كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 6630 - 2020 / 7 / 28 - 22:21
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية, وكل ما سواها باطل. محمد ع. الكريم الخطابي
يستذكر ايمازيغن في يوم 21 يوليوز من كل سنة ذكرى ملحمة أنوال الخالدة, المعركة التي صنعت التاريخ الامازيغي الريفي المعاصر, وبفضلها أسست أول جمهورية في تاريخ البلدان "الاسلامية".
بموجب أتفاقية سنة 1912م, أرسل الاستعمار الاسباني تشكيلات من جيشه لإحتلال المناطق الريفية, لكنها سحقتها المقاومة الوطنية المسلحة في معارك كثيرة, وكان لقاء قادة القبائل الريفية بجبل قامة بتمسمان بين ابريل وماي 1921, علامة تحول في الكفاح المسلح, تمخض عن اللقاء, القسم والوعد بالدفاع عن حوزة الوطن و توحيد البندقية الريفية لمواجهة الاستعمار الاسباني, و شكل اللقاء منعطف في مسار الكفاح المسلح وفي العمل الاستراتيجي العسكري تحت قيادة محمد عبد الكريم الخطابي معلم أسلوب حرب العصابات في العالم المعاصر, وكانت من نتائجها الحسم في معارك كثيرة أهمها معركة ذهار أوباران فيي يونيو 1921, التي إنهزم فيها الجيش الاستعماري الاسباني شرهزيمة أثرت كثيرا على معنويات الغزاة, وبينت عجز الجيش الاستعماري في القتال فوق أرض غير أرضه, و مهدت للإنتصار التاريخي لحركة التحررالوطني الريفي الامازيغي الذي حققته معركة أنوال الخالدة, الذائعة الصيت عالميا, بسبب ما حققته الحركة الوطنية الريفية المقاتلة في ميدان المعركة وتداعياتها السياسية والعسكرية, بالعدد الهائل من الخسائر التي تكبدتها الدولة الاستعمارية الاسبانية في العدة والارواح, ما بين 20000 من الجنود والضباط المتواجدين في معسكر أنوال, لم ينجوا إلا بضعة ألاف قليلة, ففي ظرف 3 اسابيع من القتال سحقت المقاومة المسلحة الريفية الجيش الاسباني المعتدي, وسقط في المعركة من جانب الجيش الاستعماري, حسب بعض الوثائق 13 الف بين قتيل ومختفي وهارب, وأسر 7000 أسير اسباني, وهرب الناجون من المعركة كالأرانب المذعورة وبينهم قائد الجيش جنرال سيلفيستر, ومن جانب الريفيين استشهد ألف شهيد مدافع عن تراب ارضه و حريته واستقلاله , وغنم الثوار ترسانة من الأسلحة المدفعية والرشاشات وألاف من البناديق بالاضافة الذخيرة والأجهزة الطبية والأدوية, وجبر الاسبان من الانسحاب من الكثير من المواقع المحتلة. كانت أنوال المقبرة الجماعية للجيش الاستعماري الاسباني, فلم ينفعه عتاده ولا عدده ولا قادته العسكريين خراجي الاكادميات العسكرية.
وعلى الصعيد السياسي, تم الإعلان عن الاستقلال وعن تأسيