أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - العدل والعقل














المزيد.....

العدل والعقل


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 6710 - 2020 / 10 / 21 - 15:27
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


«سوّر مدينتك بالعدل» هذا ما خاطب به الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز أحد ولاته الذي طلب منه بناء سور لحماية مدينته من مداهمة بعض المتمردين أو المعارضين أو ما يسمى الخارجين على القانون بالمصطلحات الحديثة، لأن العدل صمام الأمان لضمان سلم وأمن الوطن والمواطن.
وقد ظلّ سؤال العدل يراود المشتغلين بالحقل العام، سواء بمعناه الفلسفي أو الاجتماعي أو القانوني، أقول ذلك وأنا أدرك حجم الاختلاف في التفسيرات والتأويلات لمفهوم العدل وشروطه، علماً أنه لا يوجد دين أو فلسفة أو إيديولوجية أو نبي أو مفكر أو فيلسوف أو مصلح، إلّا وخصّ العدل بموقع متميز من منظومته. وعندي أن شرط تحقق العدل يرتبط بالمساواة، فلا عدل دون مساواة، وهما أس السلام والاستقرار والتقدم والتنمية، وحسب عبد الرحمن بن خلدون، العدل بالعمران والظلم بالخراب، ولكن مفهوم العدل يختلف بين مفكر وآخر وبين مدرسة فكرية وأخرى وبين تيار سياسي وآخر، وفقاً للخلفيات الاجتماعية والنظرة الفلسفية للحياة والكون.
يقول ابن رشد «العدل معروف في نفسه، إنه خيرٌ وإن الجور شرٌ» وحسب معجم لسان العرب أن «العدل ما قام في النفوس، أنه مستقيم وهو ضد الجور»، وهو يعني في كتب اللغة العربية «القسط والإنصاف وعدم الجور وأصله التوسط بين مرتبتي الإفراط والتفريط»، أي أنه الاعتدال في الأمور ويقابله الظلم والجور، كما ورد في القرآن الكريم بمعنى القسط والأمر بالعدل والإحسان (سورتا النساء، الآية 135 والنحل الآية 90(.
وحسب الإمام علي «العدل إنصاف والإحسان تفضيل»، وفي كتاب تهذيب الأخلاق للجاحظ «العدل هو استعمال الأمور في مواطنها وأوقاتها ووجوهها ومقاديرها من غير سرف ولا تقصير ولا تقديم ولا تأخير»، وسيكون العدل ضمانة لتأمين احترام حقوق الإنسان أفراداً أو جماعات، تلك التي يمكن تأطيرها بقوانين ودساتير ولوائح وشرائع وأنظمة، لأن جوهر العدل ومبتغاه ينبغي أن يكون الإنسان، فهو مقياس كل شيء حسب الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس، ولا يتحقّق ذلك إلّا بإسناد الحق إلى صاحبه وتمكينه من الحصول عليه وحيازته على نحو يؤمن سياقاته، فتحقيق العدل فضيلة من فضائل الروح الإنسانية والقلب الرقيق، لأنه سبب في تقدّم البشر والأمم والأقوام والدول ورفاهها ومشروعية في حكمها (المقصود قانوناً) وشرعية لحكامها (المقصود سياسية)، لأنه سيضمن الأمن والسلام للمجتمع وللفرد، بحيث لا تفريط بحقوقهم ولا إفراط تحت أي حجة أو ذريعة.
وكما ورد في الحديث النبوي عن الرسول محمد «عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، وجور ساعة أشد معصية من ستين سنة»، وكما يقال «حوار سنة أفضل من حرب ساعة»، لأن الحرب دمار وخراب ومآس وآلام، في حين أن الحوار والنقاش والسجال والجدل يمكن أن يوصل إلى حلول تجنب كل ذلك، ويستحصل كل حقه بالعدل.
ولذلك يرمز للعدل بالميزان وهو شعار القضاء ونقابات المحامين وهدف الحقوقيين والنشطاء في كل مكان، ويشكّل العدل جوهر الدراسات القانونية والسياسية والفلسفية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والإدارية والدينية والنفسية وغيرها، لاسيّما التي تنظم علاقة الفرد بأقرانه وبالمجتمع والدولة.
وقيمة العدالة الحقيقية هي بالمساواة والشراكة والمشاركة، وبالطبع بالحرّية وتلك هي أركان المواطنة السليمة والمتكافئة، التي تعرفها المجتمعات الحيوية والتي تحقق جزء كبير منها بفعل كفاح طويل الأمد، خصوصاً بإلغاء التمييز بين البشر لأسباب دينية أو عرقية أو لغوية أو لونية أو اجتماعية أو جنسية أو لأي سبب كان يخلّ بمبادئ العدالة وبفكرة تكافؤ الفرص، وهي المرآة الحقيقية العاكسة لحسن سير المجتمع معتمداً على جدوى تطبيق المبادئ.
والعدل بالعقل أيضاً، فهي بالبرهان العقلي والقياس المنطقي، فإذا كان الإنسان أخا الإنسان، فلا بدّ لهما أن يتساويا في الكرامة، وتلك الحكمة أساساً تستند إلى العقل، وحسب أبو الوليد بن رشد فإن العدل خير بذاته وهو ينسحب على جميع الأوجه وعلى كل المستويات، وذلك لارتباط العلّة بالمعلول، والخير لا يأتي إلّا بالخير، على الصعيدين الفردي والجماعي.
ولئن العدل خيرٌ مطلق، فإن من يعارضه ويحول دون تحقيقه على مستوى الذات والآخر والفرد والجماعة، هو شرٌ بالضرورة أو على سبيل الشر ومدعاة للجور، ولا يمكن تحقيق إنسانية الإنسان دون العدل، وهو شرط لحوار فكري للدفاع عن الحقيقة، وهكذا هي سلطة العقل التي ستكون موشّاة بالعدل.
[email protected]
• العدل والعقل
عن الكاتب

