أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - كارل ماركس ( 1818 – 1883 )















المزيد.....



كارل ماركس ( 1818 – 1883 )


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 6777 - 2021 / 1 / 2 - 19:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



2/1/2021

 فيلسوف ألماني، "ولد وتربى في أسرة بورجوازية مثقفه، أبوه كان محامياً ثرياً، أنهى ماركس الثانوية عام 1835، والتحق بجامعة بون، وبرلين، تأثر بأفكار هيجل وفيورباخ وآدم سميث، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة عن رسالته بعنوان " الاختلاف بين فلسفة ديموقرطيس الطبيعية وفلسفة إبيقور" عام 1841، ومن خلال دراسته للاقتصاد السياسي ومشاركته في الأحداث الثورية في المانيا وفرنسا، اكتشف لأول مره الدور التاريخي للبروليتاريا وتوصل إلى النتيجة القائلة بحتمية الثورة الاجتماعية وضرورة توحيد حركة الطبقة العاملة"([1]).
يعتبر ماركس أوّل مفكّر"أوروبيّ" خلّف نظرية عن العالم الحديث، تستوعب القيم المعبّرة عن الحداثة الأوربية، ممثّلة في الفلسفة الكلاسيكية الألمانية في أوجها مع كانط وهيجل ، وفي علم الاقتصاد الإنجليزي مع آدم سميت ودافيد ريكاردو، وفي التجربة الديمقراطية كما تجلّت في الثورة الفرنسية.
نحن إذن – كما يقول المفكر الفرنسي جاك بيدي Jacques Bidet - أمام قذيفة مرعبة ضدّ "المجتمع البرجوازي"، تشتغل بواسطة سلسلة من المفاهيم المبتكرة، صيغت بلغة خاصة، هي لغة الرجل الذي كان أول من أعطى لعموم الحركة العمالية وبالتالي للإنسانية جمعاء، فلسفة ثورية، علمية، لتغيير النظام الراسمالي وإزالة كل أشكال الإستغلال الطبقي، وبناء المجتمع الاشتراكي، او مجتمع المستقبل للانسانية جمعاء.
لهذا كثيراً ما توصف الماركسية –كما يقول د. صادق العظم- بأنها " "النظرية العلمية للتحرر الذاتي للبروليتاريا"، أي انها ليست مجرد أداة عملية وتعبوية مفيدة ابتدعها كارل ماركس ومعه انجلز، لإنجاز هذا التحرر، بحيث تستنفد أغراضها بعد استخدامها، أو تطرح جانباً مع تبدل الأوضاع والظروف المحيطة، إنها أيضاً ثورة كوبرنيكية مؤسسة لعلوم الأفعال استندت إلى أهم علوم العصر وأبرزها وانطلقت منها ومن إنجازاتها مراعية الشروط المطلوبة في المعرفة العلمية من احترام الحقيقة إلى توخي الموضوعية مروراً بطرح النظريات والفرضيات ومحاولة التثبت من صحتها وخطئها بمراجعتها على الواقع المتحرك، لهذا جاءتنا الماركسية كنظرية موضوعية في الاجتماع والتاريخ وكحركة سياسية في الوقت ذاته، جاءتنا كثورة علمية كوبرنيكية وكممارسة ثورية اجتماعية في آن معاً، إذ لا يكفي أن تعطينا المعرفة العلمية السيطرة المعروفة على الطبيعة، بل مطلوب أيضاً ألا تبقى هذه السيطرة في خدمة مصالح البعض القليل على حساب المصالح الحيوية للأكثرية الساحقة من بني البشر، ولا يكفي أن تساعدنا العلوم الاجتماعية على المزيد من التحكم بالحياة الانتاجية ودورتها، بل المطلوب أيضاً الا يبقى هذا التحكم في خدمة المصالح الطبقية للبعض القليل على حساب المصالح الحيوية للأكثرية الكبرى من أبناء المجتمع المنتجين"([2]).
بعبارة أدق -كما يضيف صادق العظم-"تَمَرَّدَ ماركس في الأطروحات على الأبستمولوجيا المنفعلة المترتبة على مادية فويورباخ الساكنة والاستكانية، حيث المعرفة، ليست أكثر من تسجيل لحركة الواقع الخارجي في الذهن البشري، وكان من الطبيعي أن يُعَبِّر ماركس عن هذا التمرد بتأكيده أن الواقع، بخاصة الواقع الاجتماعي والتاريخي، لا يعرف حقاً إلا استناداً إلى فعل البشر فيه وعملهم التحويلي له، وهذا ما تعنيه الماركسية عادة "بالبراكسيس" بأبسط معانيه وأكثرها أولية، أي ان الأولوية في المعرفة هي للفعل وليست للتأمل والتجريد على أن يكون واضحاً ان المقصود بالفعل والعمل هنا صيرورات مادية حقيقية تتحرك وتحرك تتأثر وتؤثر، وليس مجدر تجليات روحية "للذات الفاعلة" أو خيارات حرة قامت بها او صنعتها تلك الذات"([3]).
لذلك "إن من يرى في قيام ماركس بإعادة الاعتبار للذات الفاعلة في مواجهة مادية فويورباخ إلغاء للأولوية الأونطولوجية والزمنية والسببية للموضوع المادي على الذات الفاعلة والواعية، أو إلغاء لأولوية المستوى الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الثقافي والأيديولوجي، أو إلغاء لأولوية المستوى البيولوجي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، أو إلغاء لأولوية المستوى الفيزيقي على المستوى البيولوجي يكون قد حصل على فلسفة مقلوبة، ولكنها ليست ماركسية كارل ماركس بالتأكيد"([4]).
في هذا الجانب، فإن "اطروحات ماركس عَبّرت عن تمرده على فلسفة فيورباخ وماديته، وعن خروجه منها باتجاه فلسفي أرقى سوف تبدأ صياغته الدقيقة والمتأنية في كتاب "الأيديولوجيا الألمانية"، ففي اجابته على سؤال: ما هو الإنسان؟ يقول ماركس في "الأيديولوجيا الألمانية": "باستطاعتنا تمييز الإنسان عن الحيوان بواسطة الوعي أو الدين أو الفكر أو أي شيء آخر قد يخطر على البال لكن الإنسان الفعلي ميز نفسه، حقاً وليس وهماً أو تعريفاً، عن الحيوان ابتداء باللحظة التي شرع فيها بإنتاج وسائل بقائه وعيشه، وهنا ينطلق ماركس من كتاب داروين "أصل الأنواع" فيقول: إن هذا الكتاب يحتوي الأساس "الطبيعي – التاريخي لوجهة نظرنا" أي وجهة نظر ماركس وانجلز في التصور المادي للتاريخ، وهو القائل أيضاً، في واحدة من المقدمات الكثيرة التي كتبها لـ"رأس المال" ، بانه عالج تطور الاجتماع البشري وكأنه صيرورة من صيرورات التاريخ الطبيعي"([5]).
أي أن ماركس "تجاوز الأفكار الشائعة كثيراً والقوية جداً في عصره والقائلة بأشياء مثل "الإنسان رأسمالي بطبيعته"، أو هو "يحب الملكية الخاصة بغريزته" الخ، وواجهها بحقيقة نُسَلِّم بها جميعاً اليوم: الآلة هي الآلة ولا تتحول الآلة إلى رأسمال إلا في ظروف اجتماعية معينة وشروط تاريخية محددة، تماماً كما في قوله الآخر: الإنسان الأسود هو الإنسان الأسود ولا يتحول إلى عبد إلا في ظل ظروف اجتماعية وتاريخية من نوع معين وليس بالمطلق، بهذا المعنى لا يعود رأس المال أداة من أدوات الانتاج أو عامل من عوامله كما هي الحال في الاقتصاد السياسي البورجوازي حيث يضاف رأس المال إلى العمل والأرض (مكافأة رأس المال هي الربح ومكافأة العمل هي الأجر ومكافأة الأرض هي الريع) بل تتكشف حقيقته كمركز لبنية من علاقات الانتاج الرأسمالية التي يبين ماركس أنها تشكل في الوقت ذاته علاقات انتاج استغلالية أيضاً، بعبارة أخرى المجتمع المدني الذي قال به الاقتصاد السياسي الكلاسيكي هو في حقيقته مجموعة من علاقات الانتاج الاجتماعية المحددة التي نشأت تاريخياً والتي تعملعلى إعادة انتاج نمط معين من علاقات الاستغلال لقوة عمل المنتجين المباشرين"([6]).
