|
تونس: حكومة الرئيس الثانية
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6643 - 2020 / 8 / 11 - 17:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لوحة المشهد السياسي الاجتماعي في تونس قاتمة الى حد الآن، ولا شيء يشير الى تحسنها في المدى القريب، فالأسعار تواصل ارتفاعها والبطالة تفشيها، ويضرب العطش و الحرائق جهات بأكملها، وتغلق الطرقات احتجاجا وتتعطل القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية مثل الفوسفاط والبترول، وتتصاعد موجة الهجرة، حتى أن مسؤولا إيطاليا تساءل عن السبب، وهل هناك حرب في تونس؟ والسجون ملآنة بروادها من الشبان ضحايا المخدرات والهجرة، وكورونا يطل برأسه مجددا، ومحاكمات الرأي والضمير تعود الى الظهور بشكل لافت، والفساد والتهريب يتسعان رغم كل ما يقال عن محاربتهما، ووجدت قوى إقليمية وعالمية في ذلك فرصة سانحة للتدخل وفرض ما تبتغيه ، تمكينا لمصالحها، ومع كل ذلك تبدو تونس مريضة ومحتارة ومهددة بالانهيار والافلاس، وهى لا تعرف الى أين تسير، وماذا سيكون المصير. وعوضا عن الاتجاه ناحية حل تلك المعضلات فإن الأحزاب السياسية البرلمانية الجشعة تتخاصم على السيطرة السياسية ، لتصريفها غنائما وارباحا . ويبدو ” مجلس الشعب ” مستعدا الى الذهاب بمعاركه المفتعلة غالبا حتى نهايتها ، بما يعنيه ذلك من خراب سيكون ” الشعب ” ضحيته الأولى ولكن تلك الأحزاب لن تفلت في النهاية من عقابه . وفي الاثناء يحاول هشام المشيشي المكلف بتكوين الحكومة المرتقبة شق طريقه بين الركام لإنجاز مهمته خلال شهر ، متحدثا عن حكومته باعتبارها ستمثل التونسيين كافة ، وسط تشكيك في قدراته لانعدام كفاءته الاقتصادية والاجتماعية غير أن المهم ليس الأشخاص وانما البرامج وفريق العمل ، ومن المرجح أن ذلك التشكيك نابع من رد فعل تجاه حكومة الرئيس الثانية ، والأهم منه ادراك أن تونس في حاجة الى تغيير عميق في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، بما يمكن من الاستجابة الى المطالب الشعبية الكثيرة في الحرية والعدل . ويطرح سؤال أول عما ستكون عليه علاقة الحكومة الجديدة مع البرلمان ؟ خاصة اذا اختار رئيسها طريقة أخرى لتكوينها مختلفة عن سابقيه باستبعاد الأحزاب كافة والاستقلال عنها والتركيز على الكفاءات ، كما يطرح سؤال ثان عن أولويات المشيشي وهل هي الأمن أم الاقتصاد ؟ حيث يقول بعضهم أنه لا خلفية اقتصادية اجتماعية له ، ولكن الأمر لا يتعلق بشخصه وانما بالفريق الذي سيعمل تحت رئاسته والبرنامج الذي سينفذه . وقد بدأت حركة النهضة التي هيمنت منذ 2011 وحتى الآن على المشهد السياسي بوضع العقبات في طريقه، بالقول إنها لا تريده وزيرا أولا وإنما رئيس حكومة ، بما يفيد التعريض بعلاقته برئيس الجمهورية ، والايحاء أنه ممثل له وخاضع لإرادته ، فالحركة تريده تحت سيطرتها ، وسبيلها الى ذلك التهديد بعدم منحه الثقة ولكن ذلك التهديد ضعيف ، وهى التي تعلم أن المآل وقتها سيكون انتخابات برلمانية سابقة لأوانها ، لا شيء يشير الى فوزها بها ، فالحركة تريد حكومة أحزاب بل أساسا حزبها هي وحلفائه ، من الدائرين في فلكه ، بينما يريد خصومها البرلمانيون حكومة بدونها ، بعد ادراكهم أنها لا ترغب في العمل مع حلفاء وانما مع أتباع . ولا يعرف حتى الآن ما إن كان المشيشي قد اختار اعتماد استراتيجية جديدة في تكوين حكومته ، عبر احداث قطيعة مع الأحزاب البرلمانية، التي جربها التونسيون فكانت النتيجة مرة ، غير أنه من المرجح اتجاهه ناحية حكومة كفاءات قد تكون منفتحة على المنظمات الجماهيرية. ومن شأن ذلك تفعيل تلك القطيعة و فتح ثغرة في الدائرة المغلقة للأزمة السياسية والا فإن الانحطاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيستمر، وصولا الى تحلل المجتمع نفسه وانقسام الشعب الى كتل متحاربة . لقد قال المشيشي أن حكومته ستمثل استثناء ، واذا عرفنا أن البرلمان الحالي لا يمثل أغلب الشعب الذي قاطع الانتخابات التشريعية بنسبة كبيرة ، فإن الاستثناء يستوجب البحث عن الكفاءات الوزارية خارج البرلمان ، الذي جُرب ففشل ، بينما هناك منظمات مهنية وحقوقية وثقافية وغيرها يمكن أن تكون لها كلمتها في اخراج تونس من تلك اللوحة القاتمة .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس : الوضع دقيق .
