدأ رحلات مكوكية لرئيس الجامعة لا تنتهي بالنتيجة بالشكل الإيجابي الذي تحسمه على الأغلب المتغيرات والمصالح الدولية .
أن أغلب المعالجات التي قدمتها الجامعة العربية لاتخرج عن الإطار الذي قامت على أساس تشكيله ، ولهذا فقد كانت على الدوام جامعة الحكومات والسلطات العربية ، ومن خلال هذا التشكيل فأنها بالتأكيد تحمل كل سلبيات وسيئات السلطات العربية ، ومن أولها أبتعادها الشاسع عن مشاكل الجماهير أو أحساسها الضميري والوجداني بمعاناة الأنسان في الوطن العربي ، ولهذا فأن الجامعة العربية بعيدة كل البعد عن مواجهة السلطات العربية بالخروقات القانونية لحقوق الأنسان في الوطن العربي ، مثلما هي بعيدة كل البعد عن معرفة معاناة الجماهير العربية ومعرفة مقدار الحيف والظلم الواقع عليها من هذه الحكومات .
وبالنظر لمضي المدة الطويلة التي لم تتمكن معها الجامـــعة العربية من تحقيق أدنى مقومات البقاء ، وكذلك انـــتفاء وجودها باعتبارها لم تكن لها صلة بالجماهير العربية ولاعملت في سبيل تحقيق طموحاتها ، ولا ساهمت من أجل تخفيف معاناتها الإنسانية ، ولانادت تطالب بتطبيقات حقوق الإنسان فيها ، وهي بالإضافة لكل هذا تستنزف من خلال جيش الموظفين المتفرغ للعمل فيها أموال عربية طائلة لافائدة من ورائها ، وأن أنعكاس الخلافات بين السلطات العربية داخل الجامعة دليل على تهميش الدور المرسوم للجامعة والطموح الذي كان يراود البعض في الحلم بمؤسسة عربية كفيلة بتحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي ، فأن مسألة بقائها باتت غير مقبولة وغير منطقية ، وعليه وهذا الحال يقتضي أبدال الاسم منطقياً وفق قانون الحتمية والحقيقة الى جامعة الدفاع عن الحكومات والسلطات العربية ، أو الى نقابة الحكام والملوك العرب .
ومادامت الخلافات العربية بين الحكومات مزمنة وعقيمة ، ومادامت الفائدة لاترتجى للحد من الطبخ وراء الكواليس واللجوء الى عمل المحاور والكتل والمنازعات الشخصية والخصوصية للزعامات العربية واللجوء الى المواقف االمتذبذبة والانتهازية والوصولية والمبنية على الإحراج في الموقف السياسي ، ومادامت السلطات العربية بحاجة الى دروس في العمل السياسي الأنساني يؤكد لها بأن أبتعادها عن الجماهير لايمكن تعويضه بالانـتساب للجامعة العربية .
والمتابع لدور ومسيرة الجامعة العربية سواء خلال فترة وجودها في القاهرة أو تونس وعودتها الميمونة الى مصر مرة أخرى ، يلاحظ غياب الجامعة عن القيام بأبسط أدوارها الأنسانية في الدفاع عن الشعب العراقي سواء من ناحية حقوق الأنسان أو من ناحية موقف السلطات العربية منه ، لابل وقفت موقف المعادي لهذا الشعب بالدفاع عن النظام الدكتاتوري والقمعي البائد الذي كان يحكم العراق بالحديد والنار ، ولم يكن لها موقف مشرف أو وطني أو أنساني حيال محنة الشعب العراقي ، ويكفي الجامعة العربية خزياً أنها لم تقف في أدنى مستويات المواقف التي تستنكر قتل مئات الالاف من أبناء الشعب العراقي من الأكراد في مجازر حلبجة والأنفال وأستعمال الأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً ضد المدنيين العزل وحملات الإبادة الجماعية في الشمال والوسط والجنوب ، والموقف الرسمي للعديد من السلطات العربية التي وقفت موقف المتفرج على ما يحدث في العراق ، لابل ساندت السلطة البائدة وحاولت أن تلمع موقفها وتبرر مواقفها وانسحاب مواقف هذه السلطات المعادية للمواطن العراقي والمتكاتفة مع سلطته الدكتاتورية أو المرعوبة منها ، أن الجامعة العربية جزء لا يتجزأ من عملية الهدم لمشروع الوحدة العربية وقتل لكل أحلام الناس في توحدها ، وتجسيد أكيد للفرقة العربية وانتقاء المواقف ، والانحياز الى السلطات ضد الجماهير ، لذا فأنها لايمكن أن تكون منظمة صالحة للعمل في هذا الزمن الذي غابت فيه منظمات كثيرة لم تعد فاعلة ولم يعد لبقائها أي مبرر منطقي مثل منظمة عدم الانحياز ، وحلف وارشو ، والمنظمات الإسلامية التي قامت بتأســيسها السلطات العربية لحسابها ولمصالحها ، ولغرض الاستفادة من فتاوى بعض رجال الدين الجاهزين التي تصدر في فنادق الدرجة الأولى ، المنظمات التي لاعلاقة لها بالمراجع الحقيقية للدين ولا بالعلماء المسلمين الأجلاء الصادقين .
