أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الشيخ إياد الركابي - في ظلال آية المحارب الحلقة الثانية















المزيد.....



في ظلال آية المحارب الحلقة الثانية


الشيخ إياد الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 6594 - 2020 / 6 / 15 - 01:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


 
 
 
ولازال  الكلام  عن مفهوم  -  الفساد في الأرض  -  ،  وفي سياقه  المتصل   نقول  :   يتحدث  المنطق  الأرسطي  عن  وجوب  التمييز    بين  الفعل  والأمر   به  ،  أي إن التمييز  يجري  في الحكم  كما يجري في  الموضوع    ، وبناءاً  على هذا   يمكننا القول  إنه   :  أبداً  لا  تصح   المساواة  بين  من  فعل الفساد  وبين من أمر به  ،  إذ  لكل منهما  حكمه  المعين  المستقل بذاته    ،  ويدفعنا  هذا  الإستنتاج  للإيمان  بأن موضوعة القتل المادي شيء  والقتل المعنوي شيئ  أخر      .
طبعاً  هذا يقودنا  للإعتراف  بصحة موضوعة       -  تحديد العناوين   -    ،  فالتحديد  سيسهل علينا   فهم وإدراك الأولويات   ،  وكذلك  يسهل علينا  طرق  المعرفة   ،   ويسهل علينا   معرفة  المواقف  الصحيحة من  الأحكام  في  الأشياء والقضايا  ،  وفي هذا الصدد  تذكرنا الأحداث  والتاريخ  بنمط  من الحكام   المستبدين والدكتاتورين  الذين فاقت  جرائمهم  حدود الوصف أو متعلقات    الحدود  الممكنة  للعقوبات    الدنيوية  ،  ولذلك  تبدو  الإحالة  إلى العذاب  الأخروي  عاملا   نفسياً  مساعدا و مضافاً  للعذاب  الدنيوي   ،  وجدلية   الجريمة  والعقاب   جدلية   موضوعية  تحدث عنها    ديستوفيسكي  ذات  مرة بروايته الشهيرة  ولكن من وجهة  نظر مغايرة    ،  لكن الإحالة  للعذاب الأخروي  ضابطها  الإيمان  باليوم  الآخر  وبانه المستقر  الأبدي  ،  والإيمان بذلك  من لوازم   و عناصر القوة لدى المؤمنين    ،   وبما أن الأمر يتعلق بالإيمان  فهناك ثقة معنوية  إذن   :   وبإن  الأشخاص  المستبدين  الظلمه   لا بد لهم من نهايات سود  ،   وهذه الآمال العريضة نسقها حكماً   على مستبدين طغاة  في التاريخ القديم والحديث   ،   منهم الوالي  الأموي  الحجاج بن يوسف الثقفي  و الزعيم النازي  أدولف هتلر  و ملك المغول  جنكيزخان   وأخرين تُبع   ،  وهؤلاء  تاريخيا   تسببوا   في  قتل المئات  بل الألوف   من الأبرياء  ،   والموت  لهم  توكيد ورجاء وأمل  من المؤمنين بأن ينالهم  العذاب العظيم  الذين   توعدهم الله به   ،  وهو عذاب أخروي شديد وطويل  وخالد    ،  قال تعالى   : (  ولهم في الآخرة عذاب عظيم  )  ،  والإستغراق اللفظي  في وصف العذاب بالعظيم  يوحي  لنا بمحدودية العذاب الدنيوي  ،    نعم  لا يجب  التقليل من أهمية ذلك    ،  ولا  الإدعاء بإن المهم  هو إقامة العدل في الدنيا ،  بل هما معاً يكملان بعضهما  البعض  الأخر     ،  ولقد قدم   لنا  الله مجموعة من الأمثلة   في صيغة  بيانات توضيحية على  ذلك  .
وللتذكير:
وسنعود لصلب الموضوع  بعد تلك المقدمة  ونقول :  -  إن   مبدأ  التناسب في الحكم بين الجريمة والعقاب   ضرورياً في كل الحالات   -   ،   وهذا  التوكيد   العملي  يوجهنا  للتساؤل  الشفوي     :  ماذا لو أرعب أحدهم  وأخاف الناس   ولكن  دون  ان يقتلهم أو  يسلب ممتلكاتهم  ؟  ،  فهل تكون عقوبته الدنيوية  كافية  في رفع    العقوبة الأخروية    ؟   ،   أم  إنه يظل مشمولاً  بقوله  تعالى :  (  ولهم في الأخرة عذاب عظيم )  ؟  ،  وفي هذه بالذات يلزمنا   المراجعة  والتثبت   لما قلناه   عن    :  إن  - آية المحارب   -    وحكمها ومفهومها    مطلقين عامين   ،   ولكن  هل لهذا الإطلاق  أو لهذا  العموم  أثرا  على الحكم   في الأخرة بعد عقوبة   الدنيا ؟  ،     التصريحات في الكتاب المجيد  تقول  :    إن  الملاك  في رفع العقوبة أو إبقائها  هو  -  بالتوبة  -  ،  والتوبة    الخالصة  بحسب تلك التصريحات  رافعة  للعقوبة في الدنيا والأخرة ،     أي  أنها الشرط الموضوعي   في رفع العقوبة  في الدنيا وكذلك  في الأخرة    ،    والتلازم  بين التوبة  والرحمة  من موجبات  صفات الله الإيجابية   ،   ومن  متطلبات  الرحمة  التجاوز عن الأخطاء بعد الإعتراف بها والتبرؤ منها ،  وقد شاع في الأثر   -  إن مغفرته سبقت عذابه   -   وعلى هذا أكد  النص التالي :   (  إن الله يغفر الذنوب جميعاً )  .
قاعدة التعارض  :
التعارض  من   عرض  تعارضاً   معارضة   ،  وهو المخالفة  وقيل   بل  هو التناقض  و التقابل  إن كان ذلك   مصدرا   ،    قيل  :  ولا يكون  التعارض  إلاَّ  بين دليلين   أو  بين  حجيتين  ،  و معارضة  على وزن   مفاعلة   والتي تكون  في المواقف   العامة    أو  الخاصة    ،  وعن التعارض  في مسألتنا   إليكم  المثال  التالي  :
1 -     سئُل  الإمام الصادق  عن كيفية تطبيق   العقوبات   ،  قال   : -  ذلك إلى الإمام  إن شاء قطع  ، وإن شاء نفى  ، وإن شاء  صلب ، وإن شاء  قتل -  وسائل  الشيعة ج18 ص  533   ،  أي  ان الامام هو  من  يختار  نوع  العقوبة   ومن دون النظر الى نوع الجريمة  !!  .
2 -    وفي خبر  أخر عن عُبيدة إنه  لما  سئُل   الإمام الصادق  عن شرط  التناسب بين  الجريمة والعقاب  ،  قال : -  ليس أي شيء صنع  ،  ولكنه يصنع  بهم على قدر جناياتهم  ،   فمن قطع  الطريق    قتل   ،  ومن  أخذ المال  قُطعت يده ورجله وصُلب  ،  ومن قطع الطريق فقتل ولم يأخذ  المال قُتل  ،  ومن قطع الطريق فأخذ المال ولم يقتل  قطعت  يده ورجله  ،  ومن قطع الطريق  فلم يأخذ  مالاً  ولم يقتل  نُفي من الأرض -  وسائل الشيعة ج18 ص 534   ، يعني  ان الامام  ليس مخيراً  في   العقوبات ،  وإنما  العقوبات  تجري وفقاً   لنظام التناسب  بين الجريمة والعقاب   .
