أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالزهرة حسن حسب - من قصص الانصار - مجنون لا يحس بالألم















المزيد.....


من قصص الانصار - مجنون لا يحس بالألم


عبدالزهرة حسن حسب

الحوار المتمدن-العدد: 6674 - 2020 / 9 / 12 - 14:08
المحور: الادب والفن
    


سُمعت هلهولة داخل البيت الذي لم تر على شفاه أهله ابتسامة منذ زمن طويل ، تبعتها ثانية فثالثة .
تجمع الأطفال أمام الباب يعضهم ينتظر معرفة الخبر لينقله الى والدته مسرعاً ، والبعض الآخر ينتظر الحلوى المصاحبة للهلاهل عادةً . النساء اخرجن رؤوسهن من الأبواب المواربة يتغامزنّ بعضهن لبعض ملوحات بأيديهن مستفهمات ومتعجبات ، فتحت الباب أم احمد وأمطرت الأطفال بالجكليت المنستل وسقتهم عصير البرتقال . رقصوا لها هلهلت وصفقت لهم وطلبت منهم ان يدعو الله بالتوفيق لاأحمد بحياته الجديدة . مبروك عليك النجاح يا احمد والتخرج من الجامعة . ولكن قل لي لماذا لم أرك فرحاً كما ينبغي ؟
نعم يا والدتي انا حزين منذ زمن طويل , لا أخفي عليك لقد كنت جباناً يوم اقتادوا ابي امام عيني ولم ارفض ما فعلوه حتى بوجه غاضب او بكلمة حانقة . نعم كنت جباناً لا يبرره صغر سني والمثل الشعبي يقول : (( الديك الصحيح بالبيضة يصيح )) .
منذ ذلك اليوم المشؤوم كرهت نفسي واحتقرت شخصيتي الضعيفة الهشة وكرهت ما الفه الناس عني . شاب مسالم ودود ومطيع كاره للشر ومحب للخير وسباق لخدمة الناس , نعم كرهت هذه المفردات لأنها من صفات الشخصية الضعيفة مقابل كل هذا احببت ان تكون لي شخصية قوية جبارة قادرة على فعل ما تريد حتى القتل . نعم يا والدتي حتى القتل .
دخلت معهد الرشاقة لتنمو لي عضلات واتخلص من الهزال المرافق لجسمي وغيرت نوعية وجبات الأكل مركزاً على تلك التي تبعث النشاط والقوة في الجسم دون ترهل , خلال هذه المدة كانت اعصابي متوترة وصرت ميالاً للمشاكسة التي تنتهي احياناً بالمشاجرة الدامية , وفي هذه الايام ايضاً تغيرت اهتماماتي بالحياة اصبحت ميالاً لبعض ما كنت اكرهه واكره ما كنت احبه , فالحديث عن الثأر يأسرني وتملأ قلبي السعادة كلما قسى الثأر اما الحديث عن السلاح فيجذبني اليه كما يجذب المغناطيس قطعة الحديد , فانحشر بين المتحدثين عنه دون اكتراث لسابق معرفة و أسال عن نوعه وعن سعره واين يتواجد وكيف التدريب عليه ؟ وماهي انواعه ؟
صار الحصول على السلاح هاجسي في الحياة اليومية , لا أخفي عليك عندما بلغت الثامنة عشرة من عمري اخترت الطريق الذي سار فيه والدي لا مقلداً كما يفعل البعض بل مؤمناً بالفكر وكارهاً للظلم.
بألامس اخبرنا الرفيق المسؤول : على كل رفيق قادر على حمل السلاح التوجه الى جبال كردستان لأننا اتخذنا قرارا بإسقاط النظام الذي اصبح خطرا على الشعب والوطن وقد اتخذت قراري .
اسمع يا أحمد اذا كان قرارك البقاء وخدمة النظام الذي قتل والدك سأقطع الثدي الذي أرضعك واذا كان عكس ذلك سأقف الى جانبك وربما ارافقك اذا تطلب الأمر .
قبلت والدتي وقلت قد سهلت أمري .
