أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جلبير الأشقر - فرنسا… من شفرة السِكّين إلى شفير الهاوية














المزيد.....

فرنسا… من شفرة السِكّين إلى شفير الهاوية


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6710 - 2020 / 10 / 21 - 09:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من نافلة القول إن الجريمة التي ارتكبها شاب شيشاني في ذبح أحد المدرّسين في فرنسا جريمة بشعة نكراء. بل كدنا لا نحتاج إلى التأكيد على ذلك لما في تلك الجريمة من فظاعة تشمئز لها النفوس في عالمنا بقيمه الحضارية المعاصرة.
كدنا لا نحتاج لاستنكار تلك الجريمة، إذاً، لولا أن في منطقتنا الكثيرين ممن لا يزالون يتبعون معايير كانت سائدة في زمن غابر. أما أصل البلاء فهو جماعة غارقة في الرجعية استولت قبل ما يناهز القرن على منطقة الحجاز بحرميها الشريفين لتشملها في إطار مملكة لا تزال تمارس حتى يومنا هذا قطع الرؤوس في الساحات العامة، وهو التقليد ذاته الذي اتبعته داعش عندما تخيّل للسامرائي الملقّب بالبغدادي أنه يؤسّس خلافة جديدة. وإذ يستنكر العالم برمّته جرائم إرهابية كالتي ارتكبها الشيشاني، يسكتون عن تلك التي لا تقل إرهاباً والتي يمارسها النظام السعودي. وهذا ينطبق على الحكم الفرنسي عينه الذي يلهث وراء الدولارات النفطية وتتوقف عفّته الأخلاقية عند الحدود التي تبدأ من بعدها مصلحته التجارية.
هذا وقد تكون أخطر تبعات جريمة الشيشاني أنها جاءت تصبّ الزيت على نار رهاب الإسلام («الإسلاموفوبيا») التي كانت متقّدة في فرنسا والتي أجّجها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام بخطبته ضد ما أسماه «النزعة الانفصالية الإسلاموية». وهي تسمية تساهم في شيطنة المسلمين وجعلهم جسماً غريباً عن جسم الأمة الفرنسية، تلك التي تدّعي العلمانية بل تغالي فيها. والحال أن الجريمة بعد الخطبة جاءت بمثابة ضوء أخضر لحملة قمعية واسعة النطاق طالت جماعات إسلامية، وجماعات غير إسلامية مناهضة لرهاب الإسلام، لا تمت غالبيتها للإرهاب بصلة. بل هي حملة انتقل معها الإرهاب من صفّ مرتكبي الجرائم النكراء كالتي توالت على أرض فرنسا في السنوات الستّ الأخيرة إلى صفّ الدولة الفرنسية إزاء سكان البلاد المسلمين. وهي غاية أعلنها الحكم الفرنسي صراحةً على نغمة «إرهاب الإرهابيين» المعهودة والتي تبرّر لجوء الدولة إلى ممارسات إرهابية تتعدّى دائماً نطاق الإرهابيين المزعومين الذين تتوخّى إرهابهم لتشمل محيطهم الثقافي والاجتماعي بأسره.

