أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - كريم الوائلي - الاختلاف الفكري وسياسة التهميش والاقصاء الجسدي الجعد بن درهم أنموذجا















المزيد.....

الاختلاف الفكري وسياسة التهميش والاقصاء الجسدي الجعد بن درهم أنموذجا


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 6639 - 2020 / 8 / 7 - 14:33
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


قد اختلف معك في الرأي ، ولكني مستعد ان ادفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك فولتير

1
تتجلى في علم التفسير اتجاهات متعددة ، نتوقف عند اكثرها انتشارا وشيوعيا ، اعني التفسير بالمأثور ، والتفسير بالرأي ، والمقصود بالتفسير بالمأثور الذي يعتمد على المصادر التفسيريّة، وهي: المصادر التاريخية وروايات السنّة النبويّة، وأقوال الصحابة، ويضيف بعضهم أقوال التابعين، وهو بهذا " يهدف الى الوصول الى معنى النص عن طريق تجميع الأدلة التاريخية اللغوية التي تساعد على فهم النص فهما موضوعيا "1 وتتجلى هذه المواقف لدى السلفية.
اما التفسير بالرأي فان العقل يسهم في تفسير الآيات القرآنية وتوضح بالعقل وذلك بالنظر في الأدلّة، واستنباط ما يُمكن استنباطه من المعارف، دون معارضة العقل للنَّقْل الشرعيّ، واتِّباعه ، ان التفسير بالراي في جوهره هو التأويل " ونظر اليه على انه تفسير غير موضوعي، لان المفسر لا يبدأ من الحقائق التاريخية والمعطيات اللغوية بل يبدأ بموقفه من الزمن الراهن محاولا ان يجد في القرآن سندا لهذا الموقف "2 ويتجلى هذا لدى الفلاسفة والمعتزلة ومن نهج نهجهم . وهذا يعني بشكل اولي ان النص القرآني يمثل أساسا يرجع اليه المفسرون ولكنهم يتفاوتون في كيفية قراءته ، كل بحسب رؤيته وموقفه من العالم والانسان ، وبحسب تحليله وتفسيره للآيات القرآنية الكريمة .
وكان التفسير بالمأثور اقرب الى السطحية ، واكثر قربا من الدلالة الظاهرية للآيات القرآنية الكريمة ، ولكن التفسير بالرأي اكثر عمقا ، بحيث يصبح العقل أداة للتأويل ، وإزالة اللبس والغموض الذي يبدو ظاهريا على الآيات القرآنية سواء أكانت محكمة ام متشابهة .
واخذ الفكر الإسلامي في التطور بمقدار تعدد القراءات ،وهذا يعني ان النص القرآني يحتمل كثيرا من التفسيرات التي تتنوع بتنوع الرؤى والأفكار .غير ان بعض الاتجاهات المذهبية ـــ وهي المهيمنة في الماضي والحاضر ــــ وبخاصة في التفسير بالمأثور ، وهي في الاعم الاغلب تابعة للسلطة ومرتبطة بها ، انها لا تساوي بين القراءات المختلفة لعموم المفسرين، واخذت تفرض رؤيتها على القراءات الأخرى ،بحيث تصبح رؤيتها العقائدية بديلا عن الدين ، ومن ثم يصبح الرأي الاخر منبوذا ، ويصبح أصحابه خارجين عن الملة ، الامر الذي يقتضي استتابتهم ،وان لم يعودوا الى رشدهم ويتبعون رؤية أصحاب التفسير بالمأثور ، فان مصيرهم التصفية الجسدية ، وان من يقوم بتنفيذ حكم الموت بهؤلاء يكون محط تبجيل وتقدير ،حتى يومنا هذا .
2
وفي اطار التعارض بين النقل والتفسير بالمأثور من جهة، والعقل والتفسير بالرأي من جهة اخرى ، نلتقي بروايات " نقلت الينا عن أعداء التأويل فوصلت مشوهة متناقضة " 3 الأمر الذي دفعهم الى وصم أي شخصية تعارضهم بأوصاف اما في اصلها الاعجمي واما بالبيئة التي عاشوا فيها ، وغالبا ما يرجعون ذلك الى أصول غير إسلامية يهودية او صابئية ، او انهم استمدوا جوهر فكرتهم من مؤثرات دينية بعيدة كل البعد عن روح الإسلام ومنهجه " 4، كما فعلوا ذلك مع الجعد بن درهم ، لأنه " اول مسلم خاض المعترك العنيف ونادى بفكرة التأويل العقلي في الإسلام " 5
وتشوب تاريخ الجعد بن درهم عتمة شديدة ، فهو تاريخ مشوش وغامض كتبه اعداؤه وخصومه ، ولا تزال تتبناه اتجاهات ومذاهب وشخصيات حتى يومنا هذا .
ولعل ما يثار ضد الجعد بن درهم انه اعجمي وليس عربيا ، وكأن الانحراف الديني مقترن بالأعاجم حصرا ،ولذلك اعاب السلفية على المعتزلة ان مؤسسيها ، واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد كونهما اعجميين .
ومن الجدير بالذكر ان أي اعجمي 6 يعتنق الإسلام لا بد ان ينتسب الى البناء الاجتماعي العربي القبلي ، فيكون بذلك مولى هذه القبيلة او تلك ، وكانت مكانة الموالي 7 متدنية في ظل نزعة قبلية تعلى من الأصول العربية وتقلل من أهمية وقيمة غيرهم .