ولكن  قد  يتوهم  المرء فيظن  للوهلة  الأولى إن هناك  ثمة تعارض  بين الخبرين   ،  ولكن   مع   التدقيق يتبين أن ليس بينهما  أية  تعارض    ،  وإنما هناك  ترجيح  في المقام  لبعض الأخبار على بعض   ،   وفي هذا الباب   تطالعنا   صحيحة    بُريد  بن معاوية  حيث  يقول    : -   سألت أبا عبدالله  عن قول الله عزوجل  (  إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله  .. )  ،  قال :  ذلك إلى الإمام يفعل  ما شاء  ،  قلت  : فموفض ذلك إليه  ؟  ،  قال  :  لا  ، ولكن  نحو الجناية   -   الوسائل  ج  18  ص  533    ،  وفي  هذا الخبر هناك  أحتمالين  متغايرين  :
الأول  :   يقول   ان الإمام  أو  القاضي  هو  صاحب الإختيار في تطبيق  أحكام  العقوبات   .
والثاني : يقول  ان الإمام  ليس هو صاحب الإختيار في تطبيق أحكام العقوبات  و على نحو مطلق   ،  بل  إنه مكلف   باختيار  نوع  العقوبة  المناسبة لنوع الجريمة ، وهذا يعني ان المفهوم   الثاني   يكون  شارحاً  ومقيداً   للمفهوم   الأول  ،  ولا معنى  للقول  بالتعارض   بين المفهومين  وذلك  بسبب  وجود  القرينة  الدالة  و  المتصلة بالمفهوم الأول  ،  وفي حال  وجدت  (  القرينة المتصلة  )  بين هذين المفهومين  أنتفت الحاجة  للتعارض  من رأس   ، وهذه  الحالة  يطلق  عليها  الأصولي   أو يُشبهها  بالقول  الآتي   : -  بالتعارض  الأبتدائي   الذي  هو  كالتعارض بين العموم والخصوص   -  ، ولا  يُعد  التعارض  الأبتدائي  تعارضاً في الأصل  .
وإذا  ثبت   التعارض    بين  الأخبار   فلازم  ذلك    العمل  بمبدأ  الترجيح  بينهما  لرفع  ذلك التعارض    ،  وان كان  ذلك   ولا بد   ،   فيجب  ترجيح   الأخبار الدالة على  التناسب بين الجريمة والعقاب  على تلك التي لا تقول بذلك  ،  ودليلنا  على   ذلك   مايلي :
أ  -    إن  نسبة  الأخبار  الدالة  على  التناسب  بين الجريمة والعقاب  أكثر  عدداً  وأقوى حجة    ،  على عكس  تلك  الأخبار التي لا تشترط التناسب  بين الجريمة والعقاب   والتي  هي   أقل عددا  وأضعف حجة    ،    ومن   بين   أخبار  التناسب    هذه   لدينا  خبر بُريد بن معاوية وخبر عبيدة وخبر داوود الطائي وخبر أحمد بن فضل الخاقاني   ،  وأما الأخبار التي  لا تقول بالتناسب في الحكم  بين الجريمة والعقاب  فهي  :
أولاً  :    لم تنف  التناسب  في الأصل    . 
 وثانياً :    إنها لم توضح معنى الإختيار  على نحو  دقيق  ،  بل جعلته  مبهماً . 
ب  -   كذلك  و يرجح   مبدأ  التناسب  في الحكم  بين   الجريمة والعقاب  العدل و  مقتضاه   ،  الوارد  في  قوله   تعالى    :  -  إن الله يأمر بالعدل -  النحل 90 ،  على سبيل الندب والإحاطة  والأستحباب  ،    فالجرائم  ان لم  تطبق عليها العقوبات  وبشكل  صارم   بتناسب فيها    بين  العقوبة  و الجريمة  من حيث الحجم  والنوع  والكيفية والطبيعة   ،  تتعرض المجتمعات والأمم  إلى تجاوزات  متعمدة   وصريحة  عمدية   من قبل المجرمين  وعلى  نطاق واسع    ،  وقديماً  قيل  :  (  من أمن العقوبة أساء الأدب )   ،  فالعقوبة رادعة  وفيها صيانة وحماية  للمجتمع   ،  و خوف   المجرمين  من العقوبة  ضمانة أكيدة لحماية المجتمع وحقوقه   .
ج  - كذلك    ومن لوازم  العقل  الفطري  الطبيعي  السليم   التناسب  في الحكم  بين الجريمة والعقاب    ،  وقد  عُرف  العقل  الفطري  السليم   :   بأنه ذلك  العقل الذي يستجيب  للفعل الصالح  والعمل به   ،  وكذا هو  من  يستمع   للقول الحسن  ،   قال  تعالى  :   -  فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه -  الزمر  18  .
د  -    إن  عدم   إعتبار  التناسب في الحكم  بين الجريمة والعقاب  وترجيحه  و  تبنيه  ،   عملية سلبية  جرت  على يد  بعض التابعين  تمشياً  مع روح السياسة التي كانت سائدة آنئذاك  ،  ومن بين  هؤلاء  :  أبي ثور ،  وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح  ،  ومجاهد  ،  والحسن البصري ،  والضحاك  والنخعي وابوا الزناد وداوود -  المغني لأبن قُدامه  ج  10 ص 305  ،  وتبعهم  على ذلك  نفر من الفقهاء  منهم    :  الشيخ  الصدوق  في المقنع والهداية  - الجوامع الفقهية  ص  62  ،  والشيخ   المفيد  في  المقنعة  ص  129  ،  وسالار  عبد العزيز  في المراسم ،  وأبن أدريس  في السرائر ج 3 ص 507  ، والمحقق الحلي في الشرائع  ص  356  ،  والعلامة  الحلي  في المختلف ص  779  ،   و هؤلاء  جميعاً    لم يلتزموا بالتناسب  في الحكم بين الجريمة والعقاب  ،   وهم في ذلك قد خالفوا صريح الكتاب والعقل  .
وأما  دليلنا على  الإلتزام  بالتناسب  في الحكم بين الجريمة والعقاب  فهو مايلي :
1  -  ما ورد  في  صحيح  بُريد  بن معاوية  و عُبيدة  وداوود الطائي  وأحمد بن فضل الخاقاني  وغيرهم  ،  ممن  نفوا  صراحة  الإختيار و قالوا   بالتناسب   ،  وهذا يدل على أن   الإختيار   حجته ضعيفه  ودليله ركيك   ،  أو إنهم  لم يقفوا عند هذه الأخبار ويدققوا في معناها ، ولم يؤلوها  كثير أهتمام  .
2  -  والعقل  الفطري   يحكم بالتناسب  ،   وهو  في ذلك  ينفي الإختيار االذي تترك فيه الأحكام  تبعاً لرأي القاضي    يفعل بهه  ما يشاء  و وفقاً للمؤثرات  الخارجية والثانوية .