صار الحديث في بيتنا كالحديث في حضيرة انصارية , أخذنا نحلم بالعيش في مخيمات الأنصار , وخضت معارك وقتلت العشرات وانتصرنا بعد أن سقط النظام وسرعان ما تصيبنا خيبة أمل عندما نتذكر صعوبة الوصول الى جبال كردستان حيث صار الوصول الى كرستان اصعب من الدخول الى اسرائيل.
بعد كل خيبة أمل يخيم الصمت على البيت . في هذه المرة قطعت والدتي الصمت قائلة : اذا وصلنا الى كركوك لدي عنوان صديق والدك وهو رجل شهم لا تغيره الظروف الصعبة . وأنا متأكد سيقدم لنا المساعدة .
الوصول الى كركوك ليس بالأمر الصعب كل السيطرات لا تستطيع منعنا اذا قلنا لها نحن من اهل البصرة ملكتنا الدولة بيتا ومنحتنا مبلغا من المال ,
لنرتب حياتنا القادمة في كركوك .
اذن سيكون سفرنا يوم الجمعة القادم ولدينا اربعة ايام لتحضير متطلبات السفر.
لقد تحققت توقعاتي واوصلنا السائق الى بيت صديق والدي على العنوان الذي لدى والدتي .
رحب بنا صديق والدي , واكثر من الترحيب . رغم انه في عقده السادس من العمر الا ان ذاكرته لازالت متوهجة ويمتلك عقلاً مبدعاً وهو صاحب الأجابة الفورية السريعة الفورية والثابتة التي لا تقبل التأجيل والتراجع ، عندما اخبرته بغايتنا بالوصول اليه بدأ عليه الجد والحذر واصلح من جلسته وقال لا تتصور وصولكما امراً سهلا ، لكنني سأتدبر الأمر . بعد ثلاثة ايام قال لنا صديق والدي غدا ستنضمان الى عائلة غجرية وتكونان من أبنائها . الغجري يهتم بالمال وقد وفرت له ما طلب لذلك ستصلون الى قلعة ( دزة ) بأمان . هذه العائلة تتجول في المنطقة الغربية والشمالية من العراق ، والسيطرات المنتشرة في الشوارع لا تمنع حركتها ولا تطلب منها هويات افرادها لأن مسؤولي السيطرات يعلمون ان الفجر لا هوية وطنية عندهم اكرر تصلون الى ناحية قلعة ( دزة) بأمان ولكن قد تطول السفرة اكثر من شهر وريما اقل بقليل ، لأن العائلة الغجرية تقيم حفلات راقصة ليلا في المدن التي تمر منها , وعندما تصل الى قلعة دزة اقصدوا بيت صديقي اسماعيل برزنجي فهو المكمل لرحلتكم الى مخيمات الأنصار, وصلنا الى قلعة دزة وقادنا السائق الى بيت اسماعيل برزنجي . وكان رجلاً طويل القامة دائم الأبتسامة وكأنه على علم بهدفنا . يجيد اللغة العربية وقادر على ايصال ما يدور في رأسه الى السامع , في اليوم الثاني قال لنا اسماعيل : فجر غد ستسافرون الى مخيمات الأنصار لكن امامكم مسيرة ست ساعات مشياً على الأقدام لأن في تلك المنطقة لا واسطة نقل غير الأقدام .
ماذا تقول ؟ انا قد استطيع ، ولكن ماذا تقول عن والدتي .
- والدتك اعددت لها واسطة نقل مريحة ( البغل ) وقد جهز ظهر هذا الحيوان بافرشة تجعل راكبه مرتاحاً ، وهو أصلاً اعد لنقل المرضى وكبار السن .
وصلنا مخيم الأنصار في الساعة الثانية عشر واستقبلنا الرفاق بحفاوة أنسَتْنا متاعب الطريق . في عصر نفس اليوم اقيمت خيمة كبيرة كتب عليها خيمة ام احمد مربية الأطفال أما أنا فقد ضم اسمي الى السرية التي يقودها الرفيق كامل , وهو رفيق مثقف وشجاع . وعصر اليوم استدعيت لحضور تجمع السرية تعرفت على جميع الرفاق بواسطة الرفيق كامل وبعد مراسيم التحية قال الرفيق كامل من الأفضل أن نسأل رفاقنا الجدد عن الدافع الذي وجدهم بيننا .
