رزكار نوري شاويس
كاتب
(Rizgar Nuri Shawais)
الحوار المتمدن-العدد: 6744 - 2020 / 11 / 26 - 04:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
العراق .. هذا البلد الذي تأسس ( في أجواء سياسات فرق تسد) بإرادة و عقلية الأحتلال الأجنبي و وفق مصالحه و أطماعه ، بقي من اللحظة الأولى لقيامه كدولة و الى يومنا هذا يعاني من الكثير من الشروخ و التصدعات في تكوين و بنيان مجتمعه الاثني و المذهبي المعقد. و برغم أنّ هذا البلد مرّ بالكثير من التغيرات و المنعطفات عبر تعاقب العديد من أنظمة الحكم على حكمه ، لم تتمكن أي منها ( بل لم تحاول بجدية و إخلاص وطني ) معالجة حالة التصدع المزمنة في بنية الدولة و مجتمعها . فهذه الحكومات بممارساتها و قوانينها الجائرة المنحازة لمذهب و قومية الحكام السائدة ، تسببت في إتساع الشروخ و الفجوات بين أطيافها القومية و المذهبية و بالتالي تداعي روح المواطنة و الانتماء لوطن مشترك لدى الأطياف المعرضة باستمرار للقهر و الاستبداد القومي و المذهبي .
ومع استمرار هذه السياسات العنصرية المنحازة و ترسيخها كمناهج و ايديولوجيات من قبل الحكام ، تحولت الى ثقافة و تراث حكم و ادارة دولة يتوارثها الخلف الجديد من السلف البائد من الحكومات .
و الكورد( القومية الرئيسية الثانية في نسيج المجتمع العراقي ) بأصالة منبتهم التأريخي و الجغرافي في بلاد الرافدين ، عانوا شديد المعاناة من أصناف منوعة من سياسات القهرالقومي و الأضطهاد العنصري في ظل غالبية الحكومات العراقية ( إن لم نقل جميعها) التي استحوذت على الحكم و على الأغلب على ظهور الدبابات .. فالتأريخ السياسي و الأجتماعي للعلاقة بين الكورد و الحكومات العراقية بكل تفاصيلها و وقائعها تؤكد على انه لا مبالغة و لا افتراء في هذا القول . و من الطبيعي جدا و كحق أساسي من حقوق الأنسان في الحياة أن يقف الأنسان أيا كان بالضد من من كل أشكال الظلم و الضغوط الجائرة الممنهجة التي يتعرض لها باستمرار ، و إنّ لجوء الكورد ( إضطرارا ) لأي رد فعل حتى لو كان عنيفا جاء دائما بمستوى ضغوطات الظلم عليه و من مواقف الدفاع عن وجوده و حقوقه كأنسان في هذه الحياة ، فمن حق كل انسان ان يدافع عن حقوقه بكل ماهو متاح له من سبل ..
لقد كان شعار ( الأخوة العربية الكوردية ) مطلبا حقيقيا لكافة القوى الوطنية التقدمية المتنورة في العراق ، و أمام هذا الموقف الوطني ( و كمرحلة لتعزيز و تثبيت سلطتها و سلطانها ) رفع كل نظام حكم جديد هذا الشعار (إفتراءً) ، فطبّلت و زمرّت له بحماس عبر وسائل إعلامها ، وفي الخفاء ومن وراء كواليس و دهاليز سياساتها الغاشمة و المعتمة كانت تخطط و تحضر للمزيد من القمع و الأضطهاد بحق الكورد و القوى الوطنية العراقية و ضرب و اجهاض مطلب و مشروع التأخي القومي العربي الكوردي .. حكومات تتابعت و منها تلك التي ادرجت في دستورها فعلا مبدأ الشراكة الوطنية الكوردية العربية في الوطن العراقي ، لكنها تحولت لواجهة براقة مخادعة خبئت ورائها الكثير من الخروقات البشعة لهذا المبدأ ، ليبقى مجرد شعارا بلا تفعيل و روح ، شعار يتجمل به النظام و هو مجرد حبر على ورق في دستور مؤقت قابل للتعديل بل و حتى الألغاء وفق مزاج الفئة الحاكمة أو بإرادة أية سلطة انقلابية جديدة . و هذا ما آل اليه حال دستور جمهورية (14 تموز ) المؤقت ، بل ان انقلاب السلطة الحاكمة انذاك سياسيا ثم عسكريا (سنة 1961) على هذا المبدأ و من بعدها حكومات الانقلابات التي تلتها ، اتخذ اتجاها عنيفا دمويا و بفهم فاشي عنصري ، فتعرضت كوردستان العراقية لأشرس الحملات العسكرية و اقبح و أخس المؤامرات الخبيثة لتبلغ في عهد الحكم الصدامي الاجرامي الى حملات ابادة جماعية لمواطني كوردستان بالاسلحة الكيمياوية وترحيلهم قسرا و كأسرى حرب من مناطق عيشهم و سكناهم الى صحاري الجنوب العراقي النائية لقتلهم هناك( كبارا و صغارا ، و ذكورا و اناثا ) رميا بالرصاص و دفنهم في قبور جماعية ، فقط لأنهم كانوا كوردا .
