أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (ماركس العراقي) ح 27















المزيد.....

رواية (ماركس العراقي) ح 27


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6827 - 2021 / 2 / 28 - 04:01
المحور: الادب والفن
    


يقول ماركس في أحدى مقولاته أن الوجود ليس مسرحية جئنا لنشاهد أحداثها، بل هي فرصة لنا لنلعب دور البطل فيها.... الحدث الذي يجري الآن في مدن العراق ليس بالتأكيد مسرحية يستمتع الجمهور بها ويصفق لها عند أنتهاء العرض، إنه قيامة الموت في بلد لا يريد أن يموت ولكنه مرغم تحت الضربات القوية أن يصمت ولو إلى حين، كل الأخبار التي تصل عبر وسائل الإعلام المتوفرة وعلى قلتها توحي أن شحذ السكاكين قائم على قدم وساق ولكن لا أحد يسأل من هي الضحية القادمة؟ فلم يبقى مجال أو فرصة لمزيد من الأموات وخزائن العراق من الأرواح مرعبة.... خرج الجيش العراقي كله من الكويت يجرجر جراحاته لكنه لم يلعقها بعد... اليوم الثاني من أذار يبدو أسودا من كل الجهات ومظلما كأن الشمس أنزوت حزينة في محجرها الجديد وهي ما تعلمت أن تدخله لأجل أحد، لكن لعيون العراق الممزق بين بنادق الرفاق والأخوق الشقاق وعدو يحلم أن تتهدم أسوار بابل وتختفي من وجه التأريخ ومرارة الثأر الذي أشعل في كل زاوية فيه موقد للنار المقدسة لديه.
لا أنكر ان الجريمة التي تحدث اليوم بحق البلد هي جريمة من خرج يحمل النار ليوقد ما يظنه ثورة على الجلاد القابع في قصوره محميا بكل وسيلة، ولا أنكر حق من شعر بالعار والذل حين زجوا به في معركة غير متكافئة يقودها خروف أخرق مقابل نمر صعب المراس، تعلمت أن أفكك المهد وأعيد صياغته قبل أن أصدر حكمي عليه، لذا كان خوفي أن ما يجري في العراق اليوم ليس ثورة أحرار بل أنتفاضة عبيد يستبدلون سيد طاغي بسيد أكثر طغيانا، حدثت نفسي هل هناك من أمل في تمرد يقوده ضحايا متعطشون لثورة دم بدل أن يقودها نخبة عاقلة تزن الخسارة والربح في ميزان المنطق، في الشوارع الآن شبه غياب تام لمظهر السلطة وقوة الحزب الذي كان أسمه يكفي ليرعب الشجاع.
صباح اليوم التالي تكاثفت حشود الناس التي أعلنت تمردها على سلطة بغداد وقبل الظهر تماما إنهارت الدولة في النجف كبقية المدن التي تمردت قبلها، الغريب أن الناس التي عانت من عوز وفقر ونقص في كل الخدمات أجهزت على ما بقي من مؤسسات الدولة، أطفال ونساء وكبار وصغار صارت وجهتهم كل ما يتعلق بالدولة ويعود لها بين ناهب وحارق، من خرج من داره من الرفاق أو الشرطة أو كبار الموظفين أنقطعت أخبارهم، الحزبيون البعض منهم مرمي جثث في الشوارع دون محاكمة أو سؤال وجواب، من جلس في داره هجمت قطعان المستفزين بظاهرة العقل الجمعي ليقتل أمام عائلته أو بساق إلى حيث مجهول ينتظره، مقالات من هنا وهناك أن فيلق بدر قد وصل من إيران ليتولى الحكم ويفرض نظام جديد، المتاريس في الشوارع وتحولت النجف إلى ساحة معركة قادمة، السيطرات في كل فرع وشارع لا تعرف من هو المسئول عنها وماذا تريد.... الملخص دورة رعب جديدة بعد أن هدأت دورة الصواريخ عابرة القارات والطائرات الشبح وغير الشبح.
