أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الشيخ إياد الركابي - الموت .. وفلسفة الموت















المزيد.....

الموت .. وفلسفة الموت


الشيخ إياد الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 6741 - 2020 / 11 / 23 - 20:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في  هذا  البحث   يلزم  التفريق   بين   الموت   وبين  فلسفة  الموت ،  وذلك   التفريق  هو إجرائي  وإحترازي  من جهة  الموضوع  ، و لما  لذلك  من أهمية  للتعريف والتعرف  على  ماهو  طبيعي   و ماهو فلسفي    ،  ولأنه  كذلك  فالموضوع   يحتاج  للمزيد   من  الحرص  والكياسة  والحيطة   والحذر   ،   ذلك  إن كثيراً   من  هذه  الموضوعات  و البحوث  إفتراضية  ويغلب عليها الجانب  الظني الإحتمالي  ، ولهذا قد ترجح  هذا الطرف  على  ذاك  معتمدة على ما هو غالب لديها   ،   ومن جهتنا  نحن  : -  سنعمل  وفق آلية  نرجوا  أن نجد  فيها  الموازنة  ما أستطعنا  إلى ذلك  سبيلا  ،   وهدفنا من هذا كله تلمس الحقيقة ونشدانها  والإحاطة بهذا الموضوع الشائك الجدلي      
   ونقول  :   يندرج  هذا   الموضوع   من الناحية الفعلية ضمن قوانين  الوجود  والعدم       ،   و أما  من الناحية الفلسفية  فيخضع لمبادئ العلة  والمعلول  وقوانينهما    ،  وقد أورد   الكتاب المجيد  ذلك   في هذا الإطار العام   ،  حين  جعل من   الموت   مادة  مخلوقة     خاضعة لقوانين   العلة والمعلول  كما   هي  الحياة     ،  وهذا يكون بإعتبارهما  من  الوجودات   الموضوعية    التي  خلقت   لسبب  ما   ودلت   على معنى  ما   .
    قال  تعالى  :  -(  الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن  عملا   )  -  الملك  2     ،   يبادرنا  هذا النص  في الجواب  عن علة الخلق وسببه   ،  طارحاً الموضوع   ضمن   جدلية  البلاء  وحسن  العمل        ،   وهذا الطرح   الميكانيكي   هو  إدخال في التجربة  من غير إرادة     ،  فالإستدراك  بالتعليل    في  صيغة   الإستفهام     -     أيكم  أحسن عملا -   ،   قيل  في شأنه  جملة  أقوال    منها  :
أولاً   :   أن  يكون   معنى  الإبتلاء  هو  في  إختيار  ( أحسن العمل )   مع وجود  ما يناقضه            .
وثانياً    :  أن يكون  معنى   الإبتلاء   متعلق  في أصل  التجربة وفي طبيعتها وفي كيفيتها  وفي  - تحديد نوع العمل  -         .
يؤكد  هذا   :   إنه   قدم  الموت  على الحياة   في الخلق   ،   ليكون  ذلك   التقديم   بمثابة   الضاغط  النفسي   ليدفع  بإتجاه    أحسن العمل   ،   بدلالة   أنه   قد  جعل   من  الموت  هو  الدليل الدال   على صحة التجربة   ،  وخالف في ذلك  أخرين بقولهم    :   -  إنما    المُراد   من   ذلك  التقديم   للأهميته   ولتوجيه الأنظار  للعناية  بما يكون عليه  الحال في   -  عالم الغيب والشهادة  -  ،    بإعتباره  المحطة التي ينتهي   إليها  المرء وعمله    .
   قال تعالى  :  - (   إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم  ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة   ...)  -  الجمعة 8   ،   ينقسم  الفعل  في  هذا   النص   إلى قسمين   :
الأول   :   هو  الفرار من  الموت   ،  والفرار  من  فعل  -   فر يفر  فراراً  -   ،  وقد  جاء وصفاً  للحال  على نحو الإستعارة من شدة الخوف  من المجهول  (  أي  إنكم  تفرون  من  الموت بإعتباره  مجهولاً  أو غيباً    )   ،  والفرار صفة  موصولة  تدل على الهروب  على نحو دائريا  وليس مستقيماً   ،   أي الهروب مع المراوغة  وذلك يكون   مع  الخوف والقلق وعدم الإستقرار والإطمئنان   ،   والنص  أعترف   بان  الهروب  وعلى  أي  نحو  كان   لا ينجي  من الموت  .
