أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - حبيبا الساحةِ















المزيد.....

حبيبا الساحةِ


هاشم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 6425 - 2019 / 12 / 1 - 15:47
المحور: الادب والفن
    


...وانتظرتِ حتّى رمى الدُجى معطفَهُ فاستجَرْتِ بالدُجْنةِ وملحفِ السكونِ، وبرفقٍ كنتِ تسايريهِ بالكلامِ وبالشرودِ وتخبئينَ منشورَ حُبِّكِ وحقِّكِ بالوجودِ، فتكوني من بين نساءِ العالمينَ أولَ من يشارُ إليها بالبنانِ:
بنتُ الفراتِين تحملُ قلبَها للحبيبِ قرنةَ التقاءِ الشاطئينِ، انفراجُ ثغرِها الباسمِ، قرنةِ المحبينَ، نورَ الهلالِ اسمرَ مطعوناً بالغبارِ، مكبلٌ بالسكوتِ، متيمٌ، هادئٌ مُعكرُ العينينِ، هكذا عندما استوقَفَكِ العسكريُّ على بوابةِ المجدِ الذاهلِ من الجسارةِ.
واهنةُ الأعطافِ ذابلةُ العينينِ تشقُّ الحواجزَ والعسسَ، كيفَ استطعتِ؟ فلكُ النجومِ مصيدةُ الحمائمِ، والحظُ نائمٌ، كُنهُه المفروط ذهبي الخيوط، سقطَ القريبُ والبعيدُ في جنحِ الظلامِ، والسدفةُ تخفي رصاصاتِ اللئامِ، بغدادُ حمراءُ رأيتها تشهقُ بالهتافِ، صدرُها الهتافُ، يعلو لا يشبهُ سودَ العهودِ أهكذا كانَ المرادُ يولدُ من جديدِ.

هكذا ظننتُ! رسمتُ محياكَ من بينِ شباكِ الصيادينَ، لؤلؤةً طافرةً من لجّةِ بحرٍ كثيفِ الهذيانِ، لكنَّ شباكي كانتْ ذكيةً كافيةً، أو من بينِ أعشابِ الحقولِ، وعشبي وبرٌ وثيرٌ غمرتهِ بلثمِ شفتيكِ الفانِ وتسعَ عشرةَ مرةً؛ الفانِ وتسعَ عشرةَ فتحةً ترقنُ الأبراجَ نازلةً لمنزلتك من القمرِ، وتدورُ كرحى مطحنةٍ تطحنُ فؤادي في كلِّ مرةٍ، لأنني اشتقتُ إليك حبيبي، لثغرِكَ الباسمِ، وطيبِ نَفسِكَ من هبوبِ ساحلِ دجلةَ المطعونِ بالخردلِ. انتظرتُ حتى سكنَ الفؤادُ وأودعتُكَ ضلعي تنامُ أو تغفو قليلاً، هذا ما تمنيتُ، لكنَّ ضربتَكَ كانتْ في صدغِكَ الأسمرِ أدمةً، شجاً نازلاً كخندقٍ بين جيشينِ، ضفتُهُ ورديةٌ، طيبّتهُ بشفتيّ اللتينِ تحبُ، أحبُهُ لأنه من شهد النحلِ في اعلى نخلةٍ لم تَطَلْها يدُ مزارعٍ مشاكسٍ، فما زال لونُه بكراً، وسمارُهُ يشبهُ أهلَهُ؛ سمارُ الجنوب مبذولٌ على خدينِ، ناعمينِ، آهٍ كمْ يشتاقُ لهما صدري، أضمهما إليهِ الآنَ باردينِ في تشرين، عيناكَ شمسان تطلانِ على هرجِ الرصاصِ يتقاذفُ الأصواتَ وترانيمَ المنشدين. بوصلةُ الأصواتِ المفتولةِ بعصائبِ الموتِ الرهيبِ؛ لمنْ؟ لمغامرٍ مثلكَ فازَ بقلبي فنحنُ معشرُ جميلاتِ الفراتِ، يفتِنُنا الفتى، فتى الفتيانِ، أيُّ فتىً يضيعُ؟! وما فتئَ نزفُهُ يعاندُ اجترامَ التقيةِ وترهلِ الكلامِ.