هذا هو رد ماركس الجدلي على المبدأ الفلسفي البورجوازي العام والأحادي الجانب حول الإنسان والمجتمع والذي صاغه جون سيتورات ميل في كتاب "المنطق" على النحو التالي: لا يتصف البشر في المجتمع بأية صفات سوى تلك التي يمكن اشتقاقها من وإرجاعها إلى قوانين طبيعة الفرد البشري.
لذلك "راكمت الماركسية، على الصعيد الأوروبي خاصة، معرفة علمية متزايدة عن نمط الانتاج الرأسمالي وعن قوانين حركته الموضوعية، من جهة أولى، كما تضمنت في الوقت ذاته نظرية إجرائية – عملية عن المقدرة الذاتية للطبقة العاملة على الإحاطة بهذا النمط الذي تشكل هي جزءاً عضوياً من بنيته، من جهة ثانية، أما على الصعيد العالمي فقد طرحت الماركسية معرفة علمية متراكمة عن النظام الامبريالي الشمولي وعن قوانين حركته الموضوعية من ناحية أولى، كما طرحت في الوقت ذاته نظرية إجرائية – عملية عن المقدرة الذاتية للمجتمعات ضحية استغلال هذا النظام على التحرر منه ومن وطأته كونها أضحت تشكل جزءاً عضوياً من بنيته العامة، من ناحية ثانية"([7]).
في هذا السياق، أشير إلى أن إنجازات ماركس العظيمة التي خلدها التاريخ، ترافقت مع حالة شديدة جداً من المعاناة والفقر التي عاشها طوال حياته –وخاصة أثناء كتابة سفره العظيم "رأس المال"- لدرجة انه وَصَفَ حالته قائلاً: "ليس بمقدوري استرداد معطفي فلا أملك من النقد لفك رهنه "وصل الأمر إلى حد مضحك لاني لا أستيطع الاقتراض لشراء قطعه من اللحم، ولم أعد قادراً على إطعام عائلتي من الخبز والبطاطا.. ولا أجد مخرجاً من هذا الوضع البائس"([8]).
اصيب بمرض في كبده، وكانت آلام الكبد موجعة جداً، لدرجة انه لم يكن قادراً على متابعة كتابته، كما أصابت زوجته وابنته عدد من الأمراض، علاوة على ان المدينين كانوا يطالبونه بتسديد دينه.. فقال معلقاً "إن الافكار تأتي ولكني غير قادر على تسجيلها أو كتابتها".
ومع شدة المرض امتلأ جسمه بالدمامل، بالاضافة إلى مرض الكبد، قال إنه لم يعد قادراً على الحياة.. ويقول "انني كنت ابذل جهوداً مضاعفة ليبقى عقلي متفتحاً ويقظاً، وفي شدة المرض، إضطُّر ماركس إلى ان يكتب قِسماً من صفحات رأس المال وهو واقف على قدميه لانه غير قادر على الجلوس من شدة المرض.
كان يقول لانجلز "يراودني الأمل ان تتذكر البورجوازية دماملي في لحظات احتضارها.. أي مِلَّةٍ من الأوغاد هؤلاء البورجوازيون"([9]).
توفيت جين وستفالن زوجته سنة 1882 ثم ابنته عام 1883، وفي 14/3/1883 توفي كارل ماركس بعد معاناة قاسية جداً مع المرض والفقر دون أي يفكر لحظة في المساومة على مبادئه، وعاش طوال حياته في حالة شديدة من الاغتراب، فالرأسمالية هدفها الوحيد هو الربح في اطار الاستغلال الطبقي، وتصبح الطبقة المنتجة مغتربة، حيث يجرد الاستغلال الرأسمالي الانسان من انسانيته، وهذا هو مصدر الاغتراب وسببه الرئيسي.
لكن ماركس، على الرغم من كل هذه المعاناة الشديدة التي تحملها بكبرياء الفيلسوف الثوري واعتزازه بقناعته وفكره، حيث عبر عن ذلك بقوله: "إن الفقر لا يصنع ثورة، وإنما وعي العامل بالاستغلال والظلم الطبقي هو الذي يصنع الثورة، فالطاغية مهمته ان يجعلك فقيراً، أما شيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائباً، فالرأسمالية -كما يضيف ماركس بحق- ستجعل كل الأشياء سلاماً من الدين إلى الفن إلى الأدب، لكنها تسلبها قداستها، أما حديثه عن العمال، فقال: إن العمال ليس لديهم ما يخسرونه سوى أغلالهم، لكنهم إذا انتصروا سيكسبون العالم.
في هذا الصدد، يشير الباحث أحمد الفارابي إلى أربعة أشكال من الإغتراب لدى كارل ماركس، هي:
1.  اغتراب المنتج (العامل) عن المنتوج ،أو البضاعة التي لا تستطيع شراءها، وبالتالي تتسع فجوة الصراع الطبقي وتزيد هيمنة البناء الفوقي الرأسمالي على الطبقة العاملة (الدين والثقافة والرأسمالية) وذلك من خلال دعوة رجال الدين للعمال البسطاء للصبر والوعد بالآخرة في الجنة .. إلخ.
2.  الاغتراب داخل عملية الانتاج نفسها، أي اغتراب قوى الانتاج عن المنتج العامل.
3.  اغتراب الانسان عن الوجود البشري، أي ان هناك تناحر بين الطبقة الرأسمالية وطبقة العمال ويكون الاغتراب.
4.  اغتراب الإنسان عن الإنسان.. ويعود ذلك إلى الطبيعة اللا إنسانية للرأسمالية ضد العمال في ظل الاستغلال حيث يفقد العامل، انسانيته بسبب علاقته بالرأسمالي، ومن ثم تتجلى القطيعة بين العامل كإنسان عن الرأسمالي عن طريق الوعي بظلمه والثورة على أوضاع الاستغلال، وبالتالي القضاء على الاغتراب الذي لا يمثل حالة ابدية بل مرتبطة بالرأسمالية التي تجعل الانسان (العامل) عملة استهلاكية يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن الخلاص من الاستغلال الرأسمالي وافكارها إلا من خلال الاشتراكية التي تنفي الاغتراب كما يقول ماركس.
السفر العظيم:
بروحه الوثابة، وعبقريته الفكرية السياسية، ومواقفه الثورية المبدئية، استطاع ماركس ان يتحدى قسوة ظروفه ومعاناته، ليقدم للبشرية والشعوب المضطهدة وكل الكادحين سفره العظيم، كتاب "رأس المال"، الذي بدأ في كتابة مقدماته عام 1843، واستمر في كتابته حوالي 40 عاماً حتى وفاته، قضى منها 20 عاماً من القراءة في مكتبة المتحف البريطاني، ثم صدر الجزء الأول منه عام 1867، واستمر في الكتابة حتى آخر نبضة من نبضات قلبه وعقله، وبعد رحيله، قام صديق ورفيق عمره إنجلز باستكمال المهمة.
