أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل سالم - قصص تتحرى السؤال الفلسفي















المزيد.....

قصص تتحرى السؤال الفلسفي


أمل سالم

الحوار المتمدن-العدد: 6670 - 2020 / 9 / 7 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


تبدو المجموعة القصصية" ذقن أبو الهول وفيلم وردة وأوهام بيكون " للكاتب المصري "مصطفي أبو حسين" مختلفة عن صيغ عناوين مجموعتيه السابقتين، وهما: "الولد الليلي" و"دعه يمر"، حيث كانتا كل منهما مكونين من عنوان يحتوي على مفردتين بخلاف هذه المجموعة والتي يباغتنا عنوانها الطويل الذي يمكن استنتاج أن العنوان ذاته هو عنوان لقصة داخل المجموعة، بيد أن العنوان هذه المرة مختلف، فهو يمثل عنوانًا لقصة داخل المجموعة، وفي نفس الوقت أحداثًا يمكن أن تحفز القارئ على مطالعة المجموعة، وخاصة أن العنوان يمر بمجالات مختلفة، فنجده يستحضر وقائع يختلط فيها التاريخ القديم بالتاريخ الحديث عبر واقعة كسر ذقن أبو الهول، ويمر بالواقع والمعاصر عبر حكاية فيلم وردة، معرجًا على الفلسفة ومنتقيًا منها بداية التاريخ الإنساني القائم على الثورة العلمية. ويعد اختيار الكاتب للفيلسوف فرانسيس بيكون ليس بمحض الصدفة، وإنما لكون بيكون هو الفيلسوف الذي قاد الثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة -آنذاك- القائمة على عنصري الملاحظة والتجريب.
ويمكن تقسيم هذه المجموعة إلى قسمين يقع بينهما ارتباط وثيق وتداخل، وهما:
القسم الأول : وهو الإقرار، وجاء في ثلاث صفحات، ومنه يمكن الوقوف على الخطة التي سيتبعها الكاتب في كتابة قصص مجموعته القصصية، فهو يفتح زمن الكتابة حين يقول: "سأكتب هذا المساء، أو ربما ذات صباح مشرق". واختار المساء مبهمًا دون وصف ما بينما وصف الصباح بالمشرق فيما يمكن تأوله بأن ثنائية ما سوف تتضح في هذه المجموعة. ويحدد أيضًا طبيعة الكتابة حين يحدد أن مسارات هذه الكتابة ستمر عبر عدد من الفلاسفة، وهم:
1-نيتشه، وفكرتي الإنسان السوبر وموت الإله.
2-المنفستو، ذلك الذي يحيل القارئ -المثقف سياسيًا، بارتباط شرطي- على المانفيستو الشيوعي، خاصة بعد ذكر تثوير الانقلابات في مصر.
3-سورين كيركجارد، وهو أول فيلسوف وجودي، والفيلسوف واللاهوتي الدنماركي، وكان لفلسفته تأثير على الفلسفات الوجودية المؤمنة.
4-الفيلسوف شوبنهاور، وهو معروف بفلسفته التشاؤمية، فما يراه بالحياة ما هو إلا شر مطلق، فقد بجل العدم.
ويربط الكاتب بين الكتابة ورعي الغنم والنبوءة في إشارة واضحة إلى علاقة ما، ورؤية ما، للكاتب في المنظور الديني لدى المجتمع.
كما يربط الكاتب بين كتاباته وبين حبه للرمزية في أشعار "محمود درويش"، وأشعار"محمود قرني" وخاصة في ديوانه " لعنات مشرقية"، ومثلما استعار "محمود قرني" أصوات شعراء، مثل: طاغور، وبورخيس، وجوته في ديوانه، نجد أن القاص استعان بعدد من الفلاسفة في كتابة قصص المجموعة.
وهو أيضًا يصِفُّ أربعة في صف واحد في خانة الكره، وهم : المجاز في الشعر، الأنظمة العسكرية، السحلب البارد، الممثل عادل إمام.
