أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فارس كمال نظمي - عام على ثورة تشرين: زمننا الاجتماعي محتجزا بين الماضي والمستقبل















المزيد.....

عام على ثورة تشرين: زمننا الاجتماعي محتجزا بين الماضي والمستقبل


فارس كمال نظمي
(Faris Kamal Nadhmi)


الحوار المتمدن-العدد: 6715 - 2020 / 10 / 26 - 00:52
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


منذ لحظة 2003، والماضي العراقي يحتضرُ دون أن يبلغ الموت، ثم ازداد احتضاراً بتراكم الاعتلالات التي أتت بها الأسلمة السياسية الفاسدة، فيما ظلّ المستقبل مستعصياً على الولادة (بالاستعارة من غرامشي).

لكن هذا الاستعصاء أخذ يتجه تدريجياً نحو الحسم، بالتزامن مع تصاعد الوعي الاحتجاجي وحركاته المتتالية تبعاً لبزوغ هيمنة ثقافية مضادة لايديولوجيا السلطة، وصولاً إلى الذروة في تشرين 2019 في بغداد ومحافظات الجنوب والفرات الأوسط، حينما بانت ملامح المستقبل المضببة أكثر من أي وقت مضى، دون أن تنجلي صورته المؤكدة بعد.

فقد تفاعلت العاطفة الوطنية (نريد وطن) مع الوعي الطبقي (نازل آخذ حقي) على نحو شديد الوضوح والصرامة يفوق سابقاته، لإنتاج معادلة ثورية سلمية تريد استرداد الزمن الاجتماعي بوصفه حاضنة مزهرة للمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والكرامة الفردية، لا تابوتاً لتحنيط الفساد والحرمان والطائفية.

خلال عام كامل مضى، اتضحت تطورات شديدة الكثافة والدلالة على مسرح الأحداث دون أن تطال بتأثيرها بنية النظام السياسي ووظيفته بشكل جذري. فقد ظل المد الثوري التشريني ناقصاً بحكم افتقاره لوحدة الرؤية وفضيلة التنظيم، فيما تطورت وازدهرت أساليب الثورة المضادة بشقيها الترهيبي والترغيبي، فضلاً عن انطواء مجتمعي على الذات بتأثير الوباء الكوروني ونزعة العدمية السياسية التي تؤثّم الضحية ولا تبالي بالجلاد.

هذا العام شهد استماتة المنظومة السياسية الحاكمة للاحتفاظ المغلق والمطلق بكل غنائمها وبناها ووظائفها دونما تقديم أي تنازل بالحد الأدنى للجمهور الشبابي المنتفض. وإذا كان تشكيل الحكومة الحالية في 6 أيار/ مايس 2020 (أي بعد حوالي ستة شهور من استقالة الحكومة السابقة تحت ضغط الثورة)، قد فُهم منه في البداية على أنه "تنازل" جزئي من المنظومة أو رغبة مؤقتة منها على الأقل بعقد "صفقة" مع قوى التغيير المعتصمة في الميادين العامة، والبعض ذهب إلى تسميتها رغبوياً بـ"حكومة تشرين"، فإن مرور بضعة أسابيع من عمر هذا الحكومة أوضح بدرجة معينة (ازدادات وضوحاً مع تقدم الوقت) أن الأمر ليس كذلك. 

فخيار "المواجهة" مع مافيات الفساد وجماعات ما دون الدولة، الذي كان منتظراً من حكومة تشكلت بتأثير الحدث التشريني الهائل، بوصفه خياراً عقلانياً مباغتاً بالرغم مما كان سيرافقه من مخاطر، سرعان ما تم العزوف عنه منذ الأيام الأولى، واستبداله بسياسة الاحتواء الفاشلة بتأثير افتتان صانع القرار الحكومي بعدة أوهام سياسية أساسية منها: وهم التحكم بالأحداث، ووهم الفهم والبصيرة، ووهم امتلاك الحكمة، وميكانزم إحلال الوعود اللفظية المجانية محل الأفعال الملموسة المكلفة. وهذا كان سيقود بالضرورة إلى فقدان المبادرة بوجه منظومة السلطة التي نجحت باحتواء الحكومة وإخراجها من معادلة تشرين 2019 وإدخالها في معادلة جديدة وهمية تحمل عنوان تشرين فقط دون جوهره.