نعم ، فكل نظام أمسك بزمام البلد لم يرفع في بدايات توليه السلطة شعار الأخوة العربية الكوردية إيمانا به كمبدأ شراكة وطنية عادلة و كعقيدة و منهاج لبناء و تعزيز وحدة صف ابناء الشعوب العراقية و مذاهبها كلبنة الاساس لدولة متماسكة .. بل استخدمت الشعار كتكتيك مرحلي لحين استتباب امورها و اشتداد قبضتها على الحكم و من ثم الأنقلاب على جوهر هذا المبدأ بكل صلافة و شراسة و لتكشف كسابقاتها من انظمة الحكم العراقية عن خلقها الفاشستي العنصري و بأبشع صور القمع و الأستبداد التي تفضح حقيقة تكوينها اللاحضاري المتخلف كمؤسسة حكم همها الاوحد الاحتفاظ بالسلطة و ليس بناء مجتمع يتعايش بانسجام في بلد مزدهر يسع الجميع .. حكومات لم تدخر جهدا في بث و تربية روح العداء و التفرقة بين اقوام و طوائف البلاد ..!
أن قرار البرلمان العراقي يوم (14تشرين الثاني 2020) بحجب و عدم صرف رواتب كافة الموظفين في اقليم كوردستان – العراق ، يأتي كنسخة مكررة من نفس الأجراء الذي اتخذه حكم صدام الدكتاتوري بحق شعب كوردستان من سنة 1991 و لغاية سقوط نظامه سنة 2003 ، قرار البرلمان العراقي هذا يذكرنا ايضا بكل الاجرائات التعسفية العنصرية التي مارستها الحكومات العراقية ضد المواطنين الكورد في البلاد ، هو قرار تعسفي و عنصري النزعة ، لا يمكن ادراج طبيعته و صنفه الا في قائمة الضغوط العدائية المستمرة ضد اقليم كوردستان و كافة المواطنين فيه من الكورد و غيرهم من ابناء القوميات المتعايشة في الأقليم .. إجراء شوفيني بحت ، يضاف كحلقة اخرى في سلسلة الضغوطات و اجرائات الحرب النفسية و الأقتصادية المعاشية ضد كوردستان العراق و شعبها بتحريك و أوامر من جهات تملك سلطان التأثير على قرارات بغداد .
لا أقول أن هذا القرار البرلماني العراقي يبعث على السخرية ( البرلمان الذي يرفض تشكيلته الطائفية الغالبية العظمى من ابناء العراق) لكنه بكل تأكيد يثير الأستغراب كونه يعد اهانة لبرلمان المفروض فيه و المطلوب منه ان يكون ديمقراطيا عادلا بقراراته و تشريعاته التي يجب ان تصب لصالح المجتمع بكل اطيافه ، لكن قرار عدم صرف رواتب الموظفين في اقليم كورستان لا يمكن تبريره و وصفه بأكثر من اجراء شوفيني مرّر بأستغلال و استغفال سلطة ديمقراطية .
هذا القرار لم يأت اعتباطا ، بل له جذور عميقة تتوغل عبر كل تأريخ ثقافة الحكم ومن بيده السلطة في العراق .. أجراء لا ديمقراطي ، سياسي متعصب و عنصري و استثمار قوة الأكثرية لسلب حقوق الأقلية ، اجراء متخلف طائفي النزعة تبناه تكتل برلماني مشبوه بارتباطاته و ولائه لغير العراق و أبناء العراق .. قرار ليس سوى طبخة فاسدة و مفسدة لضرب الوحدة الوطنية العراقية ، هُرِبّتْ وصفتها الخبيثة من وراء الحدود. فأين اذن تكمن المصلحة الوطنية العراقية من هكذا قرارات تصدر بإيعازات من غير أهل العراق ؟!!
هذا الاجحاف و التفريق في حقوق و استحقاقات المواطنين حسب انتمائاتهم القومية و المذهبية ، لا يخدم بأي شكل من الأشكال متانة و تماسك بنيان التعايش و التأخي في وطن مشترك و الذي لبنته العدالة و المساواة في الحقوق و الواجبات و عدم تسلط و استبداد ما يعرف بالمذهب و القومية السائدة و تنمرها على الاقليات و حجب حقوقهم و استلابها .
إن حق الموظف في راتبه استحقاق قانوني لا يجوز المس به الا في حالات فردية جنائية محددة ، لكن قرار قطع رواتب كافة الموظفين في اقليم كوردستان لا يمكن وصفه الا بالقرار العدائي و ( القمع الجماعي ) لآلاف الموظفين و الموظفات و اسرهم الذين تعد رواتبهم مصدر رزقهم و عيشهم ..
و هكذا و في مواجهة مثل هذه المواقف الحاقدة الشاذة و القرارات المستبدة ، لا يمكن وصف احوال العراق الا بالمتدهورة وانها ليست بخير ، و في هكذا أجواء مشوبة بالكراهية والحذر و انعدام الثقة و التآمر و التلاعب بقيم الديمقراطية و اصول التعامل معها ، لا يمكن ( ان لم يكن من المستحيل ) بناء علاقات شراكة و اخوة عادلة و حقيقية بين كافة اطياف المجتمع العراقي ، فمثل هذه السلوكيات الحاقدة ستزيد و تزيد من امتداد و اتساع الشروخ و التصدعات في بنيان العراق دولة و شعبا ..
(22 تشرين الثاني 2020)
#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)
Rizgar_Nuri_Shawais#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