أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالزهرة حسن حسب - في طريبيل مات الحب















المزيد.....

في طريبيل مات الحب


عبدالزهرة حسن حسب

الحوار المتمدن-العدد: 6671 - 2020 / 9 / 8 - 14:38
المحور: الادب والفن
    


الناس من حوله يتهامسون، ما اجمله من قاط، ترى بكم اشتراه ؟ وربطة العنق والقميص يضفي كل منهما جمالاً على الاخر، والوجه الريان يدل على انه موظف كبير في الدولة كأن يكون قاضياً او عالماً، ولكن ما الذي جاء به الى هذا السوق البائس كأهله؟ اما هو فلم يكترث لما يسمع ويرى، حاول التباهي لكن سرعان ما احس بأوجاع الذاكرة، حاول جاهداً نسيان ما تذكر لكنه ادرك العجز، لان قوتها هذه المرة ليست تلك المعتاد عليها، لم تبدو مألوفة، اذن كيف لها ان تسرع وتتدفق كالماء الجاري الذي لا ينقطع، لا ينحسر الم الذكريات بسرعة تدفقها فحسب، بل ان ذكريات الماضي القريب عادت به الى موقف اعده اهانة له، وما وجوده في سوق مريدي إلا ايجادًا للطريقة التي تفضي به خارج هذا المأزق .
الناس لا تقصد سوق مريدي للتبضع، لانه سوق بائس، لا يتميز عن غيره سوى طيبة العاملين فيه التي تدفعهم للمجازفة بحياتهم من اجل مساعدة الاخرين، على سبيل المثال جواز السفر الذي اصبح الحصول عليه في هذه الايام شبه مستحيل يمكن الحصول عليه بيومين وبسعر زهيد.
صاحب القاط الجميل وجد نفسه في سوق مريدي لاول مرة، شاهد اناس ذوو وجوه شاحبة سمراء مستطيلة وعيون مغمضة كأنها شفيت توا من التهاب حاد، حاول ان يسال، ولكن من؟ ، ليس هناك من يروج لبضاعته كما في الاسواق الاخرى، وان اقتربت من احدهم لتشتري من بضاعته يكلمك هامساً، خاب امله في الحصول على ما يريد .
استدار راجعاً، اوقفته طفلة لم تتجاوز عامها السادس ، جلس على قدميه ثانياً ساقيه، امسك الطفلة من كتفيها وقال :
- ماذا تريدين يا حلوة؟
- تشرب قدحاً من لبني الطيب؟
- بكم تبيعين ما لديك من لبن؟
- بدينارين ونصف.
- اذاً وزعي ما لديك من لبن على الناس من حولك وسأدفع لك ثلاثة دنانير .
مسكت بيده وقادته الى والدتها واخبرتها عن المبلغ الذي حصلت عليه منه. شكرته الام وقالت يبدو عليك انك لست من زوار سوق مريدي ويبدو ايضا انك تمر بأزمة هي الدافع لوجودك هنا. اذا لم تجد حلاً لها استطيع مساعدتك، اقصدني عند حاجتك وفي اي وقت.
- ما رايكَ بصاحب القاط الجميل الذي مرّ من جانبنا؟ هل يقع في دائرة مسؤوليتنا؟
- لا افهم ماذا تقصد اوضح اكثر.
- اليس وجودنا في سوق مريدي هو ملاحقة المخالفين للقانون ؟
- ان هذا الرجل لم يرتكب اي مخالفة قانونية.
- لكنه جاء لارتكابها. دعنا نتعقبه ...

- انظر انظر دخل المجمع السكني لعلماء الطاقة الذرية.
دخلا الى مدير هيئة الطاقة الذرية وبعد التحية ناولاه هويتيهما، قال احدهما شاهدنا صاحب السيارة نوع مرسيدس رقم ( ١٤٤٤٦) (العراق - بغداد) في سوق مريدي. تحرّ الامر واتخذ ما يلزم .
سحب نظاراته عن عينيه واخذ يكلم عالم الذرة وكأنه جالس بالقرب منه.
- لم احسب ان حديثي معك في الاسبوع الماضي يدفعك لزيارة سوق مريدي، لتحصل على جواز سفر مزور، ولم تحسب ان طريبيل والمنافذ الحدودية الاخرى اصبحت مقابر لكل رافضي العيش في العراق. انك على وهم كبير اذا تصورت لك القدرة على تحقيق ما تريد.
صحيح انك ذكي ولا تبيح اسرارك بسهولة، لكن لدي من ستطلعه عليها وبإرادة منك. ...

