أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الساعدي - توظيف التساؤلات في تشكيل القصيدة التجديدية.. قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عامر العراقي -الموتى يتكلمون-















المزيد.....

توظيف التساؤلات في تشكيل القصيدة التجديدية.. قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عامر العراقي -الموتى يتكلمون-


سعد الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 6652 - 2020 / 8 / 20 - 23:07
المحور: الادب والفن
    


من مميزات القصيدة التجديدية هي الكيفية التوظيفية في تشكيل مجموعة تساؤلات ينطلق منها البوح الذي كتبت به كتجربة شعرية، ومن ثمّتَ يترك الشاعر للقارئ سبر أغوار النص، وجماليات الوصف المسافر لفضاءات العاشقين، المتعبين، المعدمين، أو كلّ الصور التي تغلّف حياة الانسان ببهجتها وحزنها انطلاقاً من الخط الذي رسمه الشاعر؛ وهنا نجد شاعر تجديدي متمرس بكتابة قصيدة النثر هو عامر العراقي كيف بدأ في أول قصيدته: "الموتى يتكلمون" فاتحاً بابها بإثارة دهشة تستغرق نصف النص تقريباً كي تثير مجموعة تساؤلات لدى القارئ، مع أنه توقف بعد لحظة نشوئه بيان صورة صوفية لتتولد بعد ذلك التساؤلات اللاحقة ضمناً وليس ظاهراً؛ نقرأ النص ونتابع:
"المقابرُ بيوتُ الله
الموتى يَكتبونَ نشيدَ رِثاء
أمّا نحنُ ... نصلحُ
لِكتابةِ مُذكراتٍ
على جُدرانِ المدينةِ
نخطفُ الأضواءَ بعينِ الأراملِ،
وعندَ الفجرِ المُختنقِ
نصنعُ كركرةً ، بضحكةٍ باهتة
بينَ حواجزِ الشفاه
أيها الموتى
اسمعوا أغاني السماء
حينما تسندونَ رؤوسكَم
بحلمٍ يشبهُ راهبةٍ
تمارسُ طقوساً ورديةَ الخفاء
أمسكوا الوسنَ من خدِّ زنبقةٍ
قبلَ أن تصرخَ نحيلةً
وتشربَ الماءَ مثل قطعانِ الأغنامِ
لِتبللَ نَفسَها بوادٍ مظلمٍ
لا مواعيدَ تُغلقُ فيها الأبوابَ
سوى بعضَ ريحٍ
من ربيعٍ
تداعبُ أشجارَ زيتونٍ
ورائحةَ تينٍ
يصرخُ في سباتِ عرائشِ العنبِ
المقابرُ بيوتُ الله
الملائكةُ لا ينامون
يَحرسونَ الضوءَ والنومَ
يَغرسونَ أطفالاً بالحدائق
يضعونَ طِلاءً أخضرَ
فوقَ ذنوبِ العشبِ
أيها الموتى
لا تخرجُوا
ستسمعونَ صوتَ الأغاني
تخرجُ من فمِ الكواكبِ
على عزفِ نجمةٍ
بأذنِ مذياعٍ
يرمي نِقابَ الخطيئةِ
بوجهِ دائرةٍ مغلفةٍ بالدورانِ
فأيّ القبورِ
تَسعُ حديثَ جثامينِهم."

