أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الشيوعيّة الجديدة و قضيّة تحرير المرأة : مزيدا من القفزات و القطيعة الراديكاليّة















المزيد.....



الشيوعيّة الجديدة و قضيّة تحرير المرأة : مزيدا من القفزات و القطيعة الراديكاليّة


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 6832 - 2021 / 3 / 5 - 10:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


( العنوان الأصليّ هو :
الخلاصة الجديدة و قضية المرأة :
تحرير النساء و الثورة الشيوعية – مزيدا من القفزات و القطيعة الراديكالية )
الجزء الثالث من خطاب بوب أفاكيان سنة 2009 " التناقضات التى لم تحلّ قوّة محرّكة للثورة "

هنا مجدّدا ، أودّ أن أشدّد على نقطة بدأت بها هذا الخطاب كلّه : الكثير من هذا لا أنفكّ أشتغل عليه و أخوض فيه بنفسي و الكثير ممّا يلى سيكون بطبيعته أقرب إلى سقالة منه إلى نقاش ممنهج تماما . و بالتالى بينما سيشمل ما يلى نقاط توجه و تحليل إستراتيجيين ، أشعر أنّه من المهمّ المسك بها بصلابة و العمل إنطلاقا منها ، فإلى درجة عالية ذات دلالة ، الغاية هنا هي تقديم بعض الغذاء للفكر و نوعا من التوجّه و فى ذات الوقت التشجيع على مزيد الخوض فى هذه القضايا الحيوية .
قضية مكانة النساء – الإضطهاد و النضال من أجل تحرير النساء – تبرز موضوعيّا إلى المقدّمة فى عالم اليوم و تطرح نفسها بعمق و حدّة أكبر حتى . و يجرى الإعتراف بهذا الواقع و الحديث عنه من طرف عدد من لناس الذين يمثّلون وجهات نظر طبقيّة مختلفة جدّا ، لكن الذين يظلّون ضمن إطار الهيمنة الإمبريالية العالمية و التقسيم الطبقي و الإنقسامات الإجتماعية الإستغلالية و الإضطهادية القاسيتين. و نرى هذا مثلا فى الكتاب الذى أشرت إليه سابقا الذى ألّفه ميشال غلدبارغ ( وسائل الإنتاج ) و كذلك فى مقال مطوّل فى مجلة النيويورك تايمز و فى كتاب جديد لنيكولاس كريستوف و شيريل وودون ( أنظروا " غزوة النساء " فى مجلّة النيويورك تايمز ، 23 أو2009 ، وهو بحث مقتبس من كتاب كريسوف و وودون " نصف السماء : تحويل الإضطهاد إلى فرصة للنساء عبر العالم " ، ألفراد أ. كنوبف ، 2009 ).
و هنا نقطة تستدعى منّا التوقّف عندا و التفكير فيها و قد أشار إليها رفيق قيادي آخر فى حزبنا : هذا التركيز على مكانة النساء لا سيما فى ما يسمّى بالعالم الثالث ، تقف وراءه قوى ديمقراطية برجوازية متنوّعة فى آن معا إنطلاقا من إعتقاد حقيقي بأنّ هذه فظاعة وجبت معالجتها – فيما تتمّ مقاربة هذا كلّه من داخل إطار علاقات الهيمنة البرجوازية و الإمبريالية - و إنطلاقا من إعتبار أنّ هذه طريقة مفتاح - - يترتّب بحثها – لتقويض و فى النهاية إلحاق الهزيمة بالإسلام الراديكالي . بكلمات أخرى ، مظهر من هذا هو جزء من مقاربة إستراتيجية بإسم شريحة حاكمة إمبريالية " عفا عليها الزمن " تاريخيّا فى تعارض مع الأصوليّة الإسلامية الرجعية التى " عفا عليها الزمن " تاريخيّا هي الأخرى .
و من هنا ، فى هذا السياق ، و كذلك بالمعنى الأوسع و الإطار التاريخي – العالمي للثورة الشيوعية ، هناك حاجة عميقة و إستعجاليّة لدى الذين يمثّلون الأهداف التحريريّة للثورة الشيوعية ، و غايتها الأسمى هي إلغاء كافة الإنقسامات الطبقيّة و كافة علاقات الإستغلال و الإضطهاد لإنجاز مزيد القفزات و القطيعة فى فهمنا لقضيّة المرأة و مقاربتنا لها نظريّا و عمليّا – فى الخطّ الإيديولوجي و السياسي ، و فى تعبئة النضال الجماهيري القائم على هذا الخطّ – فى إنسجام مع الدور المحوري و الحيوي الذى تحتلّه موضوعيّا هذه القضيّة ، ليس بمعنى وضع نهاية لآلاف السنين من إخضاع نصف البشريّة و إهانته فقط بل أيضا بمعنى الطريقة التى بها يرتبط هذا تمام الإرتباط و على نحو لا يستغنى عنه بتحرير الإنسانيّة ككلّ و التقدّم إلى مرحلة جديدة كلّيا فى تاريخ الإنسانية مع بلوغ الشيوعية عبر العالم .
و على ضوء ما تقدّم و بهذا الأفق ، أودّ أن أعرض بعض الأفكار حول المظاهر المفاتيح لكيف يقوم هذا التحدّى و النضال الضروري لتحقيق القفزات والقطيعة اللازمين موضوعيّا و الإستعجاليين فعلا .
إضطهاد النساء و " الشريحتين اللتين ولّى عهدهما " :
بادئ ذى بدء ، إضطهاد النساء بُعدٌ حيوي أشار إليه ماركس على أنه تبعية الناس العبودية لتقسيم العمل كظاهرة نشأت مع ظهور تقسيم العمل و إضطهاد النساء فى المجتمع الإنساني و التى ينبغى تجاوزها بغية التقدم نحو الشيوعية .
و بالرجوع فى التاريخ إلى أيّام مجلّة " الورقات الحمراء " عدد 3 (11) التى أصدرها الإتحاد الثوري ( المنظمة السابقة و المؤسّسة لاحقا لحزبنا ) قبل حوالي 40 سنة الآن، أثيرت للنقاش نقطة كيف أنّ إضطهاد النساء بُعدٌ حيوي من التقسيم العبودي للعمل فى المجتمع . لكن " الورقات الحمراء " عدد 3 و فكرنا زمنها عامة ما كانا غير متطورين فحسب عامة و بالخصوص فى ما يتعلّق بقضيّة المرأة ، لكنّهما كانا كذلك إلى درجة هامة متأثّران بالإقتصادوية ( و بالنزعات المرتبطة بها و التى آلت فى النهاية إلى البحث عن إصلاحات صلب النظام القائم و مضت ضد الشيوعية الثورية الحقيقيّة ) و كان لذلك إنعكاساته كما سأناقش فى الجزء المتبقّى من هذا الخطاب .
فى عالم اليوم ، فى ما يتصل بقضيّة المرأة ،نرى من جديد فائدة فى توصيف " الشريحتين اللتين عفا عليهما الزمن " . ففى " بيان : من أجل تحرير النساء و الإنسانيةّ جمعاء " الذى نشره حزبنا فى بدايات هذه السنة (2009 ) ورد التالى ذكره :
" ما نراه فى نزاع هنا هو الجهاد من جهة و ماك العالمية / ماك الحرب من جهة أخرى و هو نزاع بين شريحة ولّي عهدها تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الشريحة الحاكمة التى ولّي عهدها تاريخيا ضمن النظام الإمبريالي . و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان . و إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تعزيزهما معا . " (12)
و مباشرة يمضى البيان إلى التشديد على نقطة أنّه
" من هذين النمطين " القديمي العهد " ، الطبقات الإمبريالية الحاكمة و طبقة الولايات المتحدة على الخصوص ، هي التى إلى حدّ بعيد ، تسببت بالأذى الأكبر للإنسانية وهي التى تشكّل التهديدات الأكبر لها. فى الواقع ، الهيمنة الإمبريالية ذاتها فى الشرق الأوسط و أندونيسيا و غيرها من المناطق ، إضافة إلى العراقيل و التفكيك اللذان ينجمان عن هذه الهيمنة و الفساد و القمع الخبيث للحكومات المحلّية المرتبطة بالإمبريالية و الخادمة لها، يوفّر الوقود العظيم لنار الأصولية الإسلامية كردّ فعل على كلّ هذا و إن كان ردّ فعل رجعي . "
و يبرز هذا الطرق التى تستعملها " الشريحة التى عفا عليها الزمن " هي الأخرى – أي الأشكال القروسطيّة لإضطهاد النساء من قبل الأصوليين الإسلاميين و آخرين فى أجزاء من العالم الثالث – و الذين على الأقلّ موضوعيّا يقفون إلى جانب الشريحة الإمبريالية " التى عفا عليها الزمن " وتحاول أن تجمّل – و فى بعض المظاهر تشجّع عليها حتّى – الأشكال " المعاصرة " لإضطهاد النساء الأكثر شيوعا فى البلدان الإمبريالية و تحويل الإنتباه و النضال ضد إضطهاد النساء إلى إطار يعزّز النظام الإمبريالي الذى هو فى الواقع القوّة الأساسية و الأكثر جوهريّة التى تقترف الإضطهاد بما فيه أنواعه الأفظع ، فى كاف أنحاء العالم .
و يضع هذالأفق المناسب للدور الذى يضطلع به على الأقلّ موضوعيّا ، أناس مثل غولدبارغ و كريستوف و وودون بالتحاليل التى ينشرون و البرامج التى لها يروّجون بإعتبارها أجوبة على إضطهاد النساء . و حتى و إن قبلنا بأنّهم يعتبرون فظائعا عديد تمظهرات هذا الإضطهد ، فإنّهم بعدُ لا زالوا يقودون كلّ شيء إلى العودة به إلى ذات إطار النظام الذى هوجوهريّا المتسبّب فى كلّ هذا .
و الفقرة التالية أيضا من " بيان : من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء " تدحض محاولة الإمبريالية " التى ولّى عهدها " – أو بالأخصّ ، التنويعات " المعاصرة " و " الليبراليّة " لهذه " الشريحة التى ولّى عهدها " – كمعيار لقياس تحرير النساء :
" بإختصار : ورث المجتمع الرأسمالي " الحديث " ، أو فى الواقع النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ، إضطهاد النساء من المجتمعات القديمة التى من صلبها ولدت الرأسمالية و بينما غيّر بعض أشكال إضطهاد النساء ،لم يُزل و لا يستطيع إزالة هذا الإضطهاد ، وأدمج الأشكال ما قبل رأسمالية لهذا الإضطهاد ، فى عديد مناطق العالم ، لا سيما ما يسمى بالعالم الثالث ، بالنظام العالمي الشامل للإستغلال و الإضطهاد وهو يؤبّد كلّ هذا عبر العلاقات الجوهرية ، وسيرورة المراكمة القائمة و السير العام للنظام الرأسمالي الإمبريالي ذاته. "( التشديد فى النصّ الأصلي ) .
البرقع و السير من الجلد – تجسيدان مقيتان لإهانة النساء :
و نقتبس فقرات مهمّة أخرى من ذات البيان :
" بينما قد يبدوان مختلفين جدا ، فإنّ الخمار الذى فرضته الأصولية الإسلامية المتعصبة من جهة و " السير من الجلد " المعلن على نحو واسع و المروّج له على أنه " لباس داخلي جنسي" بالنسبة للنساء فى المجتمع الرأسمالي "الحديث " ، من جهة أخرى ، كلاهما رمزان و تجسيدان قبيحان لمهانة النساء . ما يجمعهما بالأساس هو أنهما مظهران لعالم متميّز بأشكال فظيعة من الإضطهاد معا " تقليدية " و "حديثة " ، عالم تهيمن عليه عامة الرأسمالية الإمبريالية ، عالم يحتاج إلى أن يقلب رأسا على عقب و يتمّ تحويله جذريا." (13)
لكن مثلما شدّدت على ذلك ، حتى بينما هناك حاجة لدى الطبقة الحاكم للترويج و التشجيع على " طبقة متوسطة مهمّة كقوّة إستقرار و بطرق جدّ هامة للفكر المحافظ ، هناك أيضا حاجة ماسة لدى هذا النظام للإبقاء على العلاقات التقليدية – خاصة كما تتركّز فى الأسر البطرياركية [ النظام الأبوي ] و موقع النساء و دورهنّ فى المجتمع ككلّ . و فى هذا الوضع ، التغيرات التى ألمحنا إليها هنا تصطدم بشدّة بالمحاولات العدوانيّة للغاية للمسيحيين الفاشيين و القوى الرجعية صراحة االأخرى لتأكيد هذه السلاسل التقليدية و تقويتها بأكثر صرامة خاصة كما تكبّل النساء – بصفاقة و وضوح تكبّل النساء فى وضع تبعيّة وإضطهاد ، بالتعويل بشدّة على التقليد الأنجيلي كأساس إيديولوجي لهذا ( كما وقع نقاش لك مثلا فى كتاب " لنتخلّص من كافة الآلهة ! " .
ما أشرت إليه قبل حوالي 20 سنة الآن عن الوضع فى الولايات المتحدة الأمريية يظل صحيحا بعمق و أهمّيته الحيويّة بمعنى التوجه الجوهري للمجتمع و بالفعل العالم بأسره . كتبت حينها : " كلّ مسألة وضع النساء و دورهنّ فى المجتمع تطرح نفسها بحدّة متزايدة فى ظروف اليوم العصيبة للغاية " . و كان ذلك فى إطار ثمانينات القرن العشرين إذ كان هناك فى الواقع تصاعد لخطر حرب عالمية - تلك هي الظروف الحادة للغاية الخاصة التى جرت الإشارة إليها فى هذا الموقف – لكن اليوم هناك ظروف حادة للغاية خاصة مختلفة و أزمة حقيقيّة وهذا الموقف المتّصل بالمدى الحاد الذى تُطرح فيه مكانة النساء ودورهنّ نفسه ، يتواصل معناه العميق اليوم . و مثلما يتابع ذلك الموقف ليشدّد على أنّه " من غير الممكن توقّع أنّ هذا سيجد أي حلّ آخر له عدا الحلول الأكثر راديكاليّة ... المسألة لم تُحسم بعدُ : هل سيكون الحلّ راديكاليّا رجعيّا أو حلاّ راديكاليّا ثوريّا ، هل سيعنى تعزيز سلاسل العبوديّة أم كسر روابط هذه السلاسل الأكثر حيويّة وفسح المجال لإمكانيّة إنجاز الإلغاء الكامل لكافة أشكال مثل هذا الإستعباد؟".