ماذا تقول يا علي ؟
- فضلت أن أموت وبيدي السلاح مقاتلاً اعداءنا على الموت تحت التعذيب على يد مجرمي النظام .
وانت يا جاسم ؟
- تنفيذاً لأوامر الحزب
وماذا تقول يا أحمد ؟
- لأقتل سيد كاظم .
نظر اليَّ الرفيق كامل وطال في نظرته ثم صمت ، قطع صمته بسؤال وجهه لي :
اذا قتلت السيد كاظم هل تعتقد ان الساحة التي يشغلها ستبقى فارغة . أنا لا اعتقد ، ويستغلها النظام بشخص آخر قد يكون اكثر انعداما للضمير من سيد كاظم , هل تحقق ما تريد ؟
- نحن الحزب الشيوعي العراقي عندما تأكدنا ان وجود النظام اصبح خطراً على الشعب العراقي والوطن اصدرنا قراراً الى رفاقنا يلزمحهم التوجه الى جبال كردستان وحمل السلاح لأسقاط النظام ، وعندما يسقط النظام فان سيد كاظم وامثاله يموتون قبل أن تمتد لهم يد الثأر
- شكراً لك رفيقي كلامك منطقي. ولكن المثل يقول النار لا تحرق الا من تقع عليه جمراتها و وانا حُرِقتُ يا رفيقي
سيكون وجودك معنا علاجاً لجروحك
في صباح اليوم الثاني استقبلت والدتي اطفال الرفيقات اللآتي ذهبن للواجب ظهراَ ، عليها بأن عليها الفرح والنشاط وبدت كشابة تعد وجبة غذاء للخطيب الذي زارها اليوم في البيت .
وزعت علينا البنادق ، استلمت بندقيتي بقلب خائف ويد مرتجفة نظرت اليها بإمعان ، وبدأت اشعر انها ستكون الصديق الوفي الذي ينفذ ما اطلبه منه بلسمة اصبع فضممتها الى صدري ومنذ تلك اللحظة اصبحت تلازمني حتى في منامي.
أخذت اسير في ساحة عرضات السرية ، شعرت ان الأرض تئن تحت ضربات اقدامي واني لست رقما اضيف الى عدد الأنصار بل زمرة قتالية باستطاعتها مهاجمة معسكر العدو واحتلاله وانا في ذروة سعادتي قلت : قرب يومك يا سيد كاظم
في البداية اخدنا نتدرب على حمل البندقية بدون عتاد والسير بها أكملنا التدريب في اسبوع ، في الأسبوع الثاني تعلمنا تفكيك البندقية وتنظيفها وتركيبها وتميزت في هذا المجال , ثم جاءت مرحل التصويب على الهدف وكنت بارعاً بالإصابة اذ بلغت اصابتي للهدف مئة في المئة وحصلت على وسام افضل هداف , تعاظم شعوري بالسعادة وقد قتلت سيد كاظم عشرات المرات لأني أتصور راس او قلب سيد كاظم في الهدف واطلق عليه لأقتله .
لم يكن معسكر الأنصار مكاناً لأعداد الرفاق للقتال فحسب بل هو المدرسة التي علمتني كيف انظر الى الحياة وافهمها عن طريق مكتبته الفنية بالكتب والأساتذة المختصين بكافة الاختصاصات السياسية ، الفلسفة ، الأجتماع ، الأقتصاد ، اللغات ، وفنون الأدب )
في المعسكر ولدت من جديد وملات عقلي قيم ومفاهيم تمكنه من الوصول الى الصواب .
جلس الى جانبي في ساحة العرضات احد الرفاق ، سألني الى أين وصلت قضيتك مع سيد كاظم ؟
هل جننت لتسألني عن قضيتي مع سيد كاظم وأنت تعرفها ! سيد كاظم كان مرحلة لابد منها خضعنا للإرهاب ما يقرب من ثلاثة قرون والفنا الظلم والذل ونسينا كلمة لا ، ونفذنا كل ما يطلب منا والعاقل يعرف ان الخروج عن المألوف ليس بالأمر السهل يحتاج الى حافز يبعث فينا روح التحدي وسيد كاظم كان هذا الحافز الذي دفعني للجلوس معك والتدرب على السلاح مدة خمسة شهور , في هذه المدة تغير كل شيء ونسيت قريتي واهلها وحل محلها العراق وشعبه ونسيت سيد كاظم وحل محله اسقاط النظام .