3  -  ثم إن الأصل الأولي من تشريع العقوبات  هو من أجل حماية المجتمع والنظام ،  وتلك هي الأولوية بالنسبة للعدالة وقيمها   ،  والعدل صفة إيجاب دعانا الله للتمسك بها حيث قال :  -  إن الله يأمر بالعدل  -  .
4  -  والقيمة المعيارية  في  تطبيق الأحكام  هو الحجة الغالبة فيها ،  وليس  هو المؤثر الثانوي  وليس  قول الأكثرية  مهما  علا   هنا  وفي كل مقام  ،  قال تعالى في نبذ التمسك بالأكثرية  (  وأكثرهم للحق كارهون )  ،  وما  يعول عليه في هذا الشأن   هو  الدليل المحكم الثابت الموافق للكتاب والعقل  .
ملاحظة 
في باب التعارض  يذهب البعض تبريرا  ،  للقول عن كيفيات   إفتراضية  لرفعه    ،   كقولهم   :  إنما يرفع التعارض  بين الأدلة  حين  يُترك   الإختيار  للقاضي    ،   مع  شرط  إختيار  الخبر  أو الدليل  أو الحجة  المناسبة   في تطبيق الحكم  .. ،  وهذا يعني  الإعتماد على   رأي القاضي   في إنتخاب الحكم  المناسب  ،  ولكن  إعتبار  رأي القاضي حجة  من  غير مجوز  شرعي  وعقلي  يُعد مخاطرة    ،  ذلك  إن الأصل   في  الأحكام   ليس   تابعاً لإختيارات  القاضي    ،   بل  المعول عليه   هو في  كون  الحكم  في الأصل  قائم   على  الدليل الثابت المحكم  ،  والدليل   هو الحجة  وليس  الرأي  المجرد  أو المبني  على الرغبة  الوقتية   ،  وخلاصة الكلام   في أصل التعارض هذ  هو :   (   عدم  صحة القول  بالإطلاق  في اعتماد  اختيار  القاضي كنوع   للحكم دون مراعاة  لنوع الجريمة  ،  ولأن ذلك مخالفاً   للأخبار الصحيحة  كما ان  الإعتماد على  طرفاً من الأخبار  دون الأخذ بعين الإعتبار الطرف الثاني ،  ترجيح بلا مرجح  وهو مخالفة  لصريح الكتاب وصريح العقل  ،  وبالتدقيق  والنظر :   يظهر إن بعض الأخبار  كُتبت  في ظل الخوف  و الخشية  أو من باب التقية  ،   وفي  هذه الحالة   تسقط من الإعتبار والحجية    )  .
تنبيه  :
وفي هذه  الحالة إذن  لندع  المراوحة جانبأ  ،  ولندع  تحميل النصوص  إفرازات الزمان والمكان  غير المنطقية    ،   ولندقق  في  الخبر  من حيث  الصدور  ،  ثم  نحكم عليه  وفقا  للمعايير   والضوابط  المقررة ،   وليس تبعاً  لواقع الحال   أوغضاً للطرف !!!  ،  ويجب التنويه  على  أصالة  إرادة  الإختلاف   في المسائل  الفقهية   وإن كلف ذلك الدخول في الممنوع  ، ذلك أن  الإختلاف  أساسي   في  بناء  القضايا الفقهية  إلاَّ  ما  خالف  الدليل والفهم ،  و لا ضرر في  ذلك  ولا ضرار طالما يريد الفقيه  الصواب  و مرضاة الله  ، والقضية المختلفة  من حيث  المبدأ   :  هي   القضية  المختلف  فيها  في معظم  العلوم  و الفقه  خارجا  عن  تلك القاعدة   ،  وهذه  القاعدة طبيعية    لا تثير   الفتنة والفزع والمناكفة  ،  وبالتتبع في تاريخ الفتاوى والأحكام   نجد  في  قراءتنا     لكثير من فتاوى الإمام أبي حنيفه   أنها  تختلف  مع  فتاوى  الشافعي  في المسألة الواحدة   ،   وهكذا  الحال بالنسبة  للشافعي مع المالكي ومع أبن حنبل  لا ضير في ذلك  ولا ضر ر ،  وفي مجال الضبط   والتوكيد  ورد مرويا عن الامام الصادق   قوله   -  خذ  بما وافق الكتاب    -  ،  وهو في ذلك  إنما يريد تحقيق الصحة والموافقة التامة للدليل .
التوبة  :
التوبة   :   من فعل تاب  إذا   رجع  وأناب   عن  الخطأ   والذنب   ولا تصح التوبة  من  غير  الإعتراف    ،    ولا تصح  التوبة  إلاَّ  عن وعي وعن إدراك  وعن عقل    ،     ولكن  هل تترتب على التائب  عن  الخطأ   أحكام العقوبات  أم  لا     ؟    ،  هذه  القضية جدلية  أعني قضية  التوبة   ،  إذ  فيها   تتداخل   المواضيع  من جهة (   الحقوق  العامة والحقوق الخاصة    )  ،  ولكل من هذه الحقوق  متعلقات  لا يمكن القفز عليها  أو تجاوزها  ،  فهناك مثلاً  :
المتعلق الأول  :    والذي  يُطرح  بصيغة سؤال   إنكاري   وعلى هذا  النحو  التالي  :   هل   التوبة   تُقبل  من قبل التمكن  من المجرم   والإمساك به    أم لا تُقبل    ؟    ،    ولكن هذا السؤال  يمكننا  طرحه  على نحو ثاني     :    ما هي الجرائم   التي  يتم   العفو عنها   عند  التوبة  ؟  ،  هل  هي تلك الجرائم  التي   تتعلق  بالحق العام  أم  تلك  التي تتعلق  بالحق الخاص   ؟   ،   فمثلاً   المجرم   الذي  يروع الناس ويخيفهم  ويبيع   الممنوعات  والمخدرات  على  الناس   ،  فهل   التوبة   تقبل  منه   مثلا    ؟  ،   مع   ان  الكتاب المجيد  يعتبر  هذا الشخص    داخلاً   في العنوان العام لمعنى -  المفسدون في الأرض  -  ،  ولكن  الكتاب المجيد  في الوقت نفسه   أعتبر التوبة تخصيصاً  للعموم   :    فقال  :  -  من تاب   قبل  التمكن منه والقدرة عليه  فإن الله  يتوب عليه   -  !!  ،  ولكن  ماذا  عن الأثر  الموضوعي  الذي  يُحدثه  الفساد   في المجتمع  ؟
بحسب المنطق الطبيعي    يعتبر تطبيق  الأحكام والقانون  ضرورة  من أجل  حماية المجتمع   هذا  أولاً   ،  وثانياً     يجب ان ينظر إلى  تطبيق القانون  كحد  وكفاصل  وكعبرة لمن يحاول الإفلات من العقاب  ،  ولكن أليس في ذلك  توهينا  لمهمة  التوبة   التي  تكون  مجزية عن تطبيق القانون   ؟  ،  فالتوبة إجراء عملي  لتشجيع  المجرمين الأخرين والمترددين  للإسراع  والرجوع إلى المجتمع   والإنصهار فيه  من جديد    ،  والرأي الراجح عندي هو  في النظر بعمق   لما يحقق المصلحة والفائدة العامة  للمجتمع   ،  لأن  ذلك  الأصل  الأولي  في تأسيس القانون والعقوبات والجزاءات    :
المتعلق الثاني  :  ورد بصيغة  سؤال أفتراضي  :  ماذا  لو  أن شخصاً  تاب من قبل ان يقدروا عليه  ولكن ثبت  بذمته الحق العام والحق الخاص   ؟  !!  ،  يعني  أن هذا الشخص  قد مارس الإرهاب  والقتل  والسلب والنهب وقطع الطرقات  ،  فهل يسقط عنه  الحق العام  أم يظل معلقاً بذمته  ؟  ،   وماهو  الموقف  من قوله تعالى :  -  إلاَّ  الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم  فاعلموا إن الله غفور رحيم  -  ،  فهل  إن هذا النص قد أخذ بعين الإعتبار  الحق  العام  ؟  ،  ومع ذلك  أسقط   العقوبة  لبراءة الذمة   مع التوبة   مما علق بها  من جرم أو ذنب  !!  ،  في القانون  المدني  يعتبر  ممثل  الإدعاء   هو الحكومة   نيابة  عن  الشعب  بإعتبارها  هي   الولي  عنه   في المرافعة   والدفاع عن   الحق العام   ،   واذا سقطت العقوبة  مع  التوبة  سقط   الحق العام  كذلك  ،  طبعاً هذا مع  فرض  سقوط الحق الخاص  بالتنازل أو بالهبة أو بالدية  ،  وفي هذه الحالة  تسقط العقوبة من رأس  أي لا عقوبة أصلاً   ،  مع  التأكيد  على  إرجاع ما في الذمة من جهة المجرم  لمن أرتكب بحقهم الجرم ،  فالمال يجب إعادته  بطريق ما ،  والقتل  إن لم يطبق بالقصاص  فتكون الدية عوضاً لذلك وهكذا  .
