أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبدالزهرة حسن حسب - حوار في مجلس معلق















المزيد.....

حوار في مجلس معلق


عبدالزهرة حسن حسب

الحوار المتمدن-العدد: 5382 - 2016 / 12 / 25 - 15:25
المحور: كتابات ساخرة
    


فرضت علينا الجيرة والعمر أيضاً اللقاء في الأسبوع ثلاث مرات في بيت أحدنا قتلاً للوقت واستذكاراً لمآسي يومنا الجديد . قد لا اكون مبالغًا اذا قلت : لم نجتمع يوماً وأمزجة الجميع على ما يرام اذ غالباً ما يكون أحدنا يدخل على الآخرين بمزاج متعكّر على أثر مشاهدته لحادث مزعج او محزن , وربما خبر ينذر بالخطر . اليوم جاء دور( ابو حسين) دخل علينا بوجه غاضب يتطاير الشرر من عينيه . لم يجرِؤ أي منا أن يسأل عما به وتركناه لينفجر بنا قائلاً : جمعتني الصدفة اليوم بمجلس أنا لست من أهله لا مظهراً ولا منطقاً فتجرّعت وجودي عاداً حتى الثواني .
تحدث أحدهم وهو المدعو ( أبو الهدى)* في يديه من المحابس ثلاثة ومن علامات التدين المسبحة الحسينية وأثر السجود على الجبهة . منظر وجهه يذكر بوجوه القطط السمان . تحدث قائلاً :
- من العادات السيئة التي أمارسها أقرأ الصحف المحلية حتى المعادية منها , قرأت هذا اليوم مقالاً لأحدهم يتحدث عن الرشوة والفساد المالي والإداري. وخلاصة ما قاله ان الجهاز الإداري للدولة كلهم مرتشون وفاسدون . أنا على ثقة ان كاتب المقال على درجة عالية من الغباء وعلى جهل تام بالقيم الديمقراطية التي تضفي الشرعية على سلوك الأغلبية . فما بالك اذا مارسها الجميع .
لنترك الديمقراطية جانباً ونحاول فهم ما يوحي به الحديث: ( ما اجتمعت أمتي علــــــــــى ضلالة ) الحديث يوحي بأمرين كما أرى : الأول الأجماع لم يحصل وكاتب المقال كاذب , والأمر الآخر الرشوة ليست عملاً باطلاً وتم الأجماع عليها .
لنكن واقعيين . ان ظهور الرشوة تزامن مع نشأة الدولة العراقية وصدور الدستور . كانت الرشوة أحد الجرائم المخلّة بالشرف يعاقب عليها القانون بالسجن وجميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق حاربتها بلا هوادة . لكنها استمرت وبتزايد سنوي . حتى اصبحت ظاهرة اجتماعية تتحدى القانون لمَ لا نفكر بحلها ؟ وهل يمكن ايجاد الحلّ لها غير محاربتها؟ كثير من شعوب العالم قدمت حلولاً للظواهر الأجتماعية التي تحدت القانون في بلدانها . خذ مثلاً : الجنس في أوربا كان في الماضي محارباً قانوناً ومحرماً كنائسياً . وصل عدد ضحاياه مئات الألاف وربما الملايين من الفتيات أما حرقاً بالنار أو ذبحاً بالسيف لكن ممارسة الجنس غير الشرعي استمرت وانتصرت آخر المطاف بعدما اعترف المجتمع الأوربي بأنها ممارسة انسانية وحاجة طبيعية مثل ألأكل والشرب . اذن لماذا لا ننظر الى الرشوة( منفعة متبادلة بين شخصين ) لا تضرّ بالآخرين ؟ وعندئذ ليس من الحكمة تحريمها وتحميلها الإخلال بالشرف . وعندما تمارس جماعياً تفقد صفتها الدونية ويحل نوع من الأريحية في العلاقة بين الراشي والمرتشي .