ومن الجدير بالذكر ان العرب شغلتهم الفروسية والسلطة ، وانصرف الموالي للعمل في الصناعات والفكر وعلوم الفقه والشريعة والادب وغيرها ، ، ولذلك برز الاعاجم في علوم كثيرة ، نذكر على سبيل المثال :سيبويه في النحو ، والبخاري في جمع الحديث ، وأبو حنيفة في الفقه ،وغيرهم كثير .
ولقد ولد الجعد بن درهم ( 46 ه ـــ 105 ه تاريخ الولادة والقتل تقريبي ) في خراسان ، وقد اسلم هو وابوه ، واصبحا من الموالي ،مع اختلاف بتبعيته لأية قبيلة ، ولكن الشائع انه كان مولى لبني مروان ، واقام في دمشق في بيئة يكثر فيها غير المسلمين ، وكأن من يعيش في هذه البيئة سيكون منحرفا بالضرورة .
وحين اشتهر الجعد بن درهم بأفكاره طلبه خالد بن عبدالله القسري وكان أميرا على العراق حتى ظفر به فخطب الناس في يوم الأضحى وكان آخر ما قال في خطبته أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا ثم نزل فذبحه في أصل المنبر .
ان الجعد بن درهم يحاول تنقية العقيدة من كل ماله علاقة بالتشبيه والتجسيم والتشبيه ، ومعنى ذلك مشابهة الخالق للإنسان المخلوق ، وتنصب هذه المشابهة بالدرجة الاولى على صفات الله 8 لان في القرآن الكريم آيات يدل ظاهرها الحرفي على التشبيه والتجسيم ، وهذا يعني ان هناك اصولا اعتقادية يصدر عنها الجعد تعتمد في جوهرها على العقل ، بخلاف الرؤية المضادة التي تعتمد النقل والتفسير بالمأثور ، ولما كان التأويل اللغوي ممكنا لإزاحة لبس التشبيه والتجسيم فان الجعد بن درهم يلجأ اليه ، لتحقيق الغاية التنزيهية للذات الالهية ، بمعنى انه يوصل المتلقي الى معني اخر غير المعني الحرفي الذي يدل عليه ظاهر الآية ، وهذا يعني ان الجعد لم يغير اصلا في التركيب اللغوي للنص القرآني ، ولما كان سياق الآية القرآنية يتضمن معنى ظاهريا يدل على التجسيم والتشبيه فان الجعد بن درهم يتأول الآية لتدل على نفي التجسيم والتشبيه ، ولذلك ففي قوله تعالى ( واتخذ الله ابراهيم خليلا) اذ يستبعد الجعد بن درهم المعنى العام لكلمة الخليل الذي لا يليق بمقام الالوهية الى معنى اخر ،اذ تعني ان الله اتخذ ابراهيم صاحبا او صديقا، ولقد انكر الجعد بن درهم هذا المعني لأنه لا ينزه الله وانما يدل على التجسيم والتشبيه ، ولذلك فانه يرى ان الخليل مشتق من لفظة خِلة ـــ بكسر الخاء ـــ لأنها تعني الاحتياج والفقر، او كما يقول النشار انه " لم يتخذ ابراهيم خليلا في القديم وإنما في زمان حادث " 9 والمعتزلة الذي جاءوا في زمن لاحق "يلحون على معنى فرعي اخر يمكن ان تحتمله الآية ويدعمه الشعر القديم ، وهو الفقير "10
وبالطريقة نفسها يعتمد الجعد بن درهم التأويل على اساس لغوي في قوله تعالي ( وكلم الله موسى تكليما ) أي ان الله " لم يكلم موسى بكلام قديم وانما بكلام حادث "11او ان التكليم ليس المقصود به الكلام العادي وانما المقصود به التكليم أي التجريح ، أي جرحه بمخالب الحكمة.
ان التفكير العقلي ساعد الجعد بن درهم على هذه التأويلات ، وساعده كذلك في نفي الصفات ، وقال بخلق القرآن الكريم ، وقد تبنت هذه الافكار لاحقا ، فرق وجماعات كالمعتزلة وغيرها .
الهوامش:
1 نصر حامد أبو زيد ، إشكاليات القراءة وآليات التأويل المركز الثقافي العربي ، بيروت ، بيروت الدار البيضاء ، 2005، ص15 .
2 نفسه .
3 علي سامي النشار ، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار المعارف مصر ، د. ت ، 1/328 .
4 نفسه .
5 نفسه .
6 يقول الخليل بن حمد الفراهيدي ، العجم ضد العرب ، ورجل اعجمي ليس بعربي ، العين، ترتيب ومراجعة د داود سلوم وداود سلمان العنبكي ، وانعام داود سلوم، مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت 2004 ص 518 ، وهذا يعني ان الفرس والأفارقة والأتراك والأكراد وكل من ليس عربي فهو اعجمي .
7 الموالي هم الذين دخلوا إلى الدين الإسلامي وألحقوا بالقبائل العربية، وفق مبدأ الحليف فأحدهم مولى وجمعهم موالي .
8 معن زائدة ، الموسوعة الفلسفية العربية معهد الانماء العربي ، بيروت ، 1986، 2 / 316
9 علي سامي النشار ، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، 1 / 332.
10 جابر عصفور ، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاعي ، المركز الثقافي بيروت ، 1992 ص 126
11 علي سامي النشار ، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام2/ 331.