إن كل هذا يعني ضمناً أن الحكومة (دون أن تخلو من حسن نوايا ومقاصد طيبة)، باتت جزءاً من الثورة المضادة من خلال مساعيها الحثيثة إلى احتواء الحراك الشبابي عبر جذب بعض رموزه ليكونوا جزءاً وظيفياً ضمن أروقتها، ما أدى إلى تفكيك تشرين –بدرجة معينة- وتحويله إلى تشرينات مشتتة قابلة للمساومة والابتزاز والبيع في المزاد السياسي. وكل ذلك يتم تسويقه عبر الترويج لـ"ضرورة" الانتخابات المبكرة، التي يعرف أي مختص بسوسيولوجيا الانتخابات أن في أوضاع الانتقال الثوري غير المحسومة أو المُجهَضة بحراب الثورة المضادة، تبقى لقوى النظام القديم الأرجحية في استثمار الانتخابات -مهما كانت قوانينها وبيئتها- لإعادة إنتاج "شرعية" سياسية هشة تديم بها سلطتها لسنوات أخرى غير محددة.

يضاف إلى كل ذلك ما شهدناه من تضامن غير مسبوق بين النخب السياسية الحاكمة خلال عام كامل، لاختراق الحراك الشبابي واحتوائه وتفتيته، عبر الاغتيال والخطف والترويع تارة، وعبر الإغراءات والتمويه لاجتذابه إلى تنظيمات سياسية "مستجدة" مستنسلة من رحم تلك النخب تارة أخرى. وكل ذلك كان يجري أيضاً تحت عنوان الانتخابات المبكرة التي أصبحت الوسيلة الأكثر "ضماناً" للاحتفاظ الكامل بالحكم والسلطة دون أي تنازلات، رغم أنها (أي الانتخابات) كانت مطلباً تشرينياً – وليس سلطوياً- في الأصل، في لحظة ثورية "مثالية" انتقالية بين القديم والجديد، لم يكن لـ"الجديد" فيها جسم سياسي منظم بعد بمواجهة ترسانة "القديم" المتخمة بأسلحة الاحتفاظ بالسلطة.

وهكذا يبدو الوضع العراقي الحالي، وبتبسيط شديد، منقسماً بين ثلاثة توجهات رئيسة قابلة للتفرع والتشعب عند التحليل:

1- التوجه الماضوي: أي المنظومة الحاكمة المتضامنة بكل أدواتها السلطوية: الرسمية والموازية، المستعدة لممارسة العنف السياسي والإغراء المالي للاحتفاظ الاستئثاري التام بكل مفاصل الحكم دون أي تقاسم ولو محدود مع قوى التغيير. وهذا التوجه يبدو غارقاً في عجزٍ عميق، إدراكياً أو سلوكياً، عن مقاربة الانتقال السياسي الجذري الذي تسير نحوه الأحداث.

2- التوجه الآني: أي مساعي الحكومة الحالية للتحول إلى قطب سياسي- انتخابي عبر مفاوضاتها للحصول على دعم جزء من الشارع التشريني دون تقديم أي مكاسب حقيقية للقاعدة الاجتماعية التشرينية العريضة. وهي بذلك كمن يحرث في الماء متوهماً أنه يقف على أرض صلبة.

3- التوجه المستقبلي: أي قوى التغيير التي امتلكت الوعي لذاتها for itself، بمعنى أنها القوى التي بلغت مرحلة القطيعة النفسية والأخلاقية مع الماضي وتوجهاته السلطوية والحكومية، وصارت تجد في السلطة كينونة مناوئة تستحق المواجهة. ويشكل الشباب التشريني جزءاً أساسياً من هذا التوجه، بل هو عماده وقاعدته البشرية الأساسية المهيئة للتضحية من أجل استعادة المستقبل المخطوف.