المتعلق الثالث  :   في حال عدم توبة  المجرم  قبل التمكن منه  ،  والجريمة لا تتعلق بالحق  الخاص  وإنما تتعلق بالحق العام  ،    فهل يجب في هذه الحالة  تطبيق  العقوبات أم لا  ؟  ،  وهل يجب التمسك بالقول الدارج إنه مادامت الجريمة لا تتعلق  بالحق الخاص  فلا يجب تطبيق الأحكام والعقوبات ؟  ،  منطلقين في هذا من التمسك بروح العدالة وأحكام الرحمة !!   ،  وهذا كله  كما أفترضنا أن التوبة تمت بعد الإمساك به والتمكن منه ،  ونقول :  إن التوبة  اللاحقة  لا تغير من الحكم شيئا ،  وإنها في الأصل لا قيمة لها  من الناحية  القانونية والشرعية ، ومع ذلك نقول :  إن رعاية المصلحة العامة مهمة في كل حال ،  والنظر لذلك يحدده الواقع  وما يترتب عليه من أثار ونتائج .
المتعلق الرابع  :  وهو كذلك في حال عدم توبة المجرم  قبل الإمساك به والتمكن منه  ،  ولكن  الجريمة  التي قام بها لها أثراً من الناحيتين العامة والخاصة  ،  وفي هذه الحالة نقول كذلك بوجوب تطبيق العقوبة  ،  ونقول أيضاً  :  التوبة لا أثر لها  في تطبيق العقوبة  على الحق الخاص وسواء أكانت قبل التمكن من المجرم أو بعد التمكن منه ،  وقد قلنا  :  إن كانت الجريمة تتعلق بالمال والغصب فيجب أرجاع الحقوق  لمستحقيها ،  وإن كانت الجريمة هي القتل فالقصاص أو الدية هي التي تسقط الحق الشخصي ..
مثال :
يُحكى أن شخصاً  أسمه  -  الحارثة بن زيد  -  عاش في زمن الإمام علي  ،  وكان هذا الشخص ممن يصدق عليه معنى  -  المفسدون في الأرض  -  ، فلم يترك عملاً قبيحاً  إلاَّ وفعله  ،  ويروى إنه مر بالإمام الحسن طالباً التوسط منه لدى الإمام علي بعد أن أعلن توبته والبراءة من أفعاله القديمة ، ولكن الإمام الحسن رفض التوسط  فيه لدى أبيه أمير المؤمنين  ،  ولكن هذا الرجل لم يكل ولم يمل  فذهب عند  سعيد بن قيس الهمداني  (  كان من كبار رجال التابعين وصاحب رآية همدان في معركتي  الجمل وصفين  )  ،  الذي آواه  وسمع منه مقالته  ،  وعزم  التوسط إليه عند أمير المؤمنين  ،  فذهب سعيد بن قيس  عند أمير المؤمنين  وسأله :
يا أمير المؤمنين  :  ما حكم من حارب الله ورسوله  ؟  .
فقال الإمام إنما حكمه  ،  قول الله تعالى  :  (  إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله  ، ويسعون في الأرض فسادا   ... إلى أن وصل  إلى قوله تعالى : -  إلاَّ الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم  )  .
فقال سعيد  :  وهل يشمل ذلك  أيضاً  الحارثة بن زيد  ؟
فقال الإمام  :  نعم  حتى الحارثة بن زيد  إن تاب توبة نصوحا .
فقال سعيد  :  فهل توبة  الحارثة من قبل التمكن منه  دافعة للعقوبة  ؟
قال الإمام :  نعم هي كذلك  .
فذهب  سعيد بن قيس  إلى الحارثة بن زيد ،  وأتى به  عند امير المؤمنين  فبايعه  على السمع والطاعة ،  وكتب له الإمام عهداً  فيه الأمان والعفو ..-  تفسير الطبري ج6  ص  221  .
وهنا  نسأل  :  هل  عهد أميرالمؤمنين للحارثة هذا    قد أخذ بعين الإعتبار الحق  الشخصي الخاص  أم لا  ؟  ،  لأن عهد الأمان براءة للذمة من العقوبة وتنزيه للمجرم من الجناية  ،  ولا يصح  إعطاء مثل هكذا عهد  من دون النظر في الحقوق الخاصة  ،  وهذا الأمر فيه إحتمالين :
الأول  :    إما  ان لا يكون الحارثة قد أرتكب شيئا من الجرائم الخاصة مطلقاً  .
والثاني  :  وإما  إن يكون أصحاب الحق الخاص الشخصي قد تنازلوا عن حقهم   بالصلح أو بغيره  ،  مما   يكون قد  رفع  عنه  متعلق الحقوق  التي في  ذمته  .
وفي هذه الحالة يكون المتبقي هو الحق العام الذي يحق فيه للإمام بإعتباره الحاكم أن يعفو طالما يجد في ذلك مصلحة وضرورة عامة .
