أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - وشمٌ على خصرِكَ أيلول - الى وليد وإبراهيم وكلِّهم















المزيد.....

وشمٌ على خصرِكَ أيلول - الى وليد وإبراهيم وكلِّهم


هاشم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 6355 - 2019 / 9 / 19 - 04:15
المحور: الادب والفن
    


الى وليد وإبراهيم وكلِّهم

ولما صعبَ تأبينَه لمدةِ ثلاثةِ سنواتٍ، ذلك أنَّ لنا في كلِّ أيلولٍ من كلِّ عام مصابُ فآثرتُ تأبينَ وليد جمعة وإبراهيم الخياط معاً في هذه المساهمةِ وهذا النصِّ القصير.

وشمٌ على خصرِكَ أيلول

اكثرت المجيئَ يا أيلول.. ويحميكَ بورقِكَ الأصفرِ فليمون وجوزيف وتنشدك فيروز:
«ورقو الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك... ذكرني ورقو دهب مشغول ذكرني فيك»..

أما "حبيبي" فسأنقُصُها من النصِّ لحينٍ آخرَ يا ايلول، عفواً سبتمبر، نسميكَ هنا لأننا نسينا، أو تناسينا الأسماءَ، فكما الشعرُ وسامٌ كذلكَ هو النسيانُ.

ولأني في حيرةٍ بين جوزيف واليوت فتعلقَ ذهني بخبرِ الموت
أ «نيسانُ (حقاً) أقسى الشهور، يخُرج الليلكُ من الأرضِ الموات..» أم هذا الخريفُ الذي تجدلُ ظفائرَهُ الريحُ، تصرخُ ولا تستكينُ حتى يموت الليلكُ.
ماتَ وليد الليلك ومات النعمان والنرجس والزنبق وماتَ وماتَ وماتَ وماتَ وماتَ الخزامى حتى ظفرت بإبراهيم، فلا معنى لإسم الوردة بعد الآن يا أيلول، وزدْ من ضوعٍ على قائمتي فأنك تتذكرُ اكثرَ مني، بل تشحذُ ذاكرتَكَ بأحلى الأسماءِ وأعطرها.
ولأن رفاقي الأحياءَ أمامي يوشحُهُمْ ويوحشهم لون الورد الغائب فلا يتذكر أيٌّ منهم اسمَ حبيبتهِ، مثلهم مثلي أقعدَهُم داء النسيان منذُ فتوتِهم، وقوائمُ موتاهم سقطت ورمتها رياحُ الخريفِ فمن سيُخْرِجُها من الأرضِ الموات يا صاحبَ الأرضِ اليبابِ!
وما «الغروبُ النحيفُ (سوى) غروبٌ غلط»

هكذا وضعناها شاهدةً على قبرِكَ يا وليد، ولأنَّ العبارةَ كافيةٌ لقليلٍ من الموتِ فتنازعَ حيازتَها الشعراءُ وأطالَ بشرحِها صاحبُ «الغروبُ النحيفِ»(1) أو فيما مضى «آرجان أيتها الخيولُ»(2) حتى استعصى عليهِ الأمرُ فأصرَّ على توضيحيها في رسمٍ متقنٍ، أو أفشي سراً ، على ما يبدو من أسرار الكون، حتى خنقتهُ رئتيه فماتَ.
ولأني وعدتُ ألا استخدمَ كَلمةَ "حبيبي" حتى إشعارٍ آخر فالحبُّ يا أيلولُ لعنةٌ، كلُّ من نحبهُ يموتُ فلا نلتقيهِ بعد الآن، حتى وإنْ التقيناهُ فلم يعرفْ بعضُنا بعضا!

- لماذا؟

لأن ريحَكَ غبراءُ حصباءُ في وطني يا أيلول، وعيونَنا حمرٌ والماءُ الأبيضُ والأسودُ يحاصرُ بؤبؤها كما ألوانُ العلمِ الوطني احمرُ اسودُ ابيضُ، أما الأخضر فهو لذرِّ الرمادِ في العيونِ، لزيادةِ، الإيمانِ والتقوى يا أيلول..