تشرينُ أولُ أوراقِ الخريفِ أظنكِ تذكرينَ.. يوصلُ الحبُّ بما يشاءُ، ويغدقُ لونُه على عينيكِ لونَ الاشتهاءِ، تشرينُ وأولُ تأتأةِ كلامُ المستهامِ، مُولّهٌ بكلمةٍ تخرجُ من بين الشفاهِ، لم يجربْها حتى تجاوزَ عقدينِ ونيفٍ.
يا طيرَ الحمامِ أنتَ قرينُ الندى، نرفقُ الأحلامَ هديلاً، يوصلُ حبي إليكِ، أولُ مشقةِ انتظارِ وصولِ اليمامِ. جناحاهُ ورقتا تفاحٍ مفلوعتانِ من برعمٍ واحدٍ، يصفقانِ، يزفُّ الخبرَ، خبري الآنَ في ساحةِ الحياةِ. تعالي اشتقتُ لرائحةِ السدْرِ المضمَّخِ بالكافورِ وحفنةِ ضياءٍ من وجهكِ الباسمِ تمسديهِ براحتيكِ على وجهي، لم يكنْ باسماً مثلما هو الآنَ، أصابتني الطلقةُ لأنَّ صوتي أصابَ عروشَ الطغاةِ. صرخةُ يوسفَ، تناقلَها الملأُ حتى ذهبتْ مثلاً، ما أسعَدَني، والآنَ وجهي تحتَ راحتيكِ وشعرُكِ المهدولُ عليهِ، خيمةَ عرسي، عرسِكِ المؤجلِ حتى يعلو النشيدُ ويمضي لما نريدُ ونشتهي؛ قُبلتكِ شهيةٌ يا ابنةَ النخلِ لما قبلَ تموزِ، ظنَّ كهنةُ بابلَ إنها لا ترى النورَ، لكنَّ سنا عشتار فضحَهُم فأطفأوا غضبَهُم في وعاءِ السحرِ الأسودِ، عقدوا على الحظِّ، واللّحظِ. طرفُ العينِ قريبٌ من الصدغِ، بابلُ تنهضُ في ثمرةِ باقلاءٍ شهيةٍ كما نشدَ اليمامُ مُبشراً قبلَ آلآفٍ من الأعوامِ، "إنانا" غضوب المنام!(1)، القصبُ تحتَ رجليكِ مفخرةُ الرجالِ، حرارةُ نهديكِ على صدري توقظُ نُسغَ الحياةِ، لا يهمُّ إنْ كنتَ راجلاً أم مسجى لكنني ظافرٌ؛ ظافرٌ بعينيكِ عيونِ الحبيباتِ والأمهاتِ وصوتِ البناتِ، الساعياتِ يسعفنَ، يتخاتلنَ من بين البروقِ، تضيءُ الوجوهُ لمحةً وتحتجبُ، والوحوشُ تفرُّ تحتَ فأسِ أخيكِ الثقيلِ(1). كيفَ أتيتِ، من أيِ بابٍ وايِ دروبٍ قطعتِ والجمعُ في البعدِ مكشوفٌ بظنهِ، ظاهرٌ، واللهُ اعلمُ!
جلَّهُ اللونُ المبجلُ المُغبرُ يأتي من بعيدٍ، وصوتُ نشيدٍ تعرفيهِ بالمقابلِ، والموتُ دائرةُ الدوائر وصوتُ البنادقِ على الرؤوسِ يئزُّ ويستطيلُ كجرمٍ ساقطٍ.

