أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جيلاني الهمامي - حول آخر مستجدات الوضع السياسي في تونس















المزيد.....


حول آخر مستجدات الوضع السياسي في تونس


جيلاني الهمامي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 6674 - 2020 / 9 / 11 - 00:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حول آخر مستجدات الوضع العام
الوضع الاقتصادي
لم تسجل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة خلال الثلاثية الأولى من سنة 2018 أي مؤشر انفراج. بل بالعكس من ذلك تؤكد كل المؤشرات أن الأزمة ماضية باتجاه مزيد الاتساع والتعقيد. وفيما يلي اهم هذه المؤشرات وأكثرها دلالة :

1 – عجز الميزانية
سجلت جملة مداخيل الميزانية العامة للدولة إلى موفى شهر فيفري 2018 نسبة نمو طفيفة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2017 تقدر 2.8 % تفاصيلها كالآتي :
الوحدة : مليون دينار
موفى فيفري 2017 موفى فيفري 2018 الفارق نسبة الفارق
المداخيل الجبائية 21250 23484 2234 + 10.5 %
المباشرة 8701 8385
غير المباشرة 12549 15099
المداخيل غير الجبائية 2875 2931 56 + 1.9 %
مداخيل الاقتراض 10835 9536 1299 - -12 %
المجموع العام 34960 35951 991 + 2.8 %

هذه النسبة الطفيفة من الزيادة في مداخيل الدولة متأتية أساسا من ارتفاع مداخيل الجباية غير المباشرة ( المعاليم الديوانية التي ارتفعت بنسبة 55 % والأداء على القيمة المضافة TVA التي ارتفعت بنسبة 16 % والأداء على الاستهلاك الذي ارتفعت مداخيله بنسبة 24 % ).
لكن وفي المقابل من ذلك ارتفعت مصاريف الدولة لنفس الفترة ( جانفي – فيفري 2018 ) بنسبة مضاعفة ( 4.4 % ) بحيث سجلت ميزانية الدولة خلال الشهرين الأولين من هذه السنة نسبة عجز لا تقل عن 1.6 % وهي نسبة تنضاف للنسبة العامة المسجلة في نهاية سنة 2017 وهي مرشحة للارتفاع بالنظر لكون ما تبقى من سنة 2018 ستسجل معدلات عجز إضافية. وفي ما يلي جدول مفصل لمصاريف شهري جانفي – فيفري 2018 :
موفى فيفري 2017 موفى فيفري 2018 الفارق نسبة الفارق
مصاريف التصرف 21340 22136 796 + 3.7 %
مصاريف التنمية 5899 5743 -156 - 2.6 %
خدمات الدين : 7090 7972 882 + 12.4 %
خلاص أصل الدين 4835 5185
خلاص الفوائد 2255 2787
المجموع العام 34329 35851 1522 + 4.4 %
ويبين الجدول مصدر ارتفاع نسبة المصاريف : حيث كما هو ملاحظ ارتفعت مصاريف خدمات الدين بنسبة 12.4 %. في المقابل من ذلك تراجعت مصاريف التنمية بنسبة 2.6 % مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.


