أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - ما يُخبأهُ النص في - فوانيس في مدن الضباب - للشاعر العراقي البابلي رعد عبد الرحمن الكرعاوي















المزيد.....

ما يُخبأهُ النص في - فوانيس في مدن الضباب - للشاعر العراقي البابلي رعد عبد الرحمن الكرعاوي


غانم عمران المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 6795 - 2021 / 1 / 22 - 20:16
المحور: الادب والفن
    


يخبىء الناص تحت حُلَّتَه الشعرية وجلبابه الثري مدخراته الكافية من الثقافة الأدبية ما يكفيه للسير في رَكبِ الشُعراء التجديدين والخروج من المُعتاد إلى غير المألوف عِبْر موارد الانزياح والدلالة اللغوية من خلال خيّاله الخصب الذي تبلور من تمظهرات نفسية واجتماعية خاصة وعامة نابعة من رحم المجتمع الّذي ترعرع فيه وساهمت في اتْقاد مشاعره واحاسيسه مُجتمعةً مع موهبته الفنية ليُترجم لنا عِبْر نصوصه كل مايراه وتلتقطه عينيه من مشاهد فهو أرقى من المصور الفوتوغرافي الّذي يلتقط المشهد ويقدمه بلوحة مُجسمه مُحاطة بأُطُر مُحدده حيث أنه يبث من خلال نصوصه مشاعر حيّة مع تراتيل موسيقية ملكوتية تؤثر في نفس المتلقي مُباشرةً دون وسيط ..
لذا كانت مجموعته " فوانيس في مدينة الضباب " الصادرة من دار الفرات للثقافة والإعلام / العراق / بابل الّتي تتضمن سبعة وخمسون قصيدة صَرخة ألم وحزن مكبوت في أعماق النفس بين الصدور ونزيف من مشاعر الحُبّ الذي يجري مع الشرايين بعنونة طويلة تفتح الطريق للتلقي الأول حيث "يبقى العنوان علامة دالة على النّص وخطابا قائما بذاته لكونه جزءا منمذجا فيه، وهو أيضا شبكة دلالية يفتح بها النّص ويؤسس لنقطة الانطلاق الطبيعية فيه، و العنوان بوحي من الكاتب يهدف إلى تبئير انتباه المتلقي على اعتبار أنّه تسمية مصاحبة للعمل الأدبي مؤشرة عليه" (1).
وإني أرى بأن العنوان هو الوهّج البصري الأول الّذي يستثير مُخيّلة القارىء ويوقظ شعوره من السبات إلى الحيّوية المفعمة بالتفكير والتأويل والتحليل ليّكون انطباعه الأولي على ما يُّمكن أن ترد عليه تفاصيل القصيدة وما تتضمنه من دلالات ومعاني واستعارات وانزياحات وتضادات..
ومن خلال العنونة الطويلة التي كانت سهلة التلقي في مفرداتها البسيطة وبعيد عن الطلاسم وألغاز أنها تُشكل نسقاً جميلاً متناغماً ومتراصاً مع صورة الغلاف الّذي تظهر فيه بصورة جلية فوانيس مُتناثرة على طريق طويل تسير عليه فتاة وحيدة هائمة في ذلك الفضاء الضبابي الشعري وبذلك فهي تُمثل المخيّال الشعري الواسع الذي يَلج منه الشاعرليُطرز وينسج منه نصوصه بكل وضوح وشفافية " ... لا نجد كلّ هذه المعاناة والتعرج في مدركات الفهم والتصور للقصيدة التجديدية التي يكمن جمالها في قراءتها أكثر من سماعها أحياناً وما تحمله من موسيقا دفينة لا تظهر إلى العلن إلاّ مع النفس بتماوج روحي فلا قافية ولا وزن شعري يقود عنانها لأنها منطلقة مع الريح فوق السحاب تسبح"2.
كانت قصيدة " قديستي" أولى القصائدة التي افتتح فيها الناص مجموعته الشعرية ونصفه الثاني كان متربعاً في فيها بكل شموخ واقتدار وقدسية فيها من الانزياح ما يعطي للنص حيوية وحركة وديناميكية تشّد القارىء كما في :
شاخ فمي في مرآة الماضي
تمتد أغصاني عارية
وذاكرتي حبلى برائحة النوافذ
وقرن قمر منطفىء
وقدمي تشتهي الغوص بأحلامك
استطاع الناص بأسلوب بلاغي أن يعطي بإيقاء وصورة شعرية انزياح المفردة عَنْ المعنى الحقيقي لها واخراجها بصورة فنية إلى غير المألوف لتلك المفردة ومعناها الدال عليها حيث أنه جعل للماضي مرآة, وعرّى الأغصان, ازاح معنى الحُبلى التي تُنسب للأناث إلى الذاكرة بتصرف بلاغي وربط وجداني, وازاح مفردة القرن الذي دائماً يقترن مع الحيوان إلى القمر مصدر الضياء, كما ازاح معنى كلمة القدم التي تأتي للمسير وغيرها من استعمالات إلى الغوص بالأحلام..