تبعتُ خيطَ الدخان؛ دخانُ المذبحِ الأخضرِ الأخيرِ، وحينَ اختفى في جنحِ الظلامِ، اطلقتُ انفي الذي أحببتَهُ بنفسِكَ، منقارُ الحمامِ، أظنكَ تذكرُ، فاستدلني الى كومةِ عشبٍ سحريٍ، قالَ لي مُوقفي العسكريُّ : ماذا تخبئينَ بصدرِكِ أيتها الجميلةُ؟
لمْ اكنْ جميلةً حتى تهمسُ بها بنفسِكَ يا حبيبي وتغدقُ على قلبي شمائلَ تشرينَ وتنهضُ. غصتُ بينَ الجموعِ يُسكرها عطرُ جرحِكَ وفواحُ عطرِكَ، تَشاركوهُ وما زالَ يكبرُ ويزيدُ حتى امتلأت الساحة وما عادَ لرائحةِ البارودِ المعتَّقِ بالسمومِ من أثرٍ. هبّوا من بابِها الشرقيِّ، كنيةً لريحٍ جنوبيةٍ وغزواتٍ قديمةٍ لا أتذكرُها لكنني ولدتُ معها، آهٍ كمْ كانتْ ولادتُك عسيرةً، حتى انتظرتُ صرخةَ الولادةِ واحد وعشرين عاماً أو حتّى اكثرَ بكثيرٍ فأعوامُ البلاءِ بلا حسابٍ، ربما الطوفانُ سيوفرُ عليك الحسابَ.
رأيتكَ !
اصطدموا بأولِ حاجزٍ على الجسرِ والنيازكُ خَفْضُ مطاطٍ من حديدٍ، وعندَ الصدأ الكونكريتي الشاحبِ كنتَ تصرخُ كمنْ افزعَهُ الحلمُ:
اصعدْ ولا تنسى العلمَ؛ خذْهُ!.
هل يستحقُّ؟
قميصك المضرَّجِ بالدمِ أفضلَ! هناكَ حيثُ أقرانِكَ ينظرونَ الى الموتِ ببسالةٍ تحطُّ من كثافةِ الرصاصِ، شموخُ النصبِ التذكاريةِ المبجلةِ وأسماءُ الشوارعِ، لا اسميها، فشتّانَ ما بينَ منْ ضغطَ على الزنادِ وبينَ منْ حفرَ الحجارةِ، ومنْ بينِ شِِباكِ الرصاصِ اشحطُ نعلينِ لا يطقطقانِ كما ترى أو لا ترى حبيبي. وجدتُكَ؛ شمعتَكَ عرفتُها منْ بينِ الشموعِ أوقدتْها العذارى مع الأصيلِ بأكثرَ من تصميمٍ وموديلٍ يليقُ بالغائبينَ.
نعمْ؛ كانَ ذلكَ في الساحةِ! ربما بعدَ حينٍ سيطلِقونها بالنهرِ القريبِ، أور القديمة مشرّعة على كربِ النخيلِ.
لونُكَ ضاربٌ للسمرةِ اكثرَ منْ الحمرةِ، ارجوانيٌّ مطعونٌ بالبنفسجِ الكئيبِ، كانَ حزيناً، مرحاً قبلَ يومينِ، رميتُ بوشاحي عليكَ أداري خجلَكَ وقلَّةِ حيلتَكَ فلونَكَ عليلٌ كما أرى ونبضَكَ متقطعٌ فأوشكَ النسغُ يجفُّ لولا صرخةُ احدِهِمْ:
سقطتْ "الصبّةُ"!(2) وأنتَ تحتَها مقدوحَ الجفنِ ترى كلَّ شيءٍ كما جدكَ باني الأسوارَ تحاشياً للرعاعِ قبلَ عهودٍ، اليومَ عكَسَهُ، عرفتُ من نظرتكَ انكَ تتبعُ وصيتَهُ!: الموتُ وعدٌ فلا بدَّ منْ يومٍ موعودٍ، هلْ عرفتَ حبيبي كيفَ وصلتُ؟
وأنتَ كيفَ وصلتَ؟

