أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد زناز - هل التشاؤم مهنة الفيلسوف؟














المزيد.....

هل التشاؤم مهنة الفيلسوف؟


حميد زناز

الحوار المتمدن-العدد: 6750 - 2020 / 12 / 2 - 17:39
المحور: الادب والفن
    


وهي تحدق في صورة أرتور شوبنهاور الشهيرة التي يظهر فيها الفيلسوف بذلك الوجه المكفهر العبوس، قالت ابنتي: هل ينبغي أن يكون المفكر متشائما ليكون فيلسوفا؟ وبالمناسبة، أضافت المراهقة ضاحكة شبه مرتابة، وهل يوجد فلاسفة متفائلون أصلا؟

ولئن كان السؤال طريفا لأول وهلة، فهو سؤال في العمق إذ بوسعنا أن نروي على ضوئه وانطلاقا من محاولة الإجابة عنه تاريخ الفلسفة برمته. لنذكر من المتفائلين الكثيرين أكثرهم شهرة: الألماني كارل ماركس والفرنسي أوغست كونت واللذان تولى التاريخ دحض تفاؤلهما ولو أن التاريخ لا يزال طويلا ولم ينته بعد كما اعتقد فيلسوف متفائل آخر معاصر، الأميركي، ياباني الأصل فرنسيس فوكوياما.

لقد طور كارل ماركس وأوغست كونت خلال القرن التاسع عشر رؤيتين متفائلتين كبيرتين مفادهما أن التاريخ والعلم سيخلصان ويحرران الإنسان من وضعه المأساوي وشقائه بعد مدة قد لا تكون طويلة. ولكن جاء القرن العشرين لينسف على الأقل التجارب التي بنيت على قراءة معينة في فهم الفيلسوفين الكبيرين وخيبت آمال العلمويين والحالمين بغد عادل خال من الطبقات ومن التراكم الخرافي.

في مقابل الفشل الذريع للتجربة الشيوعية كما انتهجها الروس ومن أجبروا على محاكاتهم وأمل العلموية الذي ضاع بين التصورات العلمية الجديدة كان لا بد أن يعود البعض إلى أفكار الريبة المتشائمة وفكر العبث وخاصة بعد أهوال الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار أخلاقي. فهل وعي التجربة ملازم للتشاؤم وعدمه للتفاؤل؟ بكلمات أخرى هل العقلانية توصل حتما إلى رؤية سوداوية واللاعقلانية إلى رؤية للوجود وردية؟

عودت الديانات التوحيدية البشر التعلق بعالم غيبي صُوّر لهم على أنه أفضل من العالم الذي يعيشون فيه، فالدين عموما تعزية ومواساة بينما ليس للفلسفة من طموح سوى التفكير في ما هو كائن بكل ما يحمل من عنف وظلم وشر ومن هنا يبدو الفلاسفة لأغلبية الناس كأنهم أقرب إلى التشاؤم بل يظهرون وكأنهم متواطئون ضد الفرح والأمل أحيانا. ومرد ذلك أن الناس غير متعوّدين على النظر إلى الواقع كما هو لأن الديانات قد زرعت في أذهانهم أوهاما كثيرة عن طبيعة واقعهم و’ما بعد واقعهم’ خصوصا.

ومن الطبيعي جدا أن يكون الفيلسوف حاملا همّ الوجود لأن وجوده في العالم يطرح عليه ألف سؤال وسؤال ولو لا إشكالية الوجود لما وجدت الفلسفة أصلا. ولأن الغيب صامت والحياة معقدة وتزداد تعقيدا كل يوم يغدو معنى الوجود ذاته غامضا، ويخوض الإنسان تجربة الفلسفة ويبدأ في التساؤل عن جدوى حياته وليس من الغريب إذن أن تحمل الفلسفة جرح ذلك الهم الذي أوجدها. ولكن لا يعني أن ذلك الانشغال بالمعنى والمصير ولا ذلك الجلاء الذهني ولا ذلك القلق هي بالضرورة تشاؤم.

ولكن هذا لا يعني السقوط في ما أطلق عليه المفكر الفرنسي باسكال بروكنر “الابتهاج الدائم” في كتاب أصدره منذ سنوات تحت هذا العنوان نقد فيه نقدا لاذعا أيديولوجية الفرح المفروض اليوم كواجب في المجتمعات الغربية. وهو ما ذهب إليه منذ أشهر مواطنه الفيلسوف روجي بول دروا في مؤلف لا يقل أهمية وعمقا هو “الفلسفة لا توصل حتما إلى السعادة.. وهذا أفضل”، شن فيه حربا ضروسا على أنبياء السعادة الجدد ومروجي الغبطة والسرور.

وحتى وإن كانت حقيقة الوضع الإنساني محزنة وتراجيديا الوجود مرعبة بعد “موت الإله” وانتفاء معه إمكانيات العزاء الكلاسيكية، فربما تبقى الفلسفة هي الطريق الوحيد الذي نتعلم ونحن نسلكه أن نحب الحياة مع وعينا بأنها منتهية وأننا سنموت يوما.

وعموما ليس للإنسان خيار آخر غير ذلك، فالاستمرار في العيش كالابتهاج برحلة نقوم بها مع علمنا المسبق بأنها ستنتهي حتما. تشاؤم الذكاء وتفاؤل الإرادة كما كان يقول الفيلسوف أنطونيو غرامشي.



#حميد_زناز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائريون يبحثون عن رئيسهم
- المثقفون ليسوا ملائكة
- إسلاميو الغرب.. جهاد حربي وسياسي وقضائي
- الجزائرية روح ثورة الابتسامة
- الطفل العربي ضحية تديّن الكبار !
- هل ولّى عهد اليسار واليمين؟
- مثقفون ولكن أصوليون
- كيف صار اليسار الغربي حليفا للإسلاميين؟
- الوجود قاعة انتظار!
- ماذا يحدث بين فرنسا العلمانية و الاممية الاسلاموية؟
- يوفال نوح هراري او كيف يصنع المفكرون في الغرب؟
- الى متى تبقى الفلسفة غربية؟
- الحرية لا تحل في إطار الدين
- في المنفى تحرّرت من الجاذبية الثقافية المحلية
- -خيار الشعب- أكذوبة الإسلاميين الجزائريين
- كيف عكّر الاسلاميون صفو ثورة الابتسامة في الجزائر؟
- هل يُضطهد المسلمون في فرنسا؟
- مرحبا أيتها الطوباوية المضادة !
- دونالد ترامب او الطوفان؟
- تشرفتُ برحيلك : رواية جزائرية تكشف عن وجه الاصولية الحقيقي


المزيد.....




- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...
- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد زناز - هل التشاؤم مهنة الفيلسوف؟