أن الفشل الذريع الذي منيت به الجامعة العربية في مجالات الوحدة الاقتصادية وفي معالجة مسائل توحيد قوانين الكمارك أو توحيد القوانين العربية أو في شؤون السفر وإلغاء سمات الدخول بين العرب وفي التوحيد في مجالات التجارة والصناعة والزراعة وفي إسناد ودعم العمل الثقافي بغض النظر عن الانتماء السياسي ، والوقوف موقف شجاع من خر وقات السلطات لحقوق الأنسان والاستهانة البشعة لحقوق المرأة في الوطن العربي ، وأعتماد الحقائق الأنسانية التي تجول بين الجماهير وعدم اعتماد ما تروج له السلطات على أنه حقيقة ثابتة ، وعدم تحقق الحد الأدنى من التضامن العربي ، وغياب العقلية القائدة التي يمكن أن تحول المنظمة الى فاعلة وحريصة على مصالح الأنسان العربي .
وحيث أن المنظمة التي كانت تدعى الجامعة العربية لم تكن يوما ما حريصة على الوقوف الى جانب صفوف الناس ، وفضلت البقاء الى جانب السلطات التي تستمد منها ديمومتها ليس فقط المادية بل حتى المعنوية ، لذا أدعو الى التفكير بكل جدية بتغيير أسم الجامعة العربية الى نقابة الملوك والرؤساء العرب أو الجمعية العربية للملوك والرؤساء العرب وبهذا تكون المنظمة العربية حالها حال النقابات والمنظمات التي تؤسسها الحكومات العربية ، ولايتم تحميلها أكثر من طاقتها التي يوحي بها أسمها وبالتالي تصبح هذه المنظمة وأمينها العام معذورة أمام حساب الجماهير .
ولم يكن حديث الدكتور برهم صالح ممثل الأتحاد الوطني الكردستاني دون أساس فهو فعلاً يتحدث عن نبض الشارع العراقي عرباً وأكراداً وأقليات آخرى ، أن المواطن العراقي المفجوع بالموقف المشين والمنحاز من الجامعة العربية ومن شخص رئيسها السيد عمرو موسى ، الذي عمل جاهداً من أجل أن يساهم في بقاء سلطة الدكتاتور ودرء الخطر عنه ، ضارباً عرض الحائط الجرائم الإنسانية والمواقف السيئة لهذه السلطة البائدة ، أضافة الى الشكوك التي ترسبت في ذهن المواطن العربي من هذه المواقف الغريبة والمليئة بالألغاز التي وقفها رئيس الجامعة .
وليس فقط الاعتذار ما ينتظره أهل العراق من رئيس الجامعة العربية ، بل النقد الذي يدين مواقف الجامعة المعادية لحقوق الإنسان ولحياة الشعب العراقي ، ومواقفها أيضاً من كل ما صار خلال الفترة السابقة ، وألا فأن العراق يصر حاله حال الكثير من الأخوة العرب والكرد ، على الانسحاب من هذه النقابة التي لم يكن لها دور سوى تسويق مواقف السلطات القمعية والدفاع عن الخطأ العربي المتعمد ضد الشعوب .