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف
- انتخابات ثانوية قتيبة
- إبداع القصيدة بين اللغتين المعيارية والفنيةفي التراث النقدي
- العودة الى التراث
- الشعر والتصوف
- الثقافة القامعة والثقافة المقموعة وعودة ذي الوجه الكئيب
- الرومانسية الصوفية وإبداع القصيدة في فكر صلاح عبد الصبور الن ...
- جماليات الأنظمة اللغوية عند ابن جني
- التعليم في العراق في اواخر العهد العثماني ، تأملات نقدية
- القلب كقطاة ، قصيدة للشاعر قيس بن الملوح
- التسامي في الحب عند رابعة العدوية
- ( المسلمون العقائديون ) منظمة اسلامية بنكهة يسارية
- الارهاب صناعة ثقافية / تربوية ( مقترحات ستراتيجية لتربية ما ...
- الدرس الادبي في الجامعات ، الواقع والافاق
- انشطار الذات وانشطار الوعي في رؤية البياتي للتراث
- الحداثة الزمانية ، المبرد وابن قتيبة انموذجا
- اختلاف الاجيال وتغاير الازمنة
- جدلية القامع والمقموع في الديمقراطية العراقية


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - كريم الوائلي - الاختلاف الفكري وسياسة التهميش والاقصاء الجسدي الجعد بن درهم أنموذجا