قال ماركس عن كتابه "راس المال": انه "الهرم الذي بناه"، وهو حقاً هرمٌ معرفي جّسَّدَ نظريته الثورية، حاملاً في كل صفحاته، عصارة روح ماركس وعقله، من خلال تحليله العميق لطبيعة الانتاج الرأسمالي من حيث النشأة والتكوين، بمثل ما قدم أيضاً رؤيته الثورية ضد النظام الرأسمالي، واستعراضه لتفاصيل الاقتصاد الانجليزي، وصولاً إلى صياغته العبقرية لنظرية "فائض القيمة" التي أوضحت بجلاء، الطبيعة البشعة للاستغلال الرأسمالي، ودور البروليتاريا الثوري في بناء المجتمع الاشتراكي.
ففي منتصف القرن التاسع عشر -كما يقول المفكر الماركسي الراحل د. فؤاد مرسي-"كانت الرأسمالية قد بلغت قمة الرخاء المادي. وكان علم الاقتصاد السياسي يبدو وهو التحليل النظري للمجتمع الرأسمالي وكأنه قد اكتمل على أيدي سميث وريكاردو، عندئذ وفي هذا الوقت بالذات، كان كارل ماركس يتصدى ليمزق هذا الاستقرار الظاهري، ويكشف أكثر فأكثر عن الأزمة الاجتماعية الكامنة في المجتمع البرجوازي. وفي عام 1867، أصدر الجزء الأول من "رأس المال"، وابتداء من أزمة الاقتصاد السياسي التقليدي، أخذ ماركس يشيد اقتصاده السياسي، وابتداء من أزمة المجتمع البورجوازي، أخذ ماركس يُشَكِّل صورة المجتمع الجديد. هنالك اتخذت الاشتراكية العلمية التي اكتشفها كارل ماركس وفردريك انجلز أساسها العلمي الثابت، بفضل التحليل الدقيق للمجتمع البورجوازي. وكان اكتشاف قانون حركة هذا المجتمع تحت اسم قانون فائض القيمة عملاً حاسماً في تشييد البناء الفكري للاشتراكية العلمية.
لهذا احتل "رأس المال" أهميته التاريخية في الفكر الاشتراكي، هذه الأهمية التي كان يدركها ماركس نفسه حين وصف "رأس المال" فقال "إنه النصب التذكاري لي"، ومنذ أعلنها ماركس في "رأس المال"، ومصير العالم يتحدد تقدماً أو تراجعاً بالصراع بين رأس المال والعمل"([10]).
في كتابه "ملخص رأس المال" يقول د. فؤاد مرسي: "كرس كارل ماركس أربعين عاماً من حياته لكتابة "رأس المال". فلقد بدأ فيه عام 1843، وواصل العمل فيه حتى آخر يوم في حياته، ويقع "رأس المال" في أربعة مجلدات وقد خصص ماركس المجلد الأول لعملية إنتاج رأس المال، ويحتوي على تحليل لكيفية إنتاج فائض القيمة وإنتاج رأس المال نفسه، أما المجلد الثاني فيتناول عملية تداول رأس المال، تداول عناصره المختلفة ومبادئ تصريف السلع وتكرار الإنتاج الذي يسمح به تداول رأس المال. وينطوي المجلد الثالث على الإنتاج الرأسمالي في جملته، أي ينطوي على وحدة كل من الإنتاج والتداول لرأس المال، فهو مخصص لتوزيع رأس المال الذي ينتج من الإنتاج والتداول.
أما توزيع فائض القيمة فيعود عند ماركس إلى الربح والفائدة والريع العقاري، ثم يوزع الربح إلى ربح صناعي ومصرفي وتجاري. ويدرس تطور هذا التوزيع، والاتجاه إلى انخفاض معدل الربح أي علاقة الربح بالتطور الرأسمالي عامة.
بعد وفاته في عام 1883 عكف إنجلز على إنجاز المجلد الثاني ونشره في عام 1885، ونشر المجلد الثالث في عام 1894 أي قبل وفاته هو بعام. ولذلك يعد المجلدان من عمل ماركس وانجلز معاً، والواقع أن المجلد الأول هو بلا نزاع أهم المجلدات جميعاً. وينطوي على أهم ما لدى ماركس من فكر اقتصادي. وتأتي أهمية المجلد الثاني من دراسته التفصيلية لبعض نواحي المجلد الأول، وبخاصة تناقضات الرأسمالية والأزمات، وكان ماركس قد أكمل المجلد الثاني قبل موته.
أما المجلد الثالث فإنه أضاف كثيراً إلى المجلد الأول..لم يجد إنجلز مزيداً من العمر ليصدر المجلد الرابع والأخير من "رأس المال" والذي تناول تاريخ الفكر الاقتصادي وبخاصة تطور نظريات القيمة. ولقد ظل مطوياً حتى نشره كاوتسكي في عام 1905 تحت عنوان "نظريات فائض القيمة"([11]).
لقد وضع ماركس نظرية فائض القيمة التي تُمَثِّل حجر الزاوية في الاقتصاد السياسي الاشتراكي وتكشف بوضوح عملية الاستغلال الرأسمالي، وأصدر العديد من الأبحاث والكتب أهمها "المخططات الاقتصادية والفلسفية" (1844) و"العائلة المقدسة" (1845) و"الايديولوجيا الألمانية" (1846) و"بؤس الفلسفة" (1847) و"مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي 1959" و"إطروحات حول فيورباخ" بالتعاون مع زميله "إنجلز" ثم أصدرا معاً "البيان الشيوعي" (1848) الذي وضع الخطوط العريضة لتصور جديد للعالم، وهو المادية المتماسكة ونظرية صراع الطبقات والدور الثوري للطبقة العاملة([12])، وبعد أن وضع عدداً من الكتب الهامة حول الثورة في فرنسا وأوروبا والصراع الطبقي، إصدر في عام 1867 المجلد الأول لكتابه الرئيسي البالغ الأهمية " رأس المال " والذي تم استكماله فيما بعد على يد رفيقه " فريدريك انجلز "([13]) 1885 و1894 .
ولا نبالغ إن قلنا "إن قلب الماركسية، منهجاً ورؤية وطموحاً، يكمن في كتاب ماركس المعروف، "الرأسمال"، بمجلداته الأربعة. وبالطبع، فإن ذلك لا يقلل من شأن كتاباته الأخرى: الفلسفية المبكرة، والسياسية.
و "الرأسمال" –كما يقول د. هشام غصيب- "هو كتاب اقتصادي، لكنه كتاب اقتصادي غير اعتيادي وغير نمطي. فهو يحمل في باطنه الفلسفة الماركسية في أكثر صورها اكتمالاً، وصورة مفصلة لجوهر الحقبة الحديثة من تاريخ البشرية، ومن ثم لإمكاناتها وكوامنها، إنه الصورة المثلى للمشروع الماركسي، مشروع تحقيق الإنسان حريته وقوته الكامنة، وهو كتاب علمي محكم، اعترف بدقته وإحكامه العدو قبل الصديق، لكنه، مع ذلك، أبعد ما يكون عن الفذلكات الفنية والجفاف، التي تتسم بها كثير من الكتب العلمية الأخرى"([14]).
" إنه عمل فني نابض بقدر ما هو كتاب علمي محكم؛ فني ببنائه المتناسق وأسلوبه النقدي المثير. لذلك كله، فبرغم أنه كتاب اقتصادي "متخصص"، إلا أنه يحتل موقعاً متقدماً في تاريخ الفكر الفلسفي، ناهيك بأهميته السياسية والثورية والسوسيولوجية، وارتكازا إلى ذلك، فإننا نقول إن "الرأسمال" لم يكن نقدا للاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وإنما كان نقدا لموضوع هذا العلم، أي للواقع الرأسمالي ولنمط الإنتاج الرأسمالي، إنه بحث نقدي تاريخي في هذا النمط هدفه بيانه في صيرورته، أي الكشف عن آلياته، وتناقضاته، ووحدته الجدلية، وآليات الاغتراب فيه، وتاريخيته، وحتمية فنائه، وإمكانات تخطيه صوب نظام إنتاجي أرقى (الشيوعي)"([15]).
