أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فارس كمال نظمي - السلطة ووَهْمُ الحصانة... والموجة الثورية القادمة في العراق!















المزيد.....

السلطة ووَهْمُ الحصانة... والموجة الثورية القادمة في العراق!


فارس كمال نظمي
(Faris Kamal Nadhmi)


الحوار المتمدن-العدد: 6806 - 2021 / 2 / 4 - 16:38
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


إذا اتفقنا أن عموم المجتمعات البشرية (الحاكمين والمحكومين) قابلة للتعلم الانتفاعي -بدرجة نسبية معينة- من تجاربها وخبراتها وإخفاقاتها عبر التاريخ، فإن السلوك السياسي لأنظمة الحكم المغلقة بأقفال الاستبداد والفساد، لا يخضع في الغالب لهذه القاعدة.
يقول كارل ماركس: "الضرورة عمياء حتى تدركُ وعيَها، والحرية هي وعيُ الضرورة". فكيف يمكن للبنى العقلية السياسية المغلقة أن تمتلك الوعي بضرورات التغيير الاجتماعي، في وقت تكون فيه أسيرة لعبودية إدراكها الأعمى للوقائع الجذرية الحاسمة، بل أسيرة لأوهامها "المريحة" حيال هذه الوقائع حدّ إنكارها واستبدالها بوقائع زائفة تنبع من خرافة السكون لا من ديناميكيات الضرورة؟!

لقد اعتاد هذا النمط من الأنظمة أن يغلّف نفسه بأوهام رغبوية تستبدل الوقائع بالتمنيات، تتيح له أن يتعامل مع أزماته المستعصية على نحوٍ تنفيسي ذاتوي مؤقت، دون أن يستطيع المساس بالجوهر الجدلي لهذه الأزمات التي تمارس ضرورتها الوظيفية الموضوعية في دفع حركة التاريخ الاجتماعي إلى الأمام بالمعنى العقلاني التطوري بكل ما يرافقها من آلام الولادات الجديدة ونكباتها.

وواحد من أكثر هذه الأوهام فاعلية في تسبيب حالة الخدر السياسي التي تعيشها هذه الأنظمة، هو ما يدعى بـ"وهم الحصانة" Illusion of Invulnerability، إذ يغدو العقل السياسي للمنظومة قدرياً حد الاعتقاد المتكلس أن ثمة "ترتيباً" باطنياً في جوهر الأحداث يمنع التغيير الجذري (أي انهيار النظام)؛ بل يذهب للاعتقاد أن ثمة "مناعة" أو "حصانة" مؤكدة تحول دون إحداث انقلاب جذري في موازين السلطة لصالح قوى جديدة تخرج من معطف التاريخ المجدد لتراتبياته.

ويشكّل وهم الحصانة هذا جزءاً بنيوياً أساسياً في نمطٍ أشمل من أنماط التفكير السياسي اللاعقلاني والمحرِّف للوقائع يدعى بـ"التفكير الجماعي أو المنظوماتي" Groupthink. فالتفكير المنظوماتي (وهو مصطلح اشتقه عالم النفس السياسي الأمريكي "إرفينغ جانيس" Irving Janis قبل نحو خمسة عقود) يبرز في حالات الأزمات العميقة التي تواجهها المنظومة السياسية بما تتطلبه من اتخاذ قرارات حاسمة، إذ تتجه المنظومة -عبر عدد محدود من ممثليها- إلى تبسيط المعطيات حد الابتذال، وافتعال الإجماع المتسرع، وإنكار التحديات الماثلة، وتجاهل الخيارات البديلة، والتوكيد على النزعة التبريرية الجماعية، والتشدق بخلفية أخلاقية، وتبني صور عقلية نمطية جامدة حيال الآخرين، والضغط القاهر على الآراء المخالفة، والأهم من كل ذلك التمسك الأعمى بوهم حصانتها المسبقة حيال الفشل والخطل والإخفاق، بما يؤدي في الغالب إلى كوارث سياسية تصير مَعلماً مأساوياً في تأريخ مجتمعاتها.

ويشتد هذا الوهم في أوضاع الانتكاسات الثورية بعد مدٌّ احتجاجي جارف يعجز عن بلوغ أهدافه، بسبب حالة الانكفاء الإحباطي وما تنتجه من دفاعات تجنبية لا شعورية، إذ "تنجح" قوى الثورة المضادة في إيقاف هذا المد لفترة معينة عبر قمعه وتأثيمه وشيطنته وتشتيته واختراقه. وعندها تستعيد المنظومة السياسية جزءاً من "ثقتها" بنفسها وبهيمنتها الثقافية الآفلة، فتحقن نفسها بجرعة اعتناق إضافية لوَهْمِ القدرة على التحكم بالأحداث، ما دامت (أي الأحداث) قد "أثبتت" حصانة المنظومة واستعصائها على الانهيار.

واليوم بعد مرور ما يقارب 16 شهراً على لحظة انطلاق الحراك الثوري التشريني في العراق ثم خفوته، يتضح الخدر السياسي بأعلى درجاته لدى قوى السلطة وأذرعها داخل الدولة وخارجها، بما فيها الحكومة الحالية التي انقضى 8 شهور على وجودها في الحكم. ويستطيع المراقب المحايد أن يقرأ هذا الخدر الاسترخائي في ملامح قادة التيارات والأحزاب السياسية الحاكمة بالمقارنة مع تجهمهم في مرحلة ما بعد تشرين مباشرة؛ فضلاً عن ملامح رئيس الوزراء التي انبسطت أخيراً بعد تشنجات ومخاوف وحيرة اكتست وجهه لشهور حينما أعلن وقتها أنه "الشهيد" الحي، لتتحول اليوم إلى ابتسامة ارتياح ناعمة – لا تكاد تُرى- ما عادت تبارحه تقريباً في كل الظروف والمناسبات.

