أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - سودوكي (رحيل صباح المرعي)














المزيد.....

سودوكي (رحيل صباح المرعي)


هاشم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 4872 - 2015 / 7 / 20 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


لعبةٌ كأيةِ لعبةٍ هي (السدوكي)!(1) لا ليست كأيةِ لعبةٍ هي السدوكي. إنها لعبتُهُ المفضلة. صباحٌ مغرمٌ بالسدوكي!.. فأيُ غرامٍ هذا، ولماذا كلّ هذا الغرام؟.

على دراجةٍ ناريةٍ وقلبٍ ناريٍ في جسدٍ يافعٍ انيقٍ لفحه عطرُ الوردةِ وغمرَهُ نثيثُ البحرِ من خلفِ الصخرةِ (2)، فأمسكَهُ الصيادونَ متلبساً بعشقِ المنظرِ
وصوتِ نوارسَ كانَ يدقُّ بقلبهِ وجعاً لأولِ فراقٍ، وحنيناً يأخذُهُ إلى دفترِ اشعارِهِ
تركَهُ بعهدةِ أمهِ، بأنهُ سيرجعُ بعدَ عامٍ أو أكثرَ بقليلٍ، وحتى قبلَ حلولِ الصيفِ القادمِ، لكنّهُ لا يدري إنهُ صودِرَ من أولِ زيارةٍ للمأبونين.
أوصاها أنْ تختارَ لهما خاتمينِ يليقُ الأولُ بأصبعِ محبوبتهِ، والآخرُ سيحتفظُ بهِ في خزانتِهِ وكأنّهُ يعرفُ إنَّ عمرَ الحبِّ قصيرٌ وإنَّ الأشياءَ الحلوةَ لا تكتملُ كي لا تفقدَ رونقَها، وإنَّ اللوعةَ ستبقى نبضَ الصدرِ حتى (الهوسبك) (3) إنْ كانَ ضرورياً ذلكَ لتطولَ وتبقى. أو حتى قدراً يستعين به على نفسه في أسوءِ حال

استمعت أمهُ في ذاتِ الليلةِ لصوتِ (وديع) (4)، فإذاعةُ بغدادَ تبثُّ الأحزانَ وتعنى بالفقدانِ فحسب. فجاءَ الصوتُ شجياً من بين خوصِ النخلِ ومضمَّخاً برائحةِ القِدرِ وحميسِ اللحمِ الذي يهواهُ

على الله تعود على الله
يا ضايع في ديار الله
من بعدك أنت يا غالي
ما لي أحباب غير الله

استمعَ هو الآخرُ لنفسِ المغنى
وعندما ساورهُ الشكُ أنَّ حبيبتَهُ في العراقِ نستهُ أو أوشكت على ذلكَ بدأت خيوطُ قلبِهِ ترتجفُ على وقعِ الأغنيةِ فأمتثلَ للصبرِوخطَ على شفتيهِ ابتسامتَهُ التي هي ذاتَها التي أتقنَها حتى وإن استعصى عليه رقمُ السدوكي الصعبِ، فالارقامُ بلهاءُ كأجنحةِ الحمامِ الزاجلِ تغادرُ مسرعةً بأي اتجاه. وهي كجنحِ الظلامِ تخبئُ تحتَها الأسرارُ والأقدارُ.
كان وقتها يمسكُ بأولِ رقمٍ من الأحجيةِ، ربما مستخيراً طالعَهُ الذي أوهمَهُ أنَّ مربَّعَ أرقامِ السدوكي ستكتملُ بومضةِ عينٍ وأنَّ الحياةَ أمامَ ناظريهِ ستتدفقُ كفجرٍ سحريٍ فأفاقٍ على جبران وفيروز:

هل تَخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور
فتتبّعت السواقي وتسلّقت الصخور
هل تحمّمت بعطر وتنشّفت بنور
وشربت الفجر خمراً في كؤوس من أثير

ركنَ دراجتَهُ الناريةَ على حائطٍ في (الروشه) وغادرَ ولمْ يأخذْ معهُ سوى الأرقامِ التي سيحاولُ سفحَها على الجدولِ ، أعني جدولَ أرقامِ السدوكي، فكانت ضربةُ حظٍ؛ حظٍ أوفرَ، ربما، أو أسوءَ، لا يهمُ فاللعبةُ لعبةٌ، والأرقامُ تدورُ وتدورُ كما الروليت، والرقمُ صعبٌ لا يأتي فتمسّك أكثرَ بالأرقامِ وبالحظِ الأوفرِ. جمعَ الأرقامَ التسعةَ فكانت 45 استبشرَ خيراً فمجموعهُ كذلكَ 9 والتسعةُ حظهُ وهو رقمُ حياتِهِ، هكذا أخبرني عن سرِّ الأرقامِ الموحشةِ فهي تتقافزُ أمامَ عينيهِ كصافيرِ الحبِّ الذي فقدهُ في يومٍ موحشٍ.