اخبرني آمر سريتي الرفيق كامل : آمر المعسكر يريد اللقاء بك لأمر هام
أمر هام : يا لها من سعادة جلسنا على طاولة دائرية نحن الثلاثة قال آمر المعسكر : اسمع احمد ، اخترتك مع رفيقين هما الرفيق وضاح والرفيق هيمن لتنفيذ خطة وضعتها أنا , وعليك ان تعلم ان نجاحكم في تنفيذ الخطة سيسهل علينا تحرير ناحية قرداغي من سيطرة النظام وتخليص اهلها من الإرهاب الذي دخل حتى بيوتهم والبس بعضهم ثوب العار تحررها بخسائر ربما لا تذكر , أما عدم نجاحكم سيكلفنا شهداء اكثر ويولد لنا جروحاً لا تندمل الا بعد سنة . خذ هذه ، هذه الخطة وستكون انت المسؤول عن تنفيذها , اقرأها وسل عن غير الواضح فيها .
شكراً لك يا رفيقي كل شيء واضح وسأستخدم كل قدراتي لنجاح الخطة ، لا اخفي عليكما . اني الآن بلغت ذروة سعادتي .
- بدا لي ان اختيارك صائب لأني اتوسم فيك القدرة على وضع خطة في المستقبل .
تم تجهيزنا بالأسلحة المطلوبة , حمل كل منا قاذفة ( RBG) وبندقية كلاشنكوف . جهزت هيمن بقنابل تنفجر بواسطة اللاسلكي .أما انا والرفيق وضاح فقنابلنا تنفجر بالتوقيت .
لم اخبر رفاقي عن واجبنا وانتظرنا حتى جاءت السيارة التي تنقلنا الى مكان محدد في الخطة ، وصلنا المكان الساعة الرابعة ونصف فجراً . هنا علينا ان نفترق الى ثلاثة اتجاهات يقطع كل منا ربع ساعة زحفاً على اليدين والركبتين وعشر دقائق زحفاً على البطن .
طلبت من الرفيق وضاح التوجه الى برج الاتصالات ووضع قنابله في الأماكن التي يختارها موقتة الساعة الخامسة تماماً ، أما انا فاتجهت الى مقر القيادة ووضعت قنابلي بعد ان وقتها الساعة الخامسة ونصف دقيقة, اما الرفيق هيمن فوضع قنابله في المدرعات المعدة لنقل المقاتلين وتفجيرها بعدما يصعد اليها مقاتلو النظام .
انجز كل منا ما طلب منه , عدنا أنا والرفيق وضاح الى ساحة الآليات , وفي تمام الخامسة فجراً تهاوى برج الاتصالات واصبح اجزاء مبعثرة على الأرض , استيقظ ضباط وجنود المقر مرعوبين من دوي الأنفجارات ، كانوا عاجزين عن التفكير , وما هي الا نصف دقيقة حتى انفجر مقر القيادة العامة ومن فيه وتحولوا الى ركام .
حضر بعض المقاتلين من اماكن بعيدة من المعسكر الى ساحة الآليات وصعدوا المدرعات . فحجر هيمن المدرعات بواسطة اللاسلكي وتناثر من فيها الى أشلاء . عالجنا نحن الثلاثة بالبنادق من بقي حياً من مفاتلي العدو . ملأ السرور والفرح قلبي وشاركني رفاقي بالفرح لتنفيذ الخطة بنجاح . صحت بأعلى صوتي لقد انتصرت لك يا والدي . نم مطمئناً .
شاهدنا سيارة قادمة الى مقر القيادة استعد هيمن لأطلاق صاروخ 0 آر بي جي عليها ، منعته قائلاً : يبدو ان رفاقنا زحفوا على الناحية وعندما اتصلت قيادة العدو في الناحية بمقر القيادة العامة للمعسكر لم نحصل على جواب ، فأرسلتُ من يتحرى السبب : دعه يصل الى المقر ويطلع على ما حصل عندما ينقل الخبر الى قيادته ستنهار وبالتأكيد يصل الخبر الى جميع مقاتلي العدو .