وتعد القصة القصيرة هنا في هذه المجموعة مرآة، وإن كان هذا المصطلح يتردد منذ أيام أفلاطون، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: "هل القصة القصيرة مرآة للأشياء؟ أم لعقل القاص؟ أم لنفس القاص؟
وهل هذه المرآة مستوية، أم محدبة، أم مقعرة؟ وبمعنى أدق هل الصورة المتكونة في هذه المرآة مساوية تمامًا، أم أنها كُبِّرت بالإضافة عبر توهم ما؟ أم صُغِّرت عبر الاختزال ومحاولة إعادة الأشياء إلى أولياتها؟
من هو الكاتب إذن؟
يحسب للكاتب استخدامه الاسم مصطفي في صورة الجذر، أو على الأدق تناسب الاسم مع الصفة، أو بمعنى معجمي فالاصطفاءهو التفضيل والاختيار والانتقاء، فنجده :" الأنسان السوبر الذي بشر به نيتشه متخطيًا هشاشة إنسان الميتافيزيقا القديم"، فالثنائية هنا هي القديم والجديد، العلم والميتافيزيقا، الخرافة والفلسفة الحديثة كما سيتضح من قصص المجموعة.
أيضًا مصطفى: " الإنسان الأعلى، المبعوث قريبًا من نضالات نيتشه"، في إشارة إلى فكرة البعث بشقيها، فبعثه أرسله أو بعثه أحياه.
فمصطفي فيه اصطفيت الأفكار، وفي إشارة إلى الثورة على الكلاسيكيات فإن الكاتب يستحضر المذهب الرومانسي، المذهب الأدبي الذي ظهر بعد قرن ونصف تقريبًا من ظهور الكلاسيكية إلى أنه مذهب ثائر على الكلاسيكية وعلى كافة قواعدها وأصوله، أي رفض كل ما هو قديم.
القسم الثاني: وهو القصص التي تتكون منها المجموعة، وعددها سبع قصص قصيرة، وهي على الترتيب:
1-المداح الواحد: وتقع في اثنتي عشرة صفحة.
2-المومس العفيف: وتقع في عشر صفحات.
3-الناقد الأدبي: وتقع في سبع صفحات.
4-شمس الدين ونحولة عبلة حزونة ماجدولين ومراقبة المهندسة: وتقع في ست صفحات.
5-ذقن أبو الهول وفيلم وردة وأوهام بيكون وتقع في إحدي عشرة صفحة.
6-الحمام الوحشي والإمام: وتقع في تسع صفحات.
7-الدفعة ستة وثمانون: وتقع في ثلاث عشرة صفحة.
وفي القصة الأولى، وهي بعنوان: "المداح الواحد": نجد أن بطل هذه القصة -باختصار- هو شخص يعمل محفظًا للقرآن بمدرسة ابتدائية، يبدأ في تعريف القارئ بنفسه فنجده دارسًا للفلسفة، ويعي المنطق جيدًا، ونجده في تعارض مع المسلمات ومناهضًا للميتافيزيقا، وباختصار شديد فإن اعتناقه للأفكار الفلسفية قوبل صراحة من المجتمع بوصف بالملحد غريب الأطوار، هذا الشخص يدخل بستان في يوم ما وينام فيشاهد في الرؤية رجل بملابس بيضاء وعمامة سوداء يطلب منه المديح، لا يهتم بأمر الحلم إلى يوم مطير، حيث يقابل عجوزًا رث الملابس يصيح به "الله حي"، يعاوده الحلم مرة أخرى أثناء ارتعاشة برد. وفي يوم يحضر أحد متعهدي حفلات الأولياء ويصطحبه في سيارة حيث احتفالية الولي، يأخذ صاحبنا في الإنشاد عن ظهر قلب، ويرى الشيخ رث الملابس مرة أخرى في الحفل، هذا الشيخ له سطوة، ويقوم بجمع المال له ليغير البطل من وظيفته ويتحول إلى الإنشاد باحتراف في جميع موالد البلاد.
وإذا أردنا أن نفسر هذا العمل فإننا نلجأ إلى الواقعية النقدية، وهي موقف من العالم والمعرفة نظّر له بالأساس الفيلسوف
البريطاني المعاصر روي باسكار وعدد من الأكاديميين، حتى أصبحت من المواقف الفلسفية الأساسية التي يستند إليها البحث العلمي الاجتماعي. وتعتمد الواقعية النقدية على الاشتباك مع أفكار كانط وماركس إلى حد بعيد، وهي تعد موقفًا فلسفيًا بديلًا مختلفًا عن الفلسفة الوضعية التي تعتمد على التعميم وتفسير المتغيرات ومحاولة الوصول لقوانين غائية حاكمة للواقع الاجتماعي، وتختلف عن ما بعد الحداثة التي تسعى للتأويل لا لفهم الواقع واستيضاحه.