التجربة الحيوية لستّينات القرن العشرين و سبعيناته :
على ضوء الوضع و الرهانات ، من المهمّ جدّا أن نراجع مراجعة نقديّة التجربة و النظرة التاريخيتين للحركات الثورية و الشيوعية بشأن هذه القضيّة و أن نستوعب بصرامة أكبر الحاجة بعدُ إلى القفزات و القطيعة الراديكاليّة العميقة . نهائيّا ثمّة حاجة إلى مزيد البحث و الدراسة و التحليل و التلخيص فى ما يتّصل بكلّ هذا ، لكن التالى يتطرّق إلى بعض المظاهر الهامّة لهذا و يمكنعلى الأقلّ جزئيّا أنيساعد على توفير إطار و نقاط توججيهيّة لمزيد البحث و الدراسة و التحليل و التلخيص .
و أودّ أن أبدأ بالحديث بإقتضاب عن حركة ستينات القرن العشرين و سبعيناته و إرثها و ما تلاها .
حتى مع وجود تيّارات إيديولوجية و سياسية متباينة ضمن القوى الأكثر راديكالية فى تلك الفترة ، فإن هذه القوى الراديكالية كسبت تدريجيّا المبادرة فى صفوف الحركات والنضالات و التمرّد الشامل أيّامها . و كانت تنهض ضد ، و تبحث بطرق متنوّعة عن تقديم بدائل راديكاليّة للوى المهيمنة فى العالم ، خاصة الإمبريالية الأمريكية . لكن أيضا ، على الأقلّ موضوعيّا و إلى درجة صغيرة عن وعي ، كانت تتمرّد ضد الأحزاب و القوى التحريفية التى لم تكن فقط مملّة و محافظة بالمعنى العام و المطلق بل باتت هي ذاتها مدافعة عن النظام الإضطهادي القائم ، باحثة فى أحسن الأحوال عن تعديلات أو إعادة توزيع الأدوار ضمن النظام .
و الحركة النسائيّة الناشئة عن ستّينات القرن العشرين و خاصة المساهمات و كذلك بعض النقائص فى كلّ ما نجم عنها و كيف ردّت على ذلك الحركة الأوسع ، و ايضا المجتمع الأوسع ، هي النقطة التالية التى سأتناولها بالحديث .
لقد وقعت إثارة مسائل فى غاية الأهمّية و وقع الخوض فيها ، خاصة من قبل القوى الراديكالية فى صفوف الحركة النسائيّة التى ظهرت فى ستينات اقرن الماضي إلى سبعيناته ، رغم أنّ هذا لم يكن أساس و ببعض الأشكال الهام ، كان موضوعيّا فى تعارض مع مقاربة علمية صريحة . لكن التأثيرات الإقتصادوية و النزعات المرتبطة بها ضمن الحركة الشيوعية الجديدة التى نشأت فى تلك الفترة و منها الإتحاد الثوري ثم الحزب الشيوعي الثوري ، عملت ضد الإستيعاب العلمي و التلخيصالعلمي الصحيحين لأشياء هامة جدّا كانت تثيرها الحركة النسائيّة . و قد جرى إهدار رؤى ثاقبة قيّمة و عناصر هامة لفهم أكثر تقدما من قبل الحركة الشيوعية زمنها بفعل التأثيرا الإقتصادوية و غيرها من التأثيرات الأخرى .
و هكذا يأكّد ذلك على أهمّية على مقاربة أكثر راديكالية و كذلك أكثر ماديّة لما نتج عن حركة النساء حتى إن أمكن لنا قول ، مثلما يجب علينا ذلك موضوعيّا ، أنّ هذه الحركة تميّزت بصفة واسعة بتوجّه برجوازي صغير ، ليس فقط أو حتى جوهريّا بمعنى الموقع الطبقي لغالبيّة النساء اللاتى ساهمن فيها ، بل بأكثر جوهريّة بمعنى نظرتها و توجّهها . و مع ذلك ، من ناحية تلك الحركة النسائيّة و خاصّة قطاعاتها الأكثر راديكالية ، فقد وقع الخوض فى مسائل فى منتهى الأهمّية و ظهر نقد للحركة الشيوعية و مقاربتها لقضيّة المرأة حينها كانت له بعض الصلوحيّة و كان من الواجب معانقه بالمعنى الشامل و التعمّق فيه و تلخيصه بيد أنّ ذلك لم يحصل .
و بالتالى إحتاج كلّ هذا و يحتاج الآن قطعا أن نقاربه بفهم أنّ مكانة النساء و النضال من أجل تحرير النساء سيتواصل دورهما العظيم الأهمّية ليس فى النضال فى سبيل الثورة فحسب و إنّم أيضا فى الإنتقال إلى الشيوعية عندما يولد مجتمع إشتراكي جديد . قبل عشرين سنة الآن ، فى " نهاية مرحلة - بداية مرحلة جددة " ( مجلّة " الثورة " عدد 60 ، نهاية 1990 ) ، خضت فى مسألة التناقضات التى لم تحلّفى ظلّ الإشتراكية و كيف يمكن أن تتحوّل إلى قوّة محرّكة ودافعة لمواصلة الثورة الإشتراكية بإتجاه هذف الشيوعيّة ومكافحة التأثيرات التحريفية و القوى التى قد تنقلب على الثورة و إلحاق الهزيمة بهذه التأثيرات و بهذه القوى . و مثلما تحدّثت عن ذلك قبلا ، اللاتكافئ و التناقض يمثّن قاعدة و إمكانيّة التغيير . و التناقضات التى لم تحلّ فى ظلّ الإشتراكية و قوّتها الكامنة على أن تكون قوّة محرّكة و دافعة لمواصلة الثورة هو تعبير آخر عن هذا الدور اللامتكافئ بمعنى طرح إمكانية التغيير الراديكالي . و ضمن هذه التناقضات التى لم تحلّ الأهمّ التى تحدّثت عنها فى " نهاية - بداية " كانت تحديدا مظاهر إضطهاد النساء التى ستبقى فى المجتمع الإشتراكي و أهمّية النضال من أجل التحرير التام للنساء ليس فى حدّذاته فقط بل كقوّة دافعة لمواصلة الثورة الشاملة فى المجتمع الإشتراكي .
ما ينبع من الأحشاء و ما هو نظري :
فى هذا السياق ، و بالنظر إلى الإمكانيات التى أضاعهتها أو أهدرتها الحركة الشيوعية للتعلّم من عديد المسائل الحيوية التى أثارتها الحركة النسائية زمنها و لإستيعابها إستيعابا صحيحا وعلميّا ، هناك بُعدٌأرغب فى ملامسته هنا قد تمسكبه هذه الصيغة : العلاقة بين ما هو نابع من الأحشاء وما هو نظري . ففى ستينات القرن العشرين و سبعيناته ، وُجد كجزء حيوي و حاسم جدّا – و ليس جزءا شرعيّا فقط بل كجزء نابض بالحياة وحاسم – فى الحركة النسائيّة بروز مشاعر نابعة من الأحشاء بالفظائع و الفظائع الملطّفة طوال عقود ( و بالمعنى الأوسع ، قرورن و آلاف السنين من إضطهاد النساء . أحيانا ، قُدّم هذا بطرق لم تكن علمية تماما رغم أنّه يجب التأكيد على انّه وُجد من جانب عديد القوى ضمن حركة تحرير النساء ، عمل جدّي و خيضت نضالات فى المجال النظري بهدف إنجاز تحليل علمي لإضطهاد النساء و طريق تحريرهنّ . و حتى حيث غاب ذلك ، حضرت مساهمات نظريّة هامة و تمّ التركيز على مسائل نظريّة هامة و على الصراع حولها بما فى ذلك بواسطة نقد بعض التفكير و القوالب الجاهزة و التأثيرات الإقتصادوية ضمن الحركة الشيوعية .
لكن ّالطاقة الديناميكية بين ما ينبع من الأحشاء و ما هو نظري و الفهم والمعالجة الصحيحين لهذه العلاقة الجدليّة ، غاية فى الأهمّية فى ما يتصل بإضطهاد النساء و تحريرهنّ ، مثلما هم عامة فى تطوّر النضال الثوري بإتجاه عالم جديد بأكمله . بالضبط كما فى أبعاد أخرى لهذا ، من غير الممكن أن نرتئي فهما صحيحا و نخوض النضال الضروري دون عنصر الكره النابع من الأحشاء للإضطهاد و دون المقاربة الصحيحة له – الإستيعاب و الخلاصة العلميين الصحيحين – لما تقدّم عبر التعبير النابع من الأحشاء للغضب تجاه هذا الإضطهاد .
و لوضع ذلك بصيغة أخرى ، مثلما هو الحال مع كلّ مظهر هام للحركالثوريّة ، سيكون من غير الممكن العمل إنطلاقا من الأساس الصحيح ، من القاعدة الصحيحة ، فى النضال من أجل إجتثاثا إضطهاد النساء بالفهم النظري لوحده ، على أنّ هذا هام و لا ينبغى بأيّة صفة الإستهانة به . و من الضروري أيضا أن ننطلق بالمعنى الحقيقي ، من الشعور النابع من الأحشاء لكلّ ما يعنيه أن تكون أنثى فى هذا العالم . و يتطرّق بيان حزبنا لقضيّة المرأة إلى هذا بقوّة ، لا سيما فى أقسامه الأولى و يحسنبنا أن ندرسه و نعود إليه بإستمرار ، لنعيد تركيز أنفسنا فى كلّ منشمولية ذلك و دقته و فظاعته .
هذه أشياء فاضحة جدّا تقف أمثلة عن إضطهاد النساء بالأشكال الأكثر " قروسطية " ، وبوجه خاص فى العالم الثالث ، وهي أشياء بمستطاع أناس مثل غولدبارغ و كريستوف و وودون أن يشيروا إليها ( ولنسمح بقول إنّهم يتحدّثون عن هذا إنطلاقا من إحساس بفظاعة حقيقيّة ). و هناك ظاهرة كاملة من " جرائم الشرف " حيث أعضاء من عائلة إمرأة أو شابة يقتلونها إن " لطّخت شرف " العائلة الأبويّة بإخراطها فى ممارسة الجنس خارج إطار الزواج " المقبول " ( و عادة المدبّر ) ، حتى و إن كان ذلك نتيجة إغتصاب . هناك طريقة تا وفقها ، فى بلدان يهيمن فيها الإسلام ، الفتاة فى سنّ معيّنة تسجن فى حجاب أو خمار أو برقع مع كلّ ما يرمزإليه منتبعيّة النساء للرجال . وهناك حرق النساء أو حرق أرملة فى بلد مثل الهند . و هناك بيع النساء بالملايين و الملايين فى سوق الجنس العالمية . و العنف الصري على أيدى الأزواج ( ما يذكّر بمقولة قديمة فى الصين ، عبّر عن وجه نظر و علاقات متجذّرة عميقا فى المجتمعات عبر العالم ، ألا وهي " المرأة المتزوّجة كالحمار المشترى ، سوف أركبها و أضربها بالسوط كما يحلو لى " .)
و الممارسة الجارية لقطع العضو الجنسي الأنثوي الذى تتعرّض له تماما ملايين الفتيات كلّ سنة – قطع البظر الذى يحرم النساء من الإشباع الجنسي ، و/ أو خياطة المهبل لضمان " العفّة " إلى الزواج . و القبول المعمّم بالإغتصاب الزوجي . و قتل البنات عند الولادة الذى عاد ليظهر من جديد فى الصين مثلا ، نتيجة الإنقلاب على الثورة و إعادة تركيز الرأسمالية و النظام الأبوي و الهيمنة الذكورية التى هي جزء لا يتجزّأ من هذا – و كذلك سوء إستعمال و إنتهاك وتعسّف على حق الإجهاض للقيام بإجهاض خاصة للجنين الأنثي ، لأنّ الإيناث تنزع لأن تعتبر أقلّ قيمة من الذكور.
وفى نفس الوقت ، بينما كلّ هذا منتشر جدّا فى بلدان عبر العالم ثالث ، فى ما يسمّى بالبلدان الإمبريالية " العصرية " هناك طرق ليست فاضحة أقلّ يتمّ بها الحطّ من قيمة المرأة و إهانتها ونعم تعنيفها من خلال العنف الجنسي و غيره على نطاق واسع .
فى خطاب " الثورة " ( " الثورة : لماذا هي ضروريّة ، لماذا هي ممكنة و ماذا تشمل ") ثمّة قسم أين يقال : أنظروا إلى هؤلاء الأطفال الجميلين هناك – متحدّثا خاصة عن الأطفال فى الأحياء الشعبية فى الولايات المتّحدة – و تثار نقطة أنّ قدر هؤلاء الأطفال قد تحدّد حياة إضطهاد و إهانة قد حدّدت لهم ، حتى قبل ولادتهم ، و سرعان ما ستتحوّل الإبتسامات و الضحكات و اللعب بحرّية و بهجة الذى يمكن أن ترونه فى صفوف هؤلاء الأطفال عندما يكونون صغارا جدّا فى سنّ سيتحوّل إلى فظائع خلف فظائع. كلّ هذا صحيح جدّا و هام جدّا و مجدّدا المشاعر النابعة من الأحشاء بصدده ممزوجة بالفهم النظري العلمي لأساسها و لأساس الإطاحة به و القضاء عليه ، ضروري لكلّ ما نناضل من أجله .
لكن من الهام جدّا كذلك التركيز على مسألة : ما الذى يعنيه أن تولد أنثى فى هذا العالم ؟ أنظروا إلى كافة هذه البنات فى هذا العالم . و إضافة إلى كلّ الفظائع الأخرى التى أشرت إليها ، بمعنى الأطفال فى الأحياء القصديرية و مدن الصفيح فى العالم الثالث ، و إضافة إلى كلّ الفظائع التى تنزل على رؤوسهنّ – الحياة الفعلية فى الزبالة و الخسارة الإنسانية بمئات ملايين البشر يكون قدرهم الذى يواجهون و المرسوم قبل ولادتهم حتّى – وهناك فى قمّة هذا بالنسبة للأطفال المولودين إيناثا فظائع كلّ ما سيجلبه هذا ببساطة لأنّهنّ إيناث فى عالم يهيمن عليه الذكور . و هذا صحيح ليس فقط فى العالم الثالث بل أيضا فى بلدان " عصريّة " كالولايات المتّحدة ، و الإحصائيّات بالكاد تسجّل ذلك : الملايين اللاتى يقع إغتصابهنّ ؛ و الملايين اللاتى يقع بصفة عادية إهانتها و خداعها ، و غالبا جدّا يعنّفهنّ الذين من المفترض أن يكونوا أكثر الأحبّاء حميميّة ؛ و الطريقة التى بها تهان و تطارد أو حتى مراقبة الولادات ؛ و العديد منهنّ اللاتى سيجبرن على البغاء و البرنوغرافيا ؛ و كلّ اللاتى – إن لم تواجه ذلك القدر الخاص و حتى إن بلغن بعض النجاح فى هذا " العالم الجديد " حيث من المفترض أنّه لا وجود لحواجز بالنسبة للنساء – ستتمّ محاصرتهنّ من كافة الجوانب و شتمهنّ فى كلّ لحظة من قبل مجتمع و ثقافة إهانة النساء ؛ فى الشوارع و فى المعاهد و أماكن العمل ، و فى المنزل ، على أساس يومي ، و بطرق لا تحصى ولا تعدّ .