كانت الطلقاتُ معلقةً بأهدابي فلم أتبين المنظرَ أمامي، حشودٌ من الصبيةِ أمثاليَ طلعتُهم كتلةَ ضياءٍ، رهطُ العسكرِ وجوهُهُمْ موشّحةً بالعارِ، لمْ يخرجوا منْ رحمِ أمٍ، عيونُهُمْ تغورُ في جبِّ يوسفَ، ليستْ حدقاتُها إنما مأواها الأبديِّ الأسودِ، أعلامٌ، خرقٌ ملونةٌ، فوقَ الرؤوسِ، لا تظلُّ الشمسَ فكيفَ بالرصاصِ، يخرّمُ اسمَ اللهِ وصدري، أهما سيان؟! أمست الجموعُ زهوراً حمرَ على قيرِ الشارعِ المهذبِ، يلمعُ بالأرجوانِ، كأسُ نبيذٍ من كفيّ سيدوري(3) كـاغتنامِ لليومِ، كيفَ لا!! صوتُ النايِ الشحيحِ، صبو الصبواتِ يعْلو في لهوِ فتوةٍ محاكةٍ منْ قصبِ القاربِ، نهيرٌ مازالَ يافعاً يقاومُ جحودَ المَرضى العقليينَ، نبتةٌ تعاركُ، والأصحُّ تنازلُ، وتصعدُ!! لمْ ترَ غيرَ أقفاصِ السمكِ والغلالِ والعبيدِ، وسقوفٍ تحتَ الشمسِ خلفَ سدةٍ تكادُ لا تسترُ عريَها. كلُّ هذا في كفةٍ والصوتُ بكفةٍ:
"الصبّةُ"، من كونكريتٍ، تتلحلحُ، وصوتُ النايِ يؤرجِحُها، لا شيءَ غيرَ صوتٍ يطرِّزُ الهواءَ، يخرمهُ على الأصحِّ، يتقطعُ لكنهُ متموجٌ. جديلتك معقودةِ الحلقاتِ، تتموجُ كذلكَ، ضفائرُ تطولُ وصوتُ طبولٍ تُقرعُ في القلوبِ فتمضي. لا أدري كيفَ وصلتُ لكنني عرفتُ إنني الآن بينَ يديكِ، تهمسينَ بأذني: ارفعهُما الى نحري حبيبي، امسكْ بجيدي قليلاً، احسُّ بضمأي لشفتيك، للياقوتِ بينَهما، دمعُ الكهرمانِ يشتهي الحريرَ.
اعرفُ ذلكَ، تمسحينه برفقِ راحتيكِ على صدري، مشدوهةً منْ لسعتِهِ، مازالَ صدري يقاومُ، اعرفي ذلكَ وابلغيهِ لرفاقي، وإنْ سَقَطوا فليسْقُطوا، عندَ الحاجزِ، واحداً واحداً، حتّى يسعفهُمْ مولدٌ جديدٌ، فالأمرُ سيّانَ أنْ تموتَ بضميرِ وطنٍ وثّابٍ أو محكوماً عليكَ بمادةِ أربعة إرهاب، نعرفُها وضعوا الأخيرةَ بمسلةٍ، لكنَّ مسلتَنا مسلةُ الشقاءِ وعناءِ الشبابِ تقولُ: لا نشربُ النفطَ ونحنُ بحاجةٍ الى شربةِ ماء، صدورنا عارية وصوتُ الطلقاتِ محضُ نبحِ كلاب.
وأنتِِ ماذ بظنكِِ؟