يالللللللللله ما أصعبَ درسَ التشريحِ فعلمُ المنطقِ أسهلُ بكثيرٍ، وأكثرُ من ذلكَ كتمَ السرِّ فنامَ وبينَ يديهِ ورقةِ السدوكي بعدةِ أرقامٍ.. ينامُ ليحلمَ فرقمُ الحظِّ عسيرٌ لا يأتي، منشغلٌ به منذُ سنين.. لكنَّ الاحلامَ لم تأتِ. وما بينَ الغفوةِ والصحوِ يهاتفُ صديقاً أو يشغلُ نفسَهُ بجهازِ العصرِ يرسلُ إيميلاً عن همِّ الفقراءِ أو يسخرُ من بعضِ الشعراءِ... من تندرَ منهم على هم الغرباءِ كحالتِهِ فصباح لا يملكُ غيرَ سودوكي محبوسٍ بين القضبانِ ولا يقوى على فكِّ الرقمِ الأولِ منهُ وغريمهُ رقمُ المليونِ عندهُ شربةُ ماء.

ابتسمَ لنفسهِ وقال:
اسمعْ: ما فائدةُ الحياةِ من دونِ رقمٍ للحظِّ، وحظك مطمورٌ في خابيةٍ من خمرٍ مختومةٍ من زمنِ سليمانَ يحرسُها ماردٌ فلا تفكها سوى حبيبتك، وعلى وجهِ التحديدِ قبلةٌ من شفتيها وشفتيها لا تملكُها لأنها بيعت فوقَ البيعةِ في سوق النخاسين في وطنٍ أصبحَ عدةَ أوطان.
فتحَ عينيهِ قليلاً تأملَ أصدقاءَهُ واحداً واحداً واللحنُ برأسهِ فمدَّ يدَهُ وقالَ اعطوني إياهُ، واذهبوا يا رفاقي أريدُ أن أنام

أعطني الناي وغنِّ وانْسَ داءً ودواء
إنّما الناس سطور كُتبت لكن بماء

نامَ صباح وغادرَ من دونِ ضجيج

(1) سودوكي: احجية رقمية معروفة كان الصديق الراحل صباح المرعي يمارسها
(2) الصخرة : صخرة الروشة في بيروت حيث قضى الراحل جزء من حياته هناك
(3) الهوسبك : مكان للعناية بالمرضى المأيوس من شفائهم، بمعنى انتظارهم الموت
(4) وديع : الفنان اللبناني الكبير وديع الصافي



#هاشم_مطر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمان والسرد في النظام القصصي لشاكر الأنباري في روايته أنا ...
- الخيال: التقديم والنهايات - دراسة نقدية في أدب برهان شاوي من ...
- المدني في رحلته الأثيرية الى نبتون
- فاطمة الفلاحي: الصورة ومنجم الضوء ورحلة الألم وحداثة النص
- محاولة في فك لوازم العشق
- في نقد المشروع الديمقراطي
- كنت جميلا بما يكفي ان تغادر بصمت
- حداد
- زهرة
- سوسن ابيض للكاتب المبدع محيي الأشيقر -البحث عن زمن جديد-
- أصدقائي والخريف
- «كيفك انت» :الرسالة التي تذكرها صاحبي
- مجزرة النرويج وفكرة المواطنة لجيلنا الثاني


المزيد.....




- -ليلة السكاكين- للكاتب والمخرج عروة المقداد: تغذية الأسطورة ...
- بابا كريستوفر والعم سام
- ميغان ماركل تعود إلى التمثيل بعدغياب 8 سنوات
- بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأف ...
- دراسة علمية: زيارة المتاحف تقلل الكورتيزول وتحسن الصحة النفس ...
- على مدى 5 سنوات.. لماذا زيّن فنان طائرة نفاثة بـ35 مليون خرز ...
- راما دوجي.. الفنانة السورية الأميركية زوجة زهران ممداني
- الجزائر: تتويج الفيلم العراقي -أناشيد آدم- للمخرج عدي رشيد ف ...
- بريندان فريزر وريتشل قد يجتمعان مجددًا في فيلم -The Mummy 4- ...
- الكاتب الفرنسي إيمانويل كارير يحصد جائزة ميديسيس الأدبية


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - سودوكي (رحيل صباح المرعي)