أما الترديد في الكلمات واعادة اسخدام اللفظة ولكن بفارق دلاليّ جزئي لم يكن حاضراً في استخدامها الأول ويشير الأختلاف في الاستعمالين الدلاليين إلى الفلسفة الشخصية للشاعر ولم يقصد الأشتراك في نفس المعنى كما في قصيدة :
" لن تأتي "
هكذا تحررت من براثن الزمان
هكذا حلقت بأحلامها
وقصيدة : "رصاصة موت "
أشهد أنكِ
وأشهد أني
وأشهد أني أراكِ على حافة النهر
وقصيدة : عتاب من الروح إلى الروح
فأدركت أنكِ أنت المعاني
وأنت الحروف
وأنت المداد
وأنت الحكاية
فمنذ متى وأنت تكتمين شعوركِ وتخفينه ..؟
يُحقق الترديد وتكرار الكلمة تكثيفاً ايحائيّاً متنوعاً وقد عرف "ابن رشيق (ت456ه) الترديد بقوله : هو أن يأتي الشاعر بلفظة متعلقـة بمعنى، ثم يرددها بعينها متعلقة بمعنى آخر في البيت نفسه أو في قسيم منه"3.
شغلت الحياة بكل تفاصيلها حيزاً كبيراً لدى الشاعر، نتيجة الإحباطات المحيطة بـه بصفة خاصة وعامة نابعة من الظروف الخارجية، كالفقـد ، والحرمان والضغوطات وأعراف المجتمع الشرقي الذي يعيش فيه إضافة إلى الهموم المحيطة به كفرد في المجتمع وما يتعرض له من ويلات نتيجة التقلبات السياسية والاجتماعية بالإضافة إلى الموت الذي يُهدد الانسان ويُداهمه في أي وقت لذلك كانت نصوصه أوجاع وآلام حقيقية كما في قصيدته : فراغ
تنسدل في وجهه ستائر الصراخ
وكأنه رأى موته في كل نبض
وقصيدة : مراسم موت
ليقع قتيلا بين الوجع والدمع
ليحاول من جديد
وقصيدة : رصاصة موت
وأنا وحدي ..!
وقفت على حافة النهر
أراقبكِ في جنون.
وقصيدة : ربما
يرمقني كأفعى
تسعى للتودد قبل الاعتصار
قد بدأ بعناق فرائسه
وها نحن كموتى.
وقصيدة : انكسار وغيرها من القصائد وهو الامر الذي شغل الكثيرين من شعراء الحداثة حيث كانت الكثير من قصائدهم تتضمن الموت والكآبة والفراق والألم والقتل واليتم وما يتعلق بخيبات العشق والهوى وآلامـه ، والغربـة ..
أجمل القصائد التي وردت في مجموعته الشعرية هي قصيدة : ياسمين
امرأةٌ من ياسمين
أيقنت بأبجدية الصمت
وفضلت صقيع الوحدة على دفء الكلام
لم تكن تعلم أن برحيلها سيذبلُ الياسمين
وترحل البلابل
ويقسو الشوك على خواصرِ الورد
فيسيل الرحيق
دمعاً من جفونِ الزنابق ...
لجأ شعراء الحداثة إلى قصيدة النثر بالتحرر من قيود قوانين علم العروض وإيقاعاته والأوزان المختلفة التي لازمت الشعر العمودي لخلق ابداع متوهّج في تراكيبه وإيحاء مفرداته والسير خلاف المألوف أي ما وراء اللغة ولكن عدم الابتعاد عن النسيج اللغوي بناء على رؤية فلسفية تضيف إلى الواقع الشيء الحديث نابع من تجربته في الحياة وكل ما يُحيط به من العالم المحسوس ليُجدد علاقته المباشرة بالمجتمع الذي يعيش فيه وما تتولد له من ارهاصات نفسية واجتماعية ليستطيع أن يَسّهم بشكل فعال في رصد ومتابعة ما يجري من سلبيات وكذلك الايجابيات خاصة وعامة ونسجها بإيحاء وإيقاء شعري مؤثر في نفس المتلقي لإيصال رسالته السامية وليس العبثية والوقوع في الاستطراد والشرح المطول والإطناب والوعظ والتفسير والسرد القصصي حيث أن الكثير من شعراء الحداثة من يقع في مطب علامات الترقيم فيضعها في غير مكانها المناسب فنجد الكثير من القصائد تتضمن في نهاية المقطع علامة استفهام في غير محلها وكذلك استعمال حروف العطف بين مقطع وآخرفإن ذلك يُقلل من قيّمة القصيدة ويبعدها من الإيقاعات الشعرية ولذة الاستمتاع من قبل المتلقي ومنهم من يضع العديد من النقاط في نهاية كل مقطع ونحن نعرف بأن النقطة الواحدة لها مدلولاتها اللغوية وهي لغة تعارف بحد ذاتها بين الكاتب والقارىء كما في اشارات المرور مثلاً إذا رأيت الاشارة الحمراء هل تستطيع العبور واجتياز الشارع لذا فإني أنصح الشعراء الشباب بعرض نِتاجهم الشعري على الشعراء الذين لهم باع طويل في كتابة قصيدة النثر.