إن التحشيد الاحتجاجي الذي يجري الإعداد له ليوم 25 تشرين الأول القادم، لا يمكن معرفة بُنيته التكوينية أو التنبؤ بزخمه ومآلاته بدقة في اللحظة الحالية، حتى لمن سيشارك به، أو لمن قد يقمعه، أو لمن يراقبه. فبعد مرور عام كامل من التنازع على مِلكية تشرين بين الشباب الثوري أنفسهم، ومن توظيف كل أساليب الثورة المضادة لوأد المثال التشريني، ومن إخفاقات دولتية كبرى متراكمة في الوضع الاقتصادي والصحي والخدماتي والسيادي، ومن تدخلات خارجية فظة في تناقضاتها وعواقبها، تبدو عوامل الصراع لامتلاك الشرعية السياسية وملء الفراغ السياسي المتزايد، قد بلغت أشدَّها دون أن يعني ذلك وضوحها أو إمكانية التنبؤ بمساراتها في المدى القصير. 

إلا أنه يمكن القول إن هذا الصراع سيتخذ مضامين حادة مضاعفة في ضوء غياب حد أدنى من إمكانية التواصل النفسي والاجتماعي والسياسي بين التوجهين الماضوي والمستقبلي، إذ تجلس السلطة متربعة على جبل متصدع من الخراب والرثاثة والكوارث، تمارس الإنكار نحو حقيقة أن عقارب الزمن الاجتماعي لهذه البلاد قد تحركت إلى الأمام دون رجعة، وأن توقيتاتها السكونية قد اختلفت بشدة وإلى الأبد عن توقيتات المجتمع المتحركة.

وهذا يعني أننا ذاهبون من جديد –قريباً أو لاحقاً- إلى تجديد المواجهة بين الماضي المحتضر والمستقبل المتعسر الولادة. وكل تجديد لهذه المواجهة، بفعل انغلاق المنظومة السياسية على الإصلاح، واحتكامها إلى وسيلتها الأخيرة المتبقية أي العنف الدموي، بالتزامن مع نضوب الريع المنهوب، يعني أن خيارات راديكالية قد تتصدر المشهد القادم.

فـ"الجديد" المستعصي لن يموت، إلا أن ولادته تزداد عسراً وألماً وعنفاً كلما استمات "القديم" في الامتناع عن تسليم جثته –ولو بأجزاء- لمتحف التاريخ.



#فارس_كمال_نظمي (هاشتاغ)       Faris_Kamal_Nadhmi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكومة الكاظمي بين استنساخ الماضي وترميم المستقبل..!
- فايروس كورونا وسيكولوجيا الموت
- الوباء الكوروني.. وأسئلة في السياسة والدين..!
- الاحتجاجات التشرينية في العراق: احتضار القديم واستعصاء الجدي ...
- سيكولوجيا السلطة لاستنزاف الحراك الثوري التشريني: القمع والت ...
- ثورة تشرين العراقية: القيادة الغائبة والثورة المضادة
- ثورة تشرين والصحة النفسية السياسية في العراق: تعافي المجتمع ...
- الشيعة العراقية السكانية وعرقنةُ الصراع السياسي: مقاربة لدين ...
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ...
- إعلان تأسيس الجمعية العراقية لعلم النفس السياسي
- في نقد العقل الديني المُؤَسَّسي
- نحو تأسيس ائتلاف اجتماعي عراقي - وثيقة مبادئ
- التقارب المدني – الصدري في ساحات الاحتجاج: رؤية نفسية في دين ...
- ما بعد اجتياح المنطقة الخضراء: مساراتُ الحراك الاحتجاجي.. وخ ...
- سيكولوجيا الأمل.. والتغيير السياسي القادم في العراق
- كتاب جديد: الرثاثة في العراق/ أطلال دولة.. رماد مجتمع !
- جدلية أفول الأسلمة وبزوغ الوطنياتية في العراق
- الدَوْعَشَة: رأسُ المال، وفائضُ الدم، والطبيعة البشرية
- التديين السياسي ومسؤولية هدم الوطن وتجريف الإنسان
- رسالة إلى التيار العقلاني في العراق


المزيد.....




- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فارس كمال نظمي - عام على ثورة تشرين: زمننا الاجتماعي محتجزا بين الماضي والمستقبل