كم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن يتحوّل اللعب الحرّ ببهجة لدى الفتيات الصغيرات – نعم فى بلدان كالولايات المتحدة – إلى قطع أنفسهن ،إجابة على شعور لا يحتمل بإنعدام القيمة و اليأس و عادة نتيجة الإعتداء عليهنّ ؛ أو مجوّعة أنفسهن فى محاولة للإستجابة إلى المفاهيم المهيمنة المنشورة بلا إنقطاع عن الجمال الأنثوي الذى تسوّى به قيمتهنّ كإنسان و الذى إليه يقلّصن ؟ كم من الوقت سيستغر الأمر قبل أن تتعلّم الكثير من الفتيات اللاتى تبيّنن فضولا فكريّا و شعلة حبّ معرفة العالم ، تتعلّم عوض ذلك أن تتجنّب ذلك لتوجّه إلى " اللعب بالدمى " و الكفّ عن الحديث لأنّه يغدو واضحا جدّا بالنسبة لهنّ أنّ الأطفال الذكور و الرجال يشعرون بأنّ النساء القويّات و القديرات و الذكيّات " يهدّدوهنّ " ؟ أو بالنسبة للفتيات اللاتى و قد إشتركنا فى متعة الألعاب الرياضيّة ، يتركن ذلك لأجل أن يُنظر إليهنّ على أنّهن أكثر " أنوثة " . فتيات عامة مهما حصل فى حياتهنّ ، سيشتمن ويهاجمن بالبرنوغرافيا و إهانات أخرى للنساء ، من الصنف خفيف و الصنف الثقيل ، و بالإشهار السائد و الأكثر تطرّفا و فجاجة و إنحرافا ؛ و سيتعلّمن التأقلم بطرق متنوّعة – أو سيتمّ تشجيعهنّ و بطرق عديدة يفرض عليهنّ التأقلم – مع العلاقات الإضطهاديّة التى تسود وتهيمن فى المجتمع – خاصة فى ما يتصل بالنساء ؛ أو من الجهة الأخرى ، سيتمّ تشجيعهنّ و تعليمهنّ أن تصبح قاسية و منافقة و أن تعامل أي شخص و أيّ شيء بما فى ذلك أنفسهنّ و أجسادهنّ كسلع و ستمّ مزيد إهانتها و الحطّ من مكانتها فى السيرورة ؛ سيتعلّمن خفض أنظارهنّ و عدم الحلم و التفكير فى المساهمة التامة فى كلّ مجال من مجالات الجتمع و عدم التجرّأ على النهوض و تغيير المجتمع ، بما فى ذلك فى ما يتّصل بمعاملة النساء ؟ كلّ هذا أيضا يقدّم للإيناث من الأطفال حتى فى بلدان كالولايات المتحدة و حتى قبل ولادتهنّ .
و التعلّم كلّ يوم لوجوب أن تكون منتبهة كلّ يوم و التوجّه إلى العالم بإستمرار بإنتباه خشية التعرّض إلى هجوم جسدي و / أو جنسي ، وصولا إلى أدقّ جزئيّات كيفيّة المشي فى الطريق أو دخول مبنى و الخروج منه ، و ما إذا تصعد أم لا فى المصعد و كيف – و حمل هذه الأثقال على كاهلها كلّ يوم طوال حياتها . و تصوير الوظائف الجسدية العادية و الطبيعيّة و الجنسيّة – عندما ينمو صدر الفتاة أو تبدأ لديها العادة الشهرية أو تعرف التغيّرات الهرنوتيّة و الجسدية – تصوير كلّ ذلك بآلاف الطرق كهدف لمتعة آخر و / أو كشيء غير واضح و مجلبة للعار ( و هذه ليست فقط وصايا إنجيلية قديمة و إنّما لا تزال لها قوّة و تمار تأثيرا و قوّة على نحو تهين به البشر و تذلّه نصف الإنسانية المضطهدة على هذا النحو ).
و مثلما يؤكّد على ذلك عن حقّ تماما بيان حزبنا فى عالم اليوم و حيث تقف الإنسانية اليوم ، كلّ هذا يجب و يمكن أن يمحى من على وجه الأرض – و واقع أنّ ذلك يقترف و تفرضه نظم عفا عليها الزمن و فوق كلّ شيء النظام الرأسمالي – الإمبريالي المهيمن ، يجعل منه أفظع حتّى .
المزيد من " البطاقات البريدية لعمليّات الشقن " :
إنّه لأمر يبعث فى النفس الصدمة – وهو بديهي بشكل صارخ فى الولايات المتحدة – أنّه مقارنة بما يحصل للنساء ، لا وجود لمجموعة أخرى فى المجتمع تلعن و تلوّث بصورة نظامية بهذا الشكل الذى صار مقبولا ( أو على أي حال مقبولا بصفة واسعة ) كجزء هام من " الحياة و الثقافة " السائدين مثلما يحصل بشكل مركّز من خلال البرنوغرافيا و الصور والرسائل المذلّة و المهينة إلى أبعد الحدود حول النساء التى تقدّمها بحجم كبير و مشوّه ( و الأنترنت نقطة تركيز ووسيلة كبرى لهذا ) بما فى ذلك التصوير البرنغرافي الواسع الإنتشار للسيطروالجنسيّة الديّة و العنيفة على النساء . ( بهذا الصدد أنظروا مثلا كتاب باميلا بول " مباحة ، كيف تخرّب البرنوغرافيا حياتنا وعلاقاتنا و عائلاتنا " ، هولت بابرباكس ، 2005 ).
لقد بدأت خطاب " الثورة " ب " إنّهم يبيعون بطاقات بريديّة لعمليّات الشنق " مستعرضا التاريخ البشع لسجلّ معاملة السود فى أمريكا والطريقة التى صار الإحتفال بشنقهم ظاهرة ثقافية فى الولايات المتحدة ، مع بيع بطاقات بريدية تحمل صور الذين تمّ سحلهم كأكبر تعبير عن ذلك – عادة متضمّنة مجموعات غفيرة من البيض مبتسمة و متحمّسة حول المقتول و الجسد المبتور لرجل أسود . و فى مراسلة حديثة ، شدّد رفيق على أنّ هذه نقطة هامة و مفروضة بعمق : اليوم ، الطريقة التى تصوّر بها البرنوغرافيا النساء – عرض النساء فى وضع دون لمشاهدين متوثّبين – و من ذلك المعاملة الشديدة الفجّة و العنف ضد النساء المتضمّن فى الكثير من هذا ، هو أمر يساوى هذه " البطاقات البريدية لعمليّات الشنق " . إنّه وسيلة بواسطتها يتمّ إهانة كلّ النساء و إذلالهنّ .
كلّ هذا فيما البرنوغرافيا جزء مقبول من الأنترنت وتيّار ثقافي سائد آخر وهي فى الواقع تجارة مربحة للغاية عن طريقها تكسب لايين الدولارات كلّ سنة و فيها تنخرط عديد " أعمدة " الإقتصاد الرأسمالي . و ييسّر هذا البثّ للبرنوغرافيا عبر النات و يعمّقه واقع أنّ إهانة النساء مظهر عادي فى برامج التلفزة و أشكال أخرى من " الثقافة الشعبية " التى تستعمل بصورة متكرّرة مفردة " مومس " و مفردات مذلّة أخرى لوصف النساء ، و تناقش بفظاظة السمات الجسدية و القيمة السلعية لأجزاء الجسد الأنثوي و عادة ما تمدح الغزو الجنسي و سيطرة الرجال على النساء .
و مثلما عرّجت على ذلك باميلا بول و عدد من الكتّاب الآخري الذين قد تفحّصوا هذه الظاهرة ، فإنّ النموّ الكبير فى نشر البرنوغرافيا و إستهلاكها فى العقود الأخيرة ، إلى جانب الأشكال المتطرّفة المتنامية من إهانة النساء و إذلالهنّ مرتبطة بلا شكّ بالإختراقات التى أنجزها النساء فى عدد من مجالات المجتمع التى كانت قبلا " حصرا على الذكور " والتحدّيات التى وضعت أمام السيطرة الذكورية برمّتها. و مع ذلك ، يحدث هذا ضمن أطر نظام فيه البطرياركية و الهيمنة الذكورية لم يقضى عليهما أو لم يقع إجتثاثهما و لا يمكن أن يقضى عليهما أن يقع إجتثاثهما – لكنهما فى الواقع من المكوّنات الأساسية و الضرورية للرأسمالية ، و بالفعل لكافة الأنظمة المتميّزة بالإنقسام الطبقي و العلاقات الإجتماعية الإستغلالية و الإضطهادية . فى مثل هذه الظروف و نظرا للإيديولوجيا السائدة التى تتناسب مع تواصل الهيمنة الذكورية ، بالرغم – و بمعنى له دلالته بسبب – تحدّيات الحقيقية ، تستخدم البرنوغرافيا كوسيلة للإنتقام الفظّ و الخبيث و إعادة تأكيد قويّة للعلاقات و التقاليد التى تكون فيها النساء خاضعات للرجال و خادمات لهم . فى كلّ هذا للبرنوغرافيا بالمعنى الحقيقي " هويّة مرآة عاكسة " مع الأصوليّة الدينية فى عالم اليوم ، بشكلها المسيحي وكذلك الإسلامي و غيره من الأشكال : يشتركان فى كره النساء المظلم و التصميم على سحق النساء و تقييدهنّ فى وضع تبعيّة مفروضة .
لذا ، عندما نقول " أنظروا إلى هؤلاء الأطفال الجميلين " ثمّ نواجه مسألة ما يعنيه أن نولد أنثى فى هذا العالم – فإنّ لهذا مغزى عميقا بالنسبة لجماهير الشعب المضطهَدَة و له مغزى مزدوجا بالنسبة للنصفالأنثوي من الإنسانية ؛ ليس ضمن القطاعات الأكثر إضطهادا و إستغلالا فى المجتمع و حسب بل ضمن كافة شرائح النساء . قبل سنوات من الآن ، حينما ظهرت لأوّل مرّة الحركة النسائيّة كقوّة راديكالية فى أواخر ستينات القرن العشرين ، مركّزة على إضطهاد النساء كقضية إجتماعية حيوية ، بعض الرجال الذين صوّروا على أنّهم راديكاليّون كانوا يردّون ب " سخرية " مثل : " هل أنّ جاكى كينيدي مضطهَدَة ؟ " و كان يفترضأنّ ذلك نوع من الردّ على واقع ، على الواقع الحقيقي لكون جماهير نساء كافة الشرائح تعامل على أنّهن أدنى من الرجال و بعديد الطرق على أنّهنّ أقلّ من إنسانة . أجل تساهم نساء الطبقة الحاكمة فى إستغلال جماهير الشعب لكن هذا لا يلغى حتى مكانتهم التبعيّة فى صفوف الطبقة الحاكمة و بالتأكيد لا يلغى الأشكال المتنوّعة و الفظيعة لإضطهاد مساء كافة الطبقات عبر العالم . و بإمكاننا مواصلة هذا طويلا لكنّنا لن نوفي الموضوع حقّه و لن نعبّر عن معناه تمام التعبير .
العلم الزائف و إفلاس نظريّات عقلنة الإضطهاد :
لنتعمّق فى هذا أكثر و لنخطو خطوة إلى الوراء قليلا . لنتذكّر مثلا التوصيف الرسميّ للسود الذى ساد كتيّار عام و فى المؤسّسات المحترمة إلى القرن العشرين . و نستشهد بمثال واحد فظيع حقّا ، فى الموسوعة البريطانية وهي مؤسسة ذات هيبة كبيرة حيث إلى القرن العشرين كان " النغرو " [ الأسود ] يوصف بـأنّه عاطفي جدّا و أقلّ ذكاء وشبيه بالطفل و كذلك بأنّه " عرضة لتحوّلات فجئيّة فى الأحاسيس و المزاج و خلال هذه التحوّلات يستطيع أن يقوم بأعمال فريدة فى وحشيّتها " ( هذا مقتبس من الموسوعة البريطانية لسنة 2011 ، ضمن تعريف كلمة " نيغرو" [ أسود ] ) وهو مجدّدا يصوّر فى " السود " تلك الموسوعة الشهيرة جوهريّا كأنواع دونيّة من البشر .
ولنقارن هذا بالوصف " الرسمي " للنساء خلال ذات الفترة الزمنية تلك . ولننظر مثلا إلى مهنة الطبّ . ففى " من أجل مصلحتها الخاصة : قرنان من نصائح الأخصّائيين للنساء " تأليف برنارا أهرنرايس و ديردري أنجليش تسجّل بعض النظرات السائدة للنساء فى هذه المهنة و تذكر بوجه خاص أمثلة دقيقة عن ذلك : الطريقة التى يجرى بها الربط بين النساء و " نوبات الهستيريا " ؛ و المفترض " الجهل الشبيه بجهل الأطفال " الذى تظهره للعالم الأوسع الذى يسيطر عليه الذكور ؛ و الحمل و ما يسمّى بسنّ اليأس – متعاطين معها كأمراض و / أو نقائص ؛ و حتى التأثير السلبي المدّعى على الرحم إن كانت المرأة تستعمل ذهنها كثيرا جدّا ! و مثلما يشير أهرنرايس و أنجليش بالسخرية اللاذعة المناسبة ، " بيان الرحم العظيم للقرن 19 ، كتاب الدكنور أدوارد ه. كلارك " الجنس و التعلّم أو فرصة عادلة للبنات " إستنتج بمنطق مذهل لكن غير عادي أنّ التعليم العالي سيتسبّب فى ضمور رحم النساء " ( أهنرايس و أنجليش ، الطبعة الثانية من منشورات أنشور ، جانفي 2005 ، ص 140 ). و أشياء مشابهة كتبها عمليّا أخصّائيّون علميون محترمون أواخر القرن التاسع عشر .