ذاتُ الصرخةِ؛ صرخةُ يوسفَ تسمعُها الفاتناتُ تقطّعُ قلوبَهن، تناقلَها الملأُ، أخشى أنها ذهبتْ أدراجَ الرصاصِ، وانكفأَ القومُ على قنوطِ يومٍ بذيءٍ، وحفنةٍ منْ اذرع ِالنساءِ وبضعةِ تعاويذٍ واهاتٍ اختلطتْ بينَ نشوةِ الفراشِ وبين حسراتٍٍ على المغلوبينَ في التلفازِ الرقميَّ المهيأ للعجائبِ، أخْشى يا حبيبي منَ الجلدِ والصبرِ يطولانِ، والقبولَ بالقيراطِ، وحدة القحطِ والزمنِ الشحيحِ.
واشد ما أخشاهُ يا أثير البوحِِ أنْ يشطفَ الأوغادُ كلامَهُم في الدهاليزِ كما لباس عاهرةٍ سخيةٍ:
آسفونَ!
شَرَحوها: "العنفُ المفرطُ"، غمسةٌ لذيذةٌ منْ وعدٍ جديدٍ، حصةٌ تافهةٌ أخرى، أو قمحة لم تضاعف كما جاء في البيان، ولا تساوي قيراطا من نفطِ البلادِ، فلسنا يا حبيبي بناةً ولا أحراراً ولا حتّى محسنين مبشرينَ، وبماذا نبشرُ يا شقيقَ اليمامِ، نحن الحرائرُ بطوقِ الحمامِ!، فتراني «حيثُ رأيتَني اليومَ في مثلِ تلكَ الساعةِ منْ كلِّ جمعةٍ عندَ بابِ العطارينَ »(4) تسترقُ نظرةَ المحبينَ، وأغيبُ حيثُ البخورُ والأطايبُ وأصنافُ التوابلِ لاذعةً تخزُّ العيونَ وتسعرُ الأنوفَ، رغيدُها لذيذٌ على الكتفِ يستطيبهُ المشرعونَ والمفسرونَ والمؤلونَ والفاسقونَ، ولهُ امتدادٌ في سبعةِ أكوانٍ من الجنانِ، يُخرجُ صيغةَ الحلالِ ومتعةَ الحروبِ، عُرفيٌ ونحوتٌ غريبةٌ، قوائمُ «الماجداتِ» آنذاكَ، أراملُ الشهداءِ، وحاجةُ الباحثينَ عن قوتِهم في القمامةِ، هراء.

ولكنْ لا تخشَ وحدتَكَ يا شقيقَ الغيابِ، ناصروكَ قادمونَ، حرائرُ تقذفهم إليكَ، حملهنَّ سبعةَ أيامٍ، حسبَ التقويمِ الشعبي للمنتفضينَ، يكبرونَ بينَ قَطعِ حبلِ المشيمةِ والساحةِ، أيديهُنَّ مضمخةٌ بالحناءِ أنْ لا يعدنَ منْ دونِكَ إلا وهنَّ ظافرات وانت ظافر، أسمعُ أصواتهنَ، ترسلُ الأغاني والغلالَ، والسلالَ على رؤوسِهنَّ يثقبُها الرصاصُ، فلا اخشى عليكَ من دمٍ يضيعُ، فقاتلوكَ في يومٍ غاضبٍ عبوسٍ، بانتظارِهِمْ البساطُ الذي سيلفُّ النهرينِ والفيافيَ، والجبال أسطوانة، «دورة أسطوانة»(5) سلمتَ أيها الشاعرُ المتلبسُ بكشفِ العطورِ "صنعَ في العراقِ" صنعُ جميلاتِ الفراتِ، ما أجملَ الشعرَ والنصوصَ.