" ومن ضمن الاكتشافات الكبرى، التي توصل إليها ماركس بهذا المنهج المادي الجدلي التاريخي، قانون القيمة، وقد عبّر المفكر المصري الكبير الراحل د. سمير أمين، عن هذا القانون، في كتابه "قانون القيمة والمادية التاريخية"، بالقول: "ماذا ينص قانون القيمة؟ أن المنتوجات، عندما تكون سلعاً، تمتلك القيمة؛ وأن هذه القيمة قابلة للقياس؛ وأن وحدة قياسها هي كمية العمل التجريدي الضروري اجتماعيا لإنتاجها؛ وأخيراً، أن هذه الكمية هي مجموع كميات العمل، المباشر وغير المباشر (المنقول)، المسخرة في عملية الإنتاج".
هذا القانون يشكل محور "الرأسمال" والأداة الرئيسية لتفسير الظاهرات الاقتصادية وتوحيدها، والاكتشاف العظيم الآخر في "الرأسمال" هو اكتشاف آليات الاستغلال في نمط الإنتاج الرأسمالي، ومكمن الصراع الطبقي الرئيسي فيه ([16]).
ماركس والمسألة اليهودية([17]):
في كتابه "المسألة اليهودية"([18]) رد فيه ماركس على "برونوباور" وهو عالم لاهوت ومؤرخ الماني، قال "ان المسيحية المبكره تدين بوجودها إلى الفلسفة الرواقية اليونانية أكثر من التوراه"، واستنكر على اليهود الألمان مكانتهم بالتحرر قائلاً لهم" "عليكم ان تتحرروا وتتخلصوا من يهوديتكم أو دينكم" كما طالب أيضاً كل الناس التخلص من أديانهم، فأجابه ماركس قائلاً "ان الحل لا يكمن في تخلص الناس من الدين، بل في تحرر الدولة وانعتاقها من الدين حتى لو كانت اغلبية الشعب متدينين".
الموضوع الجوهري في كتاب ماركس "المسألة اليهودية" ينتقد المعادلة التي تقول "ان التحرر الاجتماعي لليهودي هو تحرر المجتمع من اليهودية" ويرد ماركس على هذه المقولة العنصرية الألمانية، بقوله "ان الحل الجذري يقوم على نظرة اليهودي والمسيحي للدين باعتباره مرحلة من مراحل التطور للفكر الانساني" وقال "يجب ان يكف اليهودي عن كونه يهودياً، بحيث يذهب يوم السبت ليمارس نشاطاً سياسياً او اجتماعياً على الضد من تقاليده، واذا أصر اليهودي على ديانته فلا ضير شرط ان يدرك ان تحرره مرتبط بتحرر الدولة الالمانية سياسياً واجتماعياً من سيطرة الدين او اللاهوت كما هو الحال في امريكا حيث تم فصل الدين عن الدولة".
لم يقصد ماركس ان دعوته إلى التحرر من الدين تعني إلغاء الدين، بالعكس فقد اعتبر–كما يقول أحمد الفارابي-"أن وجود الدين لا يتعارض مع وجود الدولة بحيث تضمن عدم تحويل المسائل الحياتية الدنيوية إلى مسائل لاهوتية، وبالتالي تصبح علاقة التحرر السياسي هو تحرر الدولة من الدين، وهو هنا يتفق مع برونوباور ولكن شرط ماركس هو التحرر السياسي للدولة من كل الأديان وليس تحرر اليهود من دينهم فقط، ولكن ماركس دعا إلى تحرير اليهودي من عبادته للمال، وهنا تتحرر البشرية من اليهودية لأن المال اهم شيء لدى اليهود، كما أشار ماركس إلى "أن المسيحيين لا يختلفون في الرأسمالية عن اليهود في علاقتهم بالمال وحرصهم عليه، فالمجتمع البورجوازي يُوَلِّدْ– رمزياً- من احشائه يهود المال، ويقصد بذلك التشبيه المسيحيين البورجوازين الذين مارسوا كل ما مارسه اليهود".
 
الإنسان والتاريخ عند ماركس:
الاطار الاجتماعي لفكر ماركس:
القرن التاسع عشر كان عصر الامتحان الكبير لفكر مفكري البورجوازية التي انتصرت نهائياً في كافة أقطار أوربا على وجه التقريب. فبعد أن دخلت مرحلة الاستقرار، لم يعد يقف في طريقها ما يحول دون ترجمة أفكارها التي كانت تحملها للإنسانية إلى أفعال، فماذا كانت نتيجة الامتحان بالنسبة إلى ماركس؟
لقد كان ماركس في وضع يسمح له بالإجابة عن هذا السؤال، فهو لم يكن ألمانياً بقدر ما كان فرنسياً وانجليزياً، وفي نهاية المطاف مواطناً عالمياً.والحق أن تلك الميزة لم تتحقق لغيره من الفلاسفة، ولذلك كان أكثرهم أصالة، وأعمقهم إبداعاً.
والذي أعنيه بذلك –كما يقول د. حامد خليل- "هو ان "ماركس" لم تكن تقتصر معايشته على واقع محدد بالذات، كواقع ألمانيا على سبيل المثال، حتى تكون أفكاره محكومة به وحده، وصدى له من دون سواه، مثلما كان يحدث مع الفلاسفة السابقين من أفلاطون حتى هيجل، وإنما كانت تلك المعايشة من الإتساع، بحيث يمكننا القول إنها شملت واقع حياة العالم كله، قديمة وحديثة، فمن جهة كان ماركس قارئاً نهماً للتاريخ، أكسبته تلك القراءة خبرة عميقة بواقع حياة القدماء أسهمت بدورها في كشفه الكبير حول القوانين الأساسية للتطور الاجتماعي، أو قوانين تكون الإنسان عبر التاريخ، ومن جهة أخرى، فان تنقل ماركس من بلد أوربي إلى آخر لا كسائح، وإنما كباحث وثوري وصاحب قضية، أدى إلى أن تكون الساحة الاجتماعية الأوربية كلها ميدان تجربته، ولا شك ان ذلك سيكون له تأثيره الشديد على إحداث نقلة كبيرة في فكره من النطاق المحلي إلى نطاق أكثر اتساعاً وشمولاً، هو النطاق العالمي، أو نطاق الإنسان بما هو كذلك، وهو الأمر الذي لم يتحقق لفيلسوف غيره من قبل"([19]).
وفي باريس، اطلع ماركس على تجربة المعارك التي خاضتها القوى التي اكتشفت أن تلك الأفكار "الإنسانية" التي حملتها الثورة الفرنسية لم تكن سوى قناع للإمعان في تكريس تبعيتها وقهرها واستغلالها من قبل قوى جديدة حلت محل القوى القديمة، ووسيلة لتحقيق مصالح طبقة معينة بالذات على حساب تلك الجموع التي كانت وقود الثورة المذكورة.
وقد تعلم من تلك التجربة ومن تجارب أخرى ماثلة (الحركة الشارتية 1838 – 1842 في انجلترا، وثورة عمال النسيج في سيليزيا، وعمال مصانع بوهم في ألمانيا عام 1844) أن الأفكار ليست في واقع الامر سوى ترجمة عملية أو تلخيص لمصالح طبقية معينة، وأن المطلوب هو قلب جذري للبناء الاجتماعي القائم، وتحويله إلى بناء انساني حقيقي، وأن الطبقة التي تعيش بجهدها الخاص وعملها هي وحدها التي يكون تحريرها تحريراً للإنسان بما هو كذلك.
كذلك اطلع في باريس على أفكار الاشتراكيين الفرنسيين؛ أمثال برودون وسان سيمون وفورييه وغيرهم، وقرأ مؤلفاتهم، فتبين له أن مسألة تحرير الإنسان ليست مسألة أخلاقية، وإنما تخضع لقوانين علمية موضوعية وذاتية يتعين على كل من يسعى إلى التحرر اكتشافها، والقتال من أجل وضعها موضع التنفيذ.