في ظلال  أخبار  آية المحارب :
يُطالعنا  الكُليني  في الكافي  ،  والطوسي  في التهذيب  ،  بخبر  مروي  على هذا النحو  :  -   عن  محمد  بن  يحيى  عن  أحمد بن محمد  عن محمد بن يحيى  وفي التهذيب  عن عبدالله  بن المغيرة ،  عن طلحة بن زيد   قال  :   سمعت أبا عبدالله  الصادق  يقول  :  (   كان أبي يقول  : -  إن للحرب حكمين  :
الأول  :  إذا  كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها  ولم يُثخن  أهلها ،  فكل أسير أخذ  في تلك الحال ،  فإن الإمام فيه بالخيار إن ّ شاء ضرب عنقه  ،  وإنّ شاء قطع يده ورجله  من خلاف بغير حسم  (  قطع  )  ،  وتركه  يتشحط  في دمه حتى يموت  ، وهو قول  الله  عز وجل : (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله  ،  ويسعون في الأرض فساداً ، أن يُقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف  أو ينفوا من الأرض  ،  ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم  ))  المائدة 33  ، ألاَّ  ترى إن المُخير  الذي خير الله  الإمام على  شيء  واحد  وهو  القتل  ،  وليس  هو  على أشياء  مختلفة  ،  فقلت  لأبي عبدالله  :  قول الله عزَ وجلّ  : -  أو ينفوا من الأرض -  ،  قال  :  ذلك  الطلب ،  ان تطلبه الخيل  حتى يهرب ،  فإن أخذته الخيل  حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك  )  .
والثاني  :   (   إذا  وضعت  الحرب أوزارها وأثخن  أهلها  فكل أسير أخذ  في تلك الحال ، فكان  في أيديهم  فالإمام  فيه بالخيار ، إن شاء منَّ  عليهم  فارسلهم  ، وإن شاء  فاداهم  أنفسهم ،  وإن شاء أستعبدهم  ، فصاروا عبيداً   )  -  الكافي  ج5 ص32  ، والتهذيب ج 6 ص 143  ..
هذا الخبر يتحدث  عن المحارب  كمقاتل في ساحة المعركة  ،  وظاهر كلامه إنه قتال بين مسلمين  وكفار  ،  مع إن الخبر لم يذكر الكفار بشكل واضح  وصريح  ،  ولكن  هذا  ما فهمه الفقهاء من الخبر ورتبوا عليه أثار وتبعات  ،  منهم الشيخ الطوسي في المبسوط ج2 ص20  ،  وأبن أدريس الحلي في السرائر  ص 158  ،  والمحقق الحلي في الشرائع  ص  90   ،  وبناءا على ذلك  كتبوا وأفتوا  حول  الأسرى واحكامهم  ،  فقد  أعتبروا  ان التقسيم  الأولي  لأحكام الأسرى  إلى نوعين ناتج   عن قوله   (  إن للحرب حكمين  )  من قبل أن تضع الحرب أوزارها  ومن بعد  ذلك   ،  ففي الحالة الأولى  كان الحكم عندهم هو قتل الأسرى جميعاً  ،  وأما بعد  أن تضع الحرب أوزارها  فهناك سلة من التطبيقات  مررنا عليها  في الخبر ،  ومع الإستدراك  حول معنى (  أو ينفوا من الأرض  )  ،  قال يطاردهم الإمام بالخيل  ثم يرى فيهم رأيه !! .
ملاحظة
من المبادئ  الأولية في عملية  إثبات  الحكم الفقهي  التحقق من صحة السند  وخلوه من الشوائب  ،  حتى يكون الخبر مقبولاً ويمكن النظر فيه والإستئناس به  ، وبحسب معلوماتنا في علم الرجال  يظهر أن  : 
1 -  الراوي الأول للخبر   :  -  محمد بن يحيى العطار القمي  كان  ثقة  - .
2 -  الراوي الثاني للخبر : -  أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي  كان  ثقة  كذلك - .
3 – الراوي الثالث  للخبر : - مشترك  بين  محمد بن يحيى الخثعمي   أو  محمد بن يحيى الخزاز  وكلاهما  كانا  من الثقات  - .
4 – االراوي الرابع للخبر بحسب رواية الطوسي  هو  عبدالله بن المغيرة  وهو من أصحاب الإجماع  كان ثقة معتبرا .
كل هؤلاء رووا عن  طلحة  بن زيد  النهدي  الشامي   الذي قال فيه  وعنه أصحاب التراجم والرجال مايلي  :
أ -  قال عنه  أبن أبي حاتم  في كتابه  الجرح  والتعديل   : -  إنه ضعيف الحديث منكر القول  -  الجرح والتعديل ج 4 ص 480 .
ب – وقال عنه  ابن حبان  في المجروحين   : -  منكر الحديث لا يحتج  به  -  .
ج -  وقال عنه محمد بن اسماعيل البخاري  : -  منكر الحديث  -  التاريخ الكبير ج4 ص351 البخاري - .
د -  وقال عنه الدارقطني صاحب السنن :  -  إنه ضعيف  -  تهذيب التهذيب للعسقلاني ج5 ص 16 - .
ه  -  وقال عنه  النسائي  صاحب السنن : -  لا يعتمد عليه  -   تهذيب التهذيب ج5 ص 16 - .
و – وقال عنه  أحمد بن حنبل  :  -  لا يعتد  به  -  تهذيب التهذيب  ج 5 ص 16  - .
ومع كل هذه التهم  لم نجد  فيما نعلم  أحداً  قد  أتهمه بالتشيع أو بالرفض  أو بالباطنية  أو الغنوصية  أو ...  ،  بحيث يظن  الظان إن كل هذه التهم منشأها  تشيع الرجل مثلاً  ،  ولطلحة بن  زيد  كتاباً  ذكره النجاشي في الفهرست  ص 155  ،  وكذا   الطوسي في الفهرست ص  112  ،  وقيل عن الكتاب  إن فيه أخبارا مروية عن ثقات  ،    ولكن لم يقولوا إن طلحة بن زيد  كان  ثقة  ،  والفرق كبير  بين ان يكون كتابه فيه من الأخبار الصحيحة وبين ان يكون هو نفسه من الثقاة !! ، ولا يعني ان لفظ  فيه من الأخبار الصحيحة يعني :  إن كل ما فيه صحيحا ويمكن الإعتماد  عليه  !!  ،  أعني أن ليس كل الكتاب موضع قبول وإعتماد ،  ونفهم ذلك من كلام للشيخ الصدوق  إنه قال  : -  الروايات التي أخذتها عن كتاب طلحة بن زيد ،  وجدتها  في بعض الكتب المعتبرة  ، و يعني  هذا  ان كل خبر او رواية اخذتها من كتاب طلحة بن زيد ، إنما دققت فيها ونظرت في الكتب المعتبرة ذات الإختصاص في شأنها   فوجدت بعضاً منها  قابل للقبول  ،  وطبعاً  هذا القول يعني بعض الأخبار لا جميع  من ورد في كتاب طلحة بن زيد  ،  ومن باب أولى القول :  أن ليس كل ما في كتاب طلحة بن زيد يصح الإعتماد عليه وروايته ،  والكتاب المعتبر  يعني ذلك الكتاب الذي يصح  الرجوع  إليه في كل حال ،  وكتاب طلحة بن زيد ليس من الكتب المعتبرة في كل حال ،  وإنما يُنظر فيه ويحقق  فما كان صحيحاً أعتبرناه وما كان غير ذلك رددناه  ،  ولكم أن تعلموا أن كتاب طلحة بن زيد   مختلف  فيه من جهة  المصادر التي أعتمدها   ،   فتارةً  يروي عن الأوزاعي  وهشام بن عروة   ،   وتارةً أخرى يروي  عن الإمام الصادق   .