من هناك انطلق الشاعر بعيداً عبر حدود الارض الى ما وراء الافق، ومنها حلّق شاعرنا بعيداً جداً في فضاءات سحيقة، ليبدأ يرسم بوجدانه خلجات الروح العاشقة لعذاب مجهول ربما وحبها اللامتناهي، لتتعدد الصور الجمالية المكتظة بمعانٍ شتى. القصيدة كما لو أنها تناغي ما يبتغيه ويريد قوله، لم يضمّنها اي تعقيد بيّنٍ لتبدأ بعدها الرحلة بين صورة الموت والحزن، بخلق وشيجة تثير التساؤل التالي: ما علاقة (الموتى يتكلمون) ببيوت الله؟ ثم كرَّرها لاحقاً الشاعر ليثير تساؤلاً آخر: هل الخلاص هناك في المقابر؟ ما الذي دعاه لوصف الملائكة بهذا الشيء: الملائكةُ لا ينامون.. يَحرسونَ الضوءَ والنومَ..
نشيد الرثاء صورة حزينة: "الموتى يَكتبونَ نشيدَ رِثاء" كيف اجتمعت مع صورة أخرى تحمل اشراقة فرح حين ينادي الموتى: " أيُّها الموتى
اسمعوا أغاني السماء// حينما تسندونَ رؤوسكَم// بحلمٍ يشبهُ راهبةٍ//تمارسُ طقوساً ورديةَ الخفاء.." ثم يكرر النداء:" أيُّها الموتى
لا تخرجُوا// ستسمعونَ صوتَ الأغاني// تخرجُ من فمِ الكواكبِ// على عزفِ نجمةٍ.." ما الذي يقصده الشاعر من كل ذلك؟ سؤال ثالث منبثق من عمق ذلك النص يوحي تارة بيوتوبيا يخلقها الشاعر وهو المعروف بغزارة انتاجه الشعري من هذا القبيل، وتارة اخرى يريد تثوير صورة ذهنية ليست مصطنعة، تأتي من الادراك والتصور العقلي حين يبدأ المتلقي يسأل ويجيب نفسه في ذات الوقت. هذا الاشتغال الوجداني المتصوف له قيمة فنية نجد القليل منها اليوم في الشعر الحديث، وهو الذي أضاف صفة التجديدية على مثل هكذا أشعار، علماً أنَّ الشعر ليس بجديد، ولا حاجة لاكتشاف ما يُكتشف مثلما انتقدني ذات مرة أحدهم حين أسميت احدى الدراسات النقدية "التجديدية في الشعر العراقي" بأن لا حاجة للقول بوجود التجديدية، لانها قائمة بالأصل، لكنه تنسى الفرق بين الجديد والتجديد، ونلتمس له العذر طالما لا يعرف لغته العربية بتمام معانيها!
في هذا النص يمكن اكتشاف ما تعلّق في أعماق الشاعر، ليسكن معه أبداً بحزنٍ ظاهريّ ودفين، وبين ثنايا ألوان يحب أن يختارها بدقة فائقة، وهذا ما عرف عنه دائماً في حياته العملية كشاعر محب للمجتمع بروحه الانسانية. ثم نكتشف أنه أيضاً يخلط مزيجاً متجانساً من كلمات العشق بلون كنايات خاصة، مع ما يكتنفها من رمزية وغموض لكن يمكن فكّ خفاياها لمعرفة الطموح بكيفية الوصول للنقاء الوجودي كي يبقى محلقاً مع قارئه الى آخر حرف من آخر القصيدة التي رسمتها تلك الألوان رغم قتامة الحزن والألم المكنون بين ثنايا روحه: " أمسكوا الوسنَ من خدِّ زنبقةٍ// قبلَ أن تصرخَ نحيلةً// وتشربَ الماءَ مثل قطعانِ الأغنامِ// لِتبللَ نَفسَها بوادٍ مظلمٍ..."
لم يتردد يوماً الشاعر وهو يكتب قصائده كانفعالات وهواجس متعددة الاطياف بتفاعلية خطابية هي أيضاً كتابة تجديدية نجدها اليوم لدى بعض الشعراء؛ ويقينا هنا لم يخاطب الشاعر الموتى، بل يصف بشراً في قبور الأحياء، أو هم موتى يتنفسون:
" ستسمعونَ صوتَ الأغاني
تخرجُ من فمِ الكواكبِ
على عزفِ نجمةٍ
بأذنِ مذياعٍ
يرمي نِقابَ الخطيئةِ
بوجهِ دائرةٍ مغلفةٍ بالدورانِ
فأيّ القبورِ
تَسعُ حديثَ جثامينِهم".
في رحاب هذا النص النثري التجديدي هناك انبعاث ادهاشي يجده القارئ وهو يرى تجلّيات وجماليات تتجدد مع كل كلمة فيها؛ كأنَّ الشاعر في اشارته للموت يولد من جديد للحياة، يعبِّر عن الأحياء بصورة مقلوبة هو يرسمها، وليس العكس:"
الموتى يَكتبونَ نشيدَ رِثاء