فنحن أمام نص سردي باحتراف؛ حيث توافرت فيه مقومات السرد، فهنا سلسلة من الأحداث المرتبة زمنيًا تعاقبيًا منطقيًا، وأيضًا ترتيبًا سببيًا منطقيًا، كما أن الواقع متصل ببعضه البعض من خلال وحدة الحدث والموضوع، وأيضًا هناك التحولات فيما تقوم به الشخصية من أحداث من أجل غاية هي السبب في وجود النص.
ونجد أن هناك امتدادًا للفلسفات التي نوه لها الكاتب في الإقرار منذ السطر الأول، فصراحة يعلن القاص على لسان السارد أن تصوراته عن العالم والحقيقة تتقاطع مع المسلمات واليقينيات التي يعظمها ويقدسها الناس؛ مما يعرضه لوضع يتراوح بين غرابة الأطوار ويصل إلى الوصف بالإلحاد. إلا أن هذه الفكرة تروق للسارد، فيكون لنفسه وضعية تسمح بمزج المصطلحات؛ ليخرج لنا عبر النص بمصطلح "ملحد غريب الأطوار". وينتقل السارد إلى نقد النظام الاجتماعي فيصفه:
" نظام حماية غطى الجميع، يقدس المسلمات، ويعصف بمن يقترب من اليقين العام الذي يتشاركه الناس".
وفي واقع الأمر ينتقل السارد إلى منطقة أخرى من التعامل مع الأفكار، وهي منطقة التلذذ بإعلان هذه الأفكار والدفاع عنها، ويوطد ذلك بدراسة الفلسفة، كون الفلسفة هي العضد للأفكار عمومًا، وللأفكار التي تنقل المسلمات من وضعها التاريخي المقدس لمنهج الدراسة والتحليل، فهو يقول: "دراسة الفلسفة التي لم تكلفني فوق طاقتي شيئًا سوى أنها منهجت وأطرت أفكاري". وهو يبحث دائمًا عن وضع الأشياء في عناوين تحت مسمياتها الأصلية، وذلك في إشارة لأهمية دراسة الفلسفة، ولأن أولى القضايا التي تهتم الفلسفة بها هي قضية الوجود، ومنها: النظرة لوجود إله للكون، فهو يناقش مشكلة الإيمان الدوجماطيقي، وهي تكاد تكون مشكلة الشعوب التي تؤمن بالديانة الإبراهيمية بفروعها الثلاثة، وامتلاك الحقيقة المطلقة.
إن دراسة الفلسفة تستدعي الإلمام بالمنطق، فنجد أن السارد يعرج على مفهوم التعاريف والمصطلحات وشروطها المنطقية فيما يخص الجمع والشمول، وهي مشكلة أخرى من مشكلات الكتابة والنقد، وهي مشكلة ضبط المصطلح.
وهو يوصف حالة الكثير من الناس الذين يتناولون بالتفكير أمر المسلمات، فنجده يقول:
"فلم أكن أصلي، أو أتخيل نفسي أصلي، بل الأكثر أني لم أكن أحب المصلين، كنت فقط حريصًا على الظهور في المساجد أيام الجمع، كفلكلور أو طقس شعبي".
وعلى المستوى النفسي يناقش السارد فكرة تقديم الملحد للامتيازات والعروض التي تعمل على إغراء العملاء، فنجد السارد يجْمل ذلك حين يقول: "غير أني بصفة دائمة كنت شديد الحرص على أن تكون قيمي وأخلاقي نموذجًا...لا أكذب، طهرت قلبي من الحقد والغل ...إلخ".
ولكي يحدث الكاتب المفارقة التي تسبب دهشة الملتقي، هذه المفارقة التي جاءت بالضبط من وجهة نظري في مكانها بعد هذا الكم من الزخم في التقديم والتعريف بالكون والفلسفة والمجتمع نجد أن البطل هو "محفظ قرآن في مدرسة ابتدائية
للأطفال".
ثم تكتمل الدهشة حين يتحول هذا المصطدم مع الثوابت والذي يناقش العقائد والمعتقدات إلى شخص يري في الحلم، بل ويؤمن بأهمية الحلم، ينتقل فجأة من رفض الميتافيزيقا إلى الإيمان بها والبحث عن ماهيتها؛ فهو يعتقد في رؤية الرجل ذي الملابس البيضاء والعمامة السوداء.وينتقل الكاتب من مفارقة اللفظ إلى مفارقة الموقف مما يمكن اعتباره مردود لرؤية الكاتب للمجتمع والتناقضات في المجتمع.