2 – الميزان التجاري
تناقلت وسائل الاعلام ما نشره معهد الإحصاء حول تحسن الميزان التجاري التونسي لشهر جانفي 2018 وقد أثنى على ذلك رئيس الحكومة يوسف الشاهد في حواره التلفزي مساء يوم الأحد 25 فيفري مقدما ذلك على أنه علامة على بداية تحسن الأوضاع الاقتصادية ونجاح خيارات حكومته. والحقيقة غير ذلك تماما. فهذا التحسن نسبي جدا وظرفي وليس تحسنا هيكليا ولا يعني بالمرة وقاية تونس من انخرام ميزانها التجاري على غرار ما عرفته في السنة الماضية 2017.
فاستنادا على ما نشره معهد الإحصاء يعزى هذا التحسن الطفيف بدرجة أولى إلى مداخيل صادرات مواد فلاحية ( زيت الزيتون والتمور وقليل من القوارص ) وبدرجة ثانية إلى تحسن في صادرات مواد معملية وصادرات النسيج والبترول الخام. في المقابل من ذلك استمرت وستستمر الواردات التونسية في ارتفاع في جميع المواد بلا استثناء ( المواد الغذائية وخاصة الحبوب والزيوت النباتية والطاقة والمواد المصنعة والنسيج وغيرها ). وبلغة الأرقام فإن الـ 7 نقاط تحسن في نسبة التغطية ( الارتفاع من 64 % إلى 71 % ) يعود الفضل فيها للارتفاع الظرفي الناجم عن صادرات موسمية ( زيت الزيتون والتمور ) وليس عن تغير هيكلي في الإنتاج وقدراته التصديرية. ومع كل هذا فمهما تحسنت الصادرات التونسية فإن نسبة العجز المسجلة في جانفي 2018 هي 1211.7 مليون دينار مقابل 1221.8 مليون دينار خلال نفس الفترة من 2017.
علاوة على أن انحباس صادرات المواد الفسفاطية سيكلف الميزان التجاري اختلالا كبيرا ذلك أن هذا القطاع ومشتقاته الذي لم يشهد تعطلا كبيرا خلال شهر جانفي كان سجل مع ذلك عجزا بـ 25.1 % نتيجة انخفاض صادرات مادة الحامض الفسفوري (9ر31 م د مقابل 4ر39 م د فما بالك وهو قد قضى فترة زمنية مهمة في حالة شلل تام تقريبا
والأمر الذي لا خلاف فيه هو أن التوريد التونسي هيكلي مرتبط ارتباطا وثيقا بالاختيارات الاقتصادية الكبرى التي جعلت من الاقتصاد التونسي اقتصادا ريعيا غير مصنع ومحدود الإنتاج وضعيف المردودية والتنافسية وعاجز عن التنويع في المواد القابلة للتصدير. والنتيجة الطبيعية لذلك أن يظل الميزان التجاري مهددا بالعودة في كل وقت للعجز الذي سجله في السابق وخاصة موفى ديسمبر 2017.

3 – المخاطر الاقتصادية القادمة
إلى جانب ذلك فإن البلاد مهددة بمخاطر اقتصادية جديدة علما وأن صندوق النقد الدولي قرر في ضوء تقرير فريقه الذي زار تونس مؤخرا تأجيل صرف القسط المنتظر صرفه في جانفي 2018 إلى فترة لاحقو. وتؤمل الحكومة أن يوافق مجلس إدارة الصندوق على صرف القسط الثالث من القرض في اجتماعه القادم يوم 23 مارس الجاري والخوف كل الخوف أن يؤجل ذلك إلى الاجتماع الموالي في ماي القادم. من أهم هذه المخاطر :
- إمكانية صدور ترقيم سيادي جديد سيء من قبل وكالة " موديز " للترقيم الائتماني التي زار وفد منها تونس في المدة الأخيرة وينتظر بعد الحين والآخر صدور ترقيمها لتونس. ومن المنتظر أن يكون هذا الترقيم سلبيا أكثر من المرات السابقة ذلك أن زيارة وفدها تزامن من انهيار مخزون البنك المركزي من العملة الصعبة ( 82 يوم واردات وقد وصل مؤخرا إلى 77 يوما فقط ). ومعلوم أن صدور هذا الترقيم في الظرف الراهن من شأنه أن يتسبب في مصاعب كبرى لتونس التي تنوي الخروج في شهر مارس الجاري على السوق المالية العالمية للبحث عن قروض جديدة بقيمة ألف مليون دولار مبرمجة في ميزانية 2018.
- مزيد انزلاق قيمة الدينار التونسي أمام العملات المرجعية المعروفة ( الأورو والدولار واليان الياباني ) بالنظر للمصاعب التي يعاني منها الاقتصاد التونسي والميزان التجاري من جهة وتطبيقا لتوصيات صندوق النقد الدولي الذي يعتبر أن قيمة العملة التونسية الحقيقية مضخمة بصورة مفتعلة وينبغي الحط منها لتبلغ 1 يورو يساوي 3.300 د ت. هذا مع العلم ان الدينار التونسي كان قد انزلق بما لا يقل عن 17 % سنة 2017. ومعلوم أيضا أن أي تراجع آخر للدينار التونسي من شأنه أن يزيد في نسبة التضخم التي بلغت أرقاما قياسية 7.1 % في موفى شهر فيفري الماضي نتيجة ارتفاع مؤشر الأسعار عند الاستهلاك مستهل السنة الحالية ( 1.1 % ) وقد اعترف محافظ البنك المركزي في ندوة صحفية يوم الخميس 8 مارس الجاري أن معدل نسبة التضخم لهذه السنة ستكون فوق الـ 7 % الأمر الذي جعل مجلس إدارة البنك المركزي يقرر الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بـ 75 نقطة لتصبح 5.75 عوضا عن سبعة. وهذه الزيادة هي الثالثة من نوعها منذ أفريل من السنة الماضية ( الأولى بـ 50 نقطة والثانية بـ 25 نقطة ) وكانت كلها مملاة من صندوق النقد الدولي الذي هلل بالزيادة الأخيرة واعتبرها خطوة إيجابية. ومعروف لدى كل الاقتصاديين أن مثل هذا الاجراء له عواقب وخيمة على المؤسسات وعلى حركة الاستثمار وكذلك على المقدرة الشرائية للمواطنين. والأكيد أن الطبقة الوسطى التي لها القدرة أكثر من غيرها على الاقتراض ستتكبد نتيجة هذا الاجراء مصاعب جديدة في الحصول على قروض بنكية ( لشراء المسكن أو السيارة ) وفي تسديدها بتكاليف أثقل. ولا يستبعد أن يكون لمنظمة الأعراف ردود أفعال قوية ضد هذا الاجراء.
- إمكانية صدور تصنيف جديد لتونس ضمن البلدان التي لم تطور تشريعاتها الخاصة بحماية المعطيات الشخصية وفق المعايير الأوروبية التي سيصادق البرلمان الأوروبي يوم 25 ماي القادم على قانون بخصوصها سيصبح بموجبه من غير الممكن لعديد المؤسسات التونسية الولوج إلى معطيات شخصية لمواطنين أوروبيين عند تنقلهم إلى تونس أو عند القيام بعمليات تحويل مالي أو الحصول على خدمات الأمر الذي يهدد شركات النقل الجوي والبحري ومؤسسات التأمين ومراكز النداء والشركات العاملة في مجال الاشهار وغيرها كثير. واللافت للانتباه في هذا الأمر أن الحكومة التونسية التي تعلم جيد العلم باقتراب هذا الموعد بما انها صادقت نوفمبر الفائت ( نوفمبر 2017 ) على أن تصبح بلادنا عضوا بالاتفاقية عدد 108 لمجلس أوروبا، تراخت في إعداد مشروع القانون الخاص بحماية المعطيات الشخصية رغم مساعي الوطنية المختصة ( هيئة شوقي قداس ) ولم يصادق مجلس الوزراء على مشروع في هذا الصدد إلى يوم 8 مارس الجاري ومن غير المتأكد أن تقع المصادقة عليه في مجلس النواب قبل حلول تاريخ 25 ماي بالنظر للرزنامة الثقيلة التي تنتظر المجلس من الآن حتى ذلك التاريخ.

