|
بمناسبة الانتخابات الأمريكية
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6726 - 2020 / 11 / 7 - 09:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تنقسم الامة الأمريكية على نفسها ، مع كل انتخابات جديدة ، الى أمتين متعاديتين : أمة الحزب الجمهوري وأمة الحزب الديمقراطي ، الشيء الذي يتكرر حدوثه في العراق مع كل دورة انتخابية ، اذ يتكرر فيها انقسام العراق على نفسه : الى وحدات طائفية وعرقية يعاد فيها بعث أسوأ ما في التراث العربي الإسلامي ...
كلمة جمهورية عادة ما تذكرنا بجمهورية روما ، خاصة حين كانت روما : دولة - مدينة ، على غرار دول المدن السومرية ، ودول المدن الإغريقية ، قبل ان تصبح امبراطورية ، وهي الفترة التي انطلق منها المفكر * الفرنسي " جان جاك روسو " في كتاباته عن : اصل التفاوت والعقد الاجتماعي ، يوم كان مواطنو روما المدنيين : يديرون شؤون مدينتهم بشكل مباشر عبر مؤسسات ديمقراطية من اختراعهم وإبداعهم ...
انطلق مونتسكيو : المفكر التنويري الآخر ، في كتابه : روح الشرائع أو القوانين : يدرس أنظمة الحكم منذ روما ومروراً بدول المدن اليونانية ، ووضع أفكاره اثناء ذلك عن التقسيم الثلاثي للسلطات ، كما وضع فكرته عن توازن السلطات ومراقبة كل سلطة للأخرى ، ناظراً الى التمثيل البرلماني على انه الديمقراطية الحقيقية الرافعة للمساواة في الجمهورية ، وكانت الثورة البريطانية المجيدة 1688 التي لعب فيها البرلمان دوراً محورياً ، قد ألهمته هذا التوجه او هذا التعريف للديمقراطية ...
استفاد بناة امريكا ( الآباء ) من كتابات المفكر البريطاني جون لوك ، خاصة أفكاره الواردة في كتابه : مقالتان عن الحكومة . وقد طبقت اولى الثورات الكبيرة في التاريخ فعلاً افكار هؤلاء المفكرين التنويريين : الثورة الفرنسية 1789 ، والثورة الأمريكية 1776 ، لكن الثورتين مالتا في دستوريهما وفي تقسيم السلطات الى مونتسكيو لا الى روسو ...
احببت - والانتخابات الأمريكية تدفع المرشحين الى الرئاسة : الى تكذيب بعضهما ، واتهام بعضهما البعض بشتى التهم اللااخلاقية - الإشارة الى ان وقت الانتخابات ليس مناسبة صحية يتعلم فيها الشعب كيف يتحد ، بل يتعلم فيها كيف يتفرق الى جماعات تعادي كل منها الآخرى ، وهو بالضبط ما حدث في العراق بعد ان اصبح اعضاء البرلمان موزعين على اساس طائفي وعرقي . النظام البرلماني وفكرته الأساسية : فكرة ان يمثل فرد واحد آلاف الناس لمدة اربع سنوات : فشلت في ان تحول دون النائب ودون ان يتحول الى دكتاتور صغير يتعدى على المال العام ...
صنع النظام النيابي في العراق : في تجربته الاولى بعد تأسيس الدولة عام 1921 : طبقة اجتماعية جديدة هي الأرستقراطية ( وهو ما يحدث لأول مرة منذ أيام حكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب : اذ الارض " رقبة للدولة " في الفقه الإسلامي . بعد ان لم يتأكد نجاح تمليك الارض لرؤساء العشائر أيام حكم الوالي العثماني مدحت باشا عام 1869 ) حين أضفى الشرعية على الإقطاعيات الضخمة التي منحتها بريطانيا لرؤساء القبائل ، مكوناً طبقة اجتماعية لم تكن موجودة قبلاً هي : الاقطاع ، يحتاجها النظام الملكي كما تحتاجها بريطانيا كحليفة اجتماعية ضرورية ...