بالمناسبةِ كيفَ تعرفتَ على صفي الدين الحلي(3) لتزيدَ قتلانا قتلاً بأربعةِ الوانٍ كانت كافيةٍ لرسمِ خارطةِ البلدان، بل موتُ الشعراءِ المنبوذين على ما يبدو من زمنِ الطوفان؟
كتبوا الأسطورةَ «تبعَهُم الغاوونِ» من أغوى من يا أيلول؟
- لا لا لا.. لا تجيب فأنا أعرفكَ يا أيلول نزق الأهواء ِحلوَ الهمساتِ رقيقَ اللمساتِ، زهيَّ الورقِ الأصفرِ وأنيق المظهرِ، سمحَ الريحِ، واهنة باردة فهي يليل، ولأنَّ كلَّ الألوانِ لن تُغلبَ فتنتَكَ فلا تخشى سوى الشعراءِ فتوغل بفنِّ التشكيلِ وطعنِ اللونِ وصمتِ القولِ وحتى قلبِ السياراتِ.

ولأنني وعدتُ ألا استخدِمَ كلمةَ "حبيبي" حتى إشعارٍ آخرَ خشيةَ أن تذهبَ بأحدِهِم صمتاً أم جهراً، ففنونُ الموتِ لديكَ كما أوراقُكَ مزينةً مبقعةً بالألوانِ، تخزُّ وجعَ الفنانين كما المعتوهُ " فينسنت"(4)، كذلكَ وليدُ وإبراهيمُ. هل تتذكر: أطبقت على جفنِ أحدِهِم لأنَّ حرفَهُ ذهبياً ينازعُ لونَكَ وسريرَهُ منقوعاً بلونِ الفقرِ كذلك.

فقلْ لي بجلال جموح الريح ودث المطرِ ماذا فعلَ لكَ هذا الهجاءُ الذي لم يهجو سوى نفسِهِ فأودعَها سلالَ الأوراقِ الصفرِ المنزوعةِ عن أغصانِ خريفِكَ، فاستكثرتَ عليهِ المتعةَ، متعةَ لونِهِ وقلةَ صبرِهِ، وعلةَ صدرِهِ، بل قل قلة عقله، وسعالاً أبدياً رافقَهُ من زمنِ التويثةِ في بغدادَ، حتى لم تتركْ لهُ أنْ يتلمسَ معصمَ حبيبتِهِ الآتيةِ لهُ بالأحلامِ فحسبْ، فما أن يدنو منها ليلمسها حتى تغدو رمادا.
- حتى في الحلم يا أيلول!!
وهذا الذي أعرضَ ألا يخرجَ إلا من رحمِ النخلةِ ليكتبَ حزنَهُ وجرأةَ صوتِهِ ويطيلَ بصمتِهِ فآثرت الحسدَ على الغبطةِ، أزعمُ أنكَ تغارُ ممن غالبَ صمتِكَ ورقةِ صوتِكَ، وحتى جمالِ الصورةِ وبهاءِ المنظرِ، أحسنتَ يا أيلول.

أما هذا الشاعرُ؛ دعني استدركُ فلا تلفَحْني بسمومِ الريحِ ومعانيها متجافلةً ومخاتلةً أو حتى كنسيمٍ، دعني أكملُ فأقولُ: ذاكَ وذاكَ وهذا؛ وهذا بالطبعِ على الأغلبِ اغضبَكَ لأنَّ قوافيهِ فاقت فتنةَ كلَّ الألوانِ وأولُها ألوانُكَ، هل تتذكر؟ تلكَ التي كانت تتشظّى على أوردةِ قلبَهِ وكأنكَ تعاقبُ هذا المفتونَ بصورتِكَ لأنه لا يرضى بسجعِِ قوافي رياحِكَ، فالكثرةُ منها تفسدُ متأملَها، أما الإيغالُ بها فلا طائلَ منها سوى أزيزَ الصوتِ، وبشير الموتِ نذير.