وفي باريس وانجلترا أيضاً، قرأ – بصحبة انجلز ومعونته- الأفكار الاقتصادية الكلاسيكية، ورأى بأُم عينه كيف يتحول "العمل" بموجب تلك الأفكار، وعلى أرض الواقع، من كونه قيمة إنسانية إلى بضاعة تباع وتشترى، ويتحول الإنسان حامل تلك القيمة، نتيجة لذلك، من انسان يفترض ان العمل يحقق له انسانيته، إلى أداة تقتصر وظيفتها على تشغيل عجلة الإنتاج الدائرة([20]).
لقد قرأ أثناء إقامته في باريس أفكار الثورة الفرنسية الإنسانية، لا كأفكار نظرية مدونة في كتب فلاسفتها فحسب، وإنما كأفكار – قوى تتحقق الآن على الأرض، فأدرك بعمق كيف تصبح الفكرة الإنسانية وسيلة قهر وتدمير للإنسان، وتتحول إلى نقيضها حين لا تقترن بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية.
ولتوضيح ذلك نمثل له بفكرة الحرية، ان الإنسان الذي يفترض أن الحرية هي الشرط الاساسي لارتقائه وتفتح قواه العقلية وإبداعه، سوف يكون تابعاً باسمها لإنسان آخر إذا لم تقترن بشرط تحققها المادي، الذي هو المساواة بين الناس في كافة الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية
فإذا كان أحد يملك أكثر مما يستطيع تشغيله بنفسه، بينما لا يملك الثاني شيئاً، فان تبعية هذا الاخير للأول ستكون محتمة، وباسم الحرية ذاتها، حرية أن تَستَخِدم وحرية أن تُستَخدَم  ولا يقل عن ذلك أهمية اقتران الحرية بشرط تحققها الاجتماعي، لئلا تصبح وسيلة تدميرية للإنسان، عوضاً عن أن تكون شرطاً لارتقائه.
فحين لا يكون بناء مجتمع متقدم شرطاً أساسياً لتحقق الحرية تحقيقاً فعلياً، فلا يوجد ما يمنع عندها المقتدرين من الناس من أن ينتجوا ويبنوا ويمارسوا، باسم الحرية ذاتها، ما يؤدي إلى انحدار المجتمع، وبالتالي انحدار الإنسان، كالمخدرات، والسلع الاستهلاكية، وأوكار الدعارة، وتجارة الاجساد البشرية، وما إلى ذلك.
أما عن الشرط الإنساني، فإن عدم اقتران فكرة الحرية به، أعطى الفرصة لنابليون على سبيل المثال ليغزو معظم أنحاء أوربا، ومناطق أخرى من العالم، وللأوربيين الآخرين لكي يستعمروا دول العالم الثالث، وللصهيونية لكي تقتلع شعباً بأسره من أرضه، ولتجار الرقيق ودعاة التمييز العنصري فيما ارتكبوه من جرائم إنسانية، وكل ذلك باسم الحرية. ولا أعتقد أن الأمر يستدعي المزيد من التوضيح أكثر من ذلك([21]).
على أن الأهم من ذلك كله، هو ان "ماركس" نفذ إلى أعماق حياة الأوربيين، فاكتشف إلى أي حد أسهم الفكر والممارسة البورجوازيان في تشويه الإنسان، العامل والرأسمالي على حد سواء، وتحويله من كائن بشري إلى شيء من الاشياء، وقد كان لذلك الاكتشاف الدور الاساسي في تكوين فكره الذي هدف إلى انقاذ آدمية الإنسان التي أصبحت مهددة، وتحريره، والارتقاء به إلى المستوى الذي يليق به بوصفه إنساناً.
فماذا اكتشف يا ترى كما يسأل المفكر الراحل د. حامد خليل؟
يجيب قائلاً: "لقد اكتشف ماركس أن الممارسة البورجوازية انحرفت "بالعمل" من كونه ميداناً رحباً لصياغة الشخصية الإنسانية، وازدهار قواها وتنميتها، وتحريك فاعليتها، تحويل مشاعرها من مشاعر تتمركز حول ذاتها إلى مشاعر إنسانية شاملة، وكذلك تحويل طبيعتها من طبيعة طبيعية إلى طبيعة إنسانية عاقلة وذلك بتحويل حاجاتها من حاجات القدرات الطبيعية للإنسان إلى قدرات عاقلة.
انحرفت به من النطاق المذكور إلى عمل مفروض ومغترب وعديم المعنى، مما أدى إلى تحويل الإنسان إلى كائن شوهه التخصص الآلي الضيق المبتور، وحال دون ارتقائه إلى مستوى الإنسان الكلي الشامل.
واكتشف أيضاً "أن الممارسة المذكورة، عوضاً عن أن تسعى إلى الاتجاه نحو نمط وموضوع جديدين من الإنتاج يهدفان قبل كل شيء إلى السير باتجاه تحقيق وفرة من الحاجات الإنسانية الاصلية التي تبعث الحياة في القوى الكامنة في الإنسان، وتحرضها، وتدفعها في طريق النمو والتطور، عملت على خلق حاجات غير إنسانية جديدة، لا لهدف الا لتحقيق الثراء وحده، فكل منتج في النظام البورجوازي أصبح لا يفكر الا في خلق حاجة جديدة مغتربة عند الإنسان الآخر ليس بهدف تطويره، وانما فقط من أجل إرغامه على أن يقوم بتضحية جديدة، وإغرائه إلى السير باتجاه نوع جديد من المتع الرخيصة الجديدة، ووضعه في علاقة اعتماد أو تبعية جديدة، وفي آخر المطاف سوقه إلى حيث يلقى حتفه الاقتصادي وما يترتب على ذلك من تهديم لقيمه، وانحدار مستواه الإنساني، وبكلمة واحدة تجريده من إنسانيته"([22]).
ماركس ونقده الجذري لمنهج هيجل:
بخصوص نقد ماركس لمنهج هيجل، فان النقد كان يدور حول نقطتين رئيسيتين، تتعلق الأولى بفهم هيجل للتاريخ، وتأثير ذلك على منهجه الجدلي، أما الثانية فتتعلق بطبيعة الجدل ذاته ووظيفته ومساره([23]).
لقد بين ماركس بالنسبة إلى النقطة الأولى، أن فهم هيجل للتاريخ محكوم بافتراض مُسبق أساسي، هو ان العقل هو الذي يصنع التاريخ، وأن الفكرة هي نسيج العالم، والأهم من ذلك أن نظام المفاهيم التي تؤلف العالم، إنما هو نظام كلي ناجز منذ البداية، أو قل إنه كلية ناجزة بلغة هيجل، ونتيجة لذلك يصبح التاريخ عند هيجل هو تاريخ تحقق مفاهيم الطبيعة البشرية المحددة مسبقاً بطريقة ميتافيزيقية خالصة، شأن هيجل في ذلك شأن أصحاب المناهج الميتافيزيقية، وتصبح فلسفة التاريخ على هذا الأساس مجرد كشف لتلك المفاهيم التي ليست هي سوى مفاهيم معدة مسبقاً وجاهزة في الفكر، وبذلك تكون فلسفة لتاريخ تطور الفكرة في ذلك الفكر، وليست أبداً فلسفة لتاريخ تطور البشر الواقعيين على الأرض الذين أسهموا كأفراد وكمجتمعات في صنعه، أي أن فلسفة التاريخ أصبحت على يد هيجل فلسفة فكرة الإنسان المجرد، عوضاً عن أن تكون فلسفة الناس الواقعيين الذين يصنعون هم تاريخهم على أرض الواقع.
والحق أن "هيجل" لم يلجأ إلى التاريخ لكي يستخلص منه القوانين التي تحكم حركة البشر والطبيعة فيه، وإنما لجأ إليه فقط لكي يختار منه الامثلة التي تتفق مع أفكاره المسبقة عنه. ولذلك حق لماركس أن يقول إن منهج هيجل كان في جانب من جوانبه على الأقل منهجاً ميتافيزيقياً.
