أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عادل صوما - شكراً يا يسوع المسيح














المزيد.....

شكراً يا يسوع المسيح


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 6768 - 2020 / 12 / 22 - 22:23
المحور: المجتمع المدني
    


ليس غريباً أن يوجَّه الشكر للمسيح عبر منصة علمانية، ويشكره علماني ينظر إليه بشكل محايد كرجل مؤثر في حركة التاريخ، قاد أول ثورة دينية على مفهوم الدين المسيّس، الذي ارتبط بطوطم القبيلة منذ بداياته، وجعله المسيح لأول مرة في تاريخ الادبيات الابراهيمية المسيّسة أمراً خاصاً بقلب الانسان وخلاصاً لهواجسه من فكرة العدم، وهي أصل ظهور التفكير في الماورائيات.
ناداك الناس "يا معلّم" لأنهم أدركوا بفطرتهم أنك صاحب ثورة دينية، لم يأت ليبيع أوهاما للناس عن إله حقيقي إكتشفه ويريد تسويقه للناس والاستفادة من عملية التسويق، فالله معروف منذ دهور عند الناس الذين يتصوره من خلال بيئتهم وعقلياتهم المختلفة ويستحيل أن يتفق الجميع على صورة واحدة له.
شكراً لك أيها المسيح لأنك جعلت الصلاة أمراً خاصاً أيضا بقلب الانسان، بل أنك ذهبت إلى جوهرها وقلت: إذا كان أحدكم في طريقه للصلاة وتذكّر أن عليه واجب لأخيه الإنسان، عليه أن يتوجه فوراً ويوفي ما عليه لأن الله ليس بحاجة لطقوسه.
شكراً لك أيها المسيح لأنك لم توصِ بامتلاك أراض أو تأمر بحروب من أجل توسيع أملاكك السياسية. وجهّت ثورتك الدينية إلى قلب الانسان، والسماء المكان المرجو، ولم تدع للإنتقام ممن يتركك أو لا يؤمن بأفكارك، وذكرت في تطويباتك صنّاع السلام وجعلتهم أبناء الله.
شكراً لك أيها المسيح لأنك في ثورتك الدينية لم تترك نصاً جامداً، رغم أنك "كلمة الله"، يتخبط أتباعك في تصنيفه؛ هل هو نص تاريخي تؤخذ العِبر منه، أو نص صالح شامل لكل زمان ومكان، يصطدم بسببه أتباعك مع حركة التاريخ ويعيقون تطوّر عقولهم، ما يدفعهم إلى أزمة وراء أزمة وتلفيقة وراء تلفيقة والخروج من المستقبل دائما.
شكراً لك أيها المسيح لأنك لم تجعل طريق الجنة يمر عبر إراقة دم الآخرين بحروب مقدسة تشترك فيها الملائكة ويتدخل الله فيها أحياناً لنصرة المؤمنين.
شكراً أيها المسيح لأنك لم تقل أن الأيمان بدعوتك معناه تكفير ومعاداة أي كيان سياسي لا يدين بها. هكذا انتمى المسيحيون منذ بدايتهم للإمبراطورية الرومانية والبيزنطية والساسانية والفارسية وغيرها، وانتموا بعد ذلك للدول المختلفة بدون أي مشاكل في الانتماء أو انفصام في الهوية أو معاناة تقية الانتماء المزدوج أو رهبة من ضياع كيانهم.
ليس غريباً أيها المسيح أن تنشأ من أتباعك أعظم فكرة عن الدولة بجعلها علمانية محايدة تنظر إلى جميع مواطنيها بشكل متساو، لأنك كنت شخصياً مواطناً صالحاً مهّد بدون أن يدري لعلمانية الدولة مستقبلا "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه"، رغم أنك لم تحمل مواطنة الإمبراطورية الرومانية.
ليس غريباً أيها المسيح أن تنشأ فكرة تقديس الحرية من أتباعك، فأنت حررتهم من الرعب من الله وزرعت فكرة محبته في قلوبهم بدلاً من الخوف منه.
أنت شخصياً كنت انساناً حراً ولم تتدخل في شؤون مريديك العامة وتسّن لهم أساليبك في الخاصة.
لم تزرع في نفوس أتباعك عقيدة عدم وجود قيمة لهم بعيداً عنك، فكانت النتيجة أن كل ما كتبه أتباعك لم يكن مجرد هوامش وتفسيرات وتبريرات لنصك الجامد وما قلته شفاهة، بما في ذلك علومهم ومعارفهم وحتى قصصهم وأشعارهم، فكان طبيعياً أن تضيف ثقافاتهم وحركة التاريخ روحا جديدة وفهما متجدداً لما تركته من سيرة ذاتية، دونها غيرك كلٌ حسب إيمانه الشخصي ورؤيته وما فهمه منك ومن رسالتك.
شكراً أيها المسيح لأن تعاليمك تزرع السلم الأهلي والطمأنينة النفسانية وتوحي للإنسان بالسمو في مواجهة الشر.
شكراً أيها المسيح لأنك لم تحمل أسلحة. فسروا ذلك بأنك كنت مستضعفاً. أغفل المفسرون أن كثيراً من مستضعفي الدنيا وحتى حثالتها حملوا سلاحا وصاروا ثواراً أو زعماءً أو متمردين بعدما تعاظم حولهم المستضعفين والمرتزقة والمستفيدين.
شكراً أيها المسيح لأنك أكلت كل الأطعمة وشربت الخمرة، وقلت أن ما يُدنّس الانسان هو الشر الذي يخرج من عقله وليس ما يدخل معدته، فكنت صاحب ثورة على الادبيات الإبراهيمية كافة التي تعادي بشكل مثير للسخرية بعض الأطعمة والحيوانات والحشرات، وهذه المعادة تدخل في صميم عقائد ايمانهم ومن شروط دخول للجنة.
شكراً أيها المسيح لأنك حملت رسالة بسيطة هي المحبة والإنسانية والنخوة للمساعدة، وتركت الناس تتفرغ لشؤونها وحياتها ولم تجندهم وتسخرّهم لنفسك وربك الذي اكتشفته، فكنت "محب البشر" كما أطلقوا عليك، وأصبحت من أرقى ثوار التاريخ في مفهوم الدين والعبادة والصلاة، وأفضل شخصية في الأدبيات الإبراهيمية.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقف سياسي أم خلفية دينية؟
- فخامة الرئيس الدستوري اللبناني (2)
- الليبرالية المطلوبة من البابا فرنسيس
- خلية ثانية في منظومة الشيزوفرانيا
- خلية في منظومة الشيزوفرانيا
- فخامة الرئيس الدستوري اللبناني
- رفيق الحريري راح ضحية جريمة شرف!
- الضحك دواء بدون أعراض جانبية
- أخي الإنسان: أنت أهم عندي مما لا أراه
- إسلام القرآن وإسلام العصر الأموي
- رواية إحداثيات خطوط الكف
- سلامة المجتمعات من الانهيار
- رسالة إلى الرئيس ترمب
- الناجحون في الفشل
- الشك في بقاء المسيحية حيّة في الشرق الاوسط
- -مدرسة المشاغبين- ثمرة عصر الارتجال
- صندوق الاسلام وصندوق الانسان
- -غَزَل البنات- أيقونة مصر والمتمصرين
- قبل تحوّل أوروبا لعشوائيات إرهابية
- أيهما كان الأسبق: عبد الناصر أم الخوميني؟


المزيد.....




- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عادل صوما - شكراً يا يسوع المسيح