أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - بصرة - اورشليم















المزيد.....

بصرة - اورشليم


هاشم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 6778 - 2021 / 1 / 4 - 16:34
المحور: الادب والفن
    


لم يلحْ لي سوى عينينِ وخصلةِ شعرٍ بلونِ الحناءِ حين رأيتُها في الزقاقِ بخمارِها، كان ذلك كافياً أن يخترق فؤادي
صرختُ
- أصابني السهمُ! 
سمعني الحراسُ
- كنا نبحث عنك أيها القتيل، اسمع….
لم يكملْ عبارتَه حتى خطفتْ بصرها نحوي، رأيتُه يحرقُ خمارَها ويحرقُ قلبي فهذا شهرُ الثمرِ الناضجِ حيثُ التمرُ شهيا كما الرمان تزم له الشفتان والأعناب ضاقت بعصيرها في جوف خابية للخمرة مختومة بوشاح، وقُلة مهجورة تنتظر عتاقه تشف كل ذي كلف وصبوة.
ريحٌ ورذاذ .. خرجنا ندور كرقصةِ (مولى )1 نولي وجهينا للنورِ وللغيمةِ، لكن البارحة كما اليوم عسسٌ في أورشليم كما في البصرةِ، رأس العشقِ تدلّى على بابين .. فكيف سنبشر بزاويتك ابن البصري وأنت على خلاف مع (واصل) فنعته معتزلا بين مقامين وبين بينين، ومنزلتين تقيّضه للشركِ، لكن توحيدي بتاريخكِ، حبي، لا يخضع إلا لمنزلة الإثم من النارِ، نار أورشليم تفضي للملك الجبار ونار البصرة تقاضي المُحتار فلا يختار غير التماعة عينيك وبين رموشك حجتي تسكن.
تلك الآية قبض عليها الحراسُ، غلٌّ يمنحُهُ الأوغادُ جزافاً لمن يُذرع رصيفاً للعشق ويقيم صلاةَ الوردةِ بالذكر وحتى الوتْرِ، اختُمها شفعاً تلموذياً حتى يطعنني الحارس بقلبي لآني قصدتُ باب الصدقات فالعشقُ مُحرمٌ بالبصرة كما حال لياليه في أورشليم.. حيث الحراس يقولون:
- ماذا تخبئين؟!
فلم يعثروا على حبي في صدركِ! هُفات، لو نظروا الى عينيك لرأوا شحذَ العشق يقلّمُ غصنَ الروح فتكاً مخضرا بثمانية وعشرين طبقة تأتين على منازله قمراً يبدأ بالإكليل2، لكن منازلهم طلقات، ولهاثهم وراء عباءتك عواءٌ مستهترٌ يفضي للشبهاتِ، وأنت تخبئين عشقَك في قلبك، كان مخافة حاسد، والآن مخافة راصد، عيون في كل مكان، حظرا للتجوال وموت يّتيسر للعسرى. يا ابنة روح عصير التمر بعذقين، وجذع النخلة مفتول الخصر قاربنا لا يصلح للريح كما قبل قرون رُسن الخيل معشقة بين اصابعه، حبيبك لم تنفعه خيام «قيدار»3، قبضوا عليه والظلمة نازلة تسيحُ كما شعرك مسدول السعفاتِ طعنته الشمسُ بذهب كالعسل الأسمر في جبل في لبنان، فأي قتيل هذا الذي أوقفه الحراس وعيناه، هنا الميناء، على سفن الهند ينتظر وصول الأطياب وعود القرفة، والبركةُ حبة كما العنبر بجوف الحوت، وكعب غزال للمسك يضمد جرح لقائي، يا قرة عين امك تأخرتُ فالحارس اسكت اهازيج البحرِ وضربِ الموجِ على دفة صدري فتعوّق قاربُ هدايا العشق هنا وهناك والصبح فتيا على أبواب أورشليم فما بالك بالبصرة.

- الى أين؟ صاح الحارس! وعيناكِ تطوف خلف شاراته من أعلى الكتف، وتلوّح لي:
اتبعني لسوق النساجين حيث تحل الشمسُ ضفائرِها في الخلجانِ وخيوط وافرةُ الألوانِ، لبدلة عرسي «استحلفكن بنات البصرة»4 بالنخل وبالمرسى ومرفأ وهن الموج وخصيب الأرض، وقوت العشق تهدل عرجونا يتجشم بعذقي نخيلٍ ورطب اسمر كلون خدوده، ألا تتركن حبيبي يسجنه الجلادون بتهمة حبي فملك النحل لا يرضى بغير ملكة يرقد على صدرها وشمان وترقوتان، محببةَ الأعطافِ نافرةَ الأنف أميرةَ نهرينِ وضفافٍ وطيرٍ يلهو ويهاجرُ.. ثم يعودُ، لقلبي، للقصب النابت على ضفتين، ضفة للعشق هنا، وأخرى لجنون الفتيانِ حيث تُعشّق أياديها بشِباك الصيد الضاربة الى اللؤلؤبلفحة شمس أو ختم ضياء لقمر بمنزلته الوسطى أو حتى مائلٍ لسمار الليلة، ليلة عرسي، بمصباح نفطي كي لا أستوحشك فأرى عينيكَ تهديني الجمرات، جمرة قلبي، وصوتك مُرنمٌ يتعلق بستار الروح ألا اهديني تنهيدة صبرك!
- اهتف ليسمعك الخلق حبيبي
صوتُك غُثاء مُرتع، والحقل فسيح تطرزه الألوان باثني عشر برج تتقاتل، حروب وجرود وما انتهت بخراب البصرة وحتى عبادان5 والشيء بالشيء يذكر كما الحب بالحب يذكر فأتذكر وتتذكر أشدها فتكاً حروب العشق على كل الجبهات، حروب للموت على اعلى الرايات، وحروب وحروب مادام الحراس يجوسون أرصفة العشق ويسدون منافذ أزقته وكل الطرقات.
قال:
أخرجني الحارس وأجلسني على صخرةٍ عند باب المدينة وقال لي: انتظرها هنا حتى يأتي يوم الأربعاء6، يوم النحس عليك، لكنني نسيت في أي يوم نحن فضاع اليوم وضاع العدُ، حساب الغم عسير ما أكثره بقلبي يا حبي، وانا ابحث في ترائب الصدور، عن قلادة برسم النخلة، لعشق الله فلا أشرك فيكِ ولونكِِ طيني غض في موسم جزره، وحاجبين ازجّين سعفتين مرتخيين ببسمة عينين صافيتين يقطعان وريدي، حتى غفوت فأيقظني حارسٌ بلباسٍ لا يشبه صاحبه وسألني فقلت له:
أجلسني صاحبكَ أنتظر تابل7 حبي فقال: صفه لي فوصفته فقال هذا لباس الجند من آلاف الأعوام، أورشليم على ما أظن واعرف! حاول إيقافي فلم اقدر. قال: ابقَ مكانك سيأتي يوم أربعاء، وعدٌ لإثم العاشق، جنود لا تفضي قسماتهم لمسرة، سيأتون جيوشاً مدججة وخوذ حديد تصطج مع الشمس وحراب تلتمع من بين النخل وقصب الأهوار وحتى تلك الأقواس المذهبة لهيكل سليمان، تخشى ما في صدرك حتى يشجوه وهند8 أخرى ستأكل قلبك، ستتذكرني بطيب وتشكر نعمة رفقي، أبشرك: طالعك نحسٌ كما في كل الأزمان.