على أن تلك الفلسفة بعد أن صيغت على النحو المذكور، كان لها تأثير كبير على تصور هيجل لوظيفة الجدل وطبيعته ومساره عل السواء، فبموجبها أصبح الجدل مقيداً في بدايته ونهايته، أي أصبح يتعين عليه الانطلاق أو البدء من فكرة "الكلية" الجاهزة، والانتهاء اليها، وبذلك يكون هيجل قد وضع المنهج الذي هو الجدل في خدمة المذهب، وحبسه فيه محظراً عليه تخطي حدوده، عوضاً عن أن يستخدمه كأداة لاكتشاف ذلك المذهب الذي لا يجوز أن يكون في بداية العملية، وإنما في نهايتها.
ولتوضيح هذه النقطة نقول إن "هيجل" كان يعتبر أن الناس لهم تاريخ، فقط لان الوعي يحتاج زماناً وفعلاً لكي يعرف ذاته، وأن الجدل هو المسار الذي يسلكه الوعي لانجاز هذه المهمة، وبالطبع فان الجدل المذكور سيكون على هذا الأساس جدلاً مثالياً من حيث طابعه، أي أنه جدل في الفكر، وليس أبداً جدل الواقع، أي جدل الناس الواقعيين الذين يصنعون أنفسهم ومجتمعاتهم وتاريخهم على أرض الواقع.
وبهذه الطريقة يكون هيجل قد قلب رأساً على عقب الترتيب الواقعي للكائنات والاشياء، انطلاقاً من مسلماته العقلية التي هي في جوهرها مسلمات لاهوتية.
على أن "ماركس" "لم يقف عند حدود النقد، وإنما تعدى ذلك إلى مرحلة البناء فقد اكتشف أنه لكي يكون في مقدوره اعادة الترتيب الواقعي للناس والاشياء بعد أن قلبه هيجل والميتافيزيقيون رأساً على عقب، فانما يتعين قلب الأساس الميتافيزيقي لمنهج الميتافيزيقيين إلى أساس علمي، وقلب جدل هيجل المثالي إلى جدل مادي، فتكون النتيجة تبني منهج علمي وجدلي في آن معاً، وحقيقة الأمر أن "ماركس" اكتشف أن المنهج لكي يكون منهجاً صحيحاً، يتعين ان يعيد المعلولات إلى عللها، والنتائج إلى مقدماتها، وهذا يقتضي منه القيام بدراسة تحليلية وتاريخية لحاضر البشر وماضيهم وهم يصنعون أنفسهم وتاريخهم، دون أن ننطلق من أية أفكار مسبقة أو مسلمات تحكم مسبقاً ما نقوم به.
بمعنى آخر، فان المطلوب هو أن تكون تلك الأفكار التي تتكون لدينا فيما بعد هي نتيجة للدراسة المذكورة، وليست سبباً لها كما كان يفعل الميتافيزيقيون، إذ على هذا الأساس وحده يكون المنهج علمياً.
ومن جهة أخرى، فان المنهج يجب أن يكون جدلياً، والسبب في ذلك هو أن تطور العلوم الطبيعية والإنسانية هو الذي يفرض ذلك، إذ أنه دون المنهج الجدلي لا يمكن التمكن من عقل الطبيعة والتاريخ اللذين هما في طبيعتهما جدليان"([24]).
فالعلوم المذكورة بينت أن بنية الطبيعة والمجتمع وطبيعة العلاقة بينهما، هما من التعقيد بحيث لا يمكن أي منهج أن يعقلهما الا إذا كان جدلياً. لكن الجدل المذكور يجب أن يكون مادياً عوضاً عن أن يكون مثالياً، وقد دفع ذلك ماركس إلى أن يقلب الجدل الهيجلي رأساً على عقب، بحيث يسير على قدميه، بدلاً من أن يظل يمشي على رأسه. وهذا يتطلب منا التوضيح، إذ كثيراً ما أسيء فهم هذه القضية، حتى أن بعض الشراح قالوا إن جدل ماركس ليس سوى جدل هيجل، مع فارق واحد فقط، وهو أن "ماركس، وضع لفظ "مادة" بدلاً من لفظ "فكرة" أنى وجدها عند هيجل، وبهذا الصدد فان النقاط الرئيسية التالية هي التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار هي([25]):
1-    إن الجدل عند هيجل طريقة يفرضها العقل على الاشياء، ويرغمها على السير بمقتضاها، فيكون بذلك جدلاً مثالياً، أما عند ماركس فهو انعكاس لعلاقة الاشياء الجدلية فيما بينها، في الفكر (علاقة الاشياء في الطبيعة، وعلاقة الناس فيما بينهم، وعلاقتهم بالطبيعة). ولذلك فهو جدل مادي طالما أنه انعكاس لعلاقات مادية، بمعنى آخر فان الجدل عند هيجل يقولب الاشياء تبعاً لمفاهيمنا، أما عند ماركس فانه يقولب مفاهيمنا تبعاً للعلاقات بين الاشياء، ومن هذه النقطة نقول إنه مادي.
2-    إن الكلية المثالية (الفكرة المطلقة) عند هيجل هي البداية التي ينطلق منها الجدل، ويستنبط كل شيء منها عقلياً، أما التناقض الذي هو المقولة المركزية في جدله، فليس سوى لحظة من لحظاتها، أي الطريقة التي تفصح عما في ذاتها من مضمون، ولذلك فان جدله، الذي هو رصد لتلك الطريقة، هو جدل مثالي، أما عند ماركس فان الجزئي الواقعي أو الخاص هو الأول الذي ينطلق منه الجدل، وأن الكلية تنشأ من التناقض الذي يولده صراع ذلك الجزئي الرامي إلى تجاوز نفسه بالضرورة، وبذلك تكون الكلية لديه لحظة من لحظات التناقض، ويكون جدله على هذا الأساس مادياً.
3-    إن جدل هيجل مغلق، من حيث أنه محدد في بدايته بالفكرة الكلية المسبقة، ومحدد في نهايته بتحقق تلك الفكرة تحققا عينياً، أي ببلوغ المعرفة المطلقة بالفكرة المذكورة بعد تحققها، وعلى هذا الأساس فهو جدل مثالي أولاً وأخيراً، أما عند ماركس فهو مفتوح، من حيث أنه غير محكوم في بدايته بأية فكرة مسبقة، وأنه ليس له نهاية، لأن عملية تَكَوُّن الكليات من التناقض في الواقع لا تنتهي، ولذا فهو جدل مادي في بدايته وفي مساره الذي لا نهاية له.
4-    إن لائحة مقولات الجدل وقوانينه مغلقة ومكتملة ونهائية عند هيجل، لأنها مقولات وقوانين محددة ومفروضة بالعقل وحده، ولذلك نقول إن جدله مثالي، أما عند ماركس، فان المقولات والقوانين المعروفة في أي وقت إنما تؤلف حصيلة مؤقتة لمعرفتنا بالعلاقات بين الاشياء والناس، والممارسة الاجتماعية والتجربة العلمية هما وحدهما اللتان تتيحان امكانية اثرائها وتطويرها، أي أنها لائحة مفتوحة ومرتبطة بحركة الواقع ذاته، ومن هذه الزاوية نقول إن جدله مادي، لأنه يجعل تحديد تلك المقولات، والقوانين من شأن تجربة الناس وممارستهم العملية، سواء في علاقاتهم بعضهم ببعض، أو في علاقتهم بالطبيعة.