هناك مفارقة أخرى، وهي القرية التي تقبلت محفظ القرآن الملحد غريب الأطوار، والتي يمكن تأويلها على أنها انتهازية اجتماعية تسمح بتمرير ما لا يتماشى مع أفكارها ومعتقداتها من أجل منافعها ومكاسبها فيما يعد نقدًا اجتماعيًا قام به الكاتب من خلال أحداث القصة وعلى لسان السارد.
-فكرة الابن والأب:
على لسان السارد نجد أن الكاتب يقول: "ثمة ومضة على قدر واضح من الأهمية لم أشر إليها، دالة في سردي هذا، أبي -رحمة الله عليه- كان يجول الموالد وحلقات الذكر والإنشاد، يتغنى مع المنشدين أشعار ابن الفارض والحلاج وابن عربي وغيرهم، كانت كتب هؤلاء تزين بيتنا، بجانب كتب لي عن سان سيمون وميشيل فوكو وهنري أفون وكواين ونيتشه وهيجل وغيرهم".
هنا يضع الكاتب الابن في مواجهة الأب، وبمعنى أكثر اتساعًا فكرة التصوف والميتافيزيقا مقابل العلم والفلسفة التي تخدم العلم وليس الفلسفة التي تخدم الدين. فسان سيمون فيلسوفٌ فرنسيٌ يميل إلى مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، وكانت دعوته موجهة إلى الاهتمام بالصناعة، أما ميشيل فوكو فيعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، تأثر بالبنيويين، ودرس وحلل تاريخ الجنون في كتابه "تاريخ الجنون"، وعالج مواضيع، مثل: الإجرام، والعقوبات، والممارسات الاجتماعية في السجون، وابتكر مصطلح "أركيولوجية المعرفة"، وأرّخ للجنس أيضاً من "حب الغلمان عند اليونان" وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة كما في "تاريخ الجنسانية".
أما هنري أرفون فهو الفيلسوف صاحب كتاب فلسفة العمل، أما كواين فهو فيلسوف وعالم منطق أمريكي وأستاذ فلسفة بجامعة هارفارد، ويعد واحدًا من أكثر الفلاسفة تأثيرًا في القرن العشرين، وكان يؤمن بأن الفلسفة ليست تحليلًا مفاهيميًا، وإنما هي الفرع المجرد للعلوم التجريبية، ويعتبر بذلك من أهم ممثلي تيار الفلسفة التحليلية. أما نيتشه هو فيلسوف الألماني وناقد ثقافي وشاعر وملحن ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية.
ويعد هيجل: مؤسس المثالية الألمانية. كل أولئك في مقابل المتصوفة وفلاسفة التصوف الإسلامي. وهذا ما يمكن إدراجه تحت فكرة موت أو قتل الأب، وخاصة أن السارد أخفى هذه الكتب بعد موت أبيه.
-يتناول الكاتب الخرافة والحقيقة على، فيجيئ موقفه متحيرًا بين نقيضين، وهما: الخرافة بمفهومها الفلسفي، والحقيقة بمفهومها الدوجماطيقي، الخرافة في مقابل الحقيقة، والفلسفة في مقابل الدجماطيقية.
-ويتناول الكاتب وعلى لسان السارد فكرة التكسب أو التربح من الأديان والكتب المقدسة، وفي النهاية يتخلى عن وظيفته كمحفظ للقرآن، كمن يصدر للمتلقي أن هناك تضاد بين حمل الأفكار الفلسفية التي شاركت في تقدم العلم والامتهان بمهنة تعتمد على الغيبيات والميتافيزيقا.
-وعلى حين أن الكاتب يناقش فكرة الإنسان السوبر لنيتشه، والانكفاء لشوبنهاور، وظاهرة التخوين ورمي الإنسان في الثقافة العربية في اتجاهات مضادة، كاليمين الذي يتهم المخالفين باليسارية، والعكس ينهي هذه القصة بفكرة هيمنة المتصوفة أصحاب الملابس الرثة على المجتمع وعلى تفكيره، والتأكيد على سقوط قوانين المنطق وأحكامه في ذلك، فيقول: "كنت مستغرقًا في تفسير عقلي لما حدث، حتى لا تسقط في نظري قوانين المنطق وأحكامه"، ومن خلال ذلك يتماس السارد مع ظاهرة الموالد المنتشرة في البلاد، وهي وإن كانت تحمل طبيعة صوفية فإنها تعمل على تغييب المجتمع وربط مقدراته بالموتى.
التناص في القصة:
والمقصود بالتناص التركيز على تراكم النصوص وازدحامها وتفاعلها مع بعضها البعض للعمل على خلق نصًا ثانيًا من النص الأول يتشظى في نص آخر، ومن خلال اقتباس الأحداث تتشكل مجريات التناص لبناء الحدث الكلي.