طالعه موسوم بطعم لاذع من شفتي كبهار الهند، مهراق الجمر تشعله العينين، وقلب لا يتأخر عن حدس رحيله عني، اخرجن بنات البصرة حبيبي فتى الأحراش، غريب الطرقات، نجيل المرتفعات، تهادي الريح قلوعه رشيق الإبحار سيقتله الحراس بتهمة حبي، سيعلقه الأوغاد على باب البصرة لإخلاصه لأطياب التمر هنا، وهناك التين، اسقينّهُ عتق الخمرة فهو كما العشق كالخبز حبيبي ورشاقة انفاسه تتلو صلواة الوردة، والميسم مبسوط البتلات يقدح بشهد شفتي يضطرم بهما سعار النار، لسانه حلو كما الكرم ورضابي كسلام الأرض، وقلن له ألا يجزع أو يحتجب عن الشوق وخبئن أنفاسه في قارورة شهدٍ، وانثرنها في البحر كما الأشعار، تطود الموج فتعشقه صبايا البصرة فبين البصرة وأورشليم أوبئةٌ وسِعال ورصاصٌ ومقاتلٌ في كل الأزمان. هذي قبلة روحي من سجني انثرنها قبل صعود الروح وتمعنَّ بالريح القادمة من الخلجان فالعشق محرم بالأوطان مثله في كل الأديان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اشارة الى رقصة (المولوي) لجلال الدين الرومي
2 الإكليل : أول منزلة من منازل القمر وعددها ثمانية وعشرون منزلة 
3 قيدار: كناية لخيام قيدار في العهد القديم، وردت كذلك في نشيد الإنشاد، استخدمتها لشدة سوادها وكتأشير للحادثة التوراتية
4 من قصيدة للشاعر يوسف الصايغ (انتظريني عند تخوم البحر)
5 (بعد خراب البصرة) و (ماكو وره عبادان قرية) مثلان دارجان للعراقيين عن شقاء البصرة وقدرها
6 إشارةً إلى خيانة يسوع من قبل يهوذا الإسخريوطي في يوم أربعاء، إضافة الى انه يوم نحس في عدد من الميثولوجيات.
7 تستخدم بالعربية للطعام (تابل الطعام) لتنوع صنوفه واطيابه، استخدمتها كتعبير عن اطياب الحب وأنواع العشق كناية للتوابل، وهو استخدام شخصي محدث.
8 (هند) في الرواية التاريخية مثل للحقد بأكلها قلب الحمزة.



#هاشم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -من ذاكرة الصور- صبا مطر بين حربين
- اشتقاقات الغياب - قراءة شعرية في نصوص محدثة
- كوپه-ديناري
- حبيبا الساحةِ
- -قافل-
- -شو بدي بالبلاد الله يخلي لأولاد-
- لنْ نخذلكَ في الخامسِ والعشرين
- سنغنيكَ لأنك غيرتَ العالمَ! حبيبي...
- وشمٌ على خصرِكَ أيلول - الى وليد وإبراهيم وكلِّهم
- هوية / سبع دقائق قبل الموت
- بطنها المأوى / دنى غالي: التركيب الخاص والسلوك الظاهر
- عادل مراد/ موقف انساني باسل «شيء يشبه الحكايات»
- عبد الحليم المدني، سيرة في سيرة السيد عبد الكريم المدني
- تحولات أسئلة النص في رواية -عشاق وفونوغراف وأزمنة- للكاتبة ل ...
- القلادة: حداثة النص بين الإسقاط والتناص والتأويل
- جنان جاسم حلاوي وغابة النخيل الإنسانية
- غروب الوليد - الى وليد جمعة
- سودوكي (رحيل صباح المرعي)
- الزمان والسرد في النظام القصصي لشاكر الأنباري في روايته أنا ...
- الخيال: التقديم والنهايات - دراسة نقدية في أدب برهان شاوي من ...


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - بصرة - اورشليم