والثاني  :  مفهوم ومعنى الموت الذي تفرون منه ،     على نحو الحقيقة المطلقة  إمضاءاً وتقريراً   قال        -  فإنه  ملاقيكم  -  ،  والأصل فيه  من الفعل  الرباعي  -  لقاء -  ،   والذي يكون بمعنى  الجمع أو الإجتماع ومنه المُلاقاة   ،   وجملة -  فإنه ملاقيكم  -  وردت في مقام  البيان  لتأكيد   اللقاء  ،  وذلك يكون  بضميمة  وجود الشرط   المقرون   مع   الفاء     ،  و يكون  معناه  : -  إن  الموت  الذي تفرون منه   فإنه  ملاقيكم   -   حتماً  وطبيعةً  ،  وبأنه  حاصل  على كل  حال    ،  قيل  :  والجملة  وردت   على نحو   المبالغة في تأكيد الفعل    .
   قال  تعالى :  -(  يدرككم  الموت ولو كنتم  في  بروج مشيدة )  - النساء 78   -  ،     فعل  -  يدرككم   -   هو  من  الإدراك -  ومعناه  اللحوق  أو البلوغ أو  النيل    ،   وهو في  الجملة  ورد  في سياق  التمكن  على كل نحو  ،    وضمير الجمع  فيه   يعود على الموت    ،  أي  إن الموت يلحق بكم   ولو  تحصنتم  ببروج  محكمة  البناء  ،  وهذه إشارة  على أن  التحصن من الموت  لا يمنعه  ومهما كانت  الحصون والموانع   ،   لأن  الموت  واقع بهم على كل حال   ،  ولا يصح  التخفي خشية الموت أو الفرار منه والهروب  ،  فالتخفي  على هذا النحو  مظنة باطلة     
     
 
.....
 
 
قال تعالى :  -  (  كل نفس  ذائقة  الموت  )  -  آل عمران  185   ،   هذا  النص  وبهذه   الصيغة   هو  تقرير  وإمضاء   بأن  كل  نفس  حية  ستموت  أو تذوق  الموت      ،   والموت  في  لسان  العرب هو نقيض للحياة    ،  وهو  في الإصطلاح    :  -   مفارقة   الروح  للبدن  -    ،   ولكن  هذا المعنى الإصطلاحي   لم يُشر  إليه  الكتاب المجيد      بل   ذكر شيئاً  أخر ،  بقوله  : -  إنما   الموت   ما يقع على النفس  -   ،  وليس ما يقع على الروح    !!  ،  و الموت  هو  صفة  للشيء  أي ما يقع  على ذلك  الشيء  ، أي إنه صفة للفعل الذي يقع  على البدن       ، والصفة  والفعل   إنما  تعبران هنا  عن الموت بإعتباره  حتمية طبيعية  ملازمة   لكل  نفس  حية  .
   ولكن  ماذا يعني قوله     -   كل نفس   ذائقة  الموت   -   ؟     ،  والجواب  :    إن  حرف   الجمع  -   كل  -    ليس  فيه   دلالة  على الإستثناء  بل هي شاملة للجمع  والجميع     ،  فيقع  في دائرة ذلك  الحرف كل فرد حي  و كل جماعة حية     ،   وإضافة   -  نفس  -   المُنكرة  لهذا   دليل  على ما نحن بصدده    .
  فالنفس  :    بحسب التعريف العلمي لها    تعني   (     الدم أو دم القلب    )     ،   والنص  حين يقول   -  كل نفس  ذائقة  الموت   -    فهو يعني  :  -  إن الموت   يقع  على هذا الدم  الذي هو  النفس ،   أي إن  الموت   يقع على   البدن  والجسد  وليس   على  الروح    -       ،  والذي يتذوق  الموت إنما   هو  البدن  ،  وقد أستخدم لفظ النفس مجازاً أو وصفاً  وكناية   عن البدن     .
