علاء رحم
(Alaa Rn)
الحوار المتمدن-العدد: 6789 - 2021 / 1 / 15 - 23:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ادناه سؤال وجهته الى استاذ في الحوزة العلمية الشيخ حيدر حب الله وكان جوابه وافي ..
هل هناك تقليد في تفسير القرآن؟ وكيف يمكن الاستفادة من التفاسير لاسيما المعاصرة؟
السؤال: من المعلوم عدم جواز التقليد في الأمور العقائدية، فهل يمكن توضيح في أيّ صنف يقع تفسير القرآن؟ وما هو معيار اتّباع التفسير الصحيح مع الأخذ بالاعتبار أنّ أغلب التفاسير المشهورة هي تفاسير قديمة ولا تتلائم مع التطوّر الفكري للمجتمعات، وبالخصوص الآن حيث تتعرّض المنظومة الدينية لانتقادات واسعة وهجمات شرسة، فيتطلّب ردوداً تحاكي مفهوم العصر الحالي. وهل يجوز أن نستخدم تفاسير حديثة لبعض المفاهيم القرآنيّة من المفكّرين الإسلامين المعاصرين ممّن يتقاطعون معنا في الاعتقاد المذهبي؟ رغم إيماني بأنّ هذا الاستفهام الأخير يحمل نظرة ضيّقة. (علاء رحم).
الجواب: توجد في كلامكم عدّة نقاط ينبغي التوقّف عندها:
النقطة الأولى: لا يوجد في الرجوع إلى كتب التفسير شيء اسمه: عقيدة المفسّر، بمعنى أنّ كلّ التفاسير بالنسبة إلينا يمكن الاستفادة منها، سواء كان أصحابها منتمين لهذا المذهب أو ذاك، فعلم التفسير هو علم الدراسة اللغوية والتاريخية والمقارنة والمقاربة للنصّ القرآني، وهو في حيّز كبيرٍ منه يمكن أن يمارسه حتى شخص غير مسلم، فإذا جاءنا غير مسلم لكنّه خبيرٌ باللغة العربية وبتاريخ العرب والمسلمين الأوائل وقدّم مساهمةً في فهم آيةٍ ما أو سورةٍ، فليس من العيب أن ننظر فيما قدّم، بل من النافع، فإذا وجدناه مقنعاً فلن نتحرّج أبداً من الأخذ منه، والقول بأنّنا استفدنا منه معنى في النصّ لم نكن ملتفتين إليه من قبل، فالتفسير ليس تقليداً في الفقه حتى نقول بوجوب أن يكون المفسّر الذي نقرأ أو نرجع لكتابه حائزاً على الشرط الفلاني أو غيره؛ لأنّه لا يوجد في التفسير ـ بما هو تفسير ـ تقليدٌ، بل هي قضيّة قناعات ناتجة عن مبرّرات موضوعيّة، وعليه فمن الضروري للمفسّر أن يراجع كتب التفسير بمختلف مذاهبها ومدارسها الفكريّة حتى يتمكّن من الخروج بصورة شاملة عن الموضوع، وإن كنت أرغب له في البداية أن يراجع اللغة والتاريخ وأمثالهما فقط، حتى لا تصبح كلمات المفسّرين سلطاناً مهيمناً عليه في عالم اللاوعي، فيقعده ذلك عن ممارسة الاجتهاد في التفسير، كما حصل ويحصل لكثيرين.
النقطة الثانية: التفاسير القديمة ليست عيباً ولا باطلة، ومجرّد أنّها قديمة لا يعني أنّه ينبغي أن نتعيّب منها أو نردّها، فبعض التفاسير القديمة أكثر دقّةً وعلميّة من الكثير من التفاسير المتأخّرة المتأوّلة والمتكلّفة والمتمحّلة فهوماً غريبةً للنصوص، والتي حمّلت النصّ ضغوطاتها التي عاشتها أمام التيارات الأخرى، وأسرفت في التفسير إسرافاً عظيماً، فعندما كانت تواجه العلوم الطبيعية صارت ترى القرآن كلّه كيمياء وفيزياء ومعادلات حسابية، وعندما انتهى عصر الصراع مع العلوم الطبيعية وجاء عصر الخصام مع العلوم الإنسانية صار القرآن كلّه علم اجتماع وعلم نفس وغير ذلك، فاُخضعت النصوص لتفضّ الاششتباك وتحسم معركتنا مع خصومنا في واقعنا المعاصر.
الموضوع الرئيس في التفسير من وجهة نظري هو موضوع تعيين المنهج من جهة (كليّات التفسير)، وموضوع مرجعيّة اللغة بمعناها الواسع ومرجعيّة التاريخ ومرجعية القرآن نفسه، إلى جانب الاستفادة ممّا ثبت بشكل مؤكّد من السنّة، وهذه أمور يمكن للمفسّر القديم أن يستفيد منها أحياناً بشكلٍ أكبر من المفسّر المعاصر، وهناك فرق بين أن نصف التفاسير القديمة بأنّها مضادّة للعقل الحاضر، أو نقول بأنّها لم تقدّم تمام الفهم الذي يستوعب الآية؛ لأننا تطوّرنا معرفياً، فاكتشفنا في الآيات أشياء جديدة لم يبلغها السابقون.
