أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - عقول استفحل جفافها















المزيد.....

عقول استفحل جفافها


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6684 - 2020 / 9 / 22 - 00:26
المحور: الادب والفن
    


دخل المعرض و له يقين انه لن يجد أحدا، أو قد يجد بعض المتسللين مثله والذين لا يحفلون بدعوات المقاطعة
السياسية ، التي تصب كمزاجية تتقلب بين دعوة وأخرى ،وحسب التعليمات الفوقية ارتكازا على أسباب واهية قد تحرف الدين ،وتعلي المذهب ، وتنحاز للانتماء ، وحيث انه لايهتم بجنسية العارض او ديانته فقد حضر خصيصا ليشجع احدى صديقاته وهي كاتبة تعده من قرائها الاوفياء و التي عزمت على الحضور لتوقيع مجموعتها القصصية : "الملائكة تقارع اللحى "
لم يكن أحد داخل المعرض غير صديقته الكاتبة التي وجدها مشدودة الى لوحة انشداد طفل بحلوى يتلهف عليها ..فاجأها وهو يضع يده على كتفها ،حين اشرأبت بعنقها، كان الدمع متحجرا في عينيها ،استدارت اليه لتعانقه بسلام وقبلتين تركتا اثر اهتزاز شفاهها على وجهه .. رفع بصره الى اللوحة ، اثارته وأمسكته بانفعال حرك مشاعره الداخلية ، لبنائها الفني الذي يكشف عن عبقرية الرسام وثقافته العالية ، فمن خلال كثافة دخانية استطاع توليف صورة شاب وسيم متداخلة مع صورة أنثى ،كأنها صديقته سناء الواقفة بجانبه..
حدق في وجهها وكأنه يراها لأول مرة ، ادركت ما يعتمل في صدره، فتأبطت ذراعه وجرته وهي تدعوه لمقهى تابع لقاعة المعرض..
كانت تريد أن تبعده عن تأويلات تنثرها عيناه وهو يتسلل الى أعماقها ، حتى يعرف سر الصورة ، عساها تكتم هدير التساؤلات التي تدق بمطارقها في راسه..
كلما حاول أن يفتح فاه ليسال ،تعمدت أن تنظر الى ما فوق كتفه او الى جهة أخرى ..
كانت تعصره حيرة طغت على سكونية المكان : هل تريد سناء أن تبعده عن حياتها ؟
ام هل تريد ان تقول : ما بيننا صداقة ومابعدها فليس من شأنك !! ..
أخرجت سيجارة وشرعت تدخنها بشراهة تعري قلقها المتزايد ،ثم تزفر دخانها وكأنها تطرد اعتمالات تؤرق وجودها ..
وهو يشرب قهوته قال وقد تعمد ان يبعد فضوله عنها :
ألم يحضر عزرا صاحب اللوحات ، يبدو ان المقاطعة قد اثرت عليه ؟
رفعت كتفيها في اهمال وقالت بعد ان اشعلت سيجارة بأخرى :
عزرا !..كانت غايته تجسيد حياته، حقيقة حياته ومعاناة الغربة في لوحاته،احساسه بالفقد لم يندمل له جرح في أعماقه ، أما العرض فقد كان يدرك انه ليس صاحب مظلة هنا ممن" يتبعون جيلالة بالنافخ" ، مداحين ومتملقين ، أوصامتين عن مزوري الدين ،وناهبي خيرات الوطن ، خصوصا وقد أعلن أخيرا انه يوسف الملقى في الجب فصار كافرا بأمة ،لا تريد ان تنهض من سبات..
تنهدت ثم تابعت :حتى عرضه يقدمه بغير هويته الحقيقية .. سنوات مرت ولإزال يخشى اخوته ..
استغرب من أقوالها وفي نفسه تحرك سؤال :وهل له هوية غير هويته اليهودية الكندية ؟
ادرك من حديثها انها تعرف رسّام اللوحات عزرا جيد المعرفة، وتحليلها لحياته هو اطلاع واسع بحركته وفكره قال : شخصيا لا اعرفه كرسام لكن قرأت له روايتين : الأصنام تستعيد الروح ،والعرب قتلوا ربهم ... أعجبت بأسلوبه وطريقة تبليغ المعلومة الى القارئ المثقف، وكيف يمرر مفاهيم محكومة بمنطق العقل والواقع بمرجعية تاريخية بلا تدليس او نفخ .. صوره المنشورة كلها جانبية او مظللة،لهذا قليلون من يعرفون وجهه الحقيقي .. حتى حياته يلفها بكتمان شديد بعيدا عن الصحافة واهلها ،صمت قليلا ثم تابع :
