أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مناف الحمد - حدث في تلك الليلة الممطرة














المزيد.....

حدث في تلك الليلة الممطرة


مناف الحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6731 - 2020 / 11 / 13 - 09:47
المحور: الادب والفن
    


كان المطر ينهمر غزيرًا في تلك الليلة الحالكة التي يكاد المرء لا يرى لشدة سوادها يده إذا أخرجها، وكنت أغذّ السير لكي أصل إلى مسكني عندما سمعت صوت أنين خافت من إحدى زوايا الطريق الفرعي الذي لا أدري كيف وصلت إليه. كان رجلًا عجوزًا قد أنهكه التعب، ولم يعد يقوى على السير فأخذت بيده وجعلت من كتفي متكأ له ومضيت معه ببطء حمّلني فوق ما أطيق من مشقة البرد وانصباب المطر.
كان رجلًا فصيحًا يحسن إجزاء الشكر بلباقة المتمدن الحصيف، وقد أصر -لدى وصولنا بعد مسيرتنا المجهدة- أن أجالسه في داره المتواضعة التي بدا لي في ذلك الظلام أنها خارج المكان؛ لانعزالها، ولغرابة زواياها، ولما توحي به لمن يدلف إليها أول مرة من غرابة لا يعرف مصدرها.
قال لي إنه يعيش هنا مع زوجته العجوز التي تؤنس وحشته، وسألني إذا كنت لا أمانع في سماع نبذة عن سيرته التي يضنّ على الناس بسردها. ولأن الفضول كان قد استولى على عقلي وفصاحة العجوز قد أخذت بمجامع قلبي فلم أتردد في الموافقة. وبمجرد ما أومأت بموافقتي تغيرت نبرة الصوت وبدا المتحدث شخصًا قادمًا من مكان قصي وساورني الشك حينها في ما إذا كنت أمام إنسيّ أم جنيّ.
قال إنه قد التقى بزوجته بالصدفة في ليلة مظلمة كهذه في شارع فرعي خلف المسجد الأموي، وإنه لا يذكر لم قادته قدماه إلى هناك على الرغم من أنه حاول مرارًا أن يتذكر دون جدوى. وقد كانت فتاة تجلس شبه عارية وقبل أن تتوسل إليه لإنقاذها حملها إلى بلدته النائية هذه وإلى منزله هذا.
قال إنها روت له قصصًا متضاربة عن تاريخها، ولما عجز عن الإدراك ضرب صفحًا عن معرفة هذا التاريخ، وقال إن عاطفة حب لم تغز قلبه، وإنه لم يأبه لما يعتلج في قلبها. وبسبب اليأس من إدراك الأسرار التي استفرغ جهده في إدراكها فكر في أن ينجب منها طفلًا لكي يجعل للعلاقة معنى، وقد حدث الأمر من دون رغبة الذكر بالأنثى وكان أن أنجبت له الطفل الذي أراد.
قال إن الطفل لما بلغ أشده قد أرهقه وأمه طغيانًا وكفرًا، وإنه قد هجرهما وهام على وجهه يشكو منه الناس أينما حلّ وحيثما ارتحل.
ولكن التحول الغريب الذي أشار إليه العجوز في علاقته بشريكة حياته أنه بعد مرور عقود بات يشتهيها وقد قاذفته حبًا بحب ونارًا بنار.
ولبثا على ذلك برهة يقبلان على بعضيهما من الالتذاذ بفن ويدبران بفن، إلى أن حانت لحظة بردت فيها شهوة الجسد وقد أصابت قلبيهما الحيرة بسبب هذا البرود، إذ لم يعد للحياة معنى ولم يعد للوجود هدف.
عندما وصل جليسي إلى هذا الموضع من روايته أقبلت الزوجة التي وصفها بأنها عجوز، فإذا هي فتاة ساحرة الجمال، هيفاء القد، خُيّل إلي أنها لم يمسسها بشر ولم يطمثها إنس ولا جان.
ولعجزي عن إخفاء دهشتي بادرت الفتاة بتوجيه الكلام إليّ، وقالت إن ما سمعته من زوجي العجوز ليس مجانبًا للصواب إذا علمت أن لقاء المصادفة عندما ألفيته أنا منبوذا في مفازة قصية فجئت به إلى موطني هذا، وقد بذلت له كل أدوات الفهم لكي يسبر غوري فخذله عقله، وعندما أراد أن يستخدمني أنجبت له طفلًا جميلًا واعدًا لكنه لم يحسن تنشئته فارتد عليه بالعقوق شابًا، وأما اللذة التي طلب أن يقضي وطره منها، فقد كانت وهمًا عاقبته به على قصور عقله وعلى سوء تدبيره، وكان لا بد لهذا الوهم ان ينجلي.
ولما بدا في عيني سؤال الدهشة الأولى عن شبابها وهرم زوجها قالت إنها لم تكبر لأن كل ما جرى كان انفعالًا منها لم يكلفها طاقة تستنزفها، بينما كانت تعطي الفرصة تلو الفرصة لهذا العجوز لكي يحقق ولو نجاحًا واحدًا فمضى به الزمن لما استنزفه من طاقة، ولما عاناه من فشل إثر فشل، وقالت إنه يظن إنها كبرت معه بينما هي لا تزال غضة لم تجر عليها عواقب الحدثان.
لم يحر العجوز جوابًا وخرجت بعد أن أعطى الجو إشارة بأنه قد هدأ وودعتهما على أمل اللقاء.
مررت بالشارع بعد فترة وجيزة في يوم خال من الغيوم، فلم أجد إلا مسكنًا مهجورًا وقد استغرب أحد ساكني الحي من طرقي باب هذا المسكن واستكمل دهشتي بقوله:
لا أحد يعيش هنا، منذ عشرين عامًا مات الرجل الذي يقطنه وزوجته وقد كانا ضريرين أبكمين، ولم نعرف من هما ولا من أي مكان قدما.
وحتى الولد الذي أنجباه لم نعد نذكر منه قبل أن يرحل إلا صوتًا قادمًا من بعيد يسمع الحي كل ليلة يناشد فيه أبويه أن ينجبا له أخًا يلتقطه من دروب الضلال ويسلكه في دروب النور.



#مناف_الحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور الفكر الإداري بين سياقين
- أنا في اليونان( عالمان وعالمة)
- اخرج منها يا ملعون!
- فلنطلق ثورتنا الآن
- أسئلة مختلفة ومنهج إجابة واحد
- ليبرالية رورتي (مفاهيم يجب أن تصحح وتحفظات)
- في البحث عن جذور الإرهاب
- مبادرة الخطيب
- ذكريات من أجل المكاشفة (لهذا الطباق أطروحته)
- داعش والفوات التاريخي
- الاتفاق النووي الإيراني :آفاقه وتحدياته
- لماذا انخفضت نسبة نجاح بشار الأسد ؟
- مقدمة بحث عن الدولة والقبيلة
- الكتل المتصارعة
- أحزاب الأزمات
- لا ديمقراطية بدون فردية
- الموت إحساساً بالذنب
- صديقي (س)
- في ذكرى السابع من نيسان
- لا تستخدموا الإسلام كأداة تسويق واسترضاء للأكثرية


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مناف الحمد - حدث في تلك الليلة الممطرة