كما نجح النظام البرلماني بعد 2003 في تكوين طبقة اجتماعية جديدة غير منتجة وضد التصنيع والإنتاج : بما شرعه لأعضائه من رواتب ضخمة ، وبما غض الطرف عنه ، مما بدأ النواب يبتكرونه من طرق وأساليب وظواهر يحلبون بها ميزانية الدولة . فالنواب هم اول من أوجد ظاهرة الفضائيين ، وتعلمها منهم الوزراء وقيادات الجيش : حين اضاف البرلمانيون أرقاماً كاذبة الى قوائم حماياتهم ، وحراساتهم ، وحراسة عوائلهم وتقاضوا عنها رواتب ضخمة : كل هذه الواردات - اضافة الى امتيازات اخرى - صنعت منهم طبقة اجتماعية معيقة للتحديث والتقدم : تمتص واردات العراق قبل ان يتم استثمارها في مشاريع تحديث البنى المتهالكة : انها الطبقة التي لا تهتم بغير تكثير وارداتها الشهرية والقفز بها الى ارقام خيالية : في بلاد النفط والغاز والمقاولات الحكومية والاستيلاء على املاك الدولة او شراءها بأبخس الاثمان ...
ارتبطت ولادة ثقافة الفساد وتعممت عراقياً ، بتجربة النطام البرلماني الثاني وولادة هذه الطبقة الاجتماعية ، ولهذا لا أمل في إصلاح الأوضاع المتردية في العراق بهذا النظام . فعلى الشباب الثائر : البحث عن نظام سياسي بديل ، وعن ديمقراطية بديلة : لا تتضمن الانبطاح كعبيد امام سادة نصنعهم بانفسنا ، لكي يفكروا بالنيابة عنا ويسرقوا ثرواتنا ...
لم تجرب انظمتنا السياسية : الاسلامية والعربية نظام الحكم المبني على شكل من أشكال الديمقراطية ، لا نظام الخلافة السني ، ولا نظام الإمامة الشيعي ، ولا نظام الملوك الوراثي : جميعها تضمنت تكفير المعارضة والحكم عليها بالردة وذبحها، ووجود المعارضة ضروري لادارة الصراعات سلمياً عبر صناديق الاقتراع ، ولا يكتمل وجود الديمقراطية الا بها ، انه تاريخ حروب المقدس والمقدسين الذين يرفضون النقد ولا ديمقراطية من غير نقد عام لكل الظواهر الاجتماعية والثقافية ، أكانت تصف نفسها بالقداسة او لا ... _______________ *المفكر عندي هو الذي يبلور عبر النقد : منظومة فكرية جديدة على انقاض منظومة فكرية سابقة ، ولهذا لا يصح تسمية سيد قطب مثلاً بالمفكر الإسلامي ، لان ما كتبه هو دفاع عن المنظومة الفكرية للإسلام ، لا نقد لها ، وبالمعنى نفسه لا يصح تسمية صاحب كتاب : النزعات المادية في الاسلام ، بالمفكر الماركسي لانه حاول الاسترشاد بالمنظومة الفكرية للماركسية لاستخراج تلك النزعات المزعومة ، لا تبيان تشويهها في التطبيق على مجتمعات ريعية وانظمة حكم استبدادية يتحكم بها قطبا : الإله السماوي وظله على الارض الذي هو : الخليفة او الامام او السلطان .
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الفضائية العراقية
-
حكومة الكاظمي ومنطق مستشارها السياسي
-
في الذكرى الاولى للثورة
-
صدام حسين ، حيدر العبادي
-
قصيدتنا
-
وجها العرب في عالم اليوم
-
انه عاشوراء
-
تبيح السلطة الفلسطينية لنفسها ما لا تسمح به لغيرها
-
الاتفاق الصعب
-
عن بعض قناعاتي الشخصية
-
انبعاث فيروس الطائفية مجدداً
-
بيروت
-
طاحض هيچ وحدة وطنية
-
ألعاب الطفولة في العراق
-
قيمة الأوطان من قيمة بنيها
-
كل شيء جميل هذا اليوم
-
ليبيا - تركيا
-
هل الكاظمي في الطريق الى وعي دوره التاريخي ؟
-
ما زلت احتفظ بها ككنز ثمين
-
لا حل لمشاكل تركيا خارج حدودها
المزيد.....
-
اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
-
الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي
...
-
الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي
...
-
حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو
...
-
جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
-
تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي
...
-
الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني
...
-
محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص
...
-
نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه
...
-
نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|