بعد نهاية المحاضرة تقدمت نحوه شابة تجاوز عمرها الثلاثين عام بقليل وقدمت نفسها.
- انا سلوى، ماجستير في الفيزياء وتدريسية في كلية التربية.
- انا د. ماجد احد العاملين في الطاقة الذرية.
- المحاضرة رائعة ورغم ان موضوعها شائك (التمدد الكوني) عسير على الفهم، لكن قدرتك على التبسيط جعلت مضمون المحاضرة ينفذ الى عقول الحاضرين، المحاضرات هذه ستمنحني الطاقة المستجدة في حياتي، هل لي بمعرفة مواعيد المحاضرات القادمة؟
- بالتأكيد تستطيعين حضور كل المحاضرات بعد اطلاعك على جدول اعدادها، وآمل ان يكون لك رأي فيها. ...

اليوم عطلتي الاسبوعية وعليَّ اختيار المكان الذي يبعدني عن مأساة حياتي الحالية. الاماكن التي اعتدت زيارتها اجملها مشتل حامد صديق الطفولة، ومشتله تجاوز مشاتل المحافظة لإمتداده مسافة طويلة خضراء زرعت فيها انواع الورود، اضافة الى هذا له حديث جميل ينسيني الجلوس بين الجدران الاربعة والتفكير المصاحب له في صنع القنبلة الذرية الذي لم يعد لدي الان رغبة فيه واندفاع لتنفيذه . ...

- يالها من صدفة جميلة! لكن قولي ما الذي جاء بك الى هنا؟
- حقا انها صدفة جميلة، كم تمنيتها ان تحصل قبل اليوم، صدقني فيما اقول، جئت الى هنا لشراء باقة ورد اقدمها لك غداً بعد المحاضرة، فكافأني الله برؤيتك.
- بماذا تفكرين هذه الايام؟
- لم افكر بشيء ولكني اشعر بحاجة الى التقرب اليك، ارجو ان لا يضايقك حلمي بصداقتك.
- الصداقة من فضائل الانسان، والصداقة بين المرأة والرجل من افضل الصداقات. سأمنحكِ فرصة لتحقيق حلمكِ، هل فكرت كيف تتقربين مني؟
- نعم فكرت ان اكون سكرتيرة لك اعمل معك عصراً اطبع لك المحاضرات واحدد لك المقابلات ومواعيد الندوات واكتب ايضاً مذكراتك الخاصة ان وجدت. وستجدني امينة على اسرارك، وعليك ان تعلم اني لست القطة المغمضة العينين عن علاقاتك مع الاخريات.
- يبدو من حديثك انك لست سهلة في بعض مهماتك، ولكن ستباشرين بعملك غداً . ..

كنت اعتقد ان تقربي منه يساعدني على قراءة ما يدور في رأسه، واعرف الكثير عن تفاصيل حياته ومشاريعه في المستقبل، لكن حتى الان لا اعرف إلا اسمه ومهنته، لا بأس لا زال الامر مبكراً ربما الايام القليلة القادمة تكشف هذا الغموض.
ولكن بماذا يفسر تقربي اليه؟ وهل يتشجع لمبادلتي الحب؟ ويطلب يدي يوما ما وعند ذاك بلغت غايتي.
- اسمعي يا سلوى لقد تأكدت اني بحاجة اليك ، هل تقبلين الزواج مني ؟
- لقد اسمعتني اجمل واحلى كلمة تمنيتها منذ اليوم الاول الذي التقيتك فيه، وحاولتُ جاهدةً ان اشعرك عما في قلبي فلم تعرني اهتماماً، ربما عمدا او بغير قصد. لكن لماذا لم تسأل نفسك، لماذا تطاردني هذه المرأة كظلي؟ وما غايتها؟ انا احبك يا استاذ وقد اكرمتني في طلبك الذي ارى فيه سعادتي، ولكن ما يخيفني منك عدم قبولك الوضع العام، الى حد الكره رغم ان الدولة فضلتك على جميع ابناء البلد بأمور كثيرة !.
- الحديث في هذا الجانب يتشعب ويطول، وباختصار اقص عليك ما حدث قبل تعارفنا .
استدعاني مدير الطاقة الذرية وهو رجل اداري لا علاقة له بعلم الذرة لا من قريب ولا من بعيد، بعد التحية الجميلة قال :
- استدعيتك اليوم لتملأ استمارات طلب انتمائك للحزب .
- وما يترتب علي جراء ذلك؟
- حضور اجتماعات دورية مرة شهريا وحضور ندوات المناسبات وأحياناً تشارك في المسيرات وربما تكلف بحديث عن اهتمامات القائد.
- انت تعلم انا والكادر العامل معي قد وعدنا القائد بإنجاز قنبلة ذرية، العراق بحاجة اليها وأنا المسؤول الاول في هذا الشأن، لذلك اعمل ليل نهار الى الحد الذي لا اخذ كفايتي من النوم، فمن اين يأتي الوقت اللازم لإنجاز المهمات الجديدة، لماذا لم تطبقوا مقولة القائد؟ كل العراقيين بعثيين وان لم ينتموا ؟
- هذا كلام للإعلام فقط، اما ما نبلغ به فقد اخبرتك عنه ، عليك ان تعلم نحن البعثيين نرى النصير المتقدم افضل من عشرة علماء ذرة، اذهب لبيتك وفكر جيداً، اتمنى ان تأتي لاحقاً لتملأ الاستمارات وتوقع الطلب قبل فوات الاوان .
منذ ذلك اليوم المشؤوم وانا اعيش في سجن، الموت اهون علي من البقاء فيه.
- في ظل هكذا شعور وخيبة امل، تفكر بالزواج وإنجاب الأطفال؟ في هذا البلد الذي اعتبرته سجن؟
- هذا ما اردت اخذ رأيك فيه، انا عالم ذرة ومعروف عند الكثير من الدول وهي على استعداد في التعاقد معي، وقد اخبرني بعضها عندما اصل الى الاردن يتعاقدوا معي براتب مفتوح وتوفير كل سبل الحياة الكريمة ومنحي الهوية الوطنية لبلدهم، هل ترافقيني؟ لنتزوج هناك وننجب اطفالا في بلد يحترم الانسان، والاطفال من اولويات اهتماماتهم .
- ستجدني على اتم استعداد متى ما اخبرتني.
- الوقت يمر ليس بصالحي. علي تحديد موعد السفر وليكن اليوم. لا احتاج إلا بالاتصال بالسائق الذي اعطتني رقمه المرأة في سوق مريدي.

