أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - الحداثة الزمانية ، المبرد وابن قتيبة انموذجا















المزيد.....

الحداثة الزمانية ، المبرد وابن قتيبة انموذجا


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 5163 - 2016 / 5 / 15 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


قد يكون الماضي حزيناً و كئيباً ، و لكننا حين نستذكره او نستحضره نشذب او نحذف كثيراً من جوانبه المعتمة ، فنستمتع و نستلذ بذكرياته ، و نظل نستعيدها بين الحين و الآخر.
و قد يكون الماضي تجربة فردية ذاتية ، أو نكون جزءاً من تراث أدبي و حضاري ، و حين يتم استحضار الأخير نمارس معه الآلية نفسها من التشذيب و الحذف بحيث يغدو جميلاً و رائقاً ، الأمر الذي يدفعنا الى التحدث عن جوانبه الايجابية ، و نتغافل عن جوانبه السلبية المقيتة ، و نلوذ به احتماء من التعري أمام الآخر ، بسبب تقدمه و تخلفنا ، و بخاصة حين نجد انفسنا مبهورين امام منجزات الآخر المادية و المدنية ، و لذا نكرر عبارات لافتة تحاول تغطية العجز و التخلف الذي نعيشه ، فنخاطب الغرب المتقدم بان حضارتنا ( كانت ) تشع نوراً في زمن ظلامكم ، و اننا ( كنا ) اول من خلق ابجدية المعرفة و اول من سن القوانين و التشريعات.
و يتحول الماضي لدى بعض الناس الى كيان مقدس لا يجوز المساس به ، و ان اي محاولة للاقتراب منه للكشف عن جوانبه الايجابية و السلبية تعد محاولة مرفوضة ، و ان من يرتكبها لا بد من محاسبته بأشد المواقف عقوبة و ردعاً. و اكثر من هذا فان القراءة النقدية لهذا التراث تواجه برفض و هجوم قد يطيح بصاحبه وجوداً ذهنياً و معرفياً ، ان لم يصل ذلك الى تصفية جسدية. ان بعض هؤلاء الناس المقدسين للماضي لمجرد قدمه انما يعيشون في اجسادهم في زماننا ، اما عقولهم و تصوراتهم و ممارساتهم فانها مستقرة – هناك – في الماضي السحيق.
و ليست هذه الظاهرة وليدة ( هذا الزمان ) ، و لسنا نحن الوحيدين المتخلفين حضارياً الذين نعيشها ، بل تكاد تكون سمة تلازم بعض المثقفين التقليديين في عصور سابقة. و نجد ذلك جلياً في تراثنا الأدبي و النقدي ، حيث يتعصب لغويون و نحويون الى القديم و بخاصة الى التراث الجاهلي بوصفه المثال الذي نقيس على ضوئه اي ابداع و لأنه النص الذي نشتق منه أصول و قواعدلغتنا و نحوها و صرفها و بنائها اللغوي.
و اذا كان العلم في بعض جوانبه يقترن في تلك الازمان برواية الشعر فان هؤلاء اللغويين يرفضون رواية غير القديم ، و يقتصرون في الاستشهاد بالشعر الجاهلي فحسب ، و من ثم تصبح القيمة الفنية للنصوص عالية كلما تقدمنا نحو الوراء ، و نقل هذه القيمة كلما تراجعنا نحو الأمام. مؤثراً استخدام التقدم بالعودة للقديم و استخدام التراجع في السير نحو الأمام. لأن التاريخ - هنا – تنازلي و ليس تصاعدياً .. بمعنى ان كل ما هو قديم افضل من كل حديث ، لدرجة يبدو القرن الأول افضل من القرون التالية تنازلياً حتى قيام الساعة !!
اذن فالشعر الجاهلي هو المثال ، و هو المتقدم ، و يؤكد هذا ان ابا عمرو بن العلاء ( ت 154 هـ ) قد جالس الاصمعي ( ت 215 هـ ) ثمان سنين لم يجده يستشهد بيت لشاعر في العصر الاسلامي ، و لم يكن يستشهد بالشعراء المحدثين ( المولدين ) و يؤكد ان ما لديهم من حسن فانما هو لمحاكاتهم للقدامى ، و ما كان من قبيح فهو من عندهم ، ثم يصدر حكماً يقرر تفاوت الاسلوبين ، إذ يقول ( ليس النمط واحداً ). و هذا اعتراف ضمني بتغاير الأساليب بتغاير العصور و لقد همًَ ابو عمرو بن العلاء ( الذي يستشهد بالشعر من الجاهلي و الاسلامي ) الاستشهاد بالشعر المحدث بسبب كثرته و حسنه.
و من الجدير بالذكر - هنا - ان مصطلحي الحسن و القبح الشعريين اخذا بالتفشي و الانتشار في الدرس النقدي و هما صدى لمفهومي التحسين و التقبيح العقليين الذين أشادهما الفكر الاعتزالي ، حيث جعلا القيمة كائنة في الشيء ذاته ، فقد يكون الشيء او القول او النص الأدبي جميلاً اوقبيحاً لصفات قارة فيه.