وماهي الا فترة لا تطول وترى مقاتلي العدو ينهزمون كقطعان الحمر الوحشية تطاردها الأسود . تحقق ما توقعته ، وما هي الا ساعة واحدة حتى شاهدت قطعات العدو تبتعد عن المقر العام للمعسكر وتتجه الى معسكرات أبعد .
نقل الرفيق كامل أمراً للفوج الثاني لواء الثالث وعينت آمراً للسرية .
كانت مهمة السرية صد الهجمات التي تشنها قوات النظام على آخر جبل تم تحريره . طلبت من رفاق السرية حفر مواضعهم على سفح الجبل لأعلى سطحه تجنباً للضربات المباشرة من طيران النظام .
في اليوم الثالث من تحرير الناحية أخذت طائرات النظام تضرب الناحية والقرى المجاورة لها والتلال والجبال المحيطة بها بالقنابل السامة المحرمة دولياً و احدثت اضراراً عند كثير من الرفاق والأهالي .
طلبت من رفاق السرية الانسحاب الى المنطقة التي لا تأثير للغازات السامة فيها , لدىّ ثلاث كمامات مضادة للغازات السامة احتفظت بواحدة منها واعطيت الرفيق وضاح الثانية والثالثة اخذتها احدى الرفيقات التي رفضت الانسحاب قائلة : أفضل الموت وأنا أقاتل ,
بعد اليوم الثالث زحفت قوات النظام نحو الجبل باعداد كبيرة مســـــــــــــــتخدمة الهاونات والمدفعيـــــــــــــــــــــة و( R B-G) والراجمات , لم ترد عليهم حتى اصبحوا على مدى الأصابة المميتة ، فأمطرناهم بوابل من الرصاص , كانت اصاباتنا قاتلة ، اوقعت فيهم كثيراً من القتلى ، ارتبكوا واسرعوا بالتراجع لكنهم استمروا يرمون علينا بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة ونرد عليهم .
لم اسمع صوت بندقية وضاح وانقطعت بندقية الرفيقة عن الاطلاق ساورني الخوف على حياتهما وتوترت اعصابي , زحفت الى موضع الرفيقة وجدتها استشهدت ، دفنتها في موضعها وزحفت نحو موضع وضاح فوجدته هو الاخر قد استشهد ، فدفنته في موضعه ,
قررت الانسحاب ، عليّ ترك المكان ولكن الى اين ؟ وانا الذي افقدني عقلي استشهاد رفاقي وحال بيني وبين معرفة الأتجاهات واتعب خلايا الذاكرة فلم اعد اتذكر لماذا أنا هنا ؟ .
تحركت قدماي بفعل التمسك بالحياة الذي يوجب الابتعاد عن الخطر , ولم اقطع الا خطوات قليلة وسمعت صوتاً يقول : كاكا تعال . اخافني صاحب الصوت ووجهت بندقيتني نحوه رفع يديه معلناً انه مسالم . دنوت منه وقلت ماذا تريد ؟
- اريد مساعدتك لأنك محاصر من جميع الجهات ، وغدا يتم الزحف على الجبل ويقتل من يوجد حياً , اتبعني لأدلك على طريق يوصلك الى الأمان .
لم يكن في كلامه ما يدل على انه جحش ولم تصدر منه زلة لسان تشير الى انه صديق للأنصار ، فتبعته مرغماً لا بطراً .
سرت خلفه لمدة نصف ساعة ، توقف وأشار الى الطريق التي عليّ أن أسلكها وقال أيضاً ان سرت في هذا الأتجاه نصف ساعة اخرى ستنجو من الخطر .
ما أن قطعت 100متر حتى تم تطويقي من جميع الجهات وبسرعة لم تترك لي استخدام سلاحي , في طريقي الى المعسكر قلت انها النهاية وعلي ان تكون نهايتي مشرفة كبدايتي اقسم اني لم ادعهم يعرفون حتى اسمي .