ولم أجد فيما أعلم أن أحدا من علماء الرجال  من  الشيعة أو السنة قد وثق الرجل أو أشار إلى ذلك  ،  بل أن صريح أقوالهم  فيه  تقول :  -  إنه كذاب يضع الحديث أو فاسد الرواية  منكر  -   ،  وبناءاً  على ما مر  من وصف عام لشخصية طلحة بن زيد نقول   :  إن روايته للأخبار لا يعتد فيها ولا يعتمد عليها  ،  ولهذا  لا يصح إعتماد مروياته  في أستنباط  الأحكام الفقهية  أو التأسيس عليها في المسائل المعتبرة  ..
هذا كان وصفاً عاماً  لحال  خبر طلحة بن زيد  من جهة السند   ،  والآن  حان الوقت  لنناقش  متن الخبر ودلالته ومدى صحته وموافقته  للكتاب والعقل ،  ونقول  :  
أولاً  :  يزعم خبر طلحة  أن للأسرى في المعركة  -  حكمين  -  ،  [   الأول من قبل  ان تضع الحرب اوزارها  وحكمهم في هذه الحالة القتل  ،  والثاني من بعد ان تضع الحرب أوزارها  وهو التخيير الذي يرى فيه الإمام رأيه   ]   !!  ،   والحكم  الذي تبناه  في هذا المجال  يُعد مخالفا  مخالفة صريحة  لسيرة النبي في المعارك وحكمه العام في الاسرى  ،  فلم  يقتل النبي أحداً من الأسرى لا من قبل نهاية المعركة ولا من بعدها  ، وشاهدنا  على ذلك  معركة بدر التي أسر فيها المسلمون 80 رجلاً  من المشركين ،  وقد  أطلق سراح  أكثرهم  إلاَّ  8  بفدية    ،  و قتل   منهم أثنين  قصاصاً  لا  بإعتبارهم  أسرى ،  وإنما بسبب ما فعلوه    بجثث المسلمين  والتمثيل بها    -   تاريخ اليعقوبي  ج 2 ص 37  - ،   ونفس الشيء يُقال في معركة بني المصطلق  (  المريسع  )  التي تمكن فيها المسلمون من أخذ  الكثير من أسرى المشركين ،  ولم يقتل النبي واحداً منهم بل أطلق سراحهم جميعاً  -  تاريخ  اليعقوبي  ج 2 ص 44  -  ،  وحدث هذا أيضاً في معركة حنين  (  هوازن  )  حيث أطلق النبي جميع الأسرى منهم  - تاريخ اليعقوبي  ج 2  ص  53  - ،  وهذه الشواهد  تدل  على أن ما ذكره طلحة بن زيد ليس صحيحاً بل مخالفاً لما عليه السيرة الصحيحة للنبي في المعارك .
الثاني  :  يزعم طلحة بن زيد  :  أن آية المحارب  نزلت في شأن معارك المسلمين مع الكفار والمشركين  أو إنها ترتبط بذلك  ،  مع انه كان يجب عليه التمهل وهو يقرأ  قوله  -  يحاربون -  بدلاً عن  -  يقاتلون  -  ،  ومفهوم  يحاربون بعيد  عن ساحة القتال في المعركة على نحو خاص  ،  وإنما ساحته  جميع مفردات الحياة  ،  والمتعلق بلفظ  يحاربون هو الجملة التي تقول -  ويسعون في الأرض فسادا -  ،  وليس  بالذي يسعون في الأرض قتالا  ،  المتعلق هو  بهذا الفساد المتنوع  في الحياة  وفي إشاعته   بين  الناس  ،  والأصل في آية المحارب هي الدعوة لتطبيق القانون والعدل بين الناس وحماية حقوق المجتمع من التعديات والجرائم ،  وليس في النص ما يدل على أن آية المحارب  تعني ملاحقة أسرى المعارك  أو المقاتلين في المعركة ،  نعم كان لرواية طلحة بن زيد أثراً عند الطبري الذي جعل من شأن نزول الآية مرتبطاً بالمشركين من المقاتلين  -  تفسير الطبري  ج 6 ص  206  - ،  ولهذا تابعه  في ذلك  حيث قال :  بان حكمهم  القتل إن لم تضع الحرب أوزارها  ،   ربما  لا يثيرنا  هذا كثيرا حين يكون قد صدر  عن الطبري   ،  لكنه يثيرنا جداً  حين ينسب  ذلك للامام الصادق  ،  طبعاً نحن نعلم المُراد من ذلك والغاية فهي ليست حسنة في كل حال  ..
الثالث  :  ورد  في خبر طلحة بن زيد  لفظ  -  بغير حسم  -  أو تركه يتشحط بدمه  حتى يموت  ،  هذا اللفظ في هذه الجملة يحمل معاني سيئة  تتنافى اصلا مع  روح الاسلام ومبادئ الكتاب المجيد ،  التي تعطي مساحة واسعة للرحمة كي تتسلل إلى قلوب الناس فتنتزع محبتهم ، وتدخلهم في دين الله أفواجا ، هذا اللفظ الغريب لم نجده  فقط   هنا في هذا الخبر ،  ولم نجد  له  من مؤيد لدى فرق المسلمين وعامة فقهائهم  ،  كما لم يذكر هذه الوحشية والسادية أياً  من الأديان السماوية ،  نعم وجدنا هذا هنا   ،   ونجده في تعليمات المنظمات الارهابية  التي تنشط في العالم الاسلامي  هذه السنوات   ،   نجده عندهم   في كيفية تعذيب من يقع بين أيديهم من المخالفين ،  والظاهر إن هذه النسخة السيئة الفاسدة لها وجود في تاريخ أدب المسلمين وثقافتهم المتعجرفة ضد من يخالفهم  ،  وشواهد  هذا اللفظ  وفضاضته نجده في  معنى من -  قُتل صبرا -  وهم كثير  تدل على ذلك صور ومشاهد تعرض على الناس دون استحياء ،  وقد  وردت تحت بند جئناكم بالذبح  !!! .
[  يتبنى المذهب الفقهي  عند المسلمين  ،  مفهوم  قطع  اليد  لكل من سرق  ،  ومفهوم قطع الرجل لكل من أشاع الفوضى واللانظام في المجتمع ، ويمكن إجتماع العقوبتين في الآن معاً  إن كان ما يسببه المجرم من معانات للمجتمع داعية إلى ذلك  ،  هذه العقوبة مع تلك الجريمة تدخل في مضمار وحدود معنى  -  السعي في الأرض  فسادا   -  ، ولا تتعلق بالقتال في المعركة بين المسلمين والكفار ولا ترتبط   بهم   ،  ومن هنا فالتصور الذي ذهب إليه طلحة بن زيد تنقصه المقاربة الصحيحة  ]   .
الرابع  :  ورد  في خبر طلحة بن زيد   جملة تقول : -  ذلك الطلب ان تطلبه  الخيل  حتى يهرب ، فإن أخذته  الخيل  حكم عليه  ببعض  الأحكام التي وصفت  لك  -  ،  هذه  الجملة  هي بيان لمعنى  -  أو ينفوا من الأرض -  ،  ولا ندري كيف فهم طلحة بن زيد معنى  - ينفوا  -  على أنهم  يهربوا   ،   ولهذا اشترط الخيل في طلبهم والامساك بهم ،  مع ان المفهوم من  الفعل المضارع  ينفوا   كونه  جزء  من  الاحكام التي يصدرها الامام على من ارتكب فسادا في الارض  ،  وليس من فر من المعركة  ،  النفي هنا هو تنفيذا لحكم الإمام وليس إرادة ذاتية من المحارب ،  حتى يتم طلبه بالخيل واللحاق  به  ،  إذن مفهوم الفعل لا يدل على إرادة ذاتية من قبل المجرم بل هو تنفيذاً لحكم يجريه الإمام على المفسد في الأرض ..