  و على هذا  الإعتبار   : -  فالموت  إنما  يقع  على كل   حي  مادي  ذي نفس    -      ،  والنفس  بحسب التعريف العلمي  لها عبارة عن   مادة      ،   إذن  فالموت   إنما  يقع على هذه المادة    أو  (  هي من تتذوقه  )     ،  لذلك  أخبرنا النص بان النفس  أو كل نفس    -  ذائقة  الموت   -  أخبار  عن طبيعة الموت  وماهيته    ،     وذائقة  من  فعل   -  ذاق  يذوق  ذوقاً    فهي ذائقة   -   ،  مما   يوحي  لنا   بأن  طبيعة  المذاق يتعلق بطبيعة حال المتذوق   ،  فتذوق  الطعام  مثلاً   يبين   ماهيته  وصلاحيته   !!    ،    كذلك يكون  طعم  الموت   بالنسبة للنفس الميتة   دالُ على  طبيعة الميت  وما كان عليه في الحياة  الدنيا    ،   ثم   ما  يؤول إليه  وينتهي   من سعادة أو شقاء  وجنة أو نار     ،  وقيل  في الفلسفة   :   إن  ماهية  كل  شيء تكون  من  جنسه  و من طبيعته    ،  إن كان حسناً فحسنا  وإن كان سيئاً فسيئا .
ونعود   لبيان  التعريف   المتقدم   و القائل  بأن  الموت  :    -  هو مفارقة   الروح    للبدن    -   ،   قد يُفهم منه لأول   وهلة  إنه على النقيض   لما  ورد  في   النص  المتقدم    ،   وبان الموت إنما يقع على النفس   ،  وبما  إن الكتاب  لم يأت على ذكر  الروح  ولم يقل إنها   هي من يقع عليها الموت  !!    ،  وإذا لم يكن   من تناقض في البين  :
فهل   الروح   هي   النفس     ؟  ،  أم إنهما  طبيعتان  وماهيتان  مختلفتان   ؟   ،    فالروح   بحسب  الوصف القرآني  جاءت  على هذا  النحو    ،  قال    : - (   يسألونك عن الروح  قل الروح من أمر ربي  )  -  الإسراء 85   ،  ولم  يبين  لنا   جدل   ( مقول القول  والقول  )  وهل إنهما من جهة  المفهوم واحد أو واحدة    ؟    ،   فالنص في سورة الإسراء  لم  ينف العلم   بالروح  ،   ولم يقل إنها غير معلومة أو إنها من الغيب   ،    بل قال  هي   : - من أمر ربي    -   ،  وإذا أستدرجنا   مفهوم ومعنى  -  أمر  ربي  -   ، فإن ذلك الإستدراج    يحيلنا  إلى موضوعة  العوالم  والتي منها  ( عالم  الأمر )     ،   وعالم الأمر  في الكتاب المجيد  هو  عالم مادي     ،   وهذا  يعني   إن  (  الروح  )  وبإعتبارها   من هذا العالم   فيجب ان تكون    مادة   كذلك   ،   وقد  عبر الكتاب المجيد  في مواضع  كثيرة  عن الروح  بإعتبارها     (  نفخة )   أو هي كذلك  ،   والتي بها   ومن خلالها   تتحرك  المادة  وتدور   ،    [  فتكون النفخة  المُشار إليها   بمثابة  الطاقة   التي بها   تتحرك النفس ]     ،  وحين نصف الروح   بالطاقة التي تتحرك بها النفس ،  فهذا يلزمنا للقول  بكونها  مادة  أو هكذا يقول  علماء الفيزياء  : -  (  إن  كل طاقة هي مادة  )   -  . 
فيكون  قوله  تعالى : - (  فنفخنا فيه من روحنا )  - التحريم 12 .
وكذلك  قوله  تعالى : - (  فنفخنا  فيها من روحنا ) – الأنبياء  91 .