أول من قابلته في المعسكر هو آمر الموقع رحب بي بكلمات لطيفة وقال أتمنى أن تنشأ بيننا علاقة صداقة لتستفيد منها في ايامك القادمة ، ولآجل ذلك يجب أن تجيبني على أسئلتي بصدق تام وهي سهلة
- ما اسمك وما اسم المحافظة التي قدمت منها ؟
- صمت مطلق .
- حسناً . كيف وصلت الى المنطقة النائية من جبال كردستان
- صمت مطلق
بان على وجهه التوتر وقال خذوه ، علموه كيف ينطق ، شعرت بلكمات على وجهي والكابلات على ظهري و(النتلات) الكهربائية ، فسقطت مغمياً عليّ ، فلم أعلم ماذا حصل لي بعد ولكني لم أعد أملك 10 أصابع ,
بعد أن صحوت من الأغماء وجدت وجبة غذاء فيها ما لذ وطاب . بان على وجهي الاستغراب . ادركه امر الموقع وقال :
- لا تستغرب ، نحن لا نريد من الأكل سد جوعك بل نريده يعطيك طاقة اضافية كي نستطيع تعذيبك مدة اطول .
نظرت اليه باحتقار اغضبه وقال مارسوا عملكم معه . تكرر المشهد ليومين متتاليين وانا اما مغمى عليّ أو آلات التعذيب تتنافس للحصول على اجزاء من جسمي .
في اليوم الثالث تظاهرت بالأغماء وقطعت تنفسي لعلهم يكفون عن تعذيبي ولو لمدة قصيرة
- انظر سيدي انه لا يتنفس
-اطلبوا الطبيب المجند .
- انه لايزال على قيد الحياة ، لكنه متعب جداً . ماذا تريدون منه ؟
- معرفة اسمه , تصور: تم اسره منذ ثلاثة ايام ونحن حتى الآن لانعرف عنه حتى اسمه
- ماذا فعلتم معه ؟
استخدمنا كل وسائل التعذيب
- هل استخدمتم الوخز بالإبر ؟
نعم ومن اكثر اجزاء الجسم حساسية ، غرسنا الإبرة في رقبته وكادت تنفذ الى الداخل ، لكن لم نسمع منه صرخة و لا كلمة : آخ
- اتركوه
- ماذا تقول ؟
اتركوه لأنه مجنون لايحس بالألم .
- اذاً عليّ قتله .
- ماذا تستفيد من قتل مجنون ربما يفيدك ؟
-كيف ؟
- عندما تتركه سيتجول في شوارع الناحية والقرى المجاورة لها وعندما تقوده قدماه الى هنا مرة ثانية يخبرك بكل ما شاهده دون أن تسأله .
ادركت ان الطبيب يلعب لعبة ذكية ، وعليّ ان أشاركه بشطارة .
وقفت غاضب الوجه ونظرت الى أمر الموقع بعين غاضبة أيضاَ وقلت : لماذا أبقيتني عندك حتى هذا الوقت ؟ الم تعلم اني الأبن الوحيد للقائد ؟
- ماذا تقول ؟
احرس ايها الكلب كلامي موجه الى الحمار الذي يقف الى جانبك . رفع آمر المعسكر يده ليضربني ، لكن منعه الطبيب .
نظرت مرة ثانية مركزاً نظري على القائد نفسه وقلت له والابتسامة على وجهي : لا تخف لن اخبر والدي عنك ، وانهزمت بأسرع ما يمكن وتركتهما يضحكان .
في مخيم الأنصار فرح من رآني سالماً ، لكن فرحهم لم يدم اذ بكى بعضهم ووقف اخرون غاضبين ومتوعدين بالقصاص من قتلة الرفيق وضاح ومعه الرفيقة .
التقيت الرفيق آمر معسكر الأنصار وحدثته بما حصل وقال : يبدو ان المعسكر الذي اعتقلت فيه ليس بعيدا . وبالأمس ضربت مدافعهم الثقيلة ضواحي الناحية المحررة , ولو تقدموا بعض الكيلومترات لأصابوا مركز المدينة وعند ذلك تحصل الكارثة .
المعلومات التي لدي ان عدد المقاتلين في المعسكر يزيد على مئتي مقاتل اغلبهم غير نظاميين . هل لديك معلومات أخرى يمكن الأستفادة منها لو هجمنا على المعسكر .
- جميع المقاتلين في المعسكر ينامون في قاعتين كبيرتين ، لو أحكمنا السيطرة على القاعتين لاستطعنا احتلال المعسكر ب (15) رفيقاً .
لدي خطة متكاملة سأكتبها ، ولك القرار بعد أن تطلع عليها ,
- اخترت لك خمسة عشر مقاتلاً يمكنك الاعتماد عليهم في تنفيذ خطتك .
- نقلتنا السيارة الى مكان قريب من المعسكر واخذت انفذ الخطة ارسلت ثلاثة رفاق لاحتلال القاعة الأولى وثلاثة آخرين على القاعة الثانية , قد يتطلب الحذر زحفكم على البطون عندما تقتربون من الباب وهنا أن وجدتم الباب موارباً عليكم اقتحام القاعة واعتقال خفرها وحشر المقاتلين في ركن منها واي حركة من احدهم يقتل , وان وحدتم الباب موصداً من الداخل عليكم بوضع قفل كبير في الباب من الخارج واي حركة تقترب من الباب يقتل صاحبها حالاً .
بشرط ان تكونوا مستعدين لتنفيذ ما سمعتم , الساعة الرابعة فجراً , ارسلت رفيقين لأعتقال حراس مشجب الأسلحة أما أنا فعليّ استطلاع مقر القيادة ، فسرت ملاصقاً لجدران المبنى و منتفعاً من الظلام ، شاهدت حارساً يجلس أمام باب مقر القيادة والنعاس يؤرجحه الى الأسفل والأعلى تركته حتى خضع للنوم ، تقدمت منه وسحبت الرشاشة من يده بهدوء ووجهت رشاشتي الى رأسه وأشرت الى رفاقي بالتقدم , ايقظت المقاتل وطلبت من احد الرفاق اعتقاله مع حراس المشجب . نفذ الجميع الخطة ساعة الصفر المتفق عليها و اقتحمت انا ورفاقي مبنى القيادة وبالذات الغرف التي يشغلها قائد المعسكر والضباط الكبار والآخرون اقتحموا غرف جنود الادارة , ثم اعتقال الجميع دون مقاومة لآنهم كانوا نياماَ، ثم طلبت من احد الرفاق استدعاء الطبيب .
بعدما رأى آمر المعسكر مقيد اليدين بالحبال الى الخلف خاطبه قائلاً : الم أقل لك سيعود هذا المجنون ويجيبك عن كل سؤال , كنتم تعذبونه لمعرفة اسمه , أنا الذي سيخبرك عن اسمه . اسمه احمد كادر شيوعي .
طلبت من الرفاق اخذ المعتقلين الى القاعتين ، وصرف الجنود النظاميين الى اسرهم بعد أخذ تعهد منهم ان لا يعودوا لمقاتلة الأنصار وتنفيذ قرار قيادة الأنصار بالآخرين , احتضنت الطبيب وقلت له سامحني يا رفيقي مصطفى لقد اتهمتك بالجبن عندما رفضت التطوع الى الأنصار .
- لست جباناً ولكن حياة الأنصار لا طاقة لي بها .
- والآن انا وصلت ذروة سعادتي لاني اثبت وفائي للحزب وواجبي تجاهك ، انصحك يا أحمد ان لا تستعجل باتهام الشيوعي بالتخاذل ، الشيوعي كالنجم حتى في سقوطه ينير السماء ,



#عبدالزهرة_حسن_حسب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في طريبيل مات الحب
- متى قتل عبدالكريم قاسم؟
- حوار (طك بطك)
- حوار مع رجل دين
- عضد الدولة العباسي يشد على يد الكاظمي
- مجنون لا يحس بالألم
- ساحة التحرير
- علي بن يقطين . حاج
- حوار في مجلس معلق
- المنتفعون لا يصلحون للتشريع
- العلاج بالعلمانية
- السعودية وعصر الخلافة الجديد


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالزهرة حسن حسب - من قصص الانصار - مجنون لا يحس بالألم