المصادر
(1) شعيب حليفي، هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط 1 2005، الدار البيضاء، المغرب، ص 12.
(2) سعد الساعدي, نظرية التحليل والارتقاء, مدرسة النقد التجديدية, دار المتن/ 2020 ط1, ص162-163.
(3) العمدة في صناعة الشعر وآدابه ونقده ، ابن رشيق، ط 5 ،ج 1 ،حققه وفصله وعلق حواشيه : محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1401ه- 1981م، ص333.



#غانم_عمران_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُتخيّل الابداعي في قصيدة - حروف تصرخ في زنزانة البوح - لل ...
- المُتخيّل الابداعي في قصيدة - حروف تصرخ في زنزانة البوح
- سحر البلاغة وعذب الكلام في قصيدة - خرف- للشاعر كامل حسن الدل ...
- لمحة بسيطة من كتاب الباحث سعد الساعدي - نظرية التحليل والارت ...
- مقاربة نقدية وفق رؤيا تجديدية لنص - مثلبة- للكاتب عبد المجيد ...
- انعكاسية الألم ونقاء الكلمات في ( حين الخطوات) للشاعرة حسينة ...
- الحداثة وجمالية الألفاظ في ( رأس تقد به الرغبة) للشاعر الحسي ...
- النّاص بين المتخيّل والواقع في ( قربان على مذبح الصيت) للشاع ...
- مقاربة نقدية لنص -اشتباه- للكاتب علي السباعي/
- مقاربة نقدية في قصيدة الأديب الشاعر رجب الشيخ رؤى مضطربة
- مجموعة قصص قصيرة جدا
- مقاربة نقدية في المجموعة القصصية - شتات في نفس المكان- للقاص ...
- مثيولوجيا الأكيتو وتأثيراتها على العقل البشري
- قصة قصيرة / أكاماكو
- العنوان / الرمزيّة المثيولوجية وأثرها في القصة القصيرة جداً
- قصه قصيرة الياقوته بنت الؤلؤة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غانم عمران المعموري - ما يُخبأهُ النص في - فوانيس في مدن الضباب - للشاعر العراقي البابلي رعد عبد الرحمن الكرعاوي