- الو تفضل .
- انا الدكتور ماجد.
- اهلا استاذ لدي معلومات عنك من صديقك حمزه في الاردن.
- شكراً لك وللأستاذ حمزة، هل تستطيع السفر هذا اليوم؟
- بكل تأكيد لا يفصلني عنك إلا وقت الطريق.
لستُ بحاجة الى الاتصال بسلوى لأن اليوم جمعة وعادتها تأتي الى بيتي في مثل هذا الوقت. ها هي تركن سيارتها.
- مرحبا ماجد
- اهلا سلوى
- ارى علامات الجد والعزم على وجهك واضحة، هل يدور شيء ما في رأسك؟
- ستعرفين بعد دقائق ... دعينا نخرج لقد وصل السائق.
جلسا متجاورين في المقعد الخلفي. لم تسأل عن الوجهة التي يقصدها السائق إلا بعدما اتجه نحو محافظة الانبار.
- لماذا بإتجاه الانبار؟
- لننفذ ما اتفقنا عليه.
- ماذا تقول؟ اليوم نسافر الى الاردن!
- نعم وقد اتفقنا على ذلك.
ساد الصمت بينهما وبدا امرا غير مألوف.
سلوى الفتاة التي تسبق ابتسامتها حديثها مع ماجد، وحديثها ذو نكهة شبابية حالمة بالزواج والأسرة السعيدة، في هذ اللحظة لا تبدو عليها الرغبة بالكلام، ولتضييع الوقت حتى الوصول الى طريبيل، فتحت حقيبتها وسحبت جريدة الثورة وأخذت تقرأ العناوين. تزم شفتيها احيانا وتبتسم احياناً اخرى، توقفت عند الصفحة الرياضية وقرأتها من البداية حتى النهاية، ثم اخذت تقرأ زاوية الكلمات المتقاطعة التي شغلتها حتى فاجأهم السائق : لقد وصلنا طريبيل.
اوصلهم الى صالة الانتظار. طلبت من ماجد ايصالها الى مكتب مدير لتتصل بوالدتها ، وتخبرها بعدم عودتها اليوم الى البيت.
وبعد مرور اكثر من ساعة عاد السائق وقال: لقد تم كل شيء على ما يرام ، وبعد نصف ساعة سنكون في طريبيل الاردن .
قال ماجد :
- لقد افرحني واسعدني ماسمعت، لكن لم ارَ على وجهكِ علامات الفرح؟
- لم يفرحني ما سمعت، لأني على علم بما سيحدث.
تقدم نحو الاستاذة سلوى ضابط برتبة ملازم ثانِ، ادى التحية العسكرية وخاطبها: سيدي الرائد سيارة مريحة تنتظرك لتعود بك الى بغداد .
نهضت وبخطوات متسارعة تجاوزت صالة الانتظار .



#عبدالزهرة_حسن_حسب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى قتل عبدالكريم قاسم؟
- حوار (طك بطك)
- حوار مع رجل دين
- عضد الدولة العباسي يشد على يد الكاظمي
- مجنون لا يحس بالألم
- ساحة التحرير
- علي بن يقطين . حاج
- حوار في مجلس معلق
- المنتفعون لا يصلحون للتشريع
- العلاج بالعلمانية
- السعودية وعصر الخلافة الجديد


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالزهرة حسن حسب - في طريبيل مات الحب