و يلفت أهرنرايس و أنجليش الإنته إلى واقع أنّ هناك تيّار تأثير كبير فى التاريخ الطبيعي فى القرن 19 كان يدافع عن نظرة أنّ " العناصر[ الأنواع ] البشرية الموجودة تمثّل مراحل تطوّر مختلفة " – و طُبّق هذا على الجنسين ( ص 128 ). و مثلا ، يشير أهرنرايس إلى أنّه بالنظر إلى التراتبيّة المفترضة للعناصر [ الأنواع ] البشريّة ، صنّف كارل فوغت وهو أستاذ أوروبي مختصّ فى التاريخ الطبيعي فى النصف الثاني من القرن 19 ، الذكر الأسود كما يلى : " إنّ طبيعة الأسود البالغ تشبه ، بالنظر إلى قدراته الفكريّة ، طبيعة الطفل و الأنثى و الخرفين من البيض " . و يتابع أهرنرايس و أنجليش التعليق قائلين: " أين ترك هذا الأنثى السوداء ؟ يرتعد المرء أن يفكّر، حتى لا يذكر الأنثى " الخرفة " للعنصر " ( 129).
و لم يوجد أفق لتحسّن مكانة النساء مع مزيد التطوّر الإجتماعي ، وفق فوغت لأنّه مثلما ذكره أهرنرايس و أنجليش : " تنمو اللامساواة بين الجنسين مع تقدّم الحضارة " ( ص 130 ).
إنّ التصرّفات و المفاهيم القريبة من تلك التى وقع ذكرها لم تكن فقط سائدة فى القرن 19 فقط بل تواصلت إلى القرن العشرين – و فى الواقع ، هي اليوم بعيدة عن أن تكون قد فقدت رواجها حتى فى المجتمع الإمبريالي " العصري " . أحيانا تنطق بها شخصيّات قويّة و مأثّرة فى بلدان مثل الولايات المتّحدة و مثال ذلك ، الموقف التالى ل أ.أو. ولسن ، قبل بضعة عقود و حسب : " فى مجتمعات التجميع و الصيد ، كان الرجال يصطادون و كانت النساء تبقين فى المنزل. و هذه النزعة القويّة ظّلت قائمة فى غالبيّة المجتمعات الفلاحية و الصناعية و على هذا الأساس لوحده ، يبدو أنّ له أصل جيني ... فى تقديري أنّ النزعة الجينية شديدة بما فيه الكفاية لتفرز تقسيما ملموسا للعمل حتى فى أكثر المجتمعات المستقبليّة حرّية و مساواة ... حتّى مع تعليم متماثل و إمكانية متساوية للحصول على جميع الوظائف ، على الأرجح أنّ الرجال سيواصلون لعب دور غير متناسب فى الحياة السياسيّة وفى المهن الحرّة والعلم" ( ذكرته أرديا سكايبراك فى كتابها " حول الخطوات الأوليّة والقفزات المستقبليّة : بح حول ظهور الإنسان و مصدر إضطهاد النساء و الطريق إلى التحرّر " ، بانر براس ، 1984. ) أ. أو . ولسن معروف بأنّه وجه بارز فى البيولوجيا الإجتماعية . و كما يمكن ملاحظة ذلك فى هذا الموقف لولسن الذى مرّ بنا ذكره ، تشمل هذه المقاربة محاولات خاطئة لأن يُنسب تطوّر المميزات السلوكيّة للإنسان و العلاقات الإجتماعية ن بطريقة خطّية و ميكانيكيّة إلى عوامل و أسباب بيولوجيّة وهي بشكل دال تستهين بدور العوامل الإجتماعية فى تطوّر – و تغيّر – العلاقات و السلوكات و التقاليد و طرق التفكير الإنسانية . و ينطوى كتاب " خطوات و قفزات " على نقد ودحض لوجهة نظر ولسن و غيره من البيولوجيين الإجتماعيين و مناهجهم ).
و وجهات نظر أحدث من هذا الصنف عبّر عنها لورنس سامرز بتأكيده على أنّ النساء أضعف طبيعيّا فى أشياء كالرياضيّات و العلم . و هذا فى زمن كان فيه رئيسا لجامعة هارفارد . و يجب أن نسجّل أنّه الآن موظّف فى إدارة أوباما .
فى علاقة بهذا نعثر كذلك على – و هذا شيء أشار إليه أهرنرايس و أنجليش – دور فرويد و نظريّاته و كامل تقليد التحليل النفسي و الضرر الكبير الذى ألحه بالنساء و عامة ، هو شيء يحتاج أن نتفحّصه بعمق و ننقده بأكثر شموليّة . و بعض النقد الهام لهذا أثارته مناضلات نسويّات متنوّعات و غيرهنّ . لكن مجدّدا ، تظلّ هناك حاجة إلى فضح و نقد و دحض لهذا يكون أشمل و أكثر راديكاليّة خاصة عبر تطبيق الماديّة الجدليّة و المادية التاريخية و النظرة العلمية الصريحة و المنهجيّة و المقاربة التى تجسّد هذا .
أنا نفسي أتذكّر أنّه بالعودة إلى ستّينات القرن الماضي ، كان كثير منّا متأثرين بدرجات متفاوتة بنظريّات فرويد و وجدت عدّة محاولات لمنظّرين راديكاليين – لا سيما ذكور و لكن ليس ذكور فقط – لربط نظريّات فرويد و يمزجوها بنظريّات ماركس . و فى الواقع ، هذه النظريّات فى تعارض عميق مع بعضها البعض ، و كان لتأثير فرويد تبعات سلبيّة على المجتمع عامة و كذلك على الحركات الراديكاليّة زمنها . ونقد شامل لنظريّات فرويد و تأثيرها يمكن أن ينهض بجزء هام من مزيد تطوير النظريّة الشيوعية الراديكالية و العلمية حقّا ، كما تطبّق على إضطهاد النساء و تحريرهنّ ،و على ما هو أشمل من ذلك .
كان يمكن أن يكون أفضل حينها ... و إنجاز ما أفضل حتّى الآن :
و بالعودة إلى النقطة التى أثرتها قبلا بشأن مجلّة " الورقات الحمراء " عدد 3 - فى ما يتعلق بالإقتصادوية و التأثيرات المتصلة بها داخل الإتحاد الثوري و بصفة أشمل داخل ما يسمّى ب " الحركة الشيوعية الجديدة " زمنها ، و كيف أنّ هذا تداخل مع التحرّك بإتجاه خلاصة صحيحة لما كانت تُثيره حركة النساء فى تلك الفترة ، لا سيما قطاعاتها الأكثر راديكاليّة – أودّ أن أحيل على تعليق صدر قبل زهاء الأربعين سنة الآن ، فى أثناء تجمّع لما كان يسمى حينها الحركة الشبابيّة الثورية .
كان ذلك عندما حصلت إنشقاقات صلب منظّمة " الطلبة من أجل مجتمع ديمقراطي إلى تيّارات متباينة : وجدت ظاهرة "الناس المتقلّبين كالطقس " المعروفة جيّدا ؛ و وجد حزب العمل التقدّمي و خطّه الإقتصادوي المصمّم ( أقصد ، بعد كلّ شيء ، ما يقوله لنا واقع أنّ " شيوعيين " إختاروا أن يسمّوا أنفسهم حزب ... العمل ... التقدّمي – فيكفى أن نظروا إلى الإسم لتدركوا أنّ مثل هذا التنظيم لن يقود أي نوع من المجتمع الجديد الراديكالي ! )؛ و ثمّ وُجدت هذه النزعة التى حدّدت نفسها تحت راية الحركة الشبابيّة الثورية .
زمن إنشقاق منظّمة الطلبة من أجل مجتمع ديمقراطي ، عُقدت ندوة للحركة الشبابية الثوريّة شارك فيها بعضنا كممثّلين عن الإتحاد الثوري . و عند نقطة معيّنة من ذلك الإجتماع ، جرى نقاش مسألة الحياة الجنسيّة و بصورة أشمل قضيّة المرأة و ألقى أحدهم خطابا حماسيّا قال فيه بدقّة و بفيض من المشاعر : " إذا كنت ذكرا و تريد أن تكون راديكاليّا ، عليك أن تتعلّم شعور أن تكون إمرأة " .
بينما كان هذا الموقف ذاته يشير إلى شيء فى منتهى الأهمّية ،فإنّه قد صدر فى إطار و كان فى الواقع جزءا من تيّار كان بشكل متصاعد يتخلّى عن إمكانيّة إنجاز التغيير الراديكالي الحقيقي على المستوى الإجتماعي و حتّى العالمي . كان جزءا من تيّار صاعد ل " سياسات الهويّة " – لنظرة مقلّصة و ضيّقة- نظرة أنّ كلّ " مجموعة الهويّة " يجب أن تركّز على وضعها و مطالبها الخاصين وهو ما سيبقى موضوعيّا فى إطار النظام القائم . و مثّل هذا تراجعا عن التوجّه العام لبناء حركة للمضيّ ضد الإمبريالية و الإطاحة بها و إجتثاثها و إنشاء عالم مختلف راديكاليّا . و حتّى حينها كان من الممكن أن تدرك أنّ هذا جزء من إتخاذ خطى فى ذلك الإتجاه . و كنّا على حقّ فى نبذ طريق " سياسات الهويّة " و الإصلاحية و بالمعنى الأساسي ، التشديد على الإتمرار على الطريق الشيوعي حتى بينما كان ذلك مختلطا حينها بدرجة هامة من الإقتصادوية . إلاّ أنّه فى نفس الوقت ، و خاصة بالنظر إلى الوراء الآن ، من الواضح أنّه كان ثمّة شيء هام جدّا يُثار تمّ إستبعاده بسهولة كبيرة .
كان من اليسير جدّا إدراك التوجّه البديهي " لسياسات الهويّة " الإصلاحية و البرجوازية الصغيرة التى كانت تنبع من هذا الموقف لكن كان من الأفضل بكثير أن نتوحّد مع ما كان صحيحا و هاما فى هذا الموقف . كان ليكون أفضل بكثير لو أنّ الذين كانوا جدّيين فى إعتبار أنفسهم شيوعيين أن يكونوا قد تبنّوا ك المقاربة و على ذلك الأساس سعوا إلى بلوغ خلاصة أعمقمن خلال تطبيق وجهة النظر الشيوعية العلمية و ليس وجهة نظر مختلطة بالإقتصادوية إلى درجة ذات دلالة . و الآن هناك حاجة أكبر بكثير – و أجل ، هناك أساس أكبر – للقيام تحديدا بهذا .
هذا و التحدّى الذى نواجهه والمهمّة الهامة التى علينا النهوض بها بشكل إستعجالي .
و نقطع خطوة إلى الوراء لننظر فى هذا على نطاق أوسع فمن الهام – دون إنكار الجانب الإيجابي الشامل و المساهمات الحقيقيّة جدّا لحركة ستينات القرن لعشرين أو الإستخفاف بها. أن نعترف بأنّه وجدت وسط هذه الحركة وحتى لدى قواتها الأكثر تقدّما نقاط ضعف حقيقيّة بشأن قضيّة المرأة بما فى ذلك عنصر له دلالته كان يؤكّد على " الرجولة ". و بصفة خاصة مطبّقة على السود ، هذه مسألة معقّدة لأنّ أحد أهمّ الأشكال و أكثرها إهانة فى إستغلال السود فى تاريخ هذه البلاد هو الطريقة التى كان يتمّ بها إخضاع الرجال السود إلى المعاملةكأناس تابعين كما لأو انّهم فى نفس الوقت أطفال و يمثلون منتهى الخطر و يفرض عليهم – بأفق حقيقي من القتل إن لم ينصاعوا لذلك و يخضعوا – بشكل تابع للبيض ، و خاصة للرجال البيض مثلما ينعكس ذلك ، ضمن أشياء أخرى ، فى الطريقة التى كان يتوجّه بها البيض ، فيهم الشباب من الذكور البيض الذين لم يصبحوا بعدُ بالغين ، البالغين من السود بمصطلح مهين هو " صبيّ " . لكن الردّ على كلّ هذا – إن كانت الغاية هي فى نهاية المطاف و تماما إجتثاث إضطهاد السود ، نساءا و رجالا ، و القضاء على كافة أشكال الإضطهاد – ليس بذل الجهد لإيجاد " مكان عادل " للرجال السود فى أن يكون لهم موقع مهيمن على النساء بالتساوى مع الرجال البيض – فى التأكيد على العلاقات التقليدية بين الرجال و النساء التى تقيّد تقليديّا النساء ، كرابط مفتاح فى إيقاء الإنسانية ككلّ فى وضع عبودي .
فى عالم متميّز بالإنقسامات الإستغلالية و الإضطهادية – أين تشمل واحدة من أعمق هذه الإنقسامات و أكثرها إضطهادا إخضاع نصف الإنسانية الأنثوي و إهانتها - تأكيد " الرجولة " مهما كانت محاولة القيام بذلك ، لا يمكن موضوعيّا إلاّ ان يعني و يجد تعبيرا عنه كمساهمة نشطة فى ذلك الإخضاع و الإهانة . و فى عالم حيث الإنقسامات الإضطهادية و الإستغلاليّة ومنها تلك التى يهيمن فيها الرجال على النساء ، كانت ستلغى و يقع تجاوزها ، كلمة – مفهوم – " الرجولة " لن و لا يمكن أن يكون لها أي معنى حقيقي و بالتأكيد ليس أي معنى إيجابي .