-
تونس : غيوم سياسية .
-
تشتت اليسار في تونس ووحدته.
-
الفأس والرأس .
-
تفجير المغرب العربي .
-
البكاء السياسي .
-
تونس : من هو الرئيس ؟
-
الرّجال الحمر
-
تونس : ست ملاحظات حول اللقاء التلفزيوني مع رئيس الحكومة
-
كورونا كمفارقة
-
هلع البرجوازية الكمبرادورية .
-
العريضة الوطنية لمجابهة كورونا .
-
كورونا لسان الكون .
-
عريضة تونس حول سوريا .
-
حقائق الكورونا وأساطيرها.
-
تونس : حكومة الوضوح وإعادة الثقة .
-
الحرب بين قرطاج وباردو هل تقع ؟
-
تونس والدستور الثالث.
-
خطة أردوغان العربية
-
ماذا يريد أردوغان ؟
المزيد.....
-
هل واشنطن كانت على علم بوثيقة -جدار أريحا- عن خطة -حماس- لمه
...
-
البيت الأبيض: واشنطن لا يمكنها تقديم دعم لأوكرانيا دون مخصصا
...
-
هل ستتم مقاضاة ترامب بشأن هجوم الكابيتول؟
-
شاهد: عرض أزياء في -حبّ- فلاديمير بوتين
-
شاهد: جرحى بالعشرات يصلون مستشفى ناصر في خان يونس جراء القص
...
-
قمصانٌ رياضية وغيتار وأشياءُ أخرى.. جنود إسرائيليون يوثّقون
...
-
بوتين يرفع من عديد الجيش الروسي .. ووزير الدفاع مستريح لسير
...
-
شاهد.. لحظة قصف المقاومة لعدد من مستوطنات غلاف غزة
-
شاهد.. سرايا القدس تنشر صور مسيّرة إسرائيلية أسقطتها وسط غزة
...
-
تركيا تصيب 16 هدفا في ضربة جوية على شمال العراق
المزيد.....
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو جبريل
-
كتاب مصر بين الأصولية والعلمانية
/ عبدالجواد سيد
-
العدد 55 من «كراسات ملف»: « المسألة اليهودية ونشوء الصهيونية
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الموسيقى والسياسة: لغة الموسيقى - بين التعبير الموضوعي والوا
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
العدد السادس من مجلة التحالف
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
السودان .. أبعاد الأزمة الراهنة وجذورها العميقة
/ فيصل علوش
-
القومية العربية من التكوين إلى الثورة
/ حسن خليل غريب
-
سيمون دو بوفوار - ديبرا بيرجوفن وميجان بيرك
/ ليزا سعيد أبوزيد
-
: رؤية مستقبلية :: حول واقع وأفاق تطور المجتمع والاقتصاد الو
...
/ نجم الدليمي
-
یومیات وأحداث 31 آب 1996 في اربيل
/ دلشاد خدر
المزيد.....
|