ماذا بعدُ يا حبيبي، ها أنتَ بحجري ولا أحدَ من الأوغادِ، هربوا بمعيةِ أسيادِهم، ظنّوا أنهم سينعمونَ بالفسائقِ والنظرِ للرواشينِ المجسمةِ، مترددونَ ممعنونَ بالنظرِ إليها. إنها ملككَ الآنَ وحدَكَ، آمالُهم مطارفٌ، فلكلِّ شيءٍ منتهاهُ، وهي متوزعةُ المعنى بينَ فروجِ النساءِ والمالِ لا غيرَ، ولنْ يتمكنوا منْ أذاكَ بعدَ الآن.
سيلهونَ بالتشبيبِ والتصابي وتنميق الكلامِ وفتلِ الشواربِ، وختانِ الصبيّةِ ومفاخدةِ الرضيعةِ، ما أحلاهُ! فهلْ اكملُ لترقدَ، وعلى كلِّ حالٍ فأنتَ شهيدٌ، من يدري؟ على الأرجحِ مغامرٌ منبوذٌ، لكنَّ غَمْرَك الجديدَ موشحٌ بالزمردِ والاندلسيِّ المعتَّقِ مختومٌ عليهِ باسمكَ في خابيةِ خمرٍ سيعرفُها جيلٌ جديدٌ، لا جيلَ التقاتلِ على ناقةِ أربعينَ عاماً وأربعينَ راية ورواية، وناقلينَ حديث لمْ تلدْهُم بطونٌ، محضُ وهمٍ، وأنتَ مسجى مع أقرانِكَ في الساحاتِ، هذا اتعاظٌ محضُ أجداثٍ معفرةٍ بالهزيمةِ، وعلى الأرجحِ تحتاجُ لسفرٍ (6) كما قومُ موسى يهيمونَ ضائعينَ أربعونَ ليعودوا بلا ذاكرةٍ، هل لاحظتَ الفرقَ في الأربعينِ، واحدةٌ لناقةٍ وأخرى للنسيانِ، وواحدةٌ لدمِ الحسينِ، وما أكثرَ الأربعيناتِ في وطني، وأنتَ ظالعٌ بحبِهِ وعلى خطاهُ يا حبيبي يبكيكَ الأرذلونَ، ما اخذلَهم، ما أخزاهُم، فأينَ هي الأرضُ منْ دونِكَ! والشرفُ درسُ الوطنيةِ تركتهُ منذُ قليلٍ على رحلتي، أنا ابنةُ الندى المؤجلُ والأملُ المعقودُ منْ أجلِ هويةٍ، عيناكَ، أرجأتهُ، بلْ نشرتهُ في موقعٍٍ للتواصلِ.

"التويتر" يهذي بالكثير، وأنا أقولُ، وأغرد:
درسُ المواطنِ والسلوكِ، درسُ الواجباتِ بلا حقوقٍ، درسُ النفاقِ بلا فروقٍ، درسُ العمومةِ تشتري بجبيني صمتَ القبيلةِ والعمومةِ، قبائلٌ وقبائلُ حبيبي حصادُ البهشِ والجذلِ في الحساباتِ القديمةِ، وأنا مقدوحةُ النسبِ والأصلِ والفصلِ لأني هنا، ما هذا الرياءُ، والشيءُ بالشيءِ يذكرُ، لمْ تكذبْ روايةُ جدِّكَ المطعونِ بالوعودِ المُذهبةِ والمشذبةِ من الهنّاتِ، متهدجة الصوت في المذياع، تركوهُ في الوغى مثلكَ، ما أخزى ذلكَ. يشبهُ يومَكَ هذا ولا يشبهه، هذا يومٌ عظيمٌ.
قومٌ مهزومةٌ فيهِ إلا منْ محفةٍ على ظهرِ البعيرِ! دعني أتجاوزُ قدري بالهجاءِ فلا أعد لصمتي المخبولِ وأساومُ على دمكَ مثلَ ما ساومتُ على حقنِ دماءِ القبيلةِ، وادفنك بقلبي وأسألُ:
هلْ تليق هذه الأرضُ بكَ يا حبيبي، محضُ سؤالٍ؟
يا سيَّدَ الغياب لستَ وحدَكَ فبالقربِ منكَ ألفٌ مثلكَ واجملُ منكَ في عيونِ الحبيبة، فلا تستعجب نوح الرياح إنْ خرجنَ للاقتصاصِ، وترٌ لا يشبهُ غيرَهُ، فنحنُ الحبيباتُ العاشقاتُ الساهمات، فراتيات النخل، يُضجرنا الصمت فلا نرتضي الذلَّ كما أشباهُ الرجالِ بخصيتينِ من دونِ ماءٍ، نحنُ منْ نلدُ ما فوقَ الأرضِ فما عليكَ سوى الانتظارِ، قليلاً جداً.