لوضع هذا بصيغة أخرى ، - لرسم خطّ تمايز حاد ضروري – تأكيد " الرجولة " فى آخر المطاف و جوهريّا شكل و وسيلة للتأقلم مع البحث عن " إيجاد مكان " لك ضمن النظام الإضطهادي ، مع كلّ الجرائم الفظيعة التى يجسّدها و يمليها . و فى علاقة بهذا ، دور بو كرت . واشنطن يعلّمنا الكثير فى أواخر القرن 19 و الجزء الأوّل من القرن العشرين ، عقب الإنقلاب على فترة إعادة البناء ، صار واشنطن وجها بارزا – و روّجت له السلط الحاكمة حينها و منها قوى حاكمة من البيض تدعو إلى التفرقة العنصرية و التمييز العنصري صراحةفى الجنةب – و فى دعوة السود إلى عدم النضال ضد التمييز العنصري و كامل إضطهادهم و عوض ذلك بذل الجهد ل " تحسين أنفسهم " فى إطار وضعهم كضحايا للميز العنصري و الإضطهاد . و نظرة ثاقبة لهذا نعثر عليها فى كتاب جاكسون ليرس المنشور فى المدّة الأخيرة " ولادة جديدة لأمّة " ( وعنوانه يحيل بالأحرى نقديّا و بسخرية ، على الفلم البطولي لبدايات القرن العشرين ، العنصري صراحة و الذى كان عال التأثير ، " ولادة أمّة " ) . و من أهمّ المواضيع التى يتفحّصها ليزر ، كيف أنّ تأكيد الرجولة و " فضائل الرجولة " كان فى تاريخ هذه البلاد وثيق الإرتباط بالتوجّه " العسكري " فى خدمة الإمبراطورية الأمريكية ، و كان تيودور روزفالت التشخيص الأبرز لهذا . و يركّز ليرز على فترة تميّزت بنشأة الرأسمالية الإمبريالية – فى نهاية القرن 19 و بدايات القرن العشرين – لكن بوضوح ، و بطريقة صحيحة جدّا ، لديه فى فكره و يقترح بصفة كتكرّرة مقارنات مع ظواهر اليوم ، بعد قرن . و كجزء من هذا النقاش ، يقدّم ليزر الملاحظة التالية عن بوكر ت. واشنطن – مذكّرا بدوره فى الدعوة إلى تابع للنظام الإضطهادي القائم و مقارنا إيّاه بصورة دالة بأيدا وايلس الأكثر نضالية بكثير و الرافض للتوفيق و الذى وقف بجسارة ضد التمييز العنصري و السحل و نظّم نضالات ضدّهما .
و عندما أصبحت مقاومة نظام جيم كرو الناشئ أضعف فأضعف تدريجيّا ، أخذت نظرة التأقلمية الصريحة لبوكر ت. واشنطن تبدو مقدّمة لوعود أكثر من المقاومة الغاضبة لأيدا وايلس . لقد جسّدتواشنطن زواج الرجولة و نهضة السود . ( ليرز ، ص 131).
و بينما يبدو هنا أن ليرز يقبل إلى حدّ كبير بمفهوم أنّ المقاومة الشبيهة بمقاومة وليس كانت عقيمة ، هناك أفكار قبة هامة فى ملاحظته عن واشنطن ، مقارنة بوليس خاصة فى ربط " الرجولة " و " النهضة " بالتأقلم مع النظام الإضطهادي .
و مرّة أخرى ، كان لستّينات القرن العشرين طابعا و تأثيرا مختلفين راديكاليّا و إيجابيين أكثر – فى علاقة بنضال السود خاصة و أيضا بصورة عامة – من " التوفيق " الذى مثله واشنطن ( أو لإستعمال جملة أقلّ أناقة لكنّه ليست أقلّ دقّة ، " فكر العمّ توم " لدى واشنطن ) فى الفترة ما بعد هزيمة حقبة إعادة البناء . و بالفعل ، كان نضال السود فى ستينات القرن الماضي ، فى مظهره الأساسي و الأشمل ن فى تعارض مباشرة و دحض قوي لنوع الموقف الذى إتخذه بوكرت. واشنطن و روّج له . إلاّ أنّ الرابط يظلّ قائما وهو حقيقي جدّا تماما بين تأكيد " الرجولة " و توجه القبول وحتى البحث عن " الحصول " ، على الأقلّ ، على بعض العلاقات الإضطهادية التى هي شريان دم حياة هذا النظام . و لإعادة موقف صغته و ذكر فى " بيان : من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء " :
" بطرق عديدة ، بالخصوص بالنسبة للرجال ، قضية المرأة و ما إذا كان المرء يبحث عن القضاء التام أو عن المحافظة على الملكية و العلاقات الإجتماعية القائمة و ما يرافقها من إيديولوجيا تستعبد النساء ( أو ربّما " فقط القليل" منهن) مسألة محكّ " ضمن المضطهَدين " ذاتهم . إنه خطّ تمايز بين " إرادة البقاء ضمن و " إرادة الخروج من " ، بين القتال لإنهاء الإضطهاد و الإستغلال كافة – و تقسيم المجتمع ذاته إلى طبقات- و البحث فى آخر التحليل عن الحصول على حصّتك منه" ( التشديد فى النصّ الأصلي ).
و كذلك مثلما يُوضّح البيان مستشهدا بالعدد الخاص من جريدة " الثورة " ، " إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج " ، الدور النموذجي الذى يحتاجه الأطفال السود و الناس عموما ليس " نماذج أدوار رجال " وإنما " إلى نماذج ثورية ، من النساء و الرجال معا . يحتاجون إلى رؤية الرجال و النساء الذين يكرسون الإحترام و المساواة اللذان يعكسان العالم الذى نقاتل من أجله : عالم جديد تماما متحرّر أين تكبر البنات قويات و دون خوف من الإغتصاب و الإهانة أو الإنتهاك و أين لا يعتبر أي طفل " غير شرعي" ، و أين يجد الرجال شأنهم شأن أي شخص آخر قيمتهم فى المساهمة فى تحسين وضع الإنسانية قاطبة عبر التغيير الثوري للمجتمع بأسره بدلا من المشاركة فى حتى قسط ضئيل من إضطهاد هذا العالم الكابوس " . ( التشديد و التسطير فى النصّ الأصلي ).
و مجدّدا عندما ننظر فى حركة ستينات القرن العشرين برمّتها ن المسألة الآن ليست أن نكون حتميين أو غائيين كما لو أنّه كان مستحيلا عندئذ بلوغ العناصر الأساسية للتلخيص الصحيح . بشأن تحرير النساء بكامل أبعاده و العلاقة الحيوية بين ذلك و تحرير الإنسانية جمعاء – رغم أنّ التوصّل إلى ذلك كان سيكون صعبا نظرا للضعف العام للحركة الشيوعية زمنها ؛ و ليست المسألة أنّ " كلّ شيء جيّد " ، كلّ ما حصل قد قاد إلى وضع حيث مثل هذه الخلاصة ممكنة – الآن فقط . و كذلك ليس الأمر أنّ ذلك كان سيكون أفضل بكثير إن وقع تبنّى مقاربة أصحّ حينها ، لكن واقع أنّ هناك حاجة كبرى الآن لهذه الخلاصة و هناك الأساس من خلال العمل و النضال المركّز لإنجاز القفزة و القطيعة اللازمتين للبلوغ العملي لهذه الخلاصة فى النظرّة و الخطّ كقاعدة أصلب بكثير للتقدّم بالنضال فى هذا المجال الجوهري من العلاقات الإجتماعية كأحد أكثر العناصر الحيوية للإطلاق العملي لمرحلة جديدة من الثورة الشيوعية فى العالم فى مفترق الطرق الذى نواجهه و لأجل أن نكون حقّا طليعة المستقبل .
تحدّى الأدوار الجندريّة و الجنسيّة التقليدية :
أحد أهمّ الأشياء التى ظهرت فى تمرّد ستينات القرن العشرين ( إلى بدايات سبعيناته ) ، لا سيما لدى التيّارات الأكثر راديكالية ضمن الحركة النسائية ، كان تحدى الأدوار الجندرية التقليدية بعدّة طرق مختلفة . و هذا من جديد ، بفعل التأثيرات الإقتصادوية ذات الدلالة لم يقع الإهتمام به تمام الإهتمام و متابعته من قبل القوى الشيوعية الناشئة بما فيها الإتحاد الثوري حينذاك . و حتى عندما تعلّمنا بعض الأشياء من هذه الحركة و إهتممنا بمظاهر منها ، لم يكن الإهتمام من النوع المركزي و الشامل كما كان يجب أن يكون . ( لقد تداخل هذا مع تأثيرات الحركة الشيوعية عالميّا و تاريخيّا وهو ما سأناقشه أكثر تاليا ).
و فى نفس الوقت ، و إلى جانب هذا التحدّى للأدوار الجندرية التقليدية ، وُجدت عديد المسائل الجنسيّة و المتعقة بالتحرّر الجنسي أثارتها الحركة النسائيّة : الكثير من التجريب و بعضه قاد إلى نهايات مسدودة و بعضه قاد إلى نهايات سيذئة كما تحدّث عن ذلك بياننا . و مع ذلك ، أثيرت مسائل وأجوبة هامة فى هذا المجال أيضا . كامل مسألة تحرير جنسانية النساء – وهي لم تقلّص إلى " واجب " إشباع شهوات الرجال الجنسية – مثلت بُعدا هاما جدّا لما كان يقع تقديمه . بيد أنّ هذا لم ينسجم بوضوح مع وجهات نظر و نزعات الحركة الشيوعية عالميّا وتاريخيّا – كان شيئا يقلّل من قيمتها ، مع تفاعلات الكثير من التقاليد السائدة داخل الحركة الشيوعية التى قد أثّر بدرجة ذات دلالة على الإتحاد الثوري آنذاك .
و إلى جانب هذا ، فى مجمل هذا السياق من البثّ فى الأجواء لتحدّى المفاهيم التقليدية و العادات الإضطهادية و غيرها فى ما يتعلّق بالجنسانية ، غدت كذلك مسألة المثلية الجنسيّة موضوع إهتمام إجتماعي و محور نضال كبير . و كان هذا كما نعلم خارج نطاق ما كانت الحركة الشيوعية تاريخيّا و عالميّا تعدّ للإنخراط فيه بأي شكل من الأشكال غير مجرّد نبذه نبذا تاما – و قد شمل هذا الإتحاد الثوريّ و ثمّ لفترة زمنية طويلة جدّا أيضا الحزب الشيوعي الثوري .
و من الصحيح أنّه كما يضع ذلك بياننا ، هناك عدّة مظاهر إيجابيّة للإكتشاف الجنسي و تحدّى التقاليد فى علاقة بالجنسانية و بوجه خاص جنسانية النساء التى ظهرت من خلال النهوض وقتها لكن وجدت طرق، أيضا كما يشدّد على ذلك البيان ، بواسطتها كانت الأدوار التقليدية و الهيمنة التقليدية للرجال على النساء تأكّد نفسها حوّلت المظاهر الإيجابية إلى ضدّها . فى هذه المساعى لتحرير جنسانية النساء و رفض هذه المظاهر السلبية ، فإن المسائل المثارة و الجوبة المقدّمة كانت فى غاية الأهمّية و نستطيع أن نعترف بذلك بوضوح الآن و بوجه خاص و نحن نرى الآن الأشياء ليس عبر فهم تجسيدي و إقتصادوي لما هي الثورة البروليتارية ، لكن عبر فهمه فهما فى تعبيره الأتمّ مثلما فى ( بكلمات " بيان الحزب الشيوعي " لماركس و إنجلز) القطيعة الأكثر راديكالية كع كافة الأفكار التقليدية و كذلك مع علاقات الملكية التقليدية. زمن ذلك التمرّد القويّ فى ستينات إلى بدايات سبعينات القرن الماضي ، لئن أدركنا ذلك تمام الإدراك و إنطلقنا من ذلك الفهم ، لكنّا رحّبنا بما كان يطرح و يثار فى الأجواء و عانقناه و لخّصناه علميّا و خضنا فى مجال الجنسانية .
الحركة الشيوعية المجتمع الإشتراكي وتحرير النساء - قراءة نقدية :
و يجرّنى هذا إلى بعض النقاط المتّصلة بالتاريخ و التأثير التاريخي للحركة الشيوعية لى هذه المسألة – ليس فقط مسألة الجنسانية بل كذلك مسألة العلاقات الجدرية و قضيّة المرأة عموما . و هنا أيضا ، اودّ أن أشدّد على أنّه ثمّة نهائيّا حاجة إلى مزيد التعلّم بهذا الصدد لكن ما يلى هو بعض الملاحظات التى يمكن بدورها أن تستخدم كجزء من إطار لمزيد البحث و التحليل و التلخيص .
و الآن ، ليس لنكون " منصفين " فحسب ببعض المعنى المجرّد ، بل لنكون موضوعيين و علميين و نقرّ بما كان فى الواقع المظهر الرئيسي للأشياء ، بعض التحليل الجوهري الهام جدّا أجرته الحركة الشيوعية فى ما يتصل بالإضطهاد و النضال من أجل تحرير النساء . تاريخيّا ، جدّت إختراقات جديدة أساسية بهذا المضمار مع كتاب إنجلز " أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة " . غير أنّه فى نفس الوقت ، ممتزجة بهذا ، وُجدت داخل الحركة الشيوعية ، منذ البداية و تطوّرت تصاعديّا تيّارات إقتصادوية و قومية و نظرات و قيم بطرياركية وتقليدية تجاه النساء . و إتّخذ هذا تعبيرا حادا عنه فى الإتحاد السوفياتي فى الفترة التى كان فيها بلدا إشتراكيّا .
و لكي نلامس بعض المظاهر الهامة لهذا و التى تتطلّب مجدّدا مزيد البحث و التحليل و التلخيص : فى الإتحاد السوفياتي طل المرحلة الإشتراكية ( من ثورة أكتوبر 1917 إلى أواسط خمسينات القرن العشرين ، عندما وقعت إعادة تركيز الرأسمالية ) حصلت تغييرات كبرى حقيقيّة و بطرق ما تغييرات ذات طبيعة عميقة غيّرت نوعيّا موقع النساء بشكل إيجابي و وجهت صفعة كبرى لللامساواة المتجذّرة عميقا بين الرجال و النساء . لا ينبغى أن نجهل هذا أو نقلّل من قيمته .
و كجزء من هذا ، وُجد بعض التحدّى للأدوار الجندريّة التقليدية فى الثقافة الشعبيّة و كذلك فى السياسات الرسميّة ، لا سيما فى عشرينات القرن الماضي . بيد أنّه وُجدت حدود و نواقص هامة فى هذا، و خاصة بعد عشرينات القرن الماضي ، لم يوجد نقص فى مواصلة تحدّى العلاقات و الأدوار الجندرية التقليدية و تغييرها فقط ، بل فى بعض المظاهر حدث تراجع عن ذلك . و هذا جزء من ظاهرة أوسع لاحظناها و قد تمظهرت فى عدد من الأبعاد المختلفة . مثلا ، فى حقل الفنّ و الثقافة وُجد الكثير من التجريب ، الكثير من إثارة الأشياء فى الأجواء خاصة فى السنوات الأولى من الجمهورية السوفياتية إلاّ أنّه بعدئذ فى نقطة معيّنة ، بعد تعزيز قيادة ستالين بصلابة ، تغيّرت الأمور . و مع ذلك من الضروري النظر عبر عدسات أوسع و عدم إلصاق هذا ببساطة بشخص واحد . لق تركّز الإطار الأوسع بنظرة – كان لها أساس فى الواقع – أنّ ثلاثينات القرن العشرين و خاصة مع نهاية ذلك العقد ، تنامى خطر هجوم إمبريالي على الإتحاد السوفياتي و أنّه كان على أي حال من الضروري أن يصنّع الإقتصاد و يغيّره بسرعة حتّى فى الريف و إلاّ كما وضع ذلك ستالين " سيقضى علينا " . و مع تطبيق هذه المقاربة ، كان كلّ شيء ينحو نحو التقلّص و التوجيه نحو مسار التطوير السريع للإقتصاد . و إلى درجة معبّرة ، أشكال مختلفة من التجريب فى مجالات شتّى – سواء تعلّق الأمر بالفنّ و الثقافة أو مجال الجنسانية والعلاقات الجندرية كان ينزع إلى التراخى و " الضغط " عليه ضمن هذا الإطار أين يدافع عن أنّ تغيير الإقتصاد ، منظور إليه أساسا كمسألة تكنولوجية و تطوّر و تغيير تكنولوجيين ، سيرسى قاعدة ، إن لم يولد هو ذاته ، إلغاء العلاقات الإجتماعية التى ورثت من المجتمع القديم .