هل حقا هو يهودي ؟ كتابته متينة بلغة الضاد ولا أظن غير العربي المتشبع بالقرآن و بحضارة العرب أن يكتب بعمقه ومتانة أسلوبه وصفاء فكره رغم انه متهم بالتحامل على العرب،متحيز قليلا الى المغاربة !! .. لاغرابة اعتمالات الأديان في النفوس ..
تبسمت بسمة عميقة وقالت :
هنا أخطأتك نباهتك وخانك الذكاء ياسعد صديقي ، هو عربي مسلم بالعقل والصدر،والوجدان ، مغربي حتى النخاع ، لكنه عاش فترة مع أسرة يهودية وحمل اسمهم خصوصا وصباه قضاه في دير بابن الصميم ...
استغرب لقولها، فقد ابانت عن خبرة بحياته، مطلعة عليها اطلاع القريب الداني ...هم ان يرد لكن نسمة عطر رجولي اخترقت خياشمة وأثر ظل قد ظهر خلفه شد عيون صديقته بعناق هو مزيج من فرحة واكبار، وقد هبت من مكانها هبة من كانت تترقب فرجا بعد ضيق ،تسبقها أحضانها الى الوافد الذي قبل يديها بعد عناق تلاقت فيه الشفاه .. التفت الوافد اليه يحييه بسلام ونظرة لا تخفي اعجابا ثم جر كرسيا الصقه بكرسي سناء ،فمالت عليه برأسها وكأنها تستمد منه قوة الحضور والاعتزاز ..
كان الوافد رجلا خمسينيا انيق الهندام ، قمحي اللون، بلحية مشذبة غزاها البياض، وشعر غزير رمادي، يكاد يرتاح على كتفيه، نظارته الغامقة تخفي الكثير من ملامحه، ورغم ذلك فهو يتبدى صورة مرحلها الزمن بملامح الشاب الذي رَآه في اللوحة وكانها شباب هذا الوافد ، بنفس التقاطيع التي لا يمكن ان تغيب عن فنان متذوق للرسم . كان ينظر اليه حينا وحينا يترقب ان تقدمه سناء اليه مستغربا هذا التباطؤ أو الاهمال من قبلها، والذي لم يكن أبدا من عادتها ،فقد تركته في حيرة ..
ادرك ان قصة تتخفى وراء اللوحة، ووراء هذا الوافد ، او ربما وراء سناء صديقته نفسها ،ترى من يكون هذا الرجل الذي استحق كل تلك الحفاوة والعناق من صديقته ؟
تنبه اليها وهي تتابع انفعالاته ،ولكنها تتعمد ان تتركه في مخاض قلقه ، في صراعه الذي يؤلف منه حكايا ويولد مواقف ..
كان الوافد يتابع حركة سناء التي لم تغادرها عيناه وكأنه بها متيم بعشق ، يقرأها، ثم يرفع البصر الى صديقها وهو يغلي من داخله على وشك الانفجار ،زفر بقوة ثم قال :
كنت اترقب ان تقدمك صديقتي الى او ان تعرفك بي، لكن ما لفها من صمت قد قمطني في حيرة هو ما تفجر سؤالا على لساني رغم ان ملامحك ليست غريبة عني!!..
ضحك الرجل وقال : كنت أعي معاناتك وكانت سناء بين حين وآخر تمنعني عن الكلام بوضع يدها على فمها ، لن أتركك تتعذب اكثر ،انا ناصر أستاذ سعد، زوج سناء،أعرفك من نشاطك في الوسائط الثقافية الكندية، قد تستغرب لكن هي ذي الحقيقة.. من خمسة عشر سنة فصلوا بيننا بقانون الحسبة وقد كفروني وأخرجوني من ديني ومن وطني لأَنِّي قدمت رأيا يخالف تأويلاتهم للرسالة المحمدية ،ورأيا آخر عن المرأة ومفهوم الحجاب، هاجمتني احدى المنظمات السلفية الممولة من قبل دول عربية تبيد أموال شعبها في ضرب الدول العربية ببعضها وخلق الصراعات الداخلية ،تقايض على كل شيء حتى الوحدة الوطنية لدول عنها بعيدة ..
