أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - لذة العبودية الطوعية!














المزيد.....

لذة العبودية الطوعية!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 6704 - 2020 / 10 / 15 - 16:01
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ماذا يحدث عندما يصل شعبٌ ما في مكانٍ ما إلىَ مرحلةِ الاكتفاءِ المازوخي في لذةِ المَذلةِ والاستكانةِ والرضا بأيّ حاكمٍ أو إرهابي أو حِمار أو درويش يحكمه ويصنع له الدولةَ السجن؟
هنا تظهر العُقدةُ التي لا حلَّ لها؛ فكيف تُقنع شخصاً يُصْفَع علىَ قفاه بأنَّ الصفعةَ ليست قُبـْـلــَة؟
أتحدثُ هنا عن فترةٍ زمنيةٍ مُحَدَّدَةٍ، قد تطول أو تقــْصُر، يصاب الشعبُ كلــُه، مع استثناءاتٍ قليلةٍ، بلـَذةِ العبودية التي تُعطي إحساساً خادعاً بالأمانِ والسلامِ والابتعادِ عن سَوْط السُلطة والتخويف المستمر.
كلُ الناسِ تخاف من كلِ الناسِ، وتتربص بك العيونُ، وتطارد الآذانُ همساتــِكَ، ويلجأ الناسُ إلى الدينِ ليستخلصوا منه، علىَ هواهم، المُخَدِّرَ الذي يربط عبوديةَ أهلِ الأرضِ بالسماءِ، ويتم العثورُ في ثنايا الآياتِ المقدسةِ والأحاديث المتواترةِ والحكاياتِ والمروياتِ والعنعنياتِ عَمّا يُلــْـصِق الهزلَ بصحيحِ الدين، والخوفَ من الحاكمِ بالخوفِ من اللهِ، وطاعةِ الخالق بطاعةِ المخلوق!
لذةُ العبوديةِ عاشها وعايشها وآمن بها ضعافُ النفوسِ، ومتأخرو العقولِ، والجهلاءُ لقيمة البشر، وكرامة الإنسان؛ وهؤلاء قد يكون انتماؤهم لصفوةِ المجتمع من إعلاميين ومثقفين وأكاديميين وباحثين وسياسيين ورأسماليين وفقهاء ودعاة لكل الأديان؛ لكنَّ فـِـقـْهَ الجُبْنِ أطاح بالنفس السوية وصنع بديلاً لها: رعشة في الفكر، والقلب، والروح؛ فيهجر صاحبُنا خَلـــْـقاً نفخ اللهُ فيه من روحــِه فسكنته الشجاعةُ والكرامةُ والتسامحُ في قالبٍ إنسانيٍ مكتمَل، ليرتمي في أحضانِ العبوديةِ الأقرب إلى حيواناتِ الغاب!
شغلتني طويلاً قضيةُ القابلية للعبودية، خاصة إذا تعَلــَــقـْتْ بجماعة من البشر ذاقتْ حلاوةَ التَحَضُّر في تاريخِها، وعرفتْ مركزيةَ التَمَدُّن لفتراتٍ زمنية، وكانت قِبلةَ التنوير؛ ثم هجمَ عليها رجالُ دينٍ أو عسكر أو دراويش أو حيوانات بشريةٌ فتناغم الأخذُ والعطاء لتختار الجماعةُ في النهايةِ طريقَ التخلف، والقسوة، والغـِـلــْـظة، والفساد، والاحتيال، والجُبْن، والوشاية، والكراهية، وترجع القهقري في سُلـَّمِ الحضارة ولا تتحسَّر علىَ ماضيها؛ إنما تفتخر بالذين دَمَّروها وهي تحسب أنهم يُحْسِنون صُنعا؟
لا طريقَ للنجاةِ إلا برفع القداسةِ عن الجميع؛ التاريخ، والبشر، والحُكــَّــام، والسلطات، والأفكار، والآراء، والنصوص حتى نقطع الطريقَ علىَ المسيطرين علينا و.. المتحَكـِّمين في سلوكياتــِــنا.
لا طريق للنجاةِ إلا بالشك، والريبة، والنقد ، فالشكوكُ صراعُ العادةِ مع العقل، ومحاولاتُ سيطرةِ (ما ألفينا عليه آباءَنا) على تطور الفكر!
لا طريق للنجاة قبل أنْ يتعلم الناسُ أنَّ الكرامةَ قبل الخُبز، وأنَّ الشجاعةَ قبـْـل العِلــْـمِ، وأنَّ الطريقَ للخلاصِ يبدأ بتصغير، وتحجيم، وتقزيم الكبار.
لا طريق للنجاةِ قبل تَساوي كلِّ الرؤوس، وصناعة مجتمعٍ جديد يقوم علىَ نَبْذِ كل القوانين التي صنعتْ الإنسانَ الدُمْية، أو العبْد، أو الذليل، والبدء في تلقين الناس مباديء الأخلاق القائمة علىَ تطور المجتمع إلىَ الأفضل؛ وليس علىَ آراء رجالٍ يلقنوننا من معابدِهم أصولَ علاقتِنا بالسماءِ و.. مع بعضِنا في الأرض.
لا طريق للنجاة قبل نَزْع الخوفِ من صدورِنا، ونزع الرغبة في الوشاية ضدنا من صدور القريبين مِنــّـا، واعتبار الواشي عدواً لكَ، وعدواً لي، وللمجتمع!
لا طريق للنجاة قبل استبدال ثقافة العقل بثقافة النقل، وإعادة الاعتبار للكتاب، وأنْ لا تزيد قراءاتــُك الدينية عن عُشْر قراءاتــِـك العِلـــْـمية، والإنسانية، والثقافية، والأدبية.
لا طريق للنجاة قبل احتقار، وازدراء، ونَبْذِ، وكراهية الحوارات الدينية الاستعلائية التي تُفاضِل بين ما تلقيناه عن أسلافِنا مما هو غيرُ مؤكدٍ مع ما تلقاه غيرُنا عن أسلافِهم مما هو ليس مؤكداً!
لا طريق للنجاة إلّا أنْ تنظر في المرآةِ قبل مغادرتِك بيتك، وتشهق شهقة الحرية، وتُقـْسِم لنفسِك أنك إنسانٌ حُرٌّ غيرُ مختومٍ علىَ قفاك من رجلِ الأمن، والعسكري، والدرويش، والحِمار الذي يحكُم بلدَك، ثم ترفع رأسَك في عِزة، ورفعة، وشجاعة و.. لو كنتَ أفقرَ من شحّاذ.
لا طريق للنجاة قبل أنْ تقتنع أنَّ الذي مات في السجن أمس، وأول أمس، وسيموت اليوم من التعذيب، ومن سيموت غداً من الظُلــْـمِ، والمرض، ونقـْصِ الدواءِ هو أخوك في الإنسانية أمام الله حتى لو غضَّ الناسُ الطرفَ عنه!
لا طريق للنجاة قبل الغضبِ فهو دينامو الإيمان، ومن يكتفي بالسخرية، والضحك، والمديح، والتزلـُّـف، والتمَلــُّـق، والخوف، والجُبْن، والصمْت؛ سيعيش ويموت مثل فأرٍ خُلــِقَ ليجري من جُحْرٍ إلىَ آخر لئلا يلمحه قِطٌّ هائِمٌ يبحث عن فريسة.
لا طريق للنجاة قبل التخلص من الشيطان الذي يتسلل لخمسة أماكن: قصر الرئاسة، أو يجلس تحت قبّة البرلمان، أو يلتصق بمطرقة القاضي، أو يصعد المنبر مع رجل الدين، أو يحشر رأسَه في سِنِّ قــَـلــَمِ الإعلامي.
لا طريق للنجاة قبل أن تقتنع، وتؤمن إيماناً صلباً، وراسخاً أنَّ رئيسَ الدولةِ، ورجلَ الأمنِ،والقواتِ المسلحةَ، والقاضي، والداعية الديني، والحكومةَ هُمْ في خدْمتِك، وليس العكس!
لا طريقَ للنجاةِ قبل أنْ تتحسس قفاك، وتصرخ في وجهِ من يقترب من كرامتِك، أو أنْ تنتظر حَفــَّارَ القبور ليلقي بكَ في حُفْرةٍ ضيقةٍ مكتوب عليها: عاش ومات و.. لم يصفع مُهينيه!

طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 15 أكتوبر 2020



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعوبٌ في الوقت الضائع!
- حماية الفساد في ظل صحافة لا تُخيف!
- الديكتاتور يشكر الساخرين منه!
- الجمهورية الفرنسية الإسلامية!
- البحث عمن يحب لبنان!
- لماذا نتشاتم على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- لن أكتب عن جمال خاشقجي!
- مشاعر استعمارية تتجدد في داخلك!
- من قال إنَّ عبدَ الناصر مات!
- هل يُصاب شعبٌ بمرضٍ نفسي جَمْعي؟
- خرافة احترام القوانين!
- شجاعةُ الدينِ ليست دينَ الشجاعة!
- لماذا تتأخر بعض الشعوب؟
- خطورة الاكتفاء بالضمير الديني!
- رسالة من مصري لابنه شهيد ثورة يناير!
- عبقرية الديكتاتور الفاشي!
- قاطعوا إسرائيل و.. لا تقاطعوا الإمارات!
- الإنصات لأنفاس الأرانب!
- هل تريد أنْ تربح رضا الرئيس؟
- كورونا والسجناء وأوهام الأمل الكاذب!


المزيد.....




- السعودية.. الشرطة تتدخل لمنع شخص بسلاح أبيض من إيذاء نفسه في ...
- فيضان يجتاح مناطق واسعة في تكساس وسط توقعات بمزيد من الأمطار ...
- إدانات ألمانية وأوروبية بعد تعرض نائب برلماني للضرب
- مقتل مراهق بأيدي الشرطة الأسترالية إثر شنه هجوماً بسكين
- مجتمع الميم بالعراق يخسر آخر ملاذاته العلنية: مواقع التواصل ...
- هايتي.. فرار عدد من السجناء ومقتل 4 بأيدي الشرطة
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل أحد حراس القنصل اليوناني أثناء مراس ...
- قتيلان في هجوم استهدف مرشحا لانتخابات محلية في المكسيك
- محلل سياسي مصري يعلن سقوط السردية الغربية حول الديمقراطية ال ...
- بيلاروس تتهم ليتوانيا بإعداد مسلحين للإطاحة بالحكومة في مينس ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - لذة العبودية الطوعية!