ثم ، خاصة فى الفترات المؤدّية تقريبا إلى الحرب العالمية الثانية و خلالها و بعدها ، صدرت عدّة مواقف رسميّة فى الإتحاد السوفياتي شدّدت على أنّه ليس " طبيعيّا " فقط بالنسبة للنساء أن يكون لديهنّ " غريزة الأمومة " و أنّ ترغبن فى إنجاب أطفال و فى تربيتهنّ ، لكن أيضا من واجبهنّ الوطني القيام بذلك – واجبهنّ تجاه الوطن الأم كما جرت صياغة ذلك .
و الآن ، لا يجب فى هذا السياق أن نتجاهل العوامل الموضوعيّة لأوّلا الهجوم الكبير الذى كان متوقّعا و تمّ لاحقا ضد الإتحاد السوفياتيإلى جانب الخسارة الهائلة لحياة الملايين نتيجة مشاركة الإتحاد السوفياتي فى الخرب العالمية الثانية . فى عديد الدراسات التى إطلعت عليها ، وقع تحدّى فعلي للعدد المقدّر بعشرين مليون نسمة ( الذى نعرف أنّه التقدير الشائع لدد الخسائر البشريّة السوفياتية خلال الحرب العالمية الثانية ) من وجهة نظر قول إنّ العدد كان على الأرجح حتّى أعلى ؛ تقدّم بعض التقديرات ب 25 أو 30 مليونا إلى حتى 40 مليونا وليس من طرف أناس ليسوا تماما بعيدين عن الواقع. للتأكيد على مدى فظاعة ذلك ، فإنّ 20 مليون نسمة كأدنى تقدير ستمثّل على الأقلّ 10 بالمائة من السكّان السوفيات زمنها ، بينما 40 مليون ستساوى 20 بالمائة أي 1 من كلّ 5 مواطنين سوفيات ! لذلك يمكن فهم فى مستوى معيّن لماذا غداة تلك الحرب ، وُجد تشديد على الحاجة إلى رفع عدد السكّان إضافة إلى تقوية هذه النزعات لرؤية ذلك كدور و مساهمة أساسيين للنساء . و هذا يمكن فهمه بيد نّه ليس مشروعا و لا مبرّرا و لا مقبولا من الشيوعيين أن يضعوا هذا كإجابة منهم على هذا التناقض الحقيقي و الحاد – الخسارةالهائلة فى عدد السكّان التى خلّفتها الحرب . (14)
بداهة ، فى تاريخ الحركات الإشتراكية و الشيوعية إلى التجربة ى الإتحاد السوفياتي أثناء فترة قيادة ستالين ، بينا مجدّدا عديد التغيّرات و المكاسب الكبرى العميقة و الحقيقيّة تحقّقت فى علاقة بمكانة النساء كما فى حقول أخرى ، و ظلّت هناك حاجة بارزة إلى مزيد القطيعة الراديكالية فى ما يتعلّق بفهم دور النساء فى المجتمع و تغييره بما فى ذلك قطيعة تامة مع " عبادة الأمومة " والأدوار الجندرية التقليدية .
و مثلما أشار بعض الملاحظين المتابعين للتجربة السوفياتية ( و ليس أكثرهم معاداة صريحة للشيوعية فقط ) ، مع شيء من التبرير ، بينما وجدت دعوة للمساواة بين النساء و الرجال – و من المهمّ التشديد على أنّ خطوات هامة قطعت فى هذا الإتجاه فى الإتحاد السوفياتي لمّا كان إشتراكيّا – لم يبذل جهد جوهري و لا صريح لتربية الجماهير و تعبئتها لتحدّى الأوار الجندرية التقليدية و تغييرها بأي نوع من الطريقة التامة كجزء من الإجتثاث الكامل للقيود التقليدية . و كتعبير عن هذا ، بصفة متصاعدة بعد السنوات الأولى للجمهورية السوفياتية ، فكرة إلغاء العائلة إنحسرت ثمّ غابت تماما و عُوّضت بدرجة هامة بتعظيم الأسرة كما وجدت فى الإتحاد السوفياتي – و قد زعم أنّ هذا صنف مغاير من الأسر و بالتالى دور النساء كأمّهات كان يكتسى معنى مغايرا . و مضى هذا مع المديح المتنامي للأمومة بوجه خاص حتى حين تواجدت مع خطوات هامة إتّخذت لتجاوز اللامساواة و الطرق التى كان يُحدّد بها دور النساء – لا سيما حينما سُحب هذا على دورهنّ فى العمل و الإقتصاد – بما فى ذلك رفع العراقيل أمام النساء فى الأعمال المخصّصة تقليديّا للذكور . بكلمات أخرى ، كما صاغ ذلك البعض ، هناك مفهوم وحتى سياسات دفعت بإتجاه المساواة للنساء إلاّ أنّه لم يرفع تحدّى جوهري و صريح أو لم تبذل جهودا لتغيير الأدوار الجندرية التقليدية على الأقّل بعد بداية التجريب فى عشرينات القرن العشرين .(15)
و كلّ هذا يسجّل النقطة الأساسية التى أكّدت عليها : فى الإتحاد السوفياتي لمّا كان إشتراكيّا ، لتوجد فى كلّ من الفهم و الممارسة إختراقات هامة فحسب لتجاوز اللامساواة للنساء فى عديد المجالات المختلفة ، بل وُجد خاصة فى السنوات الأولى بعض التحدّى للأدوار الجندرية التقليدية غير أنّ هذا المظهر الأخير خاصة كان أيضا فى نزاع مع و يفتح المجال بصورة متنامية لتأكيد النظرات و العادات البطرياركية التقليدية ، فضلا عن النزعات الإقتصادوية و القومية فى صفوف الإتحاد السوفياتي و الحركة الشيوعية العالمية عامة كان للإتحاد السوفياتي تأثير كبير فيها .
و فى الصين ، تحقّق تقدّم هام نهائيّا أبعد ممّا فى الإتحاد السوفياتي و منه ما يتّصل بدور النساء فى عدّة مجالات مختلفة من المجتمع . و طريقة من طرق التعبير القويّ عن ذلك كانت فى مجال الثقافة خاصة أثناء الثورة الثقافية – بالأعمال النموذجية للأوبيراو الباليه و ما إلى ذلك . و قد شمل هذا عنصرا تاما من تحدّى الأدوار الجندريّة التقليدية فى الكثير من المجالات المختلفة .
لكن تظلّ هناك تأثيرات هامة للإقتصادوية و القومية و البطرياركية و النظرات و القيم التقليدية المتّصلة بالأدوار الجندرية و خاصة بالجنسانية . و لنضع ذلك على هذا النحو : ما أشرت إليه قبلا ، فى ما يتّصل بالأسئلة التى تثار و الأجوبة التى تقدّم بخصوص الجنسانية و خاصة جنسانية النساء ، عبر حركة تحرير النساء ، لا سيما قطاعاتها الأكثر راديكاليّة ، أثناء ستينات القرن العشرين و سبعيناته – لم تلقى ترحيبا كبيرا و لم تعانقها زمنها قيادة الحزب الشيوعي الصيني . و هذا شيء علينا أن نقرّ به . و فى الجزء الكبير منه ، لم يلق هذا ترحيبا و لا معانقة من قبل القوى الشيوعية الجديدة التى توجّه نظرها وقتها إلى الحزب الشيوعي الصيني و من تلك القوى بوجه خاص الإتحاد الثوري ثمّ الحزب الشيوعي الثوري . سأقول إنّه عند زيارتى للصين فى بدايات سبعينات القرن الماضي ، إلى جانب عدّة أشياء إيجابيّة بدرجة كبيرة سجلتها و ألهمتنى ، أحسست بشعور بنوع من الجوّ الثقيل و معنى ما من القمع فى ما يتّصل بالجنسانية و ناظرين إلى هذا بأفق أرحب ، يبدو أنّه كان جزءا من تيّار تاريخي فى الحركة الشيوعية العالمية لم يقطع معه فعليّا الحزب الشيوعي الصيني و الثورة الصينية . و لم يكن هذا شيئا فريدا من نوعه أو ذى ضعف خاص فى الثورة الصينية مقارنة مع الحركة الشيوعية ككلّ .
بينما مجدّدا هناك بالتأكيد المزيد لنتعلّمه عن هذا ، يمكن أن نقول إنّه فى يخصّ مجال الجنسانيّة ، بطرق ذات دلالة بالنسبة للحركة الشيوعية برمّتها و خاصة بالنسبة لحزيبنا و الإتحاد الثوري قبله ، كانت مسألة المثلية الجنسية ترمز إلى ضعف الحركة الشيوعية و الدول الإشتراكية تاريخيّا – منذ زمن إنجلز ، بملاحظاته المسيئة المأسوف لها عن المثلية الجنسيّة وصولا إلى الثورة الصينية . و هذا بشكل دال قد ركّز ضعفا للحركة الشيوعية حول مسألة الجنسانية بصفة أعمّ بما فيها خاصة كيف ترتبط بمكانة النساء و النضال من أتحريرهنّ تحريرا ناجزا .
الحاجة إلى قفزة أعمق و قطيعة راديكالية و أساسها :
إذن فيما هناك نهائيّا المزيد لتعلّمه من خلال المزيد من البحث و الدراسة و التحليل و التلخيص ، فإنّ كلّ هذا كما أعتقد يُرسى أنّه ثمّة حاجة لمزيد القطيعة الراديكالية و لتركيز أساس صلب للبلوغ الحقيقي ل " الكلّ الأربعة " ببعدهم الأتمّ . و لن يتّخذ هذا تعبيرا تاما او لم يعترف به تماما فى تاريخ الحركة الشيوعيّة بما فيه تاريخ حزبنا ، إلى المدّة الأخيرة حيث شرعنا فى المعالجة الجدّية للمسائل من وجهة نظر مغايرة و أكثر راديكالية .
أتى التغيير فى موقف حزبنا من مسألة المثليّة الجنسيّة (16)بدرجة ذات دلالة نتيجة ما تطوّر إلى خصة جديدة و خاصة المنهج و المقاربة المتجسّدين فى هذه الخلاصة الجديدة . إنّه يمثّل قطيعة مع نزعات و تيّارات داخل الحركة الشيوعية التى إلى درجة كبيرة كانت تخنق هذا النوع من التنظير الراديكالي و الحركة الراديكالية التى ينبغى على الشيوعية عمليّا أن تكون و يجب أن تكون عليه . لكن بالمعنى الحقيقي ، يمثّل هذا بداية نحتاج إلى البناء عليها و المضيّ معها أكثر – على قاعدة مقاربة علميّة و تلخيص علمي لما أشرت إليه سابقا على أنّه ما ينبع من الأحشاء و ما هونظري .
و فى الوقت نفسه ، النضال ضد إضطهاد النساء ، الهادف إلى لا أقلّ من الإلغاء التام و النهائي لكافة أشكال الإضطهاد ، هو أيضا جزء حيوي من القيام بالثورة فى المقام الأوّل ، و دونه لا يمكن أن تحدث ثورة ، بالتأكيد ليس ثورة هدفها الشيوعية . بناء حركة من أجل الثورة أقوى ما أمكن تتجه نحو القفزة الكبرى الأولى لإفتكاك السلطة و إيجاد دولة جديدة ، ثوريّة ، و تمكين الشعب من أن يمتلك قوّة البناء العملي لمجتمع جديد خالى من الإستغلال و الإضطهاد – عندما تكون ظروف ذلك قد وُلدت من خلال سير تناقضات النظام نفسه و العمل الواعي و الصريح و المصمّم إيدولوجيّا و سياسيّا و تنظيميّا للصفوف النامية للشيوعيين الثوريين - هذا ما يجب أن نمسك به و ننطلق منه . و منظورا إليه على ذوء هذا ، هناك حاجة راهنة و ملحّة لمزيد الخوض فى مجال النظريّة و التحليل و التلخيص لتعميق فهمنا فما يتصل بإضطهاد النساء و تحريرهنّ – مشيّدين على و متقدّمين من العمل الذى نجز من أجل التعلّم بعدُ أكثر بشأن جذور إضطهاد النساء و كذلك بشأن الأشكال الخاصة التى يتخذها هذا الإضطهاد فى عالم اليوم و الأسس و الديناميكيّة الماديّة الفعليّة الكامنة وراء هذا – و يركّز كلّ هذا بإتجاه فهم معمّق للظروف الضروريّة للتحرير الكامل للنساء و دور النضال حوا هذا التناقض كجبهة محوريّة و حيويّة من النضال الشامل فى سبيل عالم شيوعي و تحرير الإنسانيّة ككلّ من كافة الإنقسامات الإضطهادية .
و فى هذا الإطار ، أريد أن أقول شيئا بإقتضاب عن الدور الهام لرفاقنا فى الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) فى ما يخصّ قضيّة المرأة . لقد قدّم هؤلاء الرفاق مساهمة غاية فى الأهمّية بتأكيدهم على أنّه على الحركة الشيوعية برمّتها أن تعير المزيد و المزيد من الإنتباه إلى هذه القضيّة ، بإعتبارها ذات أهمّية حيويّة للتغيير الراديكالي للمجتمع و العالم ككلّ ؛ و بإقرارهم بالدور الأكبر حتّى الذى يمكن للنضال ضد إضطهاد النساء – ومثلما يقول شعارنا ؛ إطلاق العنان لعب النساء كقوّة جبّارة من أجل الثورة – و يجب أن يلعبه فى المرحلة التالية الجديدة من الثورة الشيوعية ؛ و بدعوتهم إلى مقاربة مادية علمية ، فى تعارض مع المقاربة الإجتماعية أو الثقافية لهذه القضيّة بينما شدّدوا على الحاجة إلى التعلّم و التلخيص إنطلاقا من موقف شيوعي علمي ، لعمل الآخرين وخاصة منهم الأكاديميين و الأكاديميّات أنصار الحركة النسائية بصدد هذه المسألة . كلّ مساهمات رفاقنا الإيرانيين هذه هامة .