النقطة الثالثة: إنّ الجمود على تفاسير العلماء للقرآن الكريم، لاسيما المتقدّم من المفسّرين، هو أيضاً مشكلة كبيرة، فبعض الناس عندما تقول له تفسيراً ما للآية أو لموضوعٍ قرآني معيّن، فهو غير قادر على تحمّله إذا لم تشفع ذلك له بنسبة هذا التفسير لأحد العلماء حتى تهدأ نفسُه؛ لأنّ الوحدة وحشة، فإذا قلت له بأنّ العلامة الطباطبائي أو الشيخ محمد عبده قال ذلك، هدأت نفسه، وإذا قلت له: إنّ ذلك موجودٌ في رواية ضعيفة السند سكنت روحه، أمّا إذا لم تقل له هذا وبدا التفسير غير موجود في كلمات المفسّرين القدامى فإنّه يشعر بالوحشة حتى لو قدّمت لتفسيرك شواهده اللغوية والتاريخية.. هذه ظاهرة غير موجودة في التفسير فقط، بل في مختلف العلوم الدينية، بما في ذلك علوم الفلسفة والمنطقيّات مع الأسف الشديد، وهي العلوم المسؤولة ـ حسب الفرض ـ عن خلق إنسان مستقلّ في التفكير بعيد عن التقليد والمتابعة. وهذه الرهبة من الوحشة يمكن تفهّمها في إنسان غير متخصّص، أمّا المتخصّص أو المتابع الذي يحمل الوعي والحدّ الأدنى من الخبرة فرهبته هذه لا تنمّ غالباً سوى عن هيمنة التقليد في حياتنا، ولا أعني بذلك ضرورة الترحيب بكلّ تفسير جديد والانبهار به، كما هي طريقة (الموضة) التي سرت إلى حياتنا الفكرية والدينية، بل إنّني من دعاة الاحتياط في هذا الأمر، لكن عندما تأتيك مرجّحات لتفسيرٍ ما فلا يصحّ البقاء بعيداً بحجّة أنّ أحداً لم يقل ذلك، فالحقّ لا يترجّح بعدد المؤمنين به في الأمور المعرفيّة والعلميّة.
وأنا ألقي درسي التفسيري الأسبوعي المتواضع ألحّ عليّ الكثير من الحاضرين مراراً بأن أذكر أصحاب الأقوال التفسيريّة، فإذا قلت قولاً تفسيرياً فلابدّ لي أن أذكر صاحب القول، وهذا شيء طبيعي، ولكنّني تعمّدت أن لا أفعل ذلك، والسبب هو واقعنا المعرفي الذي وبمجرّد أن تنسب التفسير إلى عالمٍ لا يعجب المستمع تصبح في النفس ردّة فعل سلبيّة تعيق الاقتناع بالتفسير واكتشاف عناصر القوّة فيه، والعكس هو الصحيح أيضاً.
لماذا هذا الواقع؟ لأنّ فضاء التربية والتعليم عندنا هو فضاء تقليدي في بعض جوانبه، ويحتاج أن يتدرّب الإنسان لفترة ليست بالقليلة على أن يتعامل مع الأفكار، فتكون كلّ التفاسير عنده مطروحة على بساط البحث تخضع ـ بدرجة واحدة ـ للنقد المجهري والتقويم العلمي وفق الأصول التفسيرية التي يختارها بنفسه على مستوى المنهج، أمّا وبمجرّد أن يصبح صاحب القول أو الانتماء الفكري المعيّن مرجّحاً لصالح أو ضدّ هذا التفسير أو ذاك، فهذا يعني أنّنا خرجنا من الحلقة البحثية العلمية إلى اصطفافات، وبالإمكان التنبؤ بالنتائج في هذه الحال.
من هنا لا أحبّذ أن نطلق أحكاماً مسبقة في نبذ التفاسير القديمة والأخذ بالجديدة بواسطة إطلاق شعارات، حتى لتجد بعضنا متحمّساً لفهم القرآن وفق أصول اللسانيات الحديثة والسيميائيات، وعندما تسأله: ما هي هذه العلوم؟ تكتشف (وهذا ليس افتراضاً أو تهمة ـ والعياذ بالله ـ بل شيء رأيناه في حياتنا) أنّه لا يعرف عنها شيئاً، ولم يقرأ حتى كتاباً واحداً فيها، ولكنّ الجوّ الإعلامي هو الذي حفّزه لاتخاذ مواقف!! وكذلك في نبذ الجديدة والاكتفاء بالقديمة عبر شعارات ثانية أيضاً، حتى لترى بعض من يقدّس ما يقوله العلماء القدامى لا يعرف شيئاً عن منهجهم ومصادر معلوماتهم، أو ما كتب في نقدهم وكشف ثغراتهم، ولا حتى مرّ بجانب اللغة العربية وأصول الفهم فيها!! إنّني أعتقد أنّ الأمر لا يُدار بهذه الطريقة، بل الموضوع مفتوح على مختلف الاتجاهات للوصول إلى نتائج علميّة موضوعية قدر الإمكان إن شاء الله.
#علاء_رحم (هاشتاغ)
Alaa_Rn#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