بهذا اليوم تأكدت لحقيقة كثيرا ما حاولت أن أسترها وأخفيها حتى عن نفسي وهي، أن جوهر الصراع السياسي الذي جرى منذ تموز عام 1958 ولغاية أذار 1979 لم يعد هو صراع بين قوميين ويساريين وبين الشيوعية والبعثية أبدا، في هذا المفصل المهم من تاريخ العراق تحول الصراع مباشرة إلى صراع ديني مذهبي بين سنة السلطة في العراق وشيعة السلطة القادمون بقوة إلى إيران، صراع تأريخ وليس صراع سياسة ومصالح وطن وقضايا أمنه وتطوره، والخطيئة الكبرى هنا الدخول في هذا الصراع سينتهي يوما ما إلى تفكيك علاقة الفكر بالمجتمع كأداة للتغيير والتطور، هنا سقطت نظريات كل علماء الأجتماع ومفكروا الأيديولوجيات التي تتنبأ بأنتصار المنطق العقلي بأنتصار إرادة الشعوب، عندما يسيطر التاريخ على السياسة ستسحق الشعوب بعجلاته الثقيلة وعليه أن يعيد فتح كل الجروح الغائرة ليشم منها رائحة الكراهية والحقد وصراعات لا ينتهي على مجد وهمي كان.
أستحضرت هذه الفكرة وقناعتي بها ترسخت عندما رأيت شعارات المنتفضين والمتمردين في شوارع النجف تدور حول الثأر والمذهب، لكنها لا تتكلم عن الغد وعن السلام وبناء وطن وإعادة العراق إلى مسيرة الأمم والمجتمعات التي تخلصت من نير العبودية لتتفرغ لبناء إنسانها أولا، رجعت لأنزوي في بيت أهل زوجتي أفكر في طفلي وعائلتي وأهلي كجزء من تفكيري بوطن ذاهب إلى مستنقع أخر قد يكون ألعن من الطوفان الذي كنت أخشاه أو تلك القيامة التي شاهدت وعشت نيرانها من طريق السالمي إلى المطلاع إلى ساحة سعد وصولا للنجف التي أفزعني مشهدها اليوم، يا ترى هل كل ما جرى كان وفق ما يقول البعض مخطط له ومرسوم بعناية، كم كنت بحاجة لعقل أخر يحاورني يفتح معي أبواب السؤال والجواب، ما من أحد يمكنه أن يرسم معي صور وسيناريوهات المشكلة أو الحل والكل مفجوع بأحد وخائف من القادم المظلم.
بالكاد يمكننا تدبر أمرنا المعيشي اليومي والأهم أن لدينا طفل بحاجة للحليب وإلى رعاية خاصة، لم يتم بعد الستة أشهر وهو لا يدري ما يدور من حولنا، الماء الذي يصل بيوتنا شبهات تتردد على أنه غير مطابق للمواصفات الصحية لتعطل كل دوائر الدولة وفقدان التيار الكهربائي، برودة الجو وفقدان النفط والغاز الذي تحول إلى سلعة نادرة جعلت الناس تهجم حتى على أشجار منطقة الحزام الأخضر لتوفر لها مصدر للطاقة والطبخ، الطرق تقريبا شبه مقطوعة بين المدن لعدم توفر وسائل النقل، لكن هناك في وسط المدينة حيث يتمركز قادة المتمردين كل شيء موجود، طعام وقود كهرباء إلا الأمن تبحث عنه في وجوه الذين يتزعمون كل شيء، الخوف من أي خبر أو وشاية أو معلومة تجعلهم يفزعون من أماكنهم يتصرفون كالحمقى.... الكلمة التي تعلو كل الكلمات هناك... قال السيد .. وأمر السيد ولكن لا أحد يعرف على وجه التحديد من هو السيد؟ وأين يمكن أن تجده؟.
أنباء ترد من مصادر مختلفة أن الجيش العراقي وبدأ من ألوية الحرس الجمهوري أعادت تنظيم صفوفها وباشرت في التحرك نحو مناطق الوسط والجنوب، هذا الأمر وإن أعاد الأمل في أن تتراجع حدة العصيان والتمرد على الأقل مع دخولها الكثير من المدن القريبة من بغداد وحزامها الأمني، لكنها تنذر أيضا بجولة من العنق والموت ليطال هذه المرة الكثير ممن لم تطاله الجولة الأولى والثانية، ظهور السيد الخوئي مع الرئيس في لقاء تلفزيوني لخبط الكثير من الأفكار والتصورات عمن يسند الأنتفاضة، لاسيما وأنه جاء في وقت تحركت به القوات قريبا من كربلاء ودخلتها بالقصف المدفعي والصاروخي الذي بالتأكيد لم ولن تتحمله مدينة وادعة وصغيرة، عادت فكرة الصراع التأريخي مرة أخرى لذهني وأنا أسمع وأشاهد ما تيسر من أخبار عن دخول الحرس الجمهوري لكربلاء وتحديدا محاصرتها لبعض الذين لاذوا في مقامي الإمامين، لم تتوانى دبابات الجيش من رمي المكان بقذائفها التي حطمت ما كان يعتقد أنه بمقام أستار الكعبة.... سقطت كربلاء والجيش مستمر بالزحف وجهته النجف الآن.