واستدرك: حرائق الجنوب بعضها شرف لا ننكره، واكثره حمأة، جبٌن من صوت المنشدين، وجهك لامع بين النعوش، صبية، وثابون على ارض دكاء اتعبتها الحروب، مدن في وهج عظيم، موبلة الشرار في يوم حداد جم. لكل منهم واحدةٌ مثلي تلثم مأوى الرصاص، كاعباتٌ ينثرنَ الدِّمَقْسَ والحريرَ في الرمالِ، دمُكَ يرويها، ما أغلاهُ سيصبحُ!، ما أبدعهُ سيرقصُ، ما امتعهُ سيهمسُ، ما اجملَ براعمِهِ ورقةِ منظرِهِ ولونِ خضارِهِ، نظرٌ بكرٌ فراتيُّ الألوانِ، سنُسكنكَ الميسمَ والتاجَ ونمنحُ عطرَك، عطرُ الزهرةِ للمحتاجِ، وايُّ ضريرٍ نمنحُهُ شيئاً من عينيكَ ليرى الوانَ بلادِكَ، فلا يقدّر الدمَ إلا خارجةَ الدمِ. احبُكَ حبيبي وسأظلُّ هنا برفقةِ أحبابِكَ في الساحةِ.
______________________
(1) إنانا أحدى الآلهة السومرية/ إلهة الحب والجمال والجنس والحكمة والحرب والخصوبة في الحضارة الأكادية والبابلية، تحولت إنانا إلى عشتار، ودموزي إلى تموز. تقول الاسطورة انهاأطلقت غضبها على البستاني شوكاليتودا وقتلته بعد أن اغتصبها في نومها, فأجزت وصفها في هذا النص بـ «غضوب المنام». تنوعت الروايات الرافدينية عن مأثرها وهذا ما استعرته في صورة استنجداها بأخيها الذي نصرها بفأسه العظيم، كما ورد في نصي.
(2) "الصبةُ": دارجة، كناية للحواجز الاسمنتية التي وضعوها كحواجز على الجسور لمنع المنتفضين الشباب من التقدم نحو الخضراء.
(3): سيدوري: صاحبة الحان في ملحمة جلجامش، شهدت اول تعبير عن "انتهاز الفرصة".
(4) النص بين مزدوجين «...»ن من كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي. ويعد الكتاب ادق ما كتب عن الحب.
(5) «دورة أسطوانة» تعبير لشاعر العراق بدر شاكر السياب في قصيدته "غريب على الخليج”.
(6) اشارة الى ثاني اسفار التوراة وهو سفر الخروج، اما التنويع الأدبي فهو سرد متخيل دلالة للضياع واستبدال الثقافة.



#هاشم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -قافل-
- -شو بدي بالبلاد الله يخلي لأولاد-
- لنْ نخذلكَ في الخامسِ والعشرين
- سنغنيكَ لأنك غيرتَ العالمَ! حبيبي...
- وشمٌ على خصرِكَ أيلول - الى وليد وإبراهيم وكلِّهم
- هوية / سبع دقائق قبل الموت
- بطنها المأوى / دنى غالي: التركيب الخاص والسلوك الظاهر
- عادل مراد/ موقف انساني باسل «شيء يشبه الحكايات»
- عبد الحليم المدني، سيرة في سيرة السيد عبد الكريم المدني
- تحولات أسئلة النص في رواية -عشاق وفونوغراف وأزمنة- للكاتبة ل ...
- القلادة: حداثة النص بين الإسقاط والتناص والتأويل
- جنان جاسم حلاوي وغابة النخيل الإنسانية
- غروب الوليد - الى وليد جمعة
- سودوكي (رحيل صباح المرعي)
- الزمان والسرد في النظام القصصي لشاكر الأنباري في روايته أنا ...
- الخيال: التقديم والنهايات - دراسة نقدية في أدب برهان شاوي من ...
- المدني في رحلته الأثيرية الى نبتون
- فاطمة الفلاحي: الصورة ومنجم الضوء ورحلة الألم وحداثة النص
- محاولة في فك لوازم العشق
- في نقد المشروع الديمقراطي


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - حبيبا الساحةِ