بهذا القدر من المقارنة بين جدل هيجل وماركس، يمكننا القول، إن المسألة ليست عند هذا الأخير مجرد استبدال لفظ بلفظ، وإنما هي قلب حقيقي يتجلى في تحطيم المذهب الذي يقوم عليه جدل الأول، وإحداث تغيير جذري في مسار الجدل لديه، وتحويل نوعي في طبيعته، والخروج في نهاية الامر، وعلى أساس القلب المذكور، بنتائج تتناقض تناقضاً تاماً مع النتائج التي انتهى إليها هيجل، والأهم من ذلك كله أن القلب المذكور كان له تأثير كبير على طريقة دراسة ماركس للإنسان، وهو ما يعنينا في هذا المقام.
فعلى النقيض من هيجل، "انطلق ماركس في الدراسة المذكورة من الإنسان الواقعي، ومن الشروط الاجتماعية والاقتصادية التي اكتشف أن لها الدور الاساسي في تكوينه عبر التاريخ، ولم يبدأ أبداً من فكرة ذلك الإنسان كما تبدو لعقل يتخذ من التجريد الخالص منهجاً وحيداً له، وبذلك يكون ماركس قد قام بثورة كوبرنيقية في الفلسفة على العموم، وفي مشكلة الإنسان على وجه الخصوص، ففي فلسفته تم الانتقال جذرياً من التأمل الخالص إلى الممارسة، أو قل إنه بانتهاء ذلك التأمل بدأ في الحياة الواقعية العلم الواقعي الإيجابي الذي هو تصور النشاط العملي، أو تصور صيرورة تطور البشر العملي على حد تعبير ماركس نفسه"([26]).
الفيلسوف كارل ماركس.. وراهنية فلسفته:
كان ماركس فيلسوفاً مادياً جدلياً " رفض فهم الفلسفة على إنها علم مطلق، غريب عن الحياة العملية والنضال، مؤكداً إن مهمة الفلسفة والفكر الاجتماعي ليست بناء أو إنشاء Construction  المستقبل، ولا وضع نظريات تصلح لجميع العصوروالدهور، بل إن مهمتها " النقد الذي لايرحم لكل ماهو قائم، نقد لايرحم بمعنيين، لايهاب استنتاجاته الذاتية، ولا يتراجع أمام الاصطدام بالسلطات القائمة([27])، هكذا طرح ماركس مسألة نفي الفلسفة بمعناها القديم، " حب الحكمة " أو " علم العلوم"، إنه ضد عزل الفلسفة عن النشاط العملي، ولاسيما حركة الكادحين والفقراء التحريرية، فهو يقول " لاشئ يمنعنا أن نربط ممارستنا بنقد السياسة، بموقف حزبي معين في السياسة، أي أن نربط ونقرن نقدنا بالنضال الواقعي .
لذلك على كل حركات اليسار الماركسي العالمي عموما والعربي خصوصا ان يدركوا جيدا أن نظرية ماركس ليس بمستطاع احد ان يتجاوزها شرط ان نستوعب جيدا ايضا ان فهم ماركس للعالم- كما اكد رفيقه انجلز- "ليس مذهباً.. وإنما هو منهج. فهو لا يعطي عقيدة جامدة. وإنما يقدم نقاط انطلاق لبحث ما هو آت ". وكما اكد لينين من بعده على أن : "الماركسية ليست نموذجاً نظرياً للكون, وليست رسماً تخطيطياً ملزماً للجميع, وإنما هي طريقة وأسلوب لإدراك كل ما هو موجود في حركته وتغيره".
وإذا كنا نسلم بأن الحركة الشيوعية العالمية تعيش اليوم أزمتها . ترى ما هي طبيعة هذه الأزمة؟ هل هي من أمراض الموت؟ أم من أمراض النمو؟ يجيب المناضل الراحل نبيل الهلالي بقوله :في تقديرنا أن أزمة الاشتراكية من أمراض النمو, لأن النظام الاشتراكي العالمي بحسابات التاريخ لا يزال حديث الولادة, بالمقارنة بالنظام الرأسمالي العالمي الذي احتاج أربعة قرون لتثبيت أقدامـه على أرض الواقع.
لذلك ليس شاذاً أن يتعرض النظام الاشتراكي العالمي لأزمة نمو، ثم انهيار التجربة عام 1991، بعد انقضاء 74 عاماً فقط على تأسيس أول دولة اشتراكية في التاريخ. وليس نشازاَ في عرف التاريخ أن تنتكس الثورة الاشتراكية، لأن الثورات الاجتماعية عمليات طويلة معقدة مركبة، والتطور الاجتماعي لا يسير في اتجاه واحد، ولم يعرف تاريخ البشرية حتى الآن ثورة اجتماعية واحدة محصنة ضد الارتداد.
فالثورة البرجوازية في فرنسا ارتدت أكثر من مرة واحتاجت إلى ثلاث ثورات متوالية لتحقيق انتصارها النهائي على الإقطاع، كما أن الثورات الاجتماعية كالبحار يحكمها قانون المد والجزر, ومهما اشتد أو امتد الجزر, فهو لا يعني نضوب مياه البحر، ولذلك فإن إخفاق النموذج السوفيتي للاشتراكية لا يبرر الشطب بالقلم الأحمر على الماركسية اللينينية، تماماً كما أن موت المريض داخل غرفة للعمليات بسبب خطأ الجراح لا يبرر إلغاء علم الجراحة.
في هذا السياق، نقول: بالأمس البعيد هللت الرأسمالية العالمية يوم سحقت كوميونة باريس, غير أن ماركس رد على زعمهم بمقولة صادقة, قال ماركس " أن مبادئ كوميونة باريس خالدة, فلا يمكن القضاء عليها. إنها سوف تعلن عن نفسها من جديد, ومن جديد ما دامت الطبقة العاملة لم تتوصل بعد إلى تحررها". ولكن بفعل قسوة الصدمة, أو بدافع من الانتهازية والوصولية, هناك من غرق في الإحباط وهناك من فقد الاتجاه, وهناك من تنصل من ماضيه, وهناك من هجر الماركسية, وهناك من هرول إلى الخندق الليبرالي المضاد.
لكن يخطئ كل الخطأ من يعتبر الماركسية قد اندثرت, كما يخطئ كل الخطأ من يحكم على مستقبل الاشتراكية على ضوء حاضرها المأزوم، وسوف تثبت الأيام أن عاجلاً أو آجلاً, أن أزمة الماركسية مجرد لحظة عابرة في تاريخ البشرية.
حقاً إن الأوضاع والظروف السائدة، لا تبشر بفرص ثورية في الأمد المنظور، ولكن هاهي وقائع الحياة تؤكد لنا أن هناك أسساً موضوعية لإعادة بناء حركة معادية للرأسمالية على النطاق العالمي، وأن هناك إمكانيات واقعية لتحقيق مكاسب جزئية متزايدة في عملية طويلة معقدة عبر مراحل وسيطة متعددة، شرط توفر العامل الذاتي (الحزب الماركسي) القادر على توعية وتعبئة وتنظيم الجماهير.
وكما قال بحق الفيلسوف الفرنسي غير الماركسي جان بول سارتر فإن "الماركسية غير قابلة للتجاوز لأن الظروف التي ولدتها لم يتم تجاوزها بعد" ولا زالت البشرية في عالمنا اليوم تعاني من: التفاوت الطبقي, الاستغلال الطبقي, القهر الطبقي, ولم يحدث في تاريخ البشرية أن بلغ الاستغلال والقهر الاجتماعي والإفقار المستوى الذي وصل إليه اليوم، وهو يزداد تعمقاً بفعل العولمة ويصبح تناقضاً بين الرأسمال الدولي والطبقة العاملة العالمية، والماركسية هي النظرية العلمية الوحيدة القادرة على مساعدة البشرية في حل هذا التناقض وإرشاد البشرية في كفاحها للخلاص من الاستغلال الرأسمالي، إن الاشتراكية اليوم ضرورة حتمية لاستمرار الحضارة البشرية، وضمان لا غنى عنه لبقاء الجنس البشري.