   إنما يعبر  عن  ذلك الذي أشرنا إليه   ،   وبسبب هذا الإيضاح   لا يصح  جعل  النفس  منفصلة  من جهة الحيوية عن الروح     ،  بل العلاقة  بينهما  علاقة تبادلية   ،  فالروح   لا  تكون   فاعلة  إلاَّ  في النفس  ،  والنفس لا تكون منفعلة إلاَّ بالروح    .
   ولكن ما معنى  ذلك  التعريف الذي مر بنا   للنفس والقائل   إنها   : -   الدم أو دم القلب  -  ؟     ،   والجواب يكون    :   إن النفس بصيغتها  العامة  إنما  تمثل  كل هذا البدن بأجهزته  وأعضاءه   ،   والدم  هو هذا   الشيء المادي الذي يحمل جميع المورثات والجينات   التي  تكون   في البدن    ،   والذي  يُحرك  هذا  الدم في  البدن  أو له القدرة على ذلك   هي الروح بإعتبارها  الطاقة  أو النفخة التي يتحرك  بها  البدن            .
   وذهب نفر  من أهل الظاهر  للقول :  بان  المراد    من  النفس  ليس  ماهيتها   بل نوعيتها   ،  وهم يعنون  بذلك  ( النوع  )  من  الكائن الحي  و  الذي  يقع عليه الموت  ،  وفي  ذلك  هم   يشيرون  إلى أن  النفس بهذا السياق  تعني  النوع العددي  والكمي    في مقابل  النوع   الفلسفي  المتقدم   ،   ويفهم  هذا  عندهم  في صيغة  المُشار   والمُشار  إليه   ،  بحيث  تعني  عبارة  ( كل  نفس )   كل  كائن  حي   مفرد  ،   وهذا النوع من الوصف  هو الذي  يقع عليه  الموت   ،  وبذلك  هم  لا يميزون  بين  ماهية  الروح  وطبيعتها   وبين  ماهية  النفس  وطبيعتها   بإعتبارهما جنس لنوع واحد         ،   فالموت  الذي  يقع على النفس   يقع  كذلك على الروح من هذه الوجهة       .
  وأستخدم   بعض  العلماء    :  -  كلمة  (  نفس  )  في   مواضع  معينة   قالوا إنها  تصح  معها   و لا تصح  مع غيرها    -   ،  كذلك فعل    أهل الظاهر  حين عرفوا  النفس والروح   من غير تمييز     ، وعدم التمييز   بين الروح والنفس   لا يصح   أطلاقاً  وليس مطلقاً    ،    بمعنى    :  -  إن  ما يقع   عليه الموت   يصبح عدماً  ولا تصح في شأنه  القيامة والحياة مجدداً  -   ،  وهذا  ما  لا يصح  على الروح  إطلاقاً     ،   لأن الموت  لا يقع  عليها  أبداً         .
قال  نفرمن أهل الباطن     :  -  ان  الروح   تولد   من   ( عالم  الغيب )   وإليه  تعود   بعد الموت   -   ،   وقد أستدلوا على ذلك  من قوله تعالى     -   ثم تردون إلى  عالم  الغيب  -  الجمعة 8  ،   وصحح  هذا الإستدلال  أهل الكشف  على أساس   ماورد  عندهم   في بعض المأثور  من القول    :  -   كنا  أنواراً قبل  ان  تخلق السماوات والأرض -     .
   وفي الجملة يكون معنى   -  مفارقة الروح للبدن  -   فيه نفي وإثبات من وجه  ،  أي  نفي حياة النفس بعد الموت  وإثبات الحياة للروح  على نحو الشعور والتخيل   كالذي كان في الحياة  الدنيا  مع البدن  بعد الموت   من غير مادة   ،   وهذا  هو الإمكان  الحقيقي  عند  الشيخ الرئيس  ،  من جهة  ما يرآه المرء في أحلامه عند النوم   ،  فالرؤية  هذه   هو  شعور وإحساس  بالأشياء مجرد ،  وتكون على هيئة تخيل وتصور ليس إلاَّ   ،  هو أحساس  إيحائي  يتصوره المرء حقيقة  كما لو كان  في عالم الوجود والحياة المادية    ،  قال :   وما يرآه الرائي   في منامه هو عينه مايرآه الميت بعد موته  ،  على نحو يكون معه  -  كما  لو كان  موجودا  بالفعل في عالم الدنيا   -        .