الخامس :  يظهر أن  طلحة بن زيد ذهب على عكس ما يرآه عامة  الفقهاء من المسلمين  في شأن آية المحارب  ،   إذ  ربط الآية   بالمقاتل وأسير القتال لا دليل عليه  ،  ثم أن خبر طلحة لا يذكر القتال مع الكفار على نحو صريح  ،  وهنا يحق لنا القول  :  ماذا لو تقاتل المؤمنون فيما بينهم  ؟   فهل يصح تطبيق  الحكم بقتل جميع الأسرى المؤمنين لدى كل طرف  ؟  ،  أم  إن التحفظ عليهم  حتى تضع الحرب أوزارها  ثم يطلق سراحهم  ؟  ،  ثم لماذا الاصرار على قتلهم  ؟   هل بسبب الخوف من اطلاق سراحهم  وعودتهم من  جديد   للقتال   ؟   أم إن التحفظ عليهم يكلف المقاتلين جهدا  وحماية ورعاية ومواد غذائية  مكلفة ؟  فهل من أجل ذلك يجب قتلهم  أم ماذا  ؟  ،  طبعاً  هذه التساؤلات  لم تأخذ بعين الإعتبار جانب الرحمة والتسامح  ومبدأ خذ  العفو وأعرض عن الجاهلين ، والإيمان بمبدأ الخطأ وإمكانية التوبة عنه  ،  كذلك  لم تأخذ بعين الاعتبار مفهوم العدل الإلهي وحقوق الإنسان وحمايته  وقت المعارك   والأزمات  ..
السادس  :  الملاحظ  ان رواية طلحة بن زيد  سقط منها  لفظ  (  أو يصلبوا  )  ،  فهل   إن  ذلك  السقوط   منه  قد وقع   سهواً  ؟  ،  أم  إنه  سقط بداعي إعتبارات ثانوية أخرى  ؟   ،  ولا نعلم بالضبط   ماهي    ،   لذلك  لم نجد فيما بين أيدينا من مصادر تدلنا  لماذا تم إسقاط وحذف   لفظ  -  أو يصلبوا  -  من بين الأحكام  ،  ولكن الذي نفهمه  أن هناك ثمة مجازفة عمل عليها طلحة بن زيد  ،  ويمكننا قرأتها من وحي  وضعه  للأخبار وتزييفها  ،  وفي  هذه  الحالة  حتماً   يقع  السقط   ،   وتقع الهفوات من دون النظر لما حول أو عن طبيعة الأحكام  ،  وعلى كل حال يبدو ان طلحة بن زيد لم يتثبت  من روايته  ولهذا  أفتى وأسقط من دون رعاية للموضوعية   وللدقة .
تنبيه :
في السجال  المعرفي  يميز أهل الله   بين مفهوم  نهاية  المعركة   وبين وضعت الحرب   أوزارها  ،  والصيغة الصحيحة  لهذا اللفظ  حين   -   تضع الحرب أوزارها  -  ،  فما الذي   تعنية  جملة   نهاية  المعركة  أو وضعت الحرب  أوزارها  ؟    ،   المفروض  من التبادر  ان تكون الجملة دالة  على إنتهاء المعارك  والجنوح   للسلم  أو للهدنة  المؤقتة أو الدائمة   ،،   لكن   عامة  الحروب  في العالم وخاصة  الكبيرة  منها  ،   تجري  فيها  فترات من الهدنة المؤقتة لعدد من الأسباب   ،   لكن  هل يصح قتل الأسرى وقت المعركة    وقبل هذه  النهايات  المتقطعة  ؟   بحسب  خبر طلحة بن  زيد  الجواب :   نعم قتل الأسرى يدور في فلك دوران المعركة  ولا ينظر  إلى  هذه  النهايات المتقطعة أو الدائمة !!   ،   إن  هذه  الفكرة السمجة   التي  تبناها  خبر طلحة بن زيد   سببها   فهم خاطئ  لقوله تعالى :  (   ما كان لنبي ان  يكون له أسرى  حتى يُثخن  في الأرض  )   ،  أي  إنه  أعتبر    (  ما   )  أداة   نفي    ،  أي  ان  لا  يكون  للنبي  أسرى  وهو مشغول في   المعركة !!  ،   طبعاً  مضافاً  إلى ذلك  تسويق فكرة الإثخان  على إنها   إستقرار وهيمنة   في المعركة  ،   وهذا التركيب في فهم النص   ينقصه  الإنفتاح  على مجمل  قضية الأسر في الكتاب المجيد   ،   بدليل إن هذا النص لا يرتب حكماً   ولكنه  يتحدث عن موضوعة ثانية ،  وهي أهمية الإنشغال في المعركة وإدارتها  والتركيز فيما يمكنه تحقيق الفوز  فيها  ،   والنهي  المعلن  عملي يتوجه لهذا المعنى الذي ذكرناه   ،   وليس هو حكم أو مبادرة  وتوجيه للنبي  بقتل  كل أسير يقع بين يديه  !!  ،  إذن فحصر مفهوم النص  بمعنى أفتراضي غير صحيح  ،  يؤكد لنا ويُضيف  بأن  خبر طلحة بن زيد  لا يجب أعتماده ولا الأخذ به  تحت أي مسوغ  ،  وهو مردود  في الجملة والتفصيل وقد مر بنا ضعفه وتهالك سنده ولهذا  فما يؤوسسه ساقط من الإعتبار أكيداً  .
تنويه  :
ومن بعد هذا الذي ذكرناه  ،  هل يصح  الإعتماد على الخبر المذكور والتأسيس عليه  ؟  ،  وفي الجواب  :  لا بد من القول  إن مجموعة من الفقهاء ممن لا يستهان بهم  ، أعتمدوا وتبنوا في فتاواهم  خبر طلحة بن زيد  ،  من دون مراجعة أو نظر وتحقيق تامين  ،  ومن بين هؤلاء :
1 -  الشيخ  الطوسي  حيث قال  :  -   الأسير على ضربين  ،  ضرب يؤسر  قبل ان تضع الحرب أوزارها  ،  فالإمام  مخير بين شيئين  ، إما  ان يقتله أو يقطع يديه ورجليه  ويتركه ينزف (  حتى يموت  )  ،  وأسير يؤخذ  بعد ان تضع الحرب أوزارها  فهو  مخير بين ثلاثة أشياء : -  ألمنّ  ،  والإسترقاق  ،  والمفاداة  -  ،  وقال  الشافعي  :  -  هو مخير بين أربعة أشياء ،  القتل  وألمن  والمفاداة والإسترقاق  (  ولم يّفصل )  ،  وقال  أبو حنيفة : -  هو مخير بين القتل والإسترقاق  دون ألمن والمفاداة  .. ،  قال الطوسي  : -  وأما دليلنا إجماع الفرقة  وأخبارهم  ،  وقد ذكرناها في الكتاب الكبير  (  يعني  تهذيب التهذيب  )  -  الخلاف  ج2  ص 332  ،  وفي المبسوط ج 2 ص 20  ،  وفي النهاية ص 296  ،  وفي الجمل والعقود  ص 158  ، وفي الإقتصاد  ص 315  ..