و يمايز المبرد( ت 286 هـ ) بين الشعرين القديم و المحدث و يرى ان الشعر المحدث انما هو ( اشكل بالدهر ) و المشاكلة - لغوياً - تعني المماثلة و المشابهة ، و لذلك فان الشاعر المحدث هو من يقدر على التعبير عن واقعه بشكل فني ، و ليس تابعاً او محاكياً لشاعر قديم.
و لعل أهم ما ارساه المبّرد في هذا السياق مقولته التي يجعل فيها العدل ميزاناً للتمييز بين الشعر الجيد و الشعر الرديء ، و يلغى بها التفاضل و التمايز بحسب الأزمان يقول : ( و ليس لقدم العهد يفضل القائل ، و لا لحدثان عهد .. يهتضم المصيب ، و لكن يُعطى كل ما يستحق ) و بهذا أخرج الحكم بالجودة و الرداءة من البعد الزماني الى ابعاد فنية ، و لذلك فليس الشعر القديم جيداً لكونه قديماً ، و ليس الشعر المحدث رديئاً لحداثته ، و انما يعطي كل منهما حقه بحسب خصائص ذاتية كائنة في النص ذاته.
و حين نلتقي بابن قتيبة ( ت 276 هـ ) فانه يحاول الإفادة من النقاد الذي سبقوه او من النقاد المعاصرين له ، و بذلك يحدد ، جودة الشعر لا على اساس زماني و انما لخصائص كائنة فيه ، و بهذا فهو يعيب على بعضهم بأنه (( يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله و يضعه في متخير شعره ، و يرذل الشعر الرصين و لا عيب فيه عنده إلا انه قبل في زمانه ، أو أنه رأي قائله )).
و يحاول ابن قتيبة التوسط في الحكم بين انصار القديم و انصار المحدث و ينظر اليهما بعين العدل ، يقول : ( و لم اسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختاراً له ، و سبيل من قلّد ، او استحسن باستحسان غيره ، و لا نظرت الى المتقدم بعين الجلال لتقدمه ، و الى المتأخر بعين الاحتقار لتأخره ، بل نظرت بعين العدل على الفريقين ، و اعطيت كلا حظه ، و وفرت عليه حقه )
و حين ينتقل ابن قتيبة للتحدث عن بنية القصيدة التي يرى انها تتكون من ثلاثة أقسام 1- الوقوف على الطلل. 2- التغزل بالحبيبة 3- مدح الممدوح ..
فانه يعود تقليدياً بحيث يلزم المتأخرين بالسير على خطا المتقدمين ، إذ (( ليس لمتأخر الشعراء ان يخرج عن مذهب المتقدمين في هذه الاقسام ، فيقف على منزل عامر او يبكي عند مشيد البيان لان المتقدمين وقفوا على المنزل الدائر و الرسم العافي ، أو يرحل على حمار او بغل و يصفهما لان المتقدمين رحلوا على الناقة و البعير ).
ان نصرة الحداثة هنا لدى المبرد و ابن قتيبة كانت مفروضة عليهم بسبب التطور الزمني ، و ليست جزءاً من البنية العميقة لتطورهما الفكري فالمبرد لغوي ، و غالباً ما يميل اللغويون الى القديم بحسب أساليب الاستشهاد النحوى ، و ابن قتيبة هو من انصار مدرسة النقل التي تعلي في جوهرها بالبنية الروائية للنصوص ، و النصوص القديمة منها بخاصة.
و ليس من قبل الصدفة ان ينحاز ابن قتيبة للتراث الأدبي بهذه العقلية التقليدية ، فهو اصلاً ليس بناقد للشعر ، و انما هو محدث ، و كان من أهل النقل و معارضاً للمدرسة العقلية لدرجة وصفه ابن تيمية بأنه لأهل السنة مثل الجاحظ لأهل المعتزلة.
و لا ريب ان هناك تعارضاً جلياً بين مدرستي العقل و النقل ، و تتمثل الأولى في الفلاسفة و المعتزلة الذين ارسوا معايير نقدية متأصلة على اساس عقلي ، و لم يجعلوا الزمن معياراً ، و لم تكن النصوص القديمة مثالاً ، بخلاف المدرسة الثانية مدرسة النقل التي تقلل كثيراً من أهمية النقل ، إذ تجعل النقل متقدماً على العقل ، و من ثم فان معايير المتابعة و المماثلة هي التي تتحكم بجودة النص الشعري. و لذلك لاحظنا ان ابن قتيبة على الرغم من ادعائه الحكم بالعدل بين فريقي الشعر القديم و الشعر المحدث فانه يرجع ناكصاً بطريقة تقليدية في احكام بناء القصيدة على اساس معيار تراثي قديم ، ويوجب أن يلتزم بها الشاعر المحدث .. و هذا يعني ان الجذر التراثي النقلي هو الذي يتحكم في رؤيته النقدية.



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختلاف الاجيال وتغاير الازمنة
- جدلية القامع والمقموع في الديمقراطية العراقية


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الوائلي - الحداثة الزمانية ، المبرد وابن قتيبة انموذجا