رحلت الى رام الله عند عائلة يهودية كانت مقيمة في ابن الصميم ثم انتقلت الى كندا، وسناء ظلت هنا ممنوعة من السفر حتى لا تلتحق بي، نسوا اننا معا نحمل نفس القيم الدينية والوطنية وهموم الانسان العربي الذي نحروه عبر الزمن بعقول من طوب وحجر ..
كانت سناء تتابع حديثهما وهي تبتسم تارة وتضحك اخرى ،كان قدوم الرجل قد محا كل ما تبدى عليها وهي امام اللوحة ،صارت بحضوره وقد حلت فيها انثى اخرى تلبستها بإنتشاء ما عهده فيها ..كانت إحساساتها افتخارا بزوجها وغبطة قد طغى على كل ما حولها ..قال وهو لا يصدق ما يسمع ويرى :
من خمسة عشر سنة لم تكن مثل هذه الأحداث تحرك فضولي كنت عندها تلميذا بالإعدادي لكن على ما أظن فقد تم توقيف هذا الحكم بعد الدستور الجديد
قال عزرا بهدوء نفسي:
أوقفوه بالنسبة لابني كصاحب مشاريع فكرية حول اقتصاد السوق وقريبا من سلطة القرار في صندوق النقد الدولي ومنظمات اممية قد ينقد النظام من سقطة يترقبها اما زوجتي فقد شددوا عليها الخناق فتركوها طعم اغراء لعودتي ..
تدخلت سناء :هل تعلم من هو بطل اللوحة في المعرض أستاذ سعد ؟ ..قالتها وقد اعتلتها غصة حزن ..
حرك راْسه بالنفي فقالت : هو ابننا عدنان الذي قتلوه عند زيارة للبرازيل ، وهو من كان يتحدث عنه زوجي
انفجرت صرة عيونها ،حرك عزرا الكرسي الى جوارها ،شدها اليه وقال :
ضريبة النضال والفكر حسناء حبيبتي ، طرح الله البركة في ميمون الصغير فهو لا يقل طموحا وقدرة وذكاء عن عدنان ..
طبع قبلة على خدها كأنها كانت تترقبها ..
تطلع سعد الى ساعته وكأنه يستعجل الذهاب، فقد أذهلته احداث ما سمع ،كيف يرمي حكم كفاءاته وابناءه لدين غير دينهم ولأوطان غير وطنهم يبدعون فيها والوطن يرزح في الرجعية والانحطاط العلمي والخصاص في الكفاءات والأطر ؟
من هو الحاكم الحقيقي لهذه الاوطان والذي نصب لصوصا وقراصنة في الواجهة واكتفى بوصول الغنائم اليه بلا مشقة ولا تعب ؟
اي دين هذا الذي يفرق بين المرء وزوجته من اجل رأي ومقاربة فكرية ؟
قال لصديقته بعد زفرة أحس حرقتها في صدره : متى توقعين كتابك ؟
ردت :
أمامنا يوم آخر.. عزرا سيسافر الليلة ويلزم الا اترك حبيبي بلا سهرة ،وغدا اذا احببت نلتقي في نفس موعد اليوم
قام مودعا، شد عزرا على يده وقال : أستاذ سعد لا اريد ان يعرف احد بوجودي هنا، ولا علم لك بناصر زوج صديقتك حسناء ،فقد الحق بعدنان ابني قبل ان أغادر !! ..
ضم سعد يديه على يد عزرا وقال :
انت فخر لكل وطن لكن من تعود الحفرحتما يخشى انوار النهار ،اطمئن يكفي ان ادركت سر نبوغ صديقتي ،فأنت في مأمن وبيتي لك وجاء متى اردت ..
في سيارته وقبل ان تدور لها عجلة
كان يردد مع نفسه :
اي رسالة سماوية تسمح بان تقضم عقول غبية حقيقة الدين ويسره فتغير مساره وجوهره الأصلي ؟
يا لآيامنا السود حين تنقشع غشاوة عن العيون !!.



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشقك طهري
- إنسان أنا
- غيرة
- وجهك وحده الباقي
- الربيع من عرصاتك بكى ربيعه
- في عيونك اقرأها ذكرى
- جسدي
- ملحمة الذبيح
- سر الرائحة
- اليوم بك عيدي
- شروق من فرقان
- أم
- انسحاب
- بما فيه الكفاية
- افظع من ذئب ، اقوى من شيطان
- وعي على أديم النهر
- غربال السحالي
- هل الحياة يقومها ذبيح ؟
- البحث عن شراع
- موزع الورد


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - عقول استفحل جفافها