و فى إنجاز المزيد من العمل الخاص بهذه المسألة الحيوية ، سيكون من المهمّ أن نركّز عملنا هذا صراحة على النظرة و المنهج العلميين للمادية الجدليّة و التاريخية .هناك ضرورة الحذر من النزعات نحوالمادية الميكانيكيّة وبوجه خاص نحو محاولة تحديد القاعدة الجوهريّة لإضطهاد النساء ، أو حتى إلى تقليصها إلى واقع أنّه عبر التاريخ الإنساني كانت النساء هنّ اللاتى تلدن الأطفال و أنّه كان على النساء أن تنهض بالمسؤوليّة الأساسيّة لرعاية الأطفال فى سنواتهم الأولى . و إلى جانب هذا ، من الضروري الحذر من النزعات اللاتاريخيّة التى تخفق فى إيلاء الإنتباه الضروري للأشكال الخاصة التى يتخذها إضطهاد النساء فى إطار أنماط إنتاج و علاقات ملكيّة مختلفة ، وكذلك الأفكار و العادات إلخ المختلفة التى تتناسب و نمط إنتاج معيّن .
من أجل أن نرسم بصفة أتمّ طريق تحرير النساء كجزء حيويّ من تحرير الإنسانيّة جمعاء ، فى الوقت الذى نقرّ فيه بالدور البيولوجي للنساء – لا سيما فى ولادة الأطفال و فى رعايتهم المبكّرة ، لا سيما فى ظروف تظلّ فيها رعايتهم ضروريّة – من المهمّ كذلك الإعتراف بأنّه ليست البيولوجيا نفسها هي المصدر الجوهريّ لإضطهاد النساء . بالأحرى ، إنّها الطريقة التى بها وقع تصوير هذه البيولوجيا – أو من الأفضل القول ، عرضت و رُبطت بها – علاقات إنتاج محدّدة ( و ما يتناسب معها من علاقات إجتماعية ). هذه العلاقات قد تطوّرت تاريخيّا و قد تنوّعت فى مجتمعات مختلفة و حقب مختلفة منذ ظهور المجتمع الطبقي ، بالنظر إلى الأشكال الخاصة و الطرق الخاصة التى تجسّد بها الإنقسام و الإستغلال و الإضطهاد الطبقي ، حتى و إن إشتركت فى أنّ جميعها ، بشكل أو آخر ، تجسّد و تنشأ العلاقات الإستغلاليّة و الإضطهادية .
و هذا الفهم و هذه المقاربة حيويين للتمكّن من التطوير الكامل للمفهوم و التوجّه الإستراتيجي و للسياسات و النشاطات النابعة من ذلك ، و التى يمكن أن ؤدّى عمليّا إلى تحرير النساء و الإنسانيّة جمعاء بالمعنى الأكثر جوهريّة و شمولا .
و بهذا الصدد ، من المهمّ أيضا عدم الإستهانة باهمّية بيان حزبنا " بيان : من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء " يبدأ هذا البيان و يستمرّ فى عرض حارق لإضطهاد النساء بعدة أشكال متباينة فى كافة أنحاء العالم بما فيها ما تسمّى بالبلدان الرأسمالية " المتقدمة " . و يتضمّنأيضا تحليلا هاما لكيفيّة و أسباب أنّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي لا يلغى و ليس بوسعه أن يلغي إضطهاد النساء و منه ذلك الذى يتجسّد فى الأدوار الجندريّة التقليدية ، لكن بالعكس يأبّد هذا النظام و يعزّز مثل هذه العلاقاتالإضطهادية فى شكل من الأشكال " العصريّة " و " القروسطية " ، فى كلّ من البلدان الرأسمالية – الإمبريالية ذاتها ، و بالتأكيد فى الولايات المتّحدة ، و فى بلدان العالم الثالث التى تهيمن عليها و تستغلّها و تتحكّم فيها أنّه فقط عبر الثورة و التقدّم صوب الشيوعية عبر العالم و الدور الحيوي للنضال من أجل تحرير النساء فى تلك الثورة ، يمكن وضع نهاية لإضطهاد النساء إلى جانب وضع نهاية لكافة أشكال العلاقات الإجتماعية الإستغلالية و الإضطهادية .
و مع ذلك ، هذا البيان هو تحديدا بيان ، تعبير حيويّ جدّا عن مبدأ و توجّه و محدّد بكلّ من الظروف الراهنة فى العالم و بالإطار الإستراتيجي للثورة الشيوعية . و ليس يعدف بذاته إلى القيام بالتحليل و التلخيص الأعمقين ، بل ليساعد على إلهامهما ، فى علاقة بهذه المسألة التى هي ضرورية لأجل الحصول على أساس أقوى لإنجاز النضال من أجل تحرير النساء – من جميع القيود التقليدية ، منجميع الأشكال الرهيبة لإضطهادهنّ ، ليس عبر التاريخ وحسب بل فى العالم الراهن – كجزء من بلوغ تحرير الإنسانيّة جمعاء .
و هنا أودّ أن أعود خطوة إلى الوراء ( إن أمكن القول ) ، إلى كتاب " الخطوات والقفزات " ( كتاب أرديا سكايبراك " حول الخطوات الأوّلية والقفزات المستقبليّة : بحث فى ظهور الإنسان و مصدر إضطهاد النساء و الطريق إلى التحرّر " ، بانر براس ، 1984 ) . و هذا عمل هام – و أعتقد أنّه لا يزال يتمّ تجاهله إلى درجة كبيرة . والموقف المقتضب التالى من كتاب " الخطوات و القفزات " يوفّر بالأحرى بعض الأفق التاريخي المهتزّ بشأن تطوير فهم علمي لجذور إضطهاد النساء : " يجدر التذكير بأنّ الجذور المادية للمكانة الإجتماعية التبعية لنصف الجنس البشري عبر التاريخ المسجّل لم تُطرح كمسألة و كذلك بالتأكيد لم تحظى بالبحث الجدّي الذى تستحقّ إلى اواسط القرن التاسع عشر . "
و تستطرد سكايبراك لتوضّح أنّ ماركس و إنجلز :
" قد إخترقا الأفكار الإجتماعية المسبّقة فى زمنهم ليشدّدوا على أنّ الوضع التبعي للنساء لا علاقة له لا بالنواقص الفطرية للطبيعة الأنثوية و لا بأية أوامر إلاهية ( أو " مظاهر طبيعية " ) مقدّسة لنظام الأشياء هذا . لقد دافعا عوض ذلك ، على أنّ إضطهاد النساء كان نتيجة و إفرازا للتنظيم الإجتماعي للبشر ، محدّدا بالأساس فى كلّ مجتمع معطى بالمستوى المعيّن من تطوّر قوى الإنتاج و مجموعة علاقات الإنتاج المتناسبة معه . "(الفقرات المقتبسة أعلاه من كتاب سكابراك ، ص 107 ).
لا يجب بأية شكل أن نستهين بالأهمّية العميقة لهذا الإختراق الماركسي الأوّلى و دلالته المتواصلة . و فى نفس الوقت ، مع ذلك ، هذا ، من وجهة نظر تاريخيّة ، إختراق أوّلى – أساس أوّلي ينبغى البناء عليه و التقدّم نوعيّا . و هذا طبعا شيء ينسحب على جميع الإختراقات العلمية ، بصفة أخصّ عندما تكون لها صلة بهذه القضيّة الحيويّة و تكون موضع نزاع كبير ، قضيّة العلاقات الإجتماعية و طبيعة و آفاق المجتمع الإنساني و النضال المرتبط بكلّ ذلك " . (17)
ويُشير كتاب " الخطوات و القفزات " إلى التطوّرات المحوريّة فى لاقة بذات هذا التناقض الهام جدّا و يقوم بمساهمات غاية فى الأهمّية فى تحليل هذا التناقض : إنقسام العمل الأوّلى و الأساسي بين الرجال و النساء الذى لم يكن ممكنا تجنّبه فى المجتمع الإنساني البدائي ، نظرا للإختلافات البيولوجيّة المتّصلة بولادة الأطفال و رعايتهم فى سواتهم الأولى – مشدّدين على أنّ هذا التقسيم للعمل لم يكن ليمثّل علاقة إضطهاد ، على الأقلّ ليس بأي معنى متطوّر تماما و مؤسّساتي ، بل إنّه من الجهة الأخرى ، كان ينطوى على بذور العلاقات الإضطلاعيّة بين الرجال والنساء خاصة ، ما سينضج( مواصلة للإستعارة ) لاحقا إلى علاقات إضطهادية مع تغيّرات فى النشاط الإنتاجي لمجتمعات إنسانيّة متنوّعة ، و الوزن النسبيّ الذى إكتسبته أنواع مختلفة من الشاط الإنتاجي الأساسي ، و إلى جانب ذلك ، ظهور المراكمة المختلفة للفوائض الماديّة و التغيّرات المناسبة فى الملكيّة و فى العلاقات الإجتماعية الأخرى .
و يشير " الخطوات و القفزات " إلى هذا الإستنتاج التاريخي العالمي الحقيقي :
" إنّ الضرورات البيولوجية لرعاية الأطفال ليست هي ذاتها غير قابلة للتبدّل أو ليست هي بالضرورة عواملا قارة و فى آخر المطاف ، الصياغة العميقة للمجتمع الإنساني لم تقم على المميزات البيولوجية و لم تساهم فى تقييد نشاطات نصف الجنس البشري . " ( ص 137)
و إلى جانب هذا ، من الأشياء البارزة بقوّة كبيرة فى كتاب " الخطوات و القفزات " نعثر على الطريقة التى يتفحّص بها كافة المحاولات المختلفة – من البيولوجيا الإجتماعية إلى النظريّات العامة عن الطبيعة الإنسانيّة و هكذا – ليبلغ فهما بديلا علميّا لواقع يحدّق لنا فى مواجهة : إضطهاد الساء و كلّ العلاقات الإضطهادية و الإستغلالية متجذّرة فى الظروف المادية الفعليّة التى نشأت عن التطوّر التاريخي للمجتمع الإنساني . و مع نهاية " الخطوات و القفزات " ، يسلّط الكثير من الضوء على هذه المفارقة الكبرى : فى ذات الوقت الذى كانت فيه حاجة و إمكانية إلغاء كلّ هذا و تجاوزه موضوعيّا ، تطرح نفسها بشدّة متزايدة ، هناك محاولات متزايدة للإبتعاد عن ذلك و إيجاد أي نوع من الشرح لوضع العلاقات الإجتماعيّة الإنسانية و الفظائع الحقيقيّة جدّا المرتبطة بهذا – شروح مهما كانت المحاولة لا يمكن سوى أن تؤدّى إلى تأبيد كلّ هذا .
و بالعمل على هذا الأساس الموضوعي ، بمعنى فهمنا و قدرتنا الواعيين على المبادرة الواعية ، لدينا قدر كبير عليه نبنى إلاّ أنّه علينا مواجهة تحدّيات عديدة فى تقدّمنا و بلوغنا خطوات متقدّمة جديدة . هناك حاجة لمزيد الدراسة و الخوض على هذا الأساس من التطبيق الصريح للنظرة و المنهج العلميين ، و خاصة للنظرة و المنهج العلميين للمادية الجدلية و التاريخية ، كما تطوّرنا إلى الآن و القيام بذلك على نحو يساهم فى تطوّرهما أكثر و حتّى نوعيّا .
من المهمّ فهم أنّه أيضا ، ليست المسألة مسألة تطوّر خطّي . هذا شيء يجب تعلّمه من التجربة التاريخية التى عرضنا هنا ، فى التشديد على الحاجة إلى مزيد التلخيص ، بما فى ذلك الفرصة الضائعة لتلخيص يشمل العقود الماضية مما تكثّف ذلك فى قصّة إجتماع الحركة الشبابيّة الثوريّة والموقف الصادر من القلب هناك – أنّه إن كنت رجلا و تريد حقّا أن تكون راديكاليّا ، عليك أن تتعلّم كيف هو شعور أن تكون إمرأة – و النقطة العامة حول قدر ما كانت متحدّة و تخوض فى الحركة النسائيّة ، وعلى وجه الخصوص تيارتها الأكثر راديكاليّة التى ظهرت خلال ستينات القرن العشرين إلى سبعيناته ، و أشارت سائلا حيويّة كان ينبغى ، و لم يتمّ الترحيب بها تمام الترحيب و معالجتها بعمق و إستيعابها إستيعابا صحيحا و تلخيصها تلخيصا صحيحا عن طريق التطبيق الصريح لوجهة النظر و المنهج الشيوعيين. هذا ما علينا فعله الآن . و بالقيام بذلك ، علينا التعلّم من أخطائنا : ليس بوسعنا العودة إلى الوراء و تصحيح ذلك الخطأ لقبل 40 سنة لكن بإمكاننا و يجب علينا التعلّم منه .
فى 1970 ، كتبت سوزان بروننيلار " لا نريد أن نكون لا مضطهِين و لا مضطهَدين . الثورة النسائيّة هي الثورة النهائيّة لجميعهم " . ( سوزان برونميلار ، " أختيّة قويّة : عضوة من حركة تحرير النساء تشرح ما يعنيه كلّ ذلك " ، مجلّة نيويور تايمز 15 مارس 1970 ، ذكره آريال ليفي فى كتاب " خنازير الإيناث الشوفينيات و النساء و ظهور ثقافة المزرعة " ( المنشورات الحرّة ، 2005)- نقد للنساء اللاتى تروّجن لإهانة النساء من خلال البرنوغرافيا و مظاهر أخرى" لثقافة المزرعة " و الآن عند قراءة كتاب برونميلار " فى زمننا : ذكريات ثورة " ( منشورات دال ، 1999) من الجلي أن سياساتها مضت بإتجاه الإصلاح عوض الثور. وحتى زمن كانت جزءا من تمرّد أكثر راديكاليّة و أعربت عن الموقف المذكور أعلاه ، يبدو واضحا أنّ هناك بعض الدود الهامة فى كيفيّة رؤية برونميلار ل" الثورة " و أنّها كانت متأثّرة بتيّارات متناقضة منها ليس التيّارات الثوريّة فحسب و إنّما أيضا التيّارات التحريفيّة . لكن مهما كانت الصورة التامة لهذا ، فإنّ ذلك لا ينفى المساهمات الهامة التى قامت بها هي ومثيلاتها ، و خاصة فى فترة نهاية ستينات القرن لعشرين و بدايات سيعيناته ، و لا يجنّبنا مسؤوليّة الفهم الصحيح و التلخيص الصحيح لشيء جدّ هام تحدّث عنه تصريح أنّ " ثورة النساء هي الثورة النهائيّة لجميعهم " .