ويؤكد  لنا علماء الأحياء الطبيعية    : -     بان  البدن  في الغالب  يتحول   إلى  تراب  بعد  الموت    -  ،   وإلى ذلك يُنسب  هذا  إلى  كلام  قديم  للإمام علي بن أبي طالب  ،  وهو ما  يعيدنا  للإستدراك التالي    :  -  وبإن  السعادة والشقاء   مفاهيم نسبية تصورية ،  ترمزان  لمعنى الجنة والنار  وعلى نحو ما  ،  و  كما  أشار  إلى ذلك    الكتاب المجيد    -    ،  وإذا  كان ذلك كذلك   فلا يصح  أبداً  إعتبارهما  وجودان  موضوعيان  ماديان     ،  وهذا  ما يفسر لنا رؤية  الشيخ الرئيس وما ذهب إليه   :   فالذي   يشعر به  المرء بعد  الموت  هو شعور روحي  لا جسدي     ،  أي   إن  عالم ما بعد الموت هو عالم روحي  بأمتياز   ،  ولذلك  جاءت التسمية منه تعالى منسجمة مع هذا المعنى  وليست  ببعيدة عنه   ،  وإلى هذا المعنى أشار  بعض أهل  الكلام   بقولهم : -  وإنما البعث للأرواح  لا للاجساد   يوم القيامة      -    ،   وإلى ذلك ذهب  بعض المفسرين للقول  بان     -  البعث  يكون  على الشيء  الموجود بالفعل  وليس  للشيء  الذي سيوجد  لاحقاً    -      ..

قال شيخنا  الأستاذ  أعلى الله مقامه    : -  إنما الموت هو  النوم العميق  المفارق -     ،  وعبارته  مشعرة  بان  ما يحصل  للنائم   في حال النوم  ،  من الهم والحزن والفرح والسعادة ،   يماثله  الموت  من جهة المقاربة الذهنية  ،  ولهذا قيل  :  وإنما قيامة المرء  فعند موته  تكون    ،  فالمشاعر والأحاسيس  تحصل للروح   لا للبدن      ،  وهذا لا يتعارض  مع   قوله  تعالى   : - (  كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) -  النساء 56   ،   أي  إن  المتعلق  بالعذاب هو الأداة  المؤدية إلى ذلك   ،  وبما إن  الجلد   هو  مركز  الأحاسيس  والشعور  ،  لذلك قال  :  إن الشعور  بالألم   سيستمر  بدليل  تبديل أداة الشعور   ،   وليس  المُراد  هو  الجلد  بما هو هو  ،   وإنما ذكره  النص  من باب تقريب المعنى إلى الذهن لا غير   ،   ووجاهة هذا الأستدلال   تؤكد  لنا   ما نحن بصدده من  القول  ببقاء الروح وإندثار البدن وفنائه   .
 
 
قال  تعالى  : -  (  يا أيتها النفس المطمئنة ،  أرجعي إلى ربك راضية مرضية )  -   الفجر 27  ،   حرف النداء   مع الوصف  مشعر  بأهمية  الموصوف  به  ،   وقد مر بنا  تعريف  النفس على نحو عام  فلا نعيد   ،  وإضافة الإطمئنان  إليها  هو من باب  التحقق  من  المعرفة واليقين  ،  ولا يكون  ذلك  متوفراً  للجميع   ،  بل هو للصفوة  من الذين  يتصفون بذلك   ،   وقيل  :  إنها  الكيان  العام  الذي شمله الخطاب  النبوي  والرسولي   ،  وهو  من تلقى  ذلك  فوعاه   كتعاليم ودروس ومعرفة من قبل الرب المعلم   ،  فوثق بها وعرفها وأطمئن  لها   ،  والظن الغالب  عندي  إن تلك  العلوم و المفاهيم  صعبة  المنال من جهة ،  ومصاديقها نادرة من بني البشر هذا إن أستثنينا   الأنبياء والرسل  والصديقين    ،   ومثالنا  يكون دائماً  الإمام علي الذي  قال    : -  والله لوكُشف ليَّ الغطاء ما أزددت يقينا -  ،  والقسم على المقسوم دليل المعرفة والإيمان  واليقين  ،  وهذا ما  لا يتطلب معه   رؤية الحقايق الغيبية لكي يؤمن بها أو يثق بصحتها  ،  وهذه  الفئة  من الناس  نادرة الوجود   ،  وهي عندها  يكون  كل شيء بالنسبة   واضحا معلوما  ،  وهذه المعرفة  عينها  وجدناها  ولكن بصيغة  مختلفة  لدى الإمام الحسين في   إني  : -  لا أرى الموت إلاَّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاَّ برما -  ،  هذه  هي الشخصية  الواثقة المطمئنة  العارفة   معنى  الحياة  و معنى الموت وما يصير إليه الواثقين بربهم      ،    وهذا النص  يجعلنا نتوقف ولا نستعجل  في إدراك  معناه  ومادته  التي عبر عنها    . 
