أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مصعب قاسم عزاوي - المرأة الخلاقة المبدعة وزمار الحي العربي الكسيح















المزيد.....

المرأة الخلاقة المبدعة وزمار الحي العربي الكسيح


مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 8 - 22:00
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


ظلت زها حديد سيدة المعماريين في بريطانيا بلا منازع على امتداد عقود طويلة حتى رحيلها المفاجئ الذي صعق محبيها والمعجبين بفنها الفياض منذ أربعة أعوام ونيف. وزها حديد، لمن لا يعرفها، مصممة مجموعة من أكثر الأبنية والصروح إبهاراً على المستوى الكوني، من خلال مكتبها الذي عمل فيه أكثر من 400 موظف في العاصمة البريطانية لندن، بعد أن لم تجد أرضاً لتشرئب فيها سوى أرض مستعمري وطنها الأم القدماء الجدد.

وهي زها حديد نموذج ناصع للمرأة الخلاقة المبدعة التي كان نجاحها الاستثنائي تضميداً للجرح المعنوي العميق والغائر المتقرح في وجدان كل هاتيك المبدعات وأولئك الخلاقين من أبناء العالم العربي الذين لم تتح لهم الفرصة لإثبات إمكانياتهم الاستثنائية، لظروف موضوعية في معظمها ارتبطت عضوياً ببنيات المجتمعات العربية المعاصرة، أو شبكات العلاقات الاجتماعية والإنتاجية المتصلة والناتجة عنها.

وقد لا يحتاج المراقب المدقق إلى كثير عناءٍ، سواء بالنظر إلى تقرير منظمة التعاون و التطور الاقتصادي الدوري حول هجرة العقول من دول العالم الثالث إلى دول ذلك الأول، أو بالنظر عملياً، إلى حفنة عشوائية من الأبحاث العلمية المنشورة على أي من أرشيفات البحث العلمي العالمية، ليرى كيف تنتشر الأسماء غير اللاتينية، والكثير منها عربي، في نتاج المراكز البحثية والجامعات الغربية؛ أو بالنظر إلى الحقيقة الموضوعية التي عايشها ويعايشها كل المغتربين من أبناء العالم العربي، و المتعلقة بأن من يسير النظام الصحي من أطباء بريطانيا و غيرها من دول غرب أوربا هم المهاجرون الملونون و أبناؤهم، و الكثير منهم من أبناء العراق الجريح. وفي فرنسا كمثال آخر فاق عدد الأطباء السوريين في فرنسا، ومنذ عقود طويلة، عدد كل الأطباء السوريين العاملين في سورية، حتى قبل ثورتها المظلومة؛ وقد يسري نفس التوصيف على الأطباء العراقيين في بريطانيا إن توفرت إحصائيات موثقة في ذلك الصدد.

عندما خرجت ألمانيا واليابان مهشمتين عقب الحرب العالمية الثانية، وعندما خرجت كوريا الجنوبية كسيحة عقب الحرب الكورية في العام 1953، كان المرتكز الأول في إعادة خطط الإعمار في البلدان الثلاثة على اختلاف تاريخها وسياقاتها الحضارية واحد لا يتغاير، ألا وهو الاحتفاظ الحريص بكل الطاقات العلمية والتقنية الوطنية، والتي بدورها تمكنت من إعادة إعمار أوطانها حقيقياً على المستوى المعرفي، والإنتاجي، والاجتماعي، والسياسي، والعمراني. وفي سياق زمني مقارب من الناحية التاريخية لذلك الأخير، سعت معظم الدول العربية المستقلة حديثاً عن مستعمريها من الناحية الشكلية في نسقين متوازيين ينتجان نتيجة واحدة، الأول هو نسق النظم العسكرية الاستبدادية، القائمة على تغول بنيات الدولة الأمنية، وقائدها الملهم المفدى، على كل تفاصيل الحياة الداخلية في حدود سجن كبير اسمه الدولة الوطنية العربية الحديثة، فيتحول جيش البصاصين والعسس فيها إلى رقيب وحسيب سرمدي على عقل كل عالم في ذلك الوطن، وكل ما يخرج من شفتيه أو قلمه. والثاني هو نسق الاقتصادات الريعية القائمة على استخراج الثروات الطبيعية، واستيراد العمالة الرخيصة من فقراء شبة القارة الهندية، ومنتجات الاقتصاديات الغربية الاستهلاكية، وبعض الطاقات والعقول الوافدة لغرض التزيين الإعلامي، والتي لا يستقيم إبداعها الحق في تلك المجتمعات، لعدم وجود حاجة اجتماعية لذلك في ضوء نشوة المجتمع بكليته في فقاعة الاقتصاد الريعي، وما يرتبط به من بطالة مقنعة شاملة عمقاً وسطحاً في تلك المجتمعات. و يجد ذينك النسقان انتظامهما في نهج كلياني جامع هو مربع الفساد و الإفساد بحسب تكثيف المفكّر المعلم طيب تيزيني، مشخصاً بالاستئثار بالسلطة، و الثروة، و الإعلام، و المرجعية السياسية و الأخلاقية؛ و هو المتلازم أبداً مع تشبث النظم الاستبدادية العربية بإحكام سيطرتها على مجتمعاتها و شعوبها، و هو ما حوّل و يحوّل كل احتمالات للبزوغ الاستثنائي للعقول العربية المبدعة، كما تنبت الزهرة في بقايا هشيم الغابة المحترقة، احتمالاً يصعب تحققه في الواقع التاريخي العياني المشخص للمجتمعات العربية، و كياناتها القُطْرية الحديثة.