أما تبرير ذلك كله بحجة الدفاع عن «حرية التعبير» فتشوبه تناقضات عديدة. إن كاتب هذه السطور من أحرّ المدافعين عن حرية التعبير، بما فيها حرية نقد الدين التي تشكّل محكّ حرية التعبير، كما يشهد عليه تاريخ البشر إذ نمت حرية التعبير في كل مكان في صراع ضد خنقها وكبتها باسم الدين. غير أن حرية التعبير لا تعني حرية استفزاز المشاعر عن قصد وبلا قيود، كما تعترف به القوانين الفرنسية التي تحظّر التعبيرات العنصرية المعادية لليهود، بل وحتى في أيامنا تلك المعادية للسود، لكنّها تجيز في الممارسة تلك المعادية للمسلمين. تصوّروا لو جاء المدرّس برسومات كاريكاتورية معادية لليهود كالتي كانت دارجة في الزمن الفاشستي ليشرح لتلاميذه «حرية التعبير». لقامت الدنيا عليه ولم تقعد! ذلك أن فرنسا أدركت بشاعة النزعة اللاسامية، أي المعادية لليهود، التي كانت متفشية فيها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية والتي جعلت سلطات فيشي تشارك في الإبادة النازية لليهود، لكنّها، أي فرنسا، لم تفطن بعد لبشاعة النزعة المعادية للإسلام التي جعلتها ترتكب كبرى جرائم تاريخها الاستعماري.
ثم كيف تدّعي فرنسا محاربة «النزعة الانفصالية الإسلاموية» وتزكّي قيام مدرّس بدعوة التلامذة المسلمين الذين تنفّرهم الرسوم التي ارتأى عرضها إلى مغادرة القاعة ريثما ينتهي من العرض؟ أفليس مثل هذا التمييز هو عين الطائفية ونقيض العلمانية التي تصبو إلى صهر أفراد الأمة في بوتقة قومية واحدة تتخطّى الفروقات العرقية والدينية بينهم؟ فكيف لو أخذ المدرّسون الفرنسيون يعرضون رسومات تُشين ديانة بعد أخرى وعرق بعد آخر، داعين التلامذة المنتمين إلى الفئة المستهدفة في كل حين إلى الخروج من القاعة؟ وأخيراً فيا ترى، هل أن حرية التعبير في فرنسا مصانة أكثر منها في بريطانيا التي تُضرب مثالاً على الحريات ودولة القانون؟ والحال أنه لا يعقل أن يقوم مدرّس في مدرسة بريطانية بعرض رسوم كاريكاتورية معادية لأي جماعة من البشر على تلامذته بدون أن يعاقَب، خلافاً للحالة الفرنسية حيث دافعت إدارة المدرسة عن المدرّس بعدما احتجّ بعض أهالي التلاميذ على فعله.
لا نقول ذلك تبريراً لجريمة الشاب الشيشاني التي لا حجة ولا ذريعة تشفع لها، ولا لإلقاء جزء من اللوم على المدرّس الضحية الذي يرجَّح أنه تصرّف بنيّة حسنة، بل لتبيان خطورة الغطرسة الاستعمارية التي لا تزال تسود المؤسسات والإعلام في فرنسا والتي لا يمكن عزلها عن كون فرنسا أكثر الدول الغربية مسرحاً لجرائم فظيعة يرتكبها مهووسون باسم الإسلام، وهو منهم براء. فقد لقي المدرّس حتفه بأبشع الطرق ضحيةً لجنون الشاب الشيشاني، لكنه سقط أيضاً ضحية نظام أساء تفسير حرية التعبير وأخفق في تدريسها بربطها بالتسامح واحترام الآخرين، اللذين لا ألفة في المجتمع بدونهما. والحقيقة أن سلوك المؤسسات الفرنسية بدءاً من رأس الدولة إنما من شأنه شحذ المشاعر البغيضة التي يتغذّى منها أقصى اليمين مثلما تنمو الجراثيم في المياه الوسخة. ولو استمرت فرنسا على هذا المنوال، قد تستفيق في مستقبل قريب وقد وصل أقصى اليمين فيها إلى الحكم بما يُدخلها في طور فاشستي جديد نعلم من التاريخ كم أن عواقبه وخيمة على حياة الشعوب.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أردوغان وإفلاس العثمانية الجديدة
- غباء العنجهيّة الذكوريّة… لاسيما الجبان منها
- ماذا تبقّى من جمال عبد الناصر بعد نصف قرن؟
- السودان: قذارة الابتزاز الأمريكي وحقارة الرضوخ له
- من المأساة إلى المسخرة: حول حفل التوقيع في البيت الأبيض
- بن سلمان في الميزان: هل ينتهي تولّيه العهد قبل العهد؟
- فرنسا ووهم الاستعمار المستدام
- نتنياهو وبن زايد يشاركان في حملة ترامب مرة ثانية
- «حزب الله» من التحرير إلى الطغيان
- «كلّن يعني كلّن»!
- الاستبداد وتلفيق التهم: عمر الراضي نموذجاً
- إجماع سعودي إيراني على حساب المسلمين!
- مأساة لبنان والوطنية الحقّة
- تحية للعالمات المشاركات في مشروع «الأمل»
- الجدوى من العدوى: عن دلالة الخيال الكارثي
- الموقف الوطني المصري السليم من ليبيا
- شهادة بولتون عن ترامب وبوتين وسوريا
- سفينة لبنان تغرق ولا من يعوّمها
- العنصرية والطائفية والرُكبات على الرَقبات
- الصهيونية بنت العنصرية الاستعلائية البيضاء


المزيد.....




- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جلبير الأشقر - فرنسا… من شفرة السِكّين إلى شفير الهاوية