أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الحادي عشر/ 1














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الحادي عشر/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6696 - 2020 / 10 / 6 - 18:54
المحور: الادب والفن
    


برغم ما اتسمت به حياتها من روتينٍ يوميّ، كانت بيان تعدّ نفسها امرأةً سعيدة. أعتادت أن تستيقظ مبكراً، لتحضّر الفطور لرجلها. لكنها بعدئذٍ، لم تكن ترجع إلى الفراش. لقد فطمت مؤخراً أصغرَ الابنتين؛ الشقراء ذات العينين السماويتين، الشبيهتين بعينيّ جدّتها، المرحومة سارة. ولأنها ولدت عقبَ وفاة الأمير، أُعطيت اسمَ زوجته. الطفلة الأخرى، المكلل رأسها بالشعر الأسود، تميّزت بالفطنة والنباهة إلى شيءٍ من الشقاوة، المتمثّلة بالميل للعراك مع شقيقتها. لكنهما كانتا تستغرقان في النوم غالباً إلى منتصف النهار، ما يتيح للأم التفرّغ لمشاغل المنزل. الجارة سَرو، كانت تطل عليها أحياناً، لتشربا معاً قهوة الصباح، ومن ثم تتعاونان ببعض الأعمال هنا وهناك. لقد أعتادت سَرو على التعامل مع جارتها الفتية، كما لو كانت الأم: في حقيقة الحال، أن ابنتها الوحيدة، " سمراء "، كانت في عُمر بيان تقريباً. أما من رجلها الجديد، حمّوكي، فإنها أنجبت في عامٍ مضى غلاماً، ما لبثَ أن توفيَ بأحد أمراض الطفولة.
فرجة الجدار، المطلّة على الجيران الطيبين، أتاحت لبيان عقد صداقة مع امرأة أخرى. إنها " حفصة "، ابنة حَمي سَرو، وكانت تكبر هذه بقليل لكنها تزوّجت في وقتٍ متأخّر. ربما كابدت مؤخراً بعضَ الغيرة، وهيَ ترى علاقة امرأة أخيها الوثيقة بالجارة الفتيّة. صارت هيَ الأخرى تدعو هذه الأخيرة إلى صحبتها، في كلّ مرةٍ تطل لتسأل عن امرأة أخيها. لمحض المصادفة، أنها رُزقت بكلّ من ابنتيها بنفس توقيت إنجاب بيان لطفلتيها. وكان لديها أبنٌ أيضاً، يقارب عُمره العاشرة، قيلَ أنه يُعاني من شيءٍ من البله. بيان، كانت نادراً ما تزور أولئك الجيران، وذلك لوجود شابّ أعزب هنالك في المنزل. هذا الشاب، وهوَ شقيق حفصة الأصغر، كان يُدعى باسم تشنيع، " بيفازو " بالباء الأعجمية؛ ويعني: رجُل البصل! مع ذلك، كان شخصاً إجتماعياً ويكن كثيراً من الود لشباب آل حج حسين، بوصفهم أقاربه. ابن رابعة، خلّو، كان أحد أصدقائه، وذلك منذ أن كان يعيش في دار الجدّ مع أمه. عبرَ فرجة الجدار، كانا فيما مضى يتفقان على موعدٍ لجولة في البستان أو سهرة في مقهى قوّاص.