الوضع الاجتماعي :
يتواصل الوضع الاجتماعي محتقنا. فبعد احتجاجات بداية العام ورغم مظاهر الهدوء الظاهري فإن العديد من التحركات التي عرفتها قطاعات مهنية وشرائح اجتماعية وجهات تؤكد أن الوضع الاجتماعي مازال على توتره. ويمثل الوضع المتفجر في الحوض المنجمي أبرز مظاهر هذا الاحتقان علاوة على ما تشهده عديد القطاعات المنظمة ( التعليم العالي والثانوي وشركة الشحن والترصيف ) وغير المنظمة ( الناجحين في الكاباس والشباب العاطل عن العمل .. ) وعودة جهة تطاوين للتلويح بالاضراب العام الجهوي من أجل فرض تطبيق الاتفاقات المبرمة بخصوص ما يعرف بملف الكامور.
وفوق كل ذلك فإن الوضع المزري للمقدرة الشرائية نتيجة التهاب أسعار كل المواد دون استثناء هو موضوع أحاديث الشارع التونسي وتعاليقه ومبعثا للتذمر والسخط. ومن المتوقع أن تتحول هذه الحالة إلى انفجارات جديدة في حالة ما إذا أقدمت الحكومة على تنفيذ تعهداتها لدى صندوق النقد الدولي أي في حالة ما إذا أقدمت على دفعات جديدة في زيادة الأسعار وفق ما تقتضيه أحكام قانون المالية الحالي.
ومن جهة أخرى فإن الحكومة التي أجبرت على الالتزام أمام المنظمة الشغيلة بالانطلاق في جولة مفاوضات اجتماعية جديدة للزيادة العامة في الأجور ابتداء من شهر أفريل القادم ستجد نفسها بين سندان هذا الالتزام ومطرقة عجز الميزانية وعدم قدرتها على تحمل مثل تلك الزيادات الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في مواجهة اجتماعية أخرى. ومما لا شك فيه أن الحكومة في مأزق حقيقي في هذا المضمار إذ لا خيار لها إما نكث تعهداتها والدخول في مواجهة مع النقابات وإما الرضوخ وبالتالي الالتفاف على تعهداتها لدى صندوق النقد الدولي باتباع سياسة تقشفية بغرض " تصحيح أوضاع المالية العمومية والنزول بكتلة الأجور إلى مستوى 12.5 % من الناتج الخام " وفي هذه الحالة ستجد نفسها امام ردود أفعال عنيفة من قبل المؤسسة المالية الدولية التي تنظر الآن بعين الريبة لمدى التزام الحكومة بتنفيذ " الإصلاحات الكبرى " وفق ما جاء في اتفاقية
البرنامج الموسع للاقتراض ماي 2016 ( القرض الأخير ) ناهيك وانه قد أجل صرف القسط الثالث من هذا القرض بسبب ضعف تقدم إنجاز الإصلاحات المذكورة.