تحدث آخر قائلاً : ان أصحاب المقالات المدفوعة الثمن يتهمون النواب بالجهل والتخلف وينكرون عليهم القدرات العقلية والشطارة العملية التي اوصلتهم الى معرفة مشاعر الناس وخوفهم من عودة ماضٍ عاشوا فيه أذلاء ، فوظفوا ما تعرفوا عليه في دعايتهم الانتخابية . نالوا رضا الجميع ووصلوا الى البرلمان ، وايغالاً في الإساءة للنواب اتهموهم بالفساد واستكثروا عليهم شراء بيت هنا أو شقة هناك , حتى سفرهم مع العوائل الى الدول العربية أو الأوربية ترويحاً عن أتعابهم عدوه ثمرة من ثمار الفساد وأعماهم الحقد عن معرفة الحقيقة . ان النائب تتوفر له وسائل كسب متنوعة ومشروعة لا تخالف الدستور . خذوا مثلاً : اذا كنت أنا نائباً في البرلمان وطلب مني نائب آخر او رئيس كتلة أن أصوت الى جانب قانون العفو العام , مقابل مبلغ اتفقنا عليه , ونفذ كل منا التزامه . هل ما قمت به خيانة للوطن أو مخالفة للدستور ؟ لا أعتقد ذلك . لأن جميع القوى السياسية في البلد تطالب بالمصالحة الوطنية التي أصبحت مطلباً مجتمعياً وسياسياً لأستقرار وأمان الناس , وأنا أعلم ان المصالحة لاتتم إلآ بعد تشريع قانون العفو العام . اذن ما قمت به يصب في خدمة الصالح العام .
سألني أحدهم : ما رأيك بما سمعت يا حاج ؟
- جئت الى هنا مستشرعاً في قضية وعرفت الجواب من خلال حديثكم , واذا كان لابدّ من ابداء الرأي أرجو أن لا يزعج احدكم
- نحن نعيش أجواء ديمقراطية والحوار من أولياتها تكلم ونحن صاغون .
- أقسم اني أقول الحقيقة التي غابت عنكم وأكرر أملي ان لا تزعج أحداً منكم .
المتحدث الأول أراد شرعنة الرشوة على اعتبارها منفعة متبادلة وتدخل في باب الشطارة , والشاطر ( هو من يضع في السلة عنباً ) حتى او كان العنب من بساتين الجيران . لا اقول شيئاً ولكن أطلب حذف كلمة سارق من القاموس العربي ! والمتحدث الآخر أراد شرعنة الأجر المدفوع من اجل الدعوى لقضيةٍ معينة وهو أمر تحرمه الآية الكريمة ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى , قال ياقوم اتبعوا المرسلين , اتبعوا من لا يســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــألكم أجراً وهم مهتدون (سورة يس آية 20 ) . وان طلبتم رأي في النواب أنا لا أنكر عليهم شطارتهم في الكذب والخداع وتجهيل الناس , وتتجلى الشطارة عندهم أكثر في سرقة المال العام .
خاطبني أحدهم بوجه حانق وصوت غاضب قائلاً : يبدو انك من ... ) لم اسمع ما بعد حرف من لأني تواريت خارج المجلس ولم تهدأ ضربات قلبي المتسارعة الا بعد ان جلست الى جوار سائق التكسي. ولا أخفي عليكم . التفتُّ مرتين الى الخلف خوفاً من رصاصة تخترق ظهري وتستقر في قلبي .
- الحمد لله على سلامتك . قال أبو كيطان: وأخذ ينظر الى الآخرين من فوق نظارته الطبية ثم علّق , مخاطباً ( أبا حسين)
- شطارة جماعتك ونوابهم مثل شطارة عبيد اخو شاها .
- (هاي السالفة شلّك بيها . هم راح ادخلنا بسوالف أيامك زمان) .
- (اسكت أنت يا ( ابو علاء ) . انت لفو على البصرة ومو من اهلها قبل ثورة تموز . وما تعرف سالفة عبيد اخو شاها , هي سالفة مو جذب وصارت بأيام الملك ونستهه الناس , لكن بأيام الجمهورية فضحتها السياسة لأن الصحافة المصرية واذاعة القاهرة وصوت العرب جعلت من عبيد اخو شاها بطل قومي وهاي سالفة عبيد اسمعها) :
شاهه شابة جميلة من عائلة معروفة , وقعت بحب شاب في القرية ومن عائلة طيبة تقدم لخطبتها مرات عدة ولم يفلح بقبول أهلها وفي المرة الأخيرة هددوه بالقتل , عرفت بموقف الأهل وامتلكها اليأس والخوف على حياة حبيبها .