1-تناص على مستوى العبارة: يقول السارد: "لأنه قيل إن الشيطان لا يتشبه به"، وهي عبارة تتناص مع الحديث الشريف: "من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي"، وحديث آخر مشابه تمامًا:" إن الشيطان لا يتشبه بي".
والتناص هنا يحيل القارئ لمعرفة شخصية الرجل المقصود مدحه دون تصريح من الكاتب، شرط خبرة المتلقي بالثقافة الإسلامية، وهو ما يسمى بديمقراطية النص أو ملء الفراغات، والتي تجعل القارئ مشاركا في إنتاج النص.
اختيار التاريخ أيضًا يمكن تأويله، فهو ينتقل من يوم الرابع من يناير إلى السابع من يناير، وهو تاريخ يرتبط باحتفال المسيحية بعيد الميلاد المقدس، وهو التاريخ الذي سمع فيه السارد صوت الحضرة.
-يكرر الكاتب ذلك على لسان السارد حين يقول: "وشعر أشعث مغبر"، وهو أيضًا يتناص مع الحديث: "رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره"، وهنا تناص على مستوى الحالة أيضًا، فالكاتب جهز القارئ لاستدعاء الحديث بحالته حيث وصف شخصية الرجل الشيخ.
- وأيضا تناص "تحسبهم جميعًا ولكن أفكارهم شتى"، وهي تستدعي الآيه القرآنية: (تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى) وهي تصف عداوة أهل الكتاب، والتي هي عداوة نشأت بالفعل لاختلاف مجموعات الأفكار بينهم.
2-تناص على مستوى المصطلح:
يقول الكاتب على لسان السارد: "كنت خلال هذه الأثناء منكبًا على القراءة في مدرسة فكرية تسمى الوضعية المنطقية، تناصب الغيبيات العداء، وتعتبر ما يتماس معها خرافة".
وهنا السارد ينقل للمتلقي خبرته الفلسفية، فهو يطرح المدرسة الفلسفية التجريبية الوضعانية، وهي حركة فلسفية تعني بالتحليل المنطقي للمعرفة العلمية، حيث تؤكد أن المقولات الميتافيزيقية، أو الدينية، أو القيمية، فارغة من أي معنى إدراكي، وبالتالي، لا تعدو كونها تعبيرًا عن مشاعرَ أو رغبات.
3-تناص على مستوى المفردة والحدث:
فحكاية دخول السارد البستان ورؤية الحلم تستدعي ما روي في التراث عن دخول النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى بستان عقب رمي صبيان ومجانين الطائف له بالحجارة، حيث لجأ إلى بستانٍ يعود لرجلَين من سادات الطائف، هما: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، ومن هذا البستان الصغير جاءت النُّصرة والبشارة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد أرسل صاحبا البستان له بغلامٍ نصراني يُدعى عداس، يحمل قطفاً من العنب ليروي به ظمأ ضيفهما الغريب، بعد أن حمياه من صبيان ومجانين الطائف، وأقعداه في ظل شجرة ليستريح.
النص في مجمله لا يمثل صراعا بين الصوفي وبين الفلسفي بقدر ما يمثل الصراع العام في كل نفس لفرد في المجتمع الذي يرى المتناقضات حوله، متمثلة في قراءة القرآن وفي ذات الوقت تأدية الصلوات كفلكلور موروث من الأجداد بلا إيمان عميق راسخ في النفس، صراع بين الجذور المتمثل في التصوف وبين الحداثة المتمثلة في الأفكار الفلسفية.



#أمل_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفر العزبة - نيويورك
- الكاتب
- عين الصيرة، بحيرة يحيط بها الأولياء.
- البنوة في أشعار محمود درويش
- رواية -آلة الزمن- بين الأدب والعلم
- الكوارث وتصحيح مسار الإنسانية
- الاختراق والهيمنة المؤسساتية
- -الهؤلاء- رواية تعرية الطغاة
- العقل الجمعي وتنظيم العمل السياسي/ الثوري
- الرؤية المكتملة في ديوان: - تفاصيل حلم ما كملش-
- فصام
- من الذي يستطيع أن ينظم مصر؟
- الخطاب / دين أم تاريخ
- ذاكرة الموتى
- أين تذهب يا بابا؟
- بدون وساطة العبث
- صور معتمة لذاكرة تامة الاستضاءة
- الرحلة
- صدفة
- غروب


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل سالم - قصص تتحرى السؤال الفلسفي