الأزمة السياسية تحتد
تتسارع الأخبار في المدة الأخيرة التي تشير كلها إلى انخرام الوضع في قمة الحكم. فما كان يروج حول الصراع بين قصر قرطاج والقصبة أي بين الباجي والمحيطين به من جهة ويوسف الشاهد من جهة أخرى أصبح اليوم حقيقة وموضوع حديث لا فقط الكواليس وإنما أيضا أوساط واسعة من الساحة السياسية. ولم يعد خافيا على أحد مساعي الباجي إلى إزاحة يوسف الشاهد من على رئاسة الحكومة. وتروج أخبار هذه الأيام – تناقلتها وسائل الاعلام – حول إقالته قبل موفى شهر مارس الجاري أو مباشرة بعد الانتخابات البلدية. وكثر الحديث عمن سيخلفه في هذا المنصب. وتنحصر الاشاعات حاليا حول ترشيح لطفي براهم الداخلية الحالي. فيما تذهب إشاعات أخرى إلى ترشيح سلمى اللومي التي تحظى بدعم الباجي. كما تذهب روايات أخرى إلى ترشيح مدير ديوان الباجي سليم العزابي. والأكيد أن البحث عن البديل جار على قدم وساق بعد أن أصبح رحيل يوسف الشاهد من الأمور المحسومة تقريبا. لكن لسائل أن يسأل ما سبب بقائه كل هذه المدة والحال أنه جرى الحديث عن إقالته منذ أشهر؟
يبدو ان الخوف من ردود أفعال أوساط خارجية مستاءة من كثرة تغيير الحكومات وتتخذ منه سببا في حجب دعمها المالي لتونس وتحفظها عن مسار إرساء الاستقرار السياسي في تونس هو العامل الذي فرض على الائتلاف الحاكم والباجي على وجه الخصوص كل هذا التردد في المرور إلى تفعيل الموقف من الشاهد. ومن جهة ثانية يبدو أن اتفاقا لم يحصل بعد بين النهضة والنداء بهذا الخصوص رغم ان الغنوشي سبق وأن حذر الشاهد من مغبة " التركيز على الرئاسية " وناداه علنا إلى الاعتناء بعمله على رأس الحكومة الأمر الذي أجبر الشاهد على الخروج على الرأي العام ليبايع الباجي علنا هكذا ومن دون مقدمات.
وللتذكير أن حافظ قائد السبسي النافذ في النداء وفي أوساط الحكم ما انفك يجدد طلبه برحيل الشاهد بما في ذلك في اجتماع ممثلي أحزاب " وثيقة قرطاج " شهر جانفي الماضي.
وقد تابع الرأي العام في المدة الأخيرة الانقلاب الذي طرأ على موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من حكومة الشاهد حيث لم يتوان الطبوبي عن المطالبة بإجراء تحوير على الحكومة. وكان رد الشاهد موفى شهر فيفري على هذا الطلب حادا وصريحا حيث رد قائلا " تحوير الحكومة من صلاحيات رئيسها " بمعنى أنه لا يحق لأي كان الخوض في هذا الموضوع. وسارع الاتحاد بالرد عليه متمسكا بموقفه. وجرى لقاء بين الطبوبي والباجي قائد السبسي في الغرض ذاته ويقال أن الطبوبي قد مد الشاهد بقائمة الوزراء الواجب تنحينهم ( بن غربية والدهماني ووزيرة الشباب والرياضة ).
اما حركة النهضة فقد التزمت موقفها التقليدي وهو عدم المطالبة بتنحية الشاهد وفي حالة ما إذا تمسك الباجي بذلك فلن تلو العصا في يده لتكون آخر من يعلن قبوله بذلك. وفي الأثناء تضغط من أجل أن يكون رأيها مسموعا فيمن ينبغي تعيينه مكان الشاهد علاوة على ضمان عدد من الحقائب لصالحها. وهي لا تخفي إلى الآن غضبها من فرض لطفي براهم وزيرا للداخلية رغم معارضتها له وتقف – حسب البعض - وراء الحملة التي تشن ضد وزير الداخلية ويقال أن قطر تدخلت لتمويل هذه الحملة ماديا خصوصا بعد الزيارة التي أداها براهم للسعودية والتي دامت 5 أيام كاملة عومل فيها كما لو كان هو رئيس الحكومة. ويقال أيضا أن هذه الزيارة مبرمجة من مدة ولكن ليوسف الشاهد وليس لبراهم وقد تم استبداله بهذا الأخير بموافقة الباجي شخصيا. وهي إشارة على أن قصر قرطاج إنما ينوي فعلا تولية براهم رئاسة الحكومة في المدة القادمة. ويبدو أن الأمر على درجة من الجدية بما أنه يلقى مباركة الأوساط الغربية : الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبية اللذين يودان لو تقع تسمية رجل قوي على رأس الحكومة. ويبدو من الخطة التواصلية المنظمة orchestrée لتلميع صورة الرجل أن هناك نوايا جدية في يكون له شأن مهم في الحياة السياسية في المدة القادمة.