***
وهيَ ذي رابعة، تأتي إلى الحارة مع ابنها. سألها هنالك مرة أخرى، ما لو أرادت منه أن يعود ليأخذها، فأجابت أنها ستبقى إلى عصر يوم الغد. بعد انصرافه، بدأت في جولة على منازل أشقائها واحداً واحداً، بحَسَب تسلسل أعمارهم. ثم حطّت أخيراً في ضيافة بيان، وكان رجلها ما زال في العمل. قُدّمت القهوة للضيفة في الإيوان، فتناولت هذه الفنجانَ: " غدا الأخوة كالغرباء عن بعضهم البعض، بوساطة الجدران، التي رفعتها نساؤهم "، قالتها وهيَ تنفخ على البخار الساخن. ثم استدركت، محدّقة في بيان بعينين متحجرتين: " بالطبع لا أقصدك أنتِ، مع أنك أكثر المستفيدات من تقسيم المنزل "
" تقسيم المنزل، تقررَ قبل مجيئي إليه وكانت المرحومة والدتك بعدُ في كامل صحتها "، ذكّرتها بيان بهذه الحقيقة. تمتمت الأخرى، وهيَ تستدير بوجهها إلى جهة الفرجة، المطلة على بيت الجيران: " رحمها الله.. ". ثم أتبعت ذلك بالتساؤل: " كأنني أسمعُ صوتَ رجال، آتٍ من داخل الدار؟ ". امتقع وجه بيان غيظاً، فانتصبت واقفة لتقول: " أيّ رجال؟ ". هنا، وقبل أن تفتح ابنة حميها فمها، أمسكت بيدها: " تعالي لأريك مصدرَ الصوت ". ومضت معها بضع خطوات إلى حجرة المؤونة، التي يسطع منها نورُ النهار من خلال نافذة وحيدة في أعلى الجدار. هنالك، أشارت بيان بيدها نحوَ النافذة: " هل عرفتِ الآنَ مكانَ الرجال؟ ". الأصوات، كانت ما فتأت تتعالى من لدُن المستأجرين الأغراب، الذين يقيمون في منزل هُوري. قالت رابعة، متكلّفةً نبرة بريئة: " آه، واضحٌ أن الأصواتَ من عند الجيران. لقد تساءلتُ حَسْب، ولم أقصد شيئاً! ". لم تعلّق بيان بشيء. لكنها لما عادت مع ضيفتها إلى الإيوان، أعادت فنجاني القهوة إلى الصينية، قائلةً: " المعذرة، عليّ إعداد الغداء قبل حضور جمّو ". بدَورها، لملمت رابعة ملاءتها: " سأنتظره في الحديقة "، قالتها ثم سارت إلى تلك الجهة.

***
بقيت الضيفة بعد الغداء، وذلك لما دعاها جمّو للسهرة. وكانت هذه مناسبة، ليجتمع الأخوة ونساؤهم مساءً في الإيوان. في أثناء تبادل الرجال الحديث، راحت الطفلتان تلهوان حول المناضد الصغيرة. التفتت رابعة عندئذٍ إلى والدتهما، لتقول بصوتٍ مسموع: " يظهر أن خلفتكِ، ستكون كلها إناثاً ". فعقّبَ فَدو، ضاحكاً: " أمن المحال أن يأتي الصبيّ بعد ابنتين، أيتها المرأة المسمومة؟ ". تعالت الضحكات، وشاركتهما رابعة في ذلك. إلى أن اتجهت، هذه المرة، نحو امرأة فَدو: " والعقبى لكِ، كي يمتلأ المنزل بالصبيان والبنات "
" إن شاء الله "، غمغمت مزيّن وقد أظلمت سحنتها. عند اختتام السهرة في ساعةٍ متأخرة، كونها ليلة الخميس، ألحّ فَدو على رابعة أن تأتي للمبيت في بيته. بعدما تفرق الضيوف، قال جمّو وهوَ يضع رأسه على الوسادة: " صدقَ فَدو، لما وصف شقيقتنا بالمرأة المسمومة ". هنا، لم تعُد بيان تطيق كتمَ ما في داخلها من القهر. فقصّت على رجلها ما فاهت به رابعة، لما سمعت أصوات الجيران. استشاط عندئذٍ جمّو، غضباً: " لو جرؤت على هكذا تصرّف مشين لدى هَدي أو مزيّن، لقامتا بطردها من المنزل حالاً ".

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل العاشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل العاشر/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: مستهل الفصل العاشر
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 4


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الحادي عشر/ 1