لذلك فان المطلوب ماركسية عصرية عبر تجديدها وتطويرها على ضوء الواقع المعاصر بحيث تستجيب لمتطلبات الزمن الذي نعيش فيه، ولكي لا تكون الدعوة للتجديد صيحة حق يراد بها باطل ولكي نضمن أن يأتي التجديد: تطويراً في الماركسية لا تطويحاً بالماركسية, وإغناء للماركسية لا استغناء عن الماركسية واجتهاداً في الماركسية لا ارتدادا عن الماركسية.
إن مأثرة فلسفة ماركس تكمن في كونها البرهان الفلسفي والعملي في آن واحد على حتمية التحويل الجذري للمجتمع نحو الانعتاق والتحرر والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية رغم كل ما يتبدى اليوم من عوامل القهر والتخلف .
على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، ففلسفته، التي اعتمدت العلم منهجاً لها، لم تقتصر على استخلاص أكثر الأفكار دقة عن الإنسان وعن تحرره وارتقائه فحسب، وإنما ربطت تلك الأفكار بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية.
وهو ما لم تفعله أية فلسفة من قبل، ولذلك نقول عنها إنها فلسفة ثورية بقدر ما هي فلسفة علمية، فهي وحدها الفلسفة التي لم تقف عند حدود تفسير العالم، وإنما وضعت شروط تغييره، لما اكتشفت أن تحرر الإنسان وارتقائه لا يمكن أن يتحققا بدون حدوث ذلك التغيير.
أخيراً، "إن الذي يميز ماركس من بين كل الفلاسفة الذين عرفتهم البشرية، هو أنه الوحيد الذي قَرَنَ أفكاره الإنسانية بشروط تحققها المادية والاجتماعية والإنسانية، ولذلك "أضحت فلسفته شعار كل الساعين إلى تحرير الإنسان من قيوده واغترابه، والطامحين إلى خلق الإنسان الحقيقي الشامل، الذي لم يحدث أن تبنت أية فلسفة أخرى خلقه، ولا هو تحقق على الارض بعد.ومن هذه النقطة بالذات يمكن القول أن فلسفته هي وحدها، من بين كل الفلسفات، الفلسفة العلمية والثورية بحق"([28]).
قالوا عنه([29]):
·     "لقد كان ماركس متيقناً، إلى أعلى درجة، من أن الثورة الاجتماعية التي يتكلم عنها ستمثل تحولاً يتعذر الرجوع عنه، ومن أنها ستكون بمثابة حد فاصل مطلق بين عهدين من التاريخ .. وإن لفي ذلك شيئاً مرعباً حقاً؛ لكني أعتقد أنه من الجوهري الإبقاء على طابع الاشتراكية هذا ظاهراً جداً للعيان، اذا كنا نريد أن نحافظ على كل قيمتها التربوية، فلا بد أن يقتنع الاشتراكيون بان العمل الذي ينذرون أنفسهم له عمل خطير، مهيب، جليل". (جورج سوريل).
·     "الماركسية هي الوريث الطبيعي لخير ما أبدعته البشرية في القرن التاسع عشر في الفلسفة الألمانية وفي الاقتصاد السياسي الانجليزي وفي الاشتراكية الفرنسية". (لينين).
·     "لقد جذبتنا الماركسية اليها، حولت بالتناوب أفكارنا كلها، طردت من أذهاننا مقولات الاستدلال البورجوازي، وفي كل الأحوال فالماركسية لا يمكن تجاوزها في هذا العصر". (جان بول سارتر).
·     "لم يكن ماركس متعصباً ولا انتهازياً، بل هو يمثل خير ما في المأثور الغربي: الايمان بالعقل وبتقدم الانسان" (إرنست بلوخ).
 


([1]) الموسوعة الفلسفية- دار الطليعة - بيروت 1981 - ص438 .
([2]) د. صادق جلال العظم – دفاعاً عن المادية والتاريخ – دار الفكر الجديد – بيروت – الطبعة الأولى 1990 –ص 138
([3])المرجع نفسه - ص 101
([4])المرجع نفسه - ص 102
([5]) المرجع نفسه –ص 103
([6]) المرجع نفسه - ص 135
([7])المرجع نفسه - ص 137
([8]) أحمد الفارابي – باحث تقدمي عراقي – محاضر في اليوتيوب – الانترنت .
([9]) المرجع نفسه
([10])غازي الصوراني – مقتطفات من كتاب رأس المال.. تأليف د. فؤاد مرسي – الحوار المتمدن – 12/6/2013
([11]) المرجع نفسه
([12]) الموسوعة الفلسفية - دار الطليعة - بيروت 1981 - ص 439.
([13]) يقول لينين "كان إنجلز أول من أثبت أن البروليتاريا ليست فقط الطبقة التي تتألم ، بل إن الوضع الاقتصادى المخزى الذى تعانية البروليتاريا ، هو الذى يدفع بها إلى الأمام دفعا لايتراجع ، ويحفزها إلى النضال فى سبيل تحررها النهائي، والحال إن البروليتاريا وجموع الفقراء والكادحين المناضلين سيساعدون أنفسهم بأنفسهم ، إن الحركة السياسية للطبقة العاملة ستقود حتما العمال والكادحين إلى أن يدركوا أن لامخرج أمامهم غير طريق الاشتراكية ، والاشتراكية من جهة أخرى لن تصبح قوة إلا عندما تصبح هدفا للكادحين.
([14]) د.هشام غصيب – نقد العقل الجدلي – الناشر: التنوير – بيروت – 2011 – ص421
([15]) المرجع نفسه – ص 422
([16]) المرجع نفسه – ص425
([17]) أحمد الفارابي - مرجع سبق ذكره- محاضرة في اليوتيوب.
([18]) ضمن التعاليم اليهودية: كل يهودي يجب عليه ان يتعلم حرفة يعيش من خلالها، حيث تحض الديانة اليهودية على العمل والبحث الدائم عن تعلم الحرف.. وهذا كما يبدو أحد العوامل التي ميزت اليهود تاريخياً.
([19]) حامد خليل – مشكلات فلسفية – الطبعة الثالثة – دار الكتاب – دمشق – 1989/1990 م -  ص197
([20]) المرجع نفسه -  ص 199
([21]) المرجع نفسه - ص 198
([22]) المرجع نفسه - ص 200
([23]) المرجع نفسه - ص 204
([24]) المرجع نفسه - ص 206
([25]) المرجع نفسه - ص 207
([26]) المرجع نفسه - ص 208
([27]) جماعة من الأساتذة السوفيات –  موجز تاريخ الفلسفة -  تعريب: توفيق ابراهيم سلوم –دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م)– ص618.
([28]) المرجع نفسه - ص224
([29]) جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987 – ص 623



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيمس مِل (1773 - 1836)
- جورج ويلهلم هيجل (1770 - 1831 )
- يوهان غولتليب فيخته (1762 – 1814)
- سان سيمون (1760 - 1825)
- وثائق مؤتمرات الجبهة الى جانب المراجعة النقدية بوصلة الرفاق ...
- وداعاً رفيقي وصديقي الغالي عبد الرحيم ملوح
- جيرمي بنتام (1748 – 1832 )
- جان انطوان كوندورسيه (1743 - 1794)
- توماس بين‏ (1737 - 1809)
- جوتهولد ايفرايم ليسنغ (1729 - 1781)
- عمانويل كانط ( 1724 - 1804 )
- دي هولباخ  (1723 - 1789)
- اتيين بون ودي كوندياك (1715 - 1780) ([1])
- رسالة إلى الرفاق والأصدقاء بمناسبة مرور 53 عاما على انطلاقة ...
- ديني ديدرو ( 1713 - 1784 )
- جان جاك روسو ( 1712 – 1778 )
- ديفيد هيوم (1711 – 1776)
- فرانسوا فولتير ( 1694م. – 1778م. )
- شارل مونتسكيو ( 1689م. – 1755م. )
- جورج بركلي (1685 – 1753)


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - كارل ماركس ( 1818 – 1883 )