 ونقول    :   هل يجوز  وصف كل مسلم  أو مؤمن  بهذا الوصف عند الموت ؟   .
والجواب  :  لا يجوز   مطلقاً   لجهة كون النص  قد  ورد في مقام بيان  الحقيقة المطلقة ،  والتي لا يصح معها المجاز أو الإستعارة    ،  والذي نرجحه  في هذا المقام  الأستئناس  باقوال أخر  من قبيل ، قوله  تعالى  : -  كل من عليها فان -  أو -  كل نفس ذائقة الموت  -  وأمثالهما  تلافياً  للحرج  في دقة الوصف والتعريف   ، وحسبنا  في هذا  الشأن  قوله تعالى   -  إنا لله وإنا إليه راجعون -  المجزيء  إنشاء الله  في كل  حال  ،  والدال على معناه مع الضرورة   ،   ولا يقع جوابنا  هذا  دفعا  للحرج  كما قد يتوهم  البعض من أهل العلم .
وخلاصة الكلام :
 قوله  تعالى :  -  (   ونفس  وما  سوآها  .  فألهمها  فجورها وتقوآها  )  -  الشمس  7 و 8   ،  ظاهر  النص  يوحي ويكأنه  جاء إلحاقاً  للنص المتقدم  ،  في وصف  النفس  وهنا  جاء الكلام  عن التسوية لا عن الخلق  ، والتسوية  فعل لا حق  جاء  في سياق موضوعة  التربية  والتعليم   ،  أي إن في مدرج  التربية  والتعليم  هناك ضبط وهناك فوضى ،  فالضبط يؤدي إلى التقوى والحصانة  والفوضى تؤدي إلى الفساد  والفجور  ،  ولا يتعلق الفعل  بالتكوين  إنما هو في بيان  منصات التشريع ولوازمه   ،  أي إن الإنسان وبعد أن يتعلم   أو يهتدي  لمعنى الصواب ومعنى الخطأ  ،  يتُرك ليتخذ  القرار بمفرده   ،  ليكون بذلك مسؤولاً عما أتخذه  من موقف أو حكم ،  ولا يصح إدخال موضوعة النص في باب ماهو كلامي من البحوث  .



#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهنئة بمناسبة فوز السيد جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأ ...
- بيان حول أحداث كربلاء في ليلة الأربعين
- في ظلال آية المحارب الحلقة الثانية
- في ظلال آية المُحارب ( الحلقة الأولى )
- قول في نجاسة الكفار والمشركين
- متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الرابعة
- متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الثالثة
- متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الثانية
- متلازمة الأمن والإقتصاد
- كورونا .. ونهاية العولمة
- كورونا ... ونهاية سلطة القانون
- في رثاء صديقنا وأخينا الدكتور محمد شحرور
- الأضحية
- كلمة في وداع الدكتور – الطيب التيزيني -
- رأينا في العدل ( الجزء الثاني )
- رأينا في العدل ( الجزء الأول )
- بيان بمناسبة يوم الجمعة الدامي
- الوصية .. والميراث
- الإمامة ثانياً
- الإمامة أولاً


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الشيخ إياد الركابي - الموت .. وفلسفة الموت