بعض الهاربين ممن شارك في أعمال التمرد أو الهاربين أصلا من الخدمة العسكرية ولم يلتحقوا بوحداتهم، أو الناس الذي أجبرها القصف والأخبار المشوشة على ترك البلدة والتوجه نحو النجف، في عربات الحمل أو السيارات الكبيرة والباصات والشاحنات ومعهم بعض ممن كان يحمل السلاح ويشهره كجزء من إثبات الوجود، البرقيات السرية ومصادر المعلومات كانت تؤشر ذلك مع إحداثيات المكان فتعالج بالطائرات السمتية فيسقط العشرات على الطريق بين قتيل وحريق، الإذاعات الطوافة التي ملئت سماء كربلاء كانت تدعو الناس للتوجه غربا صوب منطقة الرزازة، والنتيجة أن من ذهب لاقى أصناف العذاب والتنكيل والقتل وكأن الأمر قصاص جماعي من شعب مدينة بقيت لعقود تنزف رجالا ونساء بلا حساب، إنها نتاج صراع السقيفة وما جرته على العراقيين تحديدا في حين سلمت منه بلد السقيفة ذاتها.
كنت أتمنى أن أكتب كل صغيرة وكبيرة وأوثق كل ما جرى بقلم الواقع وحرارة الحدث، لكن من يضمن لي أني سأسلم على جلدي لو أطلع عليها رجل أمن فاشي أو رفيق حزبي نازي أو معارض يرى فيما أكتب تجاوزا على مبدئيته وخياراته، لذا تركت فكرة الكتابة لوقت أخر عسى أن أجد وقتا وحالا متاحا لا يجرني إلى حيث أكره، وبقيت أمنية الكتابة تراود مخي وتحضر معها وصية أستاذي على الخطيب أن لا أكتب قبل أن أرى الكتاب في الشوارع يتداول دون خشية أو خوف، وأعود فأهرب لعقلي أحاوره ويحاورني بصمت وكأن العالم أطرش وأبكم ولا يرى ما يجري، مرت أيام ظننت نفسي لست أكثر من كائن مهزوم تقتله الحسرة في أن يقول كلمة أو ينطق بفكرة، هذا الحال عمقته وجذرته أصوات المدفعية وسقوط الصواريخ على أطراف المدينة تمهيدا لدخولها بعد أن أجتازت القوات القادمة منطقة خان النص غربا والكفل شمالا، وكلما أقتربت طلقات الرشاشات الثقيلة أدركنا أن الخطر كغول مفترس يقترب منا، تجمعنا لأكثر من عائلة في بيت عديلي وكان شعارنا نموت معا أو نحيا معا.... لكن سقوط أكثر من صاروخ وقذيفة بالقرب من المكان حملنا على أن نحزم قرارنا بالهروب صوب الجنوب إلى منطقة أبي صخير أنتظارا لأي جديد.
مئات الرجال والنساء والأطفال تتجه مشيا نحو وجهتنا القادمة خوفا وهربا وأحتماء بملاذ أمن أو ربما مكان يحمينا من غضبة التاريخ القادمة إلينا بعنوان أسترداد وطن، لم يكن الوطن سوى مسمار الجدار الذي نعلق عليه أوثاننا، فالسلطة تنتقم من الوطن والمتمردون ينتقمون من الوطن والوطن بالتأكيد لم يصدق أحد وهو يرى أبنائه كالأضاحي تأكلها لكلاب في الشوارع، هذه الحقيقة ليست رواية أو مثل أنها عشرات الجثث التي قتلها المنتفضون فتركوها هكذا، وعشرات أخر لهم وقد تركتها السلطة تشفيا بهم وليكونوا عبرة... وأخ يا وطن.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى قداسة البابا المحترم..
- رواية (ماركس العراقي) ح 26
- رواية (ماركس العراقي) ح 25
- رواية (ماركس العراقي) ح 24
- رواية (ماركس العراقي) ح 23
- رواية (ماركس العراقي) ح 21
- رواية (ماركس العراقي) ح 22
- رواية (ماركس العراقي) ح 20
- رواية (ماركس العراقي) ح 19
- رواية (ماركس العراقي) ح 17
- رواية (ماركس العراقي) ح 18
- رواية (ماركس العراقي) ح 16
- رواية (ماركس العراقي) ح 15
- رواية (ماركس العراقي) ح 14
- رواية (ماركس العراقي) ح 13
- رواية (ماركس العراقي) ح 12
- رواية (ماركس العراقي) ح 11
- رواية (ماركس العراقي) ح 10
- رواية (ماركس العراقي) ح 9
- رواية (ماركس العراقي) ح 8


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (ماركس العراقي) ح 27