2 -  والقاضي  أبن  البراج  حيث قال : -  الأسارى على ضربين ، أحدهما ما يجوز أستبقائه  ،  والآخر لا يُستبقى  .. والذي لا يُستبقى  هو كل أسير أخذ قبل تقضي الحرب والفراغ  منها .. -  المهذب  ج 1 ص 316 .
3 -  وقال أبن حمزة  في الوسيلة  : -  الرجل  ضربان  ، إما أسر قبل إنقضاء القتال  أو بعده  ، فالأول  :  إن لم يُسلم  كان الإمام مخيراً  بين شيئين  قتله وقطع يديه ورجليه  وتركه حتى ينزف .... -  الجوامع الفقهية  ص  695  .
4 -  وقال  كاشف الغطاء   : -  أما البالغون  العاقلون  فإن  أستولى عليهم  والحرب  قائمة  قتلوا .. -   كشف الغطاء ص  406  .
5  -  وقال صاحب الجواهر : -  الذكور البالغون  يتعين عليهم  القتل ،  إن أُسروا  وقد كانت الحرب قائمة  ولم تضع أوزارها .. -  الجواهر ج 21 ص  122 .
6  -  وقال أستاذنا  المنتظري  المعظم  : -  لا خلاف  بيننا في القسم الأول  ، في تعين القتل وحرمة الإبقاء  .. -  الحكومة الإسلامية  ج 3  ص 263 .
هذه أقوال منتخبة لمجموعة  من المتقدمين  والمتأخرين  ورأيهم  في هذه المسألة المعتمد  على خبر طلحة بن زيد  ،  ولا يخفى أن هناك  علماء  كبار ممن سبقوا هؤلاء  قالوا  بعدم قتل الأسرى  ،  ومن بين هؤلاء  :
أبن أبي عقيل  العُماني   الذي قال : -   إذا ظهر المؤمنون  على المشركين فاستأسروهم  ، فالإمام  في رجالهم البالغين  بالخياران  إن شاء أسترقهم  وإن شاء فاداهم  ، وإن شاء مَنّ عليهم  .. قال  تعالى  :  (  فإذا  لقيتم الذين  كفروا فضرب الرقاب  حتى غذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما مناً  بعد وإما فداء  حتى تضع الحرب أوزارها  )  -  المختلف  ص 331   ،  ولم نجد فيما قاله أبن أبي عقيل    عن  قتل للأسرى  لا من قبل ان تضع الحرب أوزارها ولا من بعد ذلك   ،  وقد  ذكر ذلك  صاحب الجواهر  نقلاً   عن أبن الجنيد  الإسكافي   ج 21 ص 122  ،  ولو أفترضنا جدلاً  إن حجة القائلين بالقتل  هو  -  الإجماع  -  الذي ذكره الطوسي  وأستاذنا المعظم   ،  لكننا في الوقت نفسه  نرفض فكرة الإجماع هنا من الأصل  ،  طالما كان مستند الإجماع لدى الطوسي ومن تبعه  هو خبر طلحة بن زيد  الذي مر بنا وقد فصلنا في حاله فلا نعيد  ،  والظن الغالب إن الطوسي كغيره من الفقهاء يذهب أحياناً للإعتماد  على  التسامح  ،  مع إنها فكرة لا تصح هنا  ،  ربما تكون معتبرة في أدلة السنن والأخلاق    ،  ولكنها لا تصح البتة في المسائل الفقهية والكلامية قطعاً  ،  ثم ان الشيخ الطوسي من عوائده  انه  يميل  إلى التسامح كثيراً  ، وهاكم أنظروا إلى كلامه في كتابه عدة الأصول  حيث يقول : -  ما يرويه  المتهمون والمضعفون ،  إن كان هناك  ما يعضد  روايتهم ويدل على صحتها وجب العمل به  ،  وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحة وجب التوقف في أخبارهم -  عدة الأصول ص  382  ،  وإن أعتبرنا ما قاله الطوسي هذا وتمسكنا به ، فيلزم بناءاً عليه عدم الأخذ   برواية طلحة بن زيد أو البناء عليها  ،  لضعفها وتهالكها ومخالفتها للكتاب المجيد  والعقل الفطري الصحيح  ولا حتى مع السنن المعتبرة الصحيحة  ،  وهذا من باب أولى ان يكون الطوسي أول الرادين على طلحة بن زيد بدل ان يتبنى  إنعقاد الإجماع على خبره  الفاسد  .
ثم إن الشيخ الطوسي  وبحسب ما ذكره في الخلاف  قال (  يقطع يديه ورجليه  )  مع إن النص  يقول  (  يقطع من خلاف  .. )  ومعنى ذلك أن تقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى ،  لا كلا اليدين والرجلين   معاً   ،  لأن ذلك نوع من التشفي والغلظة المستقبحة  ،  والتي تسمى في أدب الكتابة  -  القتل صبرا  -  ،  وهذا ممنوع حتى في البهائم والعجماوات ،  ثم إن القتل  لم يأت على نحو لازم وتعبدي   حتى لا يجوز الفرار منه إلى غيره من الأحكام  .
وبالختام  :  تبدو  عملية فهم  النصوص والتأسيس عليها  مسألة شاقة   ،  وتحتاج  للكثير من التأني وضبط النفس والتحلي بروح المسؤولية ،  وليس هناك ثمة إجازة فيما نعلم تبيح الأخذ او التساهل أو التسامح  من غير دليل ثابت محكم ورصين ، وآية المُحارب كما غيرها أصابها ما أصابها من فهم  نَزَلَ  من قيمتها وحددها وحصرها في معنى ليس هو المعنى المطلوب ، ولعلنا  في بحثنا هذا  قمنا بما نعتبره جزءا من مسؤوليتنا الدينية والأخلاقية ، في البحث والتحقيق  راجين  الفائدة  التي هي مطلبنا  بعد رضا  الله ،  كما نرجوا  ان نجد فيما كتبنا ودونا  آذان واعيه وعقول تستمع القول فتتبع أحسنه  ..
  
 
 



#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ظلال آية المُحارب ( الحلقة الأولى )
- قول في نجاسة الكفار والمشركين
- متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الرابعة
- متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الثالثة
- متلازمة الأمن والإقتصاد .... الحلقة الثانية
- متلازمة الأمن والإقتصاد
- كورونا .. ونهاية العولمة
- كورونا ... ونهاية سلطة القانون
- في رثاء صديقنا وأخينا الدكتور محمد شحرور
- الأضحية
- كلمة في وداع الدكتور – الطيب التيزيني -
- رأينا في العدل ( الجزء الثاني )
- رأينا في العدل ( الجزء الأول )
- بيان بمناسبة يوم الجمعة الدامي
- الوصية .. والميراث
- الإمامة ثانياً
- الإمامة أولاً
- موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 3 -
- موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 2
- موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات )


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الشيخ إياد الركابي - في ظلال آية المحارب الحلقة الثانية