و ثمّة شيئان إثنان لهما أهمّية وجب التشديد عليهما مرّة أخرى فى علاقة بهذا ؛ أوّلا ، أنّ تحرير النساء لا يمكن بلوغه إلاّ كجزء من الثورة الحقيقيّة و العميقة – الثورة الشيوعية – الثورة الأكثر راديكاليّة فى كلّ التاريخ الإنساني و هدفها تحرير الإنسانية جمعاء ، القفزة التارخية التى تتجاوز كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال ، من خلال تغيير جميع الظروف المادية و الإيديولوجية التى تولّد الإستغلال و الإضطهاد و تعزّزهما . و فى نفس الوقت ، جزء جوهري و حيوي من تلك الثورة ، دونه لن تحقّق تلك الثورة أبدا أهدافها ، هو النضال من أجل التحرير التام للنساء .
يجرّنا هذا إلى العودة إلى النقطة الهامة جدّا من " نهاية مرحلة – بداية مرحلة جديدة " حول التناقضات التى لم تحلّ فى ظلّ الإشتراكية . وما قيل هناك هو طريقة أخرى للتعبير عن فهم أنّ النضال من أجل التحرير التام للنساء سيكون جزءا حيويّا من " الثورة النهائيّة " . و بعبارات أخرى ، سيكون مكوّنا حيويّا فى أن يدفع إلى الأمام ليس النضال الثوري للإطاحة بحكم الرأسمالية – الإمبريالية وحسب بل لمواصلة الثورة ، فى المجتمع الجديد ، الإشتراكي ذاته ، بغاية التقدّم على الطريق المؤدّى إلى الهدف النهائي للشيوعية . و المسألة هي أنّه ضمن التناقضات التى لم تحل و التى ستبقى فى المجتمع الإشتراكي و التى يمكن أن تكون قوّة دفع تحرّك الثورة إلى الأمام ، الطريق المستمرّة التى سيحتاج تحرير النساء النضال من أجله و النضال عبرها سيكون أكثر المظاهر و التعبيرات عن ذلك حيويّة .
ينبغى أن يكون واضحا أن ما ستشمله هذه السيرورة برمّـها ليس مسألة تطوّر خطّي – ليس مجرّد تواصل خطّ مستقيم من نظريّة الحركة الشيوعية و تجربة المجتمع الإشتراكي – لكنّه سيكون بالضرورة سيرورة أعقد بكثير و أعنى ، مستفيدة و متعلّمة من تجارب متنوّعة أكبر بكثير و من التحليل و التنظير المنجزين من آفاق متباينة و الممثّلين فى النهاية لوجهات نظر طبقيّة مختلفة – و جميعها ينبغى تفحّصها و معانقتها و فى نفس الوقت تلخيصها عبر تطبيق النظرة و المنهج الشيوعيين .
و فى ختام هذه القضيّة الحيوية ، كلّ ما جرى التعرّض له هنا يؤكّد على الحاجة إلى مزيد القطيعة و القفزات – فى النظريّة و فى الممارسة التى ترشدها النظرية – بشأن تحرير النساء كجزء حيوي من الثورة الشيوعية و تحقيق " الكلّ الأربعة " بالمعنى الأتمّ . يؤكّد على الحاجة إلى التطبيق المنهجي و إلى منهج الخلاصة الجديدة و مقاربتها بخصوص هذه المسألة و على التقدّم الحاسم و الملحّ الذى نحتاج أن ننجزه على هذا الأساس .
==================
11- مجلّة " الورقات الحمراء " عدد 3 ، " كفاح النساء من أجل التحرير " ، نشرها سنة 1970 الإتحاد الثوري لمنطقة الخليج و حاليّا لم تعد متوفّرة بالمكتبات .
12- هنا يستشهد البيان بموقف صدر فى الأصل فى خطاب بوب أفاكيان " لماذا نحن فى الوضع الذى حن فيه اليوم ... وفعل إزاءه : النظام الفاسد تماما و الحاجة إلى الثورة " . و هذا الخطاب متوغفّر على الأترنت على موقع
bobavakian.net
13- بينما إلى درجة ذات دلالة ، قد شمل الإرتفاع الدرامي فى تشغيل النساء فى الولايات المتحدة فى العقود الأخيرة نساء و عائلات " الطبقة الوسطى " محدّدة بصفة واسعة ، تنامى أيضا بشكل بارز عدد الطبقة العاملة و النساء الفقيرات العاملات خارج المنزل – و قد ترافق كلّ هذا بمدّ كبير فى إنخراط النساء المهاجرات العاملات فى الأشغال الزهيدة الأجر ، و كذلك العاملات فى المؤسّسات غير القانونيّة كالدعارة . كتاب " إمرأة الكوكب : الخادمات و العاملات بالجنش فى الإقتصاد الجديد " ، نشر بمقدّمة لبرنارا أهرنرايش و آرلى روسال نلوسشايل ( هولت برباكس ، 2002 ) ، يتفحّص ظاهرة تأنيث عمل المهاجرات ، بشكل " قانوني " و " غير قانوني " على نطاق عالمي فى العقود القليلة الأخيرة – لا سيما ذلك الذى يشمل الإطار النموذجي للهجرة من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنيّة – و يلقى ضوءا على مظاهر هامة لكيف أنّ هذا يستخدم لتأبيد النظام الإمبريالي و " أنماط حياة " الذين يوجدون فى مواقع أكثر إمتيازات ضمن القلاع الإمبريالية كالولايات المتّحدة ، طفيلية تتطلّب إلى درجة ليست صغيرة و عادة إستغلالا قاسيا – بما فيه العبودية التامة خاصة فى حال العديدين الذين وقعوا فى براثن " صناعة الجنس " – ما تتكبّده الملايين فالملايين من العاملات من الساء المهاجرات .
14- يجب التشديد هنا على أنّ هذه النظرة لمساهمة النساء فى البلا عبر رعاية الأطفال ، لم تكن لدى ستالين و القيادة السوفياتية وحدهما زمن ستالين . و لنضرب مثلا على ذلك الموقف التالى للإشتراكي الألماني أوغست بابل فى الجزء الأوّل من القرن العشرين : " تقدّم المرأة التى تلد أطفالاعلى الأقلّ نفس الخدمة للصالح العام مثل الرجل الذى يفع عن بلاده و يجازف بحياته ضد عدوّ يبحث عن الغزو " ( كتاب " النساء فى ظلّ الإشتراكية " ). و من الهام التشديد على أنّ موقف بابل هذا صدر فى إطار التأكيد على الأخطار التى تواجهها النساء عند الولادة كجزء من جدالبإسم المساواة للنساء و فى معارضة محاولات تحديد دورهنّ فى الحياة العامة و فى المساهمة فى المجتمع عامة . و هذا الموقف لبابل ليس ذات النوعيّة كالتالى الذى تمّ التصريح به خلال الفترة عينها البطل العدواني للإمبريالية الأمريكية ، تيودور روزفالت : " المرأة التى سواء بفعل الجبن أو الأنانيّة أو بفعل مثل أعلى خاطئ و خاوي تتهرّب من واجبها كزوجة و أمّ ، تستحق الإزدراء بالضبط مثل الرجل الذى بفعل أيّة دوافع يخشى القيام بواجبه فى المعركة عندما تطالبه البلاد بذلك " . ( ذُكر فى كتاب " لمصلحتها الخاصة " ، ص 209). و مع ذلك ، بابل مثله مثل ستالين و قادة إشتراكيين و شيوعيين بارزين آخرين دافعوا عن قادوا النضال بإسم المساواة للنساء ، لم يكووا متخلّصين من تأثير النظريّات الأبويّة و حتى البطرياركية تجته النساء .
15- هامش للكاتب : فى علاقة بهذا ، كجزء من البحث فى هذه المسألة ، إعترضتنى إحالة على كتاب لم أطّلع عليه بعدُ – و بالتالى ليس بوسعى أن أقيّم الكتاب برمّته – لكن هذه الفقرة المشار إليها يبدو أنّها تسجّل نقطة هامة . و هذا الكتاب هو " خلق روزى ريفتار : الطبقة و الجندر و الدعاية خلال الحرب العالمية الثانية " لمورين هونى ( منشورات جامعة ماساشوساتس ، 1984 ) . و يبدو أنّه يقارن التجربة فى الولايات المتّحدة ( مثلما تشهد على ذلك الإحالة على روزى ريفتار ) و الإتحاد السوفياتي فى إطار الحرب العالمية الثانية ، و يشخّص بعض أوجه الشبه ذات الدلالة بين الإثنين : الوضع حيث ( رغم أنّ التقديرات هي أنّ فى الإتحاد السوفياتي تقريبا مليون إمرأة شاركتفى حرب الأنصار و أشكال أخرى من النشاط العسكري فى القتال ضد النازيين ، وهو شيء مختلف ع ما حصل فى الولايات المتحدة ) بأعداد كبيرة من الرجال فى الجيش ، كانت النساء بشكل متصاعد ، فى الإتحاد السوفياتي – و بطريقة جديدة ، بمعاني معينة فى الولايات المتّحدة – تنهض بأدوار فى الإقتصاد تقليديّا إحتلّها الرجال و منها عامة مُنعت النساء . لكن هناك طريقة بها – حتى فى الإتحاد السوفياتي و ليس فى الولايات المتحدة فحسب – وقع تقديم دور النساء هذا فى الإنتاج ، إلى جانب دورهنّ كأمّهات ليس ( وفى الولايات المتّحدة بوجه خاص ، ليس كثيرا ) كمسألة حقوق و مساواة فقط بل كمسألة واجب و بصورة أخصّ واجب وطني تجاه البلاد . و هذا شيء يجد بنا رصده أكثر .
16- من أجل نقاش موقف الحزب الشيوعي الثوري حول المثليّة الجنسيّة ، و تطوّر ذلك الموقف ، و تضمّنه تغييرا كبيرا نوعيّا فى نظرته لهذه المسألة ن أنظروا " حول الموقف من المثليّة الجنسيّة فى مشروع البرنامج الجديد " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري 2001 .و أنظروا أيضا كتاب بوب أفاكيان و بيل مارتن " الماركسية و نداء المستقبل : حوار حول الأخلاق و التاريخ و السياسة " ( اوبن كورت ، 2005 ) خاصة الفصل 21 ، " الجنسانية و المثليّة الجنسيّة " .
17- هنا يجدر بنا أن نسجّل موقفا لإنجلز ذُكر فى " الخطوات و القفزات " بشأن ، كما قال إنجلز نفسه " إنّ الرأي الزاعم أنّ المرأة كانت عبدة الرجل فى بداية تطوّر المجتمع هو من أسخف الآراء التى تركها لنا عصر الأنوار فى القرن الثامن عشر " ( إنجلز ، " أصل العائلة و الملكيّة الخاصة و الدولة " ذكرته سكايبراك ص 111) .
و هذه ملاحظة من إنجلز جدّ لاذعة وهي تأكّد مرّة أخرى على التوجّه الأساسي الذى شدّدنا عليه ألا وهو أنّ التنوير ، نعم و لا . هناك نهائيّا أشياء من التنوير يجب أن نرفع رأيتها و ندافع عنها و لهذا أهمّية خاصة اليوم و التنوير و خاصة مظاهره الأكثر إيجابيّة تتعرّض إلى الهجوم من قبل الأصوليين المسيحيين الفاشيين النينرتال الذين يمثّلون قوّة كبرى فى الولايات المتّحدة و هم فى الواقع ليسوا أقلّ ظلاميّة من أكثر الأصوليين الإسلاميين المتخلّفين .
لكن ، فى نفس الوقت ، ثمّة حاجة إلى إعادة صياغة ما هو صحيح و ما هو قيّم فى التنوير ، و قطيعة مع ما هو غير إيجابي فى التنوير كجزء من القطيعة الراديكاليّة مع الأفكار التقليدية و كذلك مع كلّ علاقات الملكيّة التقليدية . ( بهذا المضمار ، أنظروا " الماركسية و التنوير " فى كتاب بوب أفاكيان ، " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة و العلم و الفلسفة " ، إنسايت براس ، 2005 ).
======================================================



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان من - عصيان - [ الإيرانيّة ] بمناسبة 8 مارس : اليوم العا ...
- 8 مارس ، اليوم العالمي للمرأة لمناهضة الإضطهاد الجندريّ !
- بصدد هجمات الحكومة البولونيّة على حقّ الإجهاض و المدّ العالم ...
- في فنزويلا النساء تجبر على أن تصبح أمّهات
- المنهج و المقاربة ، الشيوعيّة كعلم - مقتطف من كتاب - الشيوعي ...
- سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل ...
- ضحايا الخداع و خداع الذات - مقتطف من كتاب -الشيوعية الجديدة ...
- مجاعة 1933 في الإتّحاد السوفياتي : ما الذى حصل فعلا و لماذا ...
- دحض الأكاذيب الكبرى المشوّهة للشيوعيّة - من الملحق الثالث من ...
- ما الذى حدث و لماذا ... و ما الذى يجب القيام به ؟ - بصدد الأ ...
- مقدّمة الكتاب 38 : الشيوعية الجديدة - لبوب أفاكيان
- مسألة ستالين و - الستالينيّة - - مقتطف من خطاب - نهاية مرحلة ...
- عرض موجز لوجهات نظر حول التجربة التاريخيّة للحركة الشيوعيّة ...
- اللينينيّة كجسر – الفصل الثالث من - تقييم علمي نقدي للتجربتي ...
- بعض التلخيص للحركة الماركسيّة – اللينينيّة التي نشأت في ستّي ...
- الإمبرياليّة – ما هي و ما ليست هي – و الحزب الديمقراطي كمؤسّ ...
- الطفيليّة و إعادة التشكّل الاجتماعي و الطبقي في الولايات الم ...
- المزيد عن الآفاق التاريخيّة للخطوات المتقدّمة الأولى في إفتك ...
- المزيد عن الثورة البروليتاريّة كسيرورة عالميّة
- الهراء الخطير لآيس كيوب أو ... أسطورة التمكين الاقتصادي للسو ...


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الشيوعيّة الجديدة و قضيّة تحرير المرأة : مزيدا من القفزات و القطيعة الراديكاليّة