عبدالحسين شعبان
أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منتدى الثلاثاء الثقافي : التنوّع والتواصل والفضاء المعرفي
- حين يغيب المشروع العربي تتصدر المنطقة ثلاث مشاريع هي: الصهيو ...
- غاندي وروح الحقيقة
- مجلة المستقبل العربي - الريادة والأفق
- عزيز محمد شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة الثا ...
- عزيز محمد شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة الحا ...
- عن الفلسفة والدين
- عزيز محمد شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة العا ...
- -اللحظة- الآسيوية
- الدولة والدولانية في العراق إشكاليات منهاجية وعملانية
- حكاية منصور الكيخيا والاختفاء القسري
- المواطنة الحاضنة للتنوّع
- 40 عاماً على الحرب العراقية - الإيرانية: مصارعة على الطريقة ...
- في معنى اللّاعنف
- عزيز محمد شيوعيـة بـلا جنـاح: الاستعبار والاستبصار- الحلقة ا ...
- البوسنة وحرب القرون الوسطى
- مع الدكتور جورج جبور: حين يكون المفكّر رجل دولة
- ستة أنساق لثقافة اللّاعنف
- عن الإرهاب وضحاياه
- عزيز محمد شيوعية بلا جناح: الاستعبار والاستبصار - الحلقة الث ...


المزيد.....




- ماسك يوضح استغلال بايدن للمهاجرين غير الشرعيين في الانتخابات ...
- سفير فرنسا في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء فوري للحرب على غزة
- شكري: مصر تدعم الأونروا بشكل كامل
- تقرير يدق ناقوس الخطر: غزة تعاني نقصا بالأغذية يتخطى المجاعة ...
- الأمم المتحدة تدين اعتقال مراسل الجزيرة والاعتداء عليه في غز ...
- نادي الأسير يحذّر من عمليات تعذيب ممنهجة لقتل قيادات الحركة ...
- الجيش الإسرائيلي: مقتل 20 مسلحا واعتقال 200 آخرين خلال مداهم ...
- وفد إسرائيلي يصل الدوحة لبدء مباحثات تبادل الأسرى
- إسرائيل تمنع مفوض الأونروا من دخول غزة
- برنامج الأغذية العالمي: إذا لم ندخل شمال غزة سيموت آلاف الأط ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - العدل والعقل