صمَتَّ مرةً أخرى أيلول فنخشى صمتَكَ، ولأنَّ الشعرَ مملكةُ الصمتِ آنسَها إبراهيم فهو لا يهوى نقيقَ الضفدعِ وصفاقَ الديكةِ وهجيج الريح، ولا حتى صوتَ البلبلِ.
- عجباً: حتى صفير البلبلِ!
كذلكَ يا ايلول، فالبلبلُ في قلبهِ يشدو شعراً قاضيتهُ لأنهُ أحسنَ صنعَهُ وأجادَ معانٍ يعشقها العشاقُ، «صوت صفير البلبل هيج قلبي الثمل.. وانت يا ســـــــــيدَ لي وسيدي ومولى لي .. قطَّفتَه من وجـنَةٍ .. من لثم ورد الخـجلي» احسنت يا موصلي(5)، تعبٌ إبراهيم «..ليس ما به لعب.. كلما إنقضى سببٌ منك عاد لي سببُ »، أحسنت أبا نؤاس.(6) هل عرفت الآن يا أيلول انك لن تغلبهم بالشعر ولا بالوزن، لكنك تربح جولتك الأولى بقضاء رياح القتل.

صَمَتتْ ريحُكَ يا أيلول فالعربةُ انقلبت، لكنَّ الضجةَ بألوانِكَ ما انفكت تجذبُهُ فلا تخدعهُ بعد الآن، وكيفَ تغوي من في القبرِ، لكنَّكَ ستغتالُ الباقينَ من الشعراءِ، وهم وشمُ على خصرِ ريحِكَ يا سيد الفصول، وأنت العاشق شديد الشحوب، منحوتُ الأعطافِ «حلوُ اللفتات»، كلفٌ رائع الذبول، فأقبل عتبي فأنا لا أعرف حبا الا حبك، ولا صمتا او صخبا اكثر من قربك او غُربك، فسامحني أن قلت حبيبي أكثر منك بشيء اقرب أو أغرب.
ولكن لا تخذلْهُم يا أيلول، لكنني أعرفُ أنكَ تخيطُ هبوبَ الريحِ وتبقى. وستبقى فيروزُ تغنيكَ «ورقو الأصفر شهر أيلول» وتقول "حبيبي"....
---------------------------
(1) «الغروبُ النحيفِ» ديوان شعر الفقيد وليد جمعة
(2) «ارجان ايتها الخيول»: اسم ديوان شعر الفقيد وليد جمعة بنسخته الأولى، مأخوذ عن بيت شعر للمتنبي "أرجان أيتها الجياد فأنه.... عزمي الذي يِذرف الوشيح مُكسرّا"
(3) صفي الدين الحلي: الشاعر العراقي الذي أخذ عن شعره الوان راية الثورة العربية وشملت معظم البلدان العربية:
(بيض صنائعنا سود وقائعنا... خضر مرابعنا حمر مواضينا)
(4) " فينسنت": فينسنت ويليم فان كوخ الرسام الانطباعي الهولندي المشهور
(5) "الموصلي": الاصمعي، شاعر عباسي مشهور.
(6) "أبا نؤاس": الحسن بن الهاني الحكمي من اشهر شعراء الدولة العباسية.



#هاشم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوية / سبع دقائق قبل الموت
- بطنها المأوى / دنى غالي: التركيب الخاص والسلوك الظاهر
- عادل مراد/ موقف انساني باسل «شيء يشبه الحكايات»
- عبد الحليم المدني، سيرة في سيرة السيد عبد الكريم المدني
- تحولات أسئلة النص في رواية -عشاق وفونوغراف وأزمنة- للكاتبة ل ...
- القلادة: حداثة النص بين الإسقاط والتناص والتأويل
- جنان جاسم حلاوي وغابة النخيل الإنسانية
- غروب الوليد - الى وليد جمعة
- سودوكي (رحيل صباح المرعي)
- الزمان والسرد في النظام القصصي لشاكر الأنباري في روايته أنا ...
- الخيال: التقديم والنهايات - دراسة نقدية في أدب برهان شاوي من ...
- المدني في رحلته الأثيرية الى نبتون
- فاطمة الفلاحي: الصورة ومنجم الضوء ورحلة الألم وحداثة النص
- محاولة في فك لوازم العشق
- في نقد المشروع الديمقراطي
- كنت جميلا بما يكفي ان تغادر بصمت
- حداد
- زهرة
- سوسن ابيض للكاتب المبدع محيي الأشيقر -البحث عن زمن جديد-
- أصدقائي والخريف


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - وشمٌ على خصرِكَ أيلول - الى وليد وإبراهيم وكلِّهم