إنه وَهْمُ الحصانة – إلى جانب أوهام إدراكية أخرى- يضرب بقوة في أذهان أقطاب العملية السياسية الفاشلة (بما فيها الذهن الحكومي المتخاذل والمفتون باستبدال الأفعال الملموسة بالأقوال الإنشائية الفارغة)، ليترك لديهم تشوهات تخديرية إدراكية عميقة تمدّهم بـ"نعمة" الإنكار لكل عوامل التغيير المتفاعلة جذرياً في مرجل الزمن الاجتماعي. فتشاهدهم على شاشات التلفاز وفي المؤتمرات الصحفية وفي تغريداتهم الإلكترونية المرتبكة وهم يحدقون – كخيار بليد وحيد- بساعة الزمن الفيزيائي بحثاً عن تمديدٍ أو تأجيلٍ لموعد انتخابات مبكرة ستشكّل في حال فشلها –المتوقع جداً- نقلة جديدة نحو بزوغ وعي احتجاجي أشد جذرية وتمسكاً بالتغيير مما سبقه.

فالتفكير المنظوماتي للاوليغارشية الحاكمة حالياً في العراق ليس من شأنه مكاشفة الرأي العام بمبررات رفضهم الكامل لتقديم أي تنازلات لتقاسم جزئي للسلطة مع قوى التغيير الجديدة، أو بأسباب العجز الكامل عن توفير مكاسب بالحد الأدنى للفئات المحرومة والمهمشة، أو بخلفيات التواطؤ الحكومي مع قوى ما دون الدولة الغارقة في الفساد ودماء الثوار والناشطين والمثقفين. فقرار المنظومة استقر أخيراً على تجاهل كل الاحتمالات والبدائل والتحديات الأخرى، أي إنكار الضرورات وإبقائها في حالة العمى، وعدّ الانتخابات "المبكرة" الخيار/ القرار الوحيد المتاح لمعالجة الأزمة. وكل ما عدا ذلك يمكن تهريبه إلى الأمام حيث "المعجزة" المنتظرة.

هذا الخدر السياسي وما أنتجه من وهم الحصانة، لم يقتصر على النخب السياسية الحاكمة، بل اجتاح أيضاَ – بنسبة معينة- عقول بعض الشباب المحتجين وبعض المثقفين وبعض العاملين في الحقل البحثي أو في الميدان السياسي المعارض، إذ صار شعارهم العملي أو التنظيري يتركز حول الترويج لفكرة "استثمار" اللحظة الآنية "واقعياً" أو "دستورياً" ما دامت السلطة قادرة على إعادة إنتاج "حصانتها" في كل الظروف، متجاهلين –سيكولوجياً وأخلاقياً- حالة الانتقال الثوري التي يمر بها التاريخ السياسي العراقي من القديم العبودي المحتضر إلى الجديد التحرري المستعصي على الولادة.

أتساءلُ ويتساءل مثلي كثيرون من العاملين في حقل الدراسات الاجتماعية ومن عامة الناس: هل توجد فعلاً "حصانة" أو "مناعة" للنظام السياسي الحالي أمام قوى التغيير البازغة تراكمياً على نحو تدريجي تارة وعلى نحو مباغت تارة أخرى؟ أم أن هذه الحصانة ليست أكثر من تفكير رغبوي توهمي يصيب أجزاءً من المجتمع السياسي (بشقيه السلطوي والمعارض)، في مرحلة انتقالية عسيرة ومحيّرة ومؤلمة بين حراك ثوري لم يكتمل لكنه لم ينتهِ، وبين موجة ثورية قادمة؟!



#فارس_كمال_نظمي (هاشتاغ)       Faris_Kamal_Nadhmi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في انثربولوجيا ثورة تشرين: صفاء السراي كارزما البطل الاجتماع ...
- قانون الانتخابات الجديد في العراق: تجميعُ الهوية الوطنية أم ...
- هل انتهت ثورة تشرين؟ أم بدأت للتو تأثيراتُها القادمة...؟!
- عام على ثورة تشرين: زمننا الاجتماعي محتجزا بين الماضي والمست ...
- حكومة الكاظمي بين استنساخ الماضي وترميم المستقبل..!
- فايروس كورونا وسيكولوجيا الموت
- الوباء الكوروني.. وأسئلة في السياسة والدين..!
- الاحتجاجات التشرينية في العراق: احتضار القديم واستعصاء الجدي ...
- سيكولوجيا السلطة لاستنزاف الحراك الثوري التشريني: القمع والت ...
- ثورة تشرين العراقية: القيادة الغائبة والثورة المضادة
- ثورة تشرين والصحة النفسية السياسية في العراق: تعافي المجتمع ...
- الشيعة العراقية السكانية وعرقنةُ الصراع السياسي: مقاربة لدين ...
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ...
- إعلان تأسيس الجمعية العراقية لعلم النفس السياسي
- في نقد العقل الديني المُؤَسَّسي
- نحو تأسيس ائتلاف اجتماعي عراقي - وثيقة مبادئ
- التقارب المدني – الصدري في ساحات الاحتجاج: رؤية نفسية في دين ...
- ما بعد اجتياح المنطقة الخضراء: مساراتُ الحراك الاحتجاجي.. وخ ...
- سيكولوجيا الأمل.. والتغيير السياسي القادم في العراق
- كتاب جديد: الرثاثة في العراق/ أطلال دولة.. رماد مجتمع !


المزيد.....




- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فارس كمال نظمي - السلطة ووَهْمُ الحصانة... والموجة الثورية القادمة في العراق!