أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6723 - 2020 / 11 / 4 - 20:18
المحور: الادب والفن
    


تجددَ الحِدادُ في دار بيان، ولمّا يمضِ سوى أشهر قليلة على رحيل الطفلة شيرين. لكن موت الأب كان متوقعاً، هوَ من كان غالباً طريحَ فراش المرض في الآونة الأخيرة. برغم تجاهل الكثيرين من الأقارب والجيران السابقين للرجل الراحل في آونة مرضه، كانت جنازته مشهودةً بحضور حشدٍ كبير. كذلك الأمر في أيام التعزية الثلاثة، المنعقدة في منزل ابنته. في الأثناء، كانت بيان في مرحلة متقدمة من الحمل، وتجربتها في هذا الخصوص أوحت لها أنها ستنجبُ طفلاً ثانٍ. نفسُ الحَدَس، أحسّت به رودا، وافترضت أيضاً أنها ستضع طفلها قبل أختها بقليل. وكان ثمة طفلان إضافيان، ينتظران الظهور إلى العالم في تلك السنة: أحدهما في بطن زهرة، جارة رودا؛ والآخر حملته أمّو، زوجة خلّو. هذه الأخيرة، كانت تعيش في درعا مع أسرتها وحماتها، وذلك منذ انتقال خدمة الزوج إلى تلك المدينة الجنوبية قبل بضعة أشهر. وإذاً، كان من المؤمل أن يكون عام 1957 الجاري، هوَ " عامُ الصبيان ".
في المقابل، كان من المتوقع لطفلةٍ أن ترى نورَ الحياة قريباً. إنها الجارة نجوى، وكانت قد أصبحت صديقة مقربة لبيان، التي كانت في المرحلة الأخيرة من حبلها. زوجُ الجارة، الأرمل، ترك لها عبء أولاده الستة، وكان بينهم طفلة صغيرة. كانوا يعيشون أقرب إلى الخصاصة، مع أن دخل الرجل من الخياطة كان جيداً. لكن امرأته كانت تشكو لجارتها من مثالب أخرى في شخصيته، غير الشح والحرص. علاوة على ما اتصفَ به " بَدو " من خلقٍ عصبيّ ( ربما بسبب فأفأة في لسانه )، فإنه لاحَ غيرَ مكتفٍ بهذه المرأة الفتية وما زالت عينه على مَن تقدّم فيما مضى لخطبتها: الجارة زهرة، المقترنة من أمين ولديهما طفلان والثالث على الطريق. في أيام الجُمع، عندما يتوجّب عليه الراحة من أعباء العمل، كان ذلك المراهق الأربعينيّ يقفُ لساعاتٍ أمام باب البيت ووجه باتجاه باب منزل تلك الجارة، لكي يحظى ولو بلمحة من سحنتها، التي ما فتأت بهية وساحرة مع تجاوز صاحبتها سنّ الثلاثين.

***
هذا الفرع من العشيرة الآله رشية، المنتمي إليه بَدو، كانت ظلالٌ من الشك تحوم حوله فيما يتعلق بعقيدة أفراده الدينية. الأقاويل، تحدثت عن جدّهم الأول، الذي أعتنقَ نِحْلةً غريبة، تُدعى البهائية، وذلك عندما كان في تجارةٍ بفلسطين. كذلك عاد منها بامرأة، أنجبت له ولدين، كان من نسليهما الفرعان الأصغر لهذه العائلة، المقيمة في زقاق حج حسين. ما أكّد صحة تلك الأقاويل، أنّ كبيرَ أولاد أحد الفرعين، أُعطيَ اسمَ مؤسس النحلة، بينما أصغر الأخوة الثلاثة في الفرع الآخر، اقترنَ من فتاة إيرانية، سبقَ أن استقرت أسرتها في الشام بحُكم التجارة. بقيَ أن نذكر حقيقة أخيرة، وهيَ أن أياً من أفراد فرعيّ العشيرة لم يسلك الطريقَ، المؤدي إلى بيت الله الحرام.
بذرة أخرى، الكراهية، ما لبثت أن نمت في العائلة، وذلك على خلفية الحسد. " أحمي "، الأخ الأصغر، المقترن من تلك الفتاة الإيرانية، كان موفقاً في عمله بالخياطة. أسرته، المكوّنة من ثلاثة صبيان وبنت، كانت تعيش في بحبوحة وسِعَة. كان مستأثراً بالقسم الجنوبيّ من دار والده، الكائن بمقابل دار زعيم الحي السابق. ابن هذا الأخير، جمّو، ارتبط بصداقة وثيقة مع أحمي منذ فترة الصبا، وسبقَ أن جذبه إلى النادي القوميّ في الحي. أحد مؤسسي النادي، كان ابن أخت أحمي؛ وهوَ " عصمت شريف وانلي "، الذي سيُعرف على نطاق واسع فيما بعد عندما حمل لقب بروفيسور من سويسرا، أين أقامَ كلاجئ سياسيّ بعدَ ملاحقته من لدُن السلطات عقبَ إعلان الوحدة مع مصر.

***
عامٌ قبل نشوء الوحدة، وكانت زوجة بَدو الجديدة تحمل إذاً جنينها الأول. ذات صباح، وكان يوم جمعة، هُرعت ابنة رجلها الصغرى لتشكو ابن عمها، المماثل لها في العُمر: " لقد منعني من اللعب وضربني أيضاً "، قالت لأبيها. الرجل، المعبّأ سلفاً بالحقد على شقيقه الأصغر، هبَّ من فوره وهوَ يفأفئ بغضب. اتجه إلى ابن شقيقه كي يؤدبه، لكن هذا لحق وهرب إلى منزله. عند ذلك، عمد العم الغاضب إلى الضرب بيده على باب المنزل في عنف وجنون. ظهرَ أحمي على الأثر، ليبدي استغرابه مما يجري.
" إذا لم تكن قادراً على تربية ابنك، فإنني سأفعل ذلك وحالاً! "، دمدم بَدو من بين أسنانه. عبثاً حاول الآخر تهدئته، بالقول أن الأمرَ غير ذي بال والأطفال يتخاصمون ثم يعاودون اللعب من جديد. لما تطوّر الموقف، خرجَ بعضُ الجيران كي يحولوا بين الشقيقين. بين سحب وجذب الرجال، تدخلت النساء ليعربن عن الجزع بالصياح والصراخ. على حين فجأة، إذا ببَدو يسحب سكيناً مطوىً من جيبه، ليسدد طعنة باتجاه صدر شقيقه. هذا الأخير، شهقَ بقوة وما عتمَ أن بدأ بالتهاوي في بطء عند جدار دار صديقه جمّو؛ إلى أن همد دونَ حراك. كانت طعنة خفيفة وخاطفة، فلم يتوقع أحدٌ من حضور المشادة أن تؤدي لموت الرجل. بعدما تم توقيفه من قبل الشرطة، وعلمه بموت شقيقه، حاول بَدو الانتحارَ بقطع شرايين يده بشفرة حلاقة. حكم عليه لاحقاً بالسجن عشرة أعوام، ثم تم حسم نصف المدة نتيجة قرار العفو العام بمناسبة تأسيس الوحدة السورية المصرية.

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل السادس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الخامس عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الرابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل الرابع عشر
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثالث عشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث عشر/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني عشر/ 3


المزيد.....




- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 1