ولا يفترق كثيراً عن التوصيف الأخير، الولوج في تراجيديا تغييب معيار الكفاءة في تقلد مواطني الدول العربية الحديثة لمناصبهم الإدارية أو المهنية، في كنف تغول معايير الولاءات والمحسوبيات الشخصية بكل أشكالها الماقبل وطنية، سواء كانت قبلية، أو مناطقية، أو مذهبية، أو طائفية، وإلى ما يرتبط بها من تفرعات وصولية تشترطها معايير الدول الأمنية العربية المخترقة لمجتمعاتها عمقاً وسطحاً.

الراحلة زها حديد، بعقلها الخلّاق، كانت استمراراً طبيعياً من الناحية الوراثية لكل صنّاع الحضارة البشرية الأولى في أرض الرافدين من عهد سومر، و أكاد، و بابل؛ و لكنها تحصلت على القسط الأكبر من تعليمها في الغرب؛ أو في استطالاته في العالم العربي، ليس لتفوق الغرب حضارياً وعلمياً، وهو وعي زائف بكل المقاييس، دليله التقدم العلمي الاستثنائي الراهن في الشرق الأقصى كحد أدنى، و إنما لتحول معظم الجامعات العربية إلى مدارس ثانوية كبيرة بحسب توصيف المفكر الراحل صادق جلال العظم، و تثبتها حول كينونة تعليم الكتاتيب، و التلقين الببغائي، وفن الاستحفاظ و الاستذكار لغرض النجاح في الامتحان، لينطبق على كل ما تعلّمه طلاب الجامعات العربية نظرية (الوعاء المثقوب) بحسب المفكر نعوم تشومسكي، و الذي يتسرب منه كل ما رسخه الطالب في ذاكرته القريبة لغرض النجاح في الامتحان، كما يتسرب الماء من الوعاء المثقوب، حتى أصبح من الشائع أن ترى كثيراً من الجامعيين العرب كأنهم أشباه أميين، بعد أن نسوا بالمطلق كل ما درسوه سابقاً قبل حصولهم على تلك الوريقة التي تزين حائطهم و سيرهم الذاتية.

في كثير من المشافي الخاصة في العاصمة لندن، ترى اللافتات الداخلية في الشعب والأقسام مكتوبة باللغة العربية مع الإنجليزية، لكثرة طوفان المرضى العرب القادمين للعلاج في بريطانيا؛ و كثيراً ما كان يحز في قلوب الأطباء العرب المقيمين في لندن، عندما يرفض مريض عربي أن يعالجه طبيب من أبناء جلدته، سواء بفظاظة، أو مواربة مكشوفة، حتى لو كان مؤهلاً بنفس مستوى قرينه الأبيض من فصيلة ذوي الشعور الشقراء و العيون الملونة، في تلخيص تراجيدي لعقدة الانسحاق الحضاري تجاه السيد الأبيض في عمق و وجدان و لاوعي الكثير من الأعراب، الذين أدمنوا استبطان مثلنا الشعبي القائل بأن" زمار الحي لا يطرب".

وإلى حين صحوة العرب من عقدة انسحاقهم الحضاري تجاه مستعمريهم القدماء الجدد، سوف تبقى مجتمعاتهم طاردة لخيرة زماريها كزها حديد، التي طالما استبشرت بعقولهم، وإبداعهم، وهم ينتظرون الانسلاخ مرغمين محزونين عن أرضهم وأوطانهم.



#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)       Mousab_Kassem_Azzawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يسيطر الصهاينة على الإعلام الكوني؟
- أسباب وأعراض سرطان المثانة
- آفاق واعدة لعلاج سرطان الدم
- إكسير المناعة المعرفية
- أزمة تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها في المجتمعات العربية
- المكون العنصري في صيرورة السِّفاح الإمبريالي
- شيفرة الزواج المقدس
- التلوث البيئي الكهرومغناطيسي قاتل صامت
- عن القطيعة والاتصال المعرفيين
- أخطار مخاتلة على النمو العقلي للطفل
- من يكتب التاريخ؟
- أسس الوقاية من سرطان الجلد
- من هو المثقف الحق؟
- قروحُ الهويةِ الموؤودةِ
- تنين الدولة-الأمة وافتراس الديموقراطية
- الكوابيس عند الأطفال
- تشريح الجهاز المناعي الفكري لبني البشر
- مثلث العناوين الكبرى في صناعة الدعاية السوداء عربياً
- رؤية مقارنة لنهج الدعاية السوداء غربياً وعربياً
- ميوعة مصطلح الإرهاب وسندان الاستبداد العربي المقيم


المزيد.....




- هل يؤثّر منح اللجوء للنساء الأفغانيات على معدّلات الهجرة في ...
- هل تسقط حصانة جيرار ديبارديو أخيرًا ويحاسب على اعتداءاته؟
- الناشطات مناهل العتيبي وبشرى بلحاج وجميلة بن طويس بمواجهة ته ...
- مركز أبوظبي للغة العربية يُخلّد منجزات المرأة في كتاب «مئة م ...
- بينهم -تيك توكر- شهير.. ضبط عصابة لاغتصاب الأطفال في لبنان
- قطب صناعة السينما هارفي وينستاين يعود إلى المحكمة بعد إلغاء ...
- -نظام الملالي- والمرأة.. موجة قمع جديدة ضد النساء في إيران
- 1 May 2024
- لبنان.. تقارير تشير إلى اغتصاب 30 طفلا من قبل -تيك توكر- شهي ...
- جندي إسرائيلي سابق يكسر الصمت: استهدفنا النساء والأطفال في غ ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مصعب قاسم عزاوي - المرأة الخلاقة المبدعة وزمار الحي العربي الكسيح