أمّا نحنُ ... نصلحُ
لِكتابةِ مُذكراتٍ
على جُدرانِ المدينةِ
نخطفُ الأضواءَ بعينِ الأراملِ،
وعندَ الفجرِ المُختنقِ
نصنعُ كركرةً، بضحكةٍ باهتة
بينَ حواجزِ الشفاه"
كل تلك الرمزية بما تحمل من واقعية نقدية حقيقية ماذا يريد بها الشاعر؟
هو يبحث عن مكان آمن ليتحول الرمز المجهول الى واقع مليء بالحرية: " الملائكةُ لا ينامون
يَحرسونَ الضوءَ والنومَ
يَغرسونَ أطفالاً بالحدائق
يضعونَ طِلاءً أخضرَ
فوقَ ذنوبِ العشبِ
تفاؤلية عالية جداً نراها أحياناً هنا في حقيقتها يوتوبيا أمل منشود، مع غيابات كثيرة وتمرد فكري لا يبالي من أحزانه، صياغات متفردة لا تحمل إلاّ رمزاً واضحاً للحب والحياة. هنا لابد من الالتفاتة بشكل مركّز ومختصر لما يكتبه عامر العراقي على طول خطوط الجمال لديه؛ إنه يميل برمزيته المتدفقة بالظهور الى بقاء القارئ بلا تشتت متابعاً مستأنساً مع ما كتب، فهو يعرف منذ البدء أنَّه يبعث رسائل لابد أن تُفهم بلا عناء ومشقة، لكنها تحتاج لتأمّلٍ عميق وهذا الذي قد يتعب المتلقي وهو يبحث عن الحلول، لأنَّ تأمَّلَ كثيراً على ما يبدو باختيار المفردة النقية بعناية فائقة كي تسمو بما يصنع، ومعه يسمو المتلقي بجميل ما يقرأ لينتعش حين يسمو ـ هو ـ مع جمال طبيعي، وخيال غير غارق بظلام مُدَهْلز، لا مكان له ولا زمان.
من يكتب عن الشاعر العراقي يقف طويلاً متأملاً ينابيع الجمال، وانهار العطر المتسامي بعيداً، بعيداً، حيث السكون، والأمل المتجدد، والذكريات بما تحمل من كل المعاني الشعرية مع أنه هنا مارس دور الاعلامي الناقد أكثر منه شاعراً.
لا نحتاج جميعاً كقراء، ونقاد وباحثين في الشأن الأدبي، أن نكسّر نصوص الشاعر، ونعيد بناءها من جديد، كي نعطي ما نريده نحن، وليس ما أراده هو، ومهما أعيد البناء فانه سيرجع لقالبه الاصيل، فالحروف والكلمات، هي التي تقودنا قبل أن يدعونا الشاعر لسماعها، حتى من الصمت ينبثق الصوت الدافئ ليغني كلمات قد تكون خجولة بصراحتها في كثير من المواقف، وانسيابها البعيد.
الشاعر كتب بدراية أهل الصنعة العارفين من أين تدخل السعادة للمتلقي اذا قرأ له، وقبل أن يصله صدى رسالته تيقن بالقبول، والموافقة، وهذه صفة أخرى من صفات القصيدة التجديدية، كما هي سيرته واقعياً ناقداً يحمل آلام بلده وناسه، وهذا هو سرّ نجاح كل عملية اتصالية.
مارس الشاعر الاتصال الجماهيري عن بعد وكأنه في جلسة شعرية تقرأ الوجوه، وترى التفاعل؛ لتشعل الحماس؛ رجْعُ صدى كتاباته ينبئ بالخفايا، و مكنون جمال ما كُتب هو سريان رسالته الاعلامية بوضوح خالٍ من أي غموض والتباس يشتت ذهن المتلقي لما يحمل من منتقيات ممغنطة ببوحٍ شجيّ، وشذرات تعمقت بلا نهائية زمانية من أسرار النفس ومكنونها وضعها الشاعر على ورق مترقرق لا يخشى ضياع أي حرف أو كلمة.



#سعد_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة البائسين بين السوط، والجلاّد.. قراءة نقدية
- النص بين التهويل والتهميش، ودور الناقد
- شخصنة النقد الجدلي بين التجديدية والكلاسيكية موتٌ للإبداع أم ...
- اثر الفيسبوك في تنشيط الحركة الادبية
- هشيمٌ برذاذِ المرآيا..
- أهزوجةُ أوراقٍ قديمة
- قراءة في قصة شاعرة بعنوان ( بيان ) للدكتورة أحلام الحسن من ا ...
- مازالتِ الطرقاتُ تبحثُ عن حزن ..


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد الساعدي - توظيف التساؤلات في تشكيل القصيدة التجديدية.. قراءة نقدية في قصيدة الشاعر عامر العراقي -الموتى يتكلمون-