في ليلة مظلمة والعين لاتبصر غادرت ديار أهلها قاصدة المجهول , ولما شاع الخبر , تخلت الرؤوس عن العكل واندلقت الدلال بمواقدها واصبح هَمَّ العشيرة الإمساك بشاها , بحثوا عنها في كل مكان لم يجدوا لها أثراً , طال بهم البحث عنها لمدة ليست قليلة .
في أحد الأيام وصل لهم خبر ان شاها في البصرة تسكن منطقة الدوب ( وهي المنطقة المطلة على ساحة ( ام البروم ) اجتمعت العشيرة لتدارس الأمر واختيار المناسب لقتل شاها.
وقف ( عبيد ) اخوها الأكبر وسط المجلس وقال أنا من يرفع رأسكم ويأتي برأس شاها وتعلقوه على باب المضيف , رد عليه الشيخ العام : (أعرف أنت كدها يا عبيد) .. غداً ستذهب الى البصرة .
في الموعد المحدد سافر عبيد الى البصرة وسكن فندقاً في منطقة الدوب وأخذ يقضي النهار كله في مقهى حاج كاظم المطل على الشارع الرابط بين ام البروم وسوق المغايز يراقب المارين في السوق.
في أحد الأيام مرت ( شاها) ورأـت أخاها جالساً في المقهى وعرفت غايته , حينها لم يتعرف عليها لأنها ترتدي الـ ( بوشية) في البيت أخبرت صديقتها عن وجود أخيها و حددت لها مهمته ثم قالت لها :
- هل تستطيعين تقديم خدمة أنا بحاجة اليها
- كيف لا وأنت صديقتي
- عليك انتظاره في (الدربونة) المؤدية الى الفندق ، هو شاب طويل ذو شارب كث ، يرتدي زي عشائري عيناه واسعتان وأنفه جميل عليك اغواءه وقد لا تجدين صعوبة في اقناعه لأنه بعيد عن زوجته لمدة طويلة .
نفذت الصديقة ما طلب منها وفعلاً لم تجد صعوبة في اقناعه وذهابه الى بيت الشابة , طاب له ما فعل , وعندما أراد الذهاب الى الفندق , سألها هل أجدك غداً ؟ .
- في نفس الزمان والمكان .
استمر اللقاء بالشابة الجميلة لمدة ليست قصيرة تركت آثاراً جميلة في قلبه . وفي أحد الأيام وبعد قضاء حاجته منها :
- غداً اسافر الى أهلي في الناصرية . لماذا؟ .. سألته الشابة
- خلصت نقودي
- لماذا تهتم بهذا الأمر البسيط والسفر الى الناصرية متعب بالإضافة الى خطورة الطريق . لدي حل لك وهو بسيط وأنت قادر عليه وهو مريح ومربح أيضاً عليك ترك الفندق والسكن معنا في البيت وفي أي غرفة تشاء , وبدل جلوسك الطويل في المقهى تستطيع ان تقنع هذا الشاب أو ذاك الأعزب وهذا يعتمد على شطارتك ولي ثقة بك وما هي إلا ايام حتى تمتلأ جيوبك بالنقود ..
جلس في غرفته في الفندق مفكراً .. قارن بين حياته في القرية وحياته في المدينة بين زوجة تكبره خمس سنوات وشابات هذا البيت , حَسِب الأمر جيداً وقلب فكره فيه فما كان منه الاَ أن يجمع حاجياته ويتوجه الى البيت الذي يعرف الطريق اليه جيداً . ومنذ اليوم الأول مارس عمله منفذاً ما سمعه من صديقته الشابة ونسي ما قطعه على نفسه أمام العشيرة وأمام شيخها العام ( سأرفع رؤوسكم أمام العشائر وأحمل رأس شاها واعلقه بباب المضيف ) والأكثر من هذا صار ما يخجل من شاها التي تختار له المسبحة الملائمة مع بدلة العمل . كل يوم .
وهكذا فعلَ نوابنا بعد ما بلغت شطارتهم حتى العظم , نسوا ما قالوه عندما وضعوا أيديهم على القرآن الكريم , وما صاروا يسمعون مطاليب الناس المحتجة وما يخجلون من هتاف الجماهير : ( بسم الدين باكونا الحرامية )



#عبدالزهرة_حسن_حسب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنتفعون لا يصلحون للتشريع
- العلاج بالعلمانية
- السعودية وعصر الخلافة الجديد


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبدالزهرة حسن حسب - حوار في مجلس معلق