وفي سياق متصل مع كل هذه التفاصيل نادى الباجي قائد السبسي لاجتماع هو الثالث من نوعه " لشلة " وثيقة قرطاج يوم الثلاثاء 13 مارس الجاري. ويبدو ان اتفاقا حصل بين الباجي والأمين العام لاتحاد الشغل بشأنه. كما ينتظر أن تكون لهذا الاجتماع مخرجات مهمة منها على الأقل الإعلان صراحة عن فشل الفريق الحكومي وعن ضرورة التفكير في تغييره.
السؤال المطروح هو متى سيكون توقيت هذا التغيير؟ كل المؤشرات تشير إلى أنه سيكون على الأرجح بعيد الانتخابات البلدية. وستكون المدة الفاصلة من الآن حتى ذلك التاريخ مهلة لمزيد البحث عن الصيغ الملائمة لتمرير عملية تغيير الحكومة وإقناع الأوساط الخارجية والرأي العام المحلي بها. في الأثناء ستستمر أيضا المناورات من كل الأطراف ( الباجي والنداء والنهضة خاصة ) من أجل كسب هذه الجولة الجديدة من السباق نحو المسك بمراكز النفوذ في الحكم والتحكم فيها.
وفي الأثناء أيضا ستخاض معركة الانتخابات البلدية التي ينبغي لنا أيضا أن نضعها في إطارها الصحيح وان نفهم أبعادها السياسية الحقيقية وتداعياتها على مستقبل الوضع السياسي العام في تونس.
في هذا السياق أود أن أبدي الملاحظات التالية :
1 – بصرف النظر عن تقييمنا لعمل الحزب والجبهة في الاعداد للانتخابات البلدية – فموضعه ليس هنا – يجب أن ندقق الحكم في أهمية الانتخابات البلدية ودورها في التأثير في تطور الأوضاع السياسية مستقبلا في بلادنا.
2 – ما من شك أن نتائج الانتخابات البلدية أي عدد المقاعد التي سيحرزها كل طرف من الأطراف السياسية ( بما في ذلك ما يسمى بالمستقلين ) – وليس عدد القائمات التي شكلها – هي التي ستعطي المشهد السياسي العام وترتيب كل الأطراف في البلاد. وقد تسربت أخبار في المدة الأخيرة حول قلق النهضة من أن يتراجع وزن النداء الأمر الذي سيضعها في الواجهة وهو ما لا ترغب فيه حركة النهضة التي تريد أن تتخفى وراء النداء لفترة أخرى لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالوضع الداخلي ( أن لا تكون هي القوة الأولى بشكل يحملها ضمنيا مسؤولية انهيار الوضع في تونس ) ومنها ما يتصل بالخارج ( اتقاء تكالب أوساط في الديبلوماسية الأمريكية والأوروبية التي غيرت موقفها من الإسلام السياسي في المنطقة العربية ). وفي هذا الاطار يطرح علينا أن نكافح بكل قوة من أجل أن تظل الجبهة في ترتيبها أي القوة الثالثة في البلاد يعني أن تحرز عددا مهما من المستشارين البلديين وأن تفتك بعض الرئاسات. وهنا لا بد من التأكيد على تدارك كل نقائص المرحلة الماضية والإعداد الجيد للحملة الانتخابية.
3 – رغم ذلك ينبغي القول أن الانتخابات البلدية لا ترتقي إلى أن تكون العامل الحاسم في تطور الأوضاع السياسية إلا بنسبة ضئيلة حسب رأيي. ذلك أن العوامل الحاسمة في ذلك ستبقى الصراع بين القوى الثورية والشعب من جهة والرجعية والتأثيرات الخارجية من جهة أخرى وكذلك الصراع داخل القوى الرجعية نفسها ( النداء والنهضة ) أي التنافس بينهما للسيطرة على مراكز النفوذ في الحكم وكسب الكمبرادور والقوى الخارجية إلى صف أحدهما.
4 – على هذا الأساس إذا كان مطلوبا منا بذل أقصى جهودنا من أجل كسب ما يمكن كسبه من معركة الانتخابات البلدية فإنه لا بد من الاستعداد للمعارك الجوهرية الأخرى أي الاستعداد دوما لاستنهاض الحركة الاجتماعية واستغلال مؤثرات الأزمة الاقتصادية لمواجهة الائتلاف الحاكم الذي سيستمر في الحكم لفترة أخرى. وستكون معركة الانتخابات سنة 2019 محطة مهمة من محطات الصراع ضده. ونذكر هنا بأن الحكومة مقدمة على قرارات جديدة بالترفيع في الأسعار على غرار ما قامت به في بداية السنة الجارية الأمر الذي قد يقابله الشعب مرة أخرى بالاحتجاج وهو ما يدعونا إلى ضبط خطة للإعداد له وتأطيره.
5 – ملاحظة أخيرة في هذا الصدد بالذات وهو أن نتائج الانتخابات البلدية قد يكون لها تأثير على اختيارات الرجعية في تشكيل الحكومة القادمة. ففي حالة ما اتجهت النية إلى تولية لطفي براهم رئاسة الحكومة فإن البلديات يمكن أن تكون واحدة عناصر المقاومة في وجه النهج التصعيدي والاستبدادي الذي ستجنح له الحكومة القادمة لفرض استقرار الوضع – إلى جانب الأحزاب ومكونات المجتمع المدني – بما أنها إطار للديمقراطية التشاركية والمحلية.

إن الشعب التونسي وقواه الثورية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية وبصورة أخص حزب العمال أمام ملفات كثيرة ومتنوعة ومعقدة لن يتيسر معالجتها دون معالجة أوضاعه الداخلية وإعادة النظر في الكثير من " القناعات الراكدة " وخاصة في مجال التنظيم وأسلوب العمل التي أثبتت خلال إعداد قائمات البلدية أنها وراء الكثير من النقائص والاخلالات. وهذا موضوع آخر ليس هنا مجال الخوض فيه.


تونس في 9 مارس 2018



#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منطلقات لنقاش التكتيك السياسي في تونس
- مرة أخرى حول مسألة الرأسمال الوطني
- حتى لا تصطدم البشرية بأسوأ سيناريو
- إلى راشد الغنوشي: إن مع اليوم غدا يا مسعدة
- الحكومة الجديدة: التركيبة والبرنامج
- الإصلاح الزراعي مهمة ثورية عاجلة
- الاستثمار الخارجي في تونس أكذوبة لتبرير التبعية والاستغلال و ...
- بعد تأجيل ديون 25 بلدا هل تقتنع الحكومة؟؟
- حكومة الفخفاخ والمضي قدما في التداين
- إلى الرئيس قيس سعيد : «عليك أن توضح خفايا زيارة أردوغان الفج ...
- إلى أين تسير البلاد؟؟
- المخطط الجديد التشخيص والأهداف والآليات، ما الجديد؟
- تونس تعيش أزمة حكم
- الجبهة الشّعبيّة تزرع زنابق غرّة ماي وبشائر الأمل
- فشل الحكومة... فشل منظومة
- الوحدة الوطنيّة لا يجب أن تكون شعارا دون مضمون


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جيلاني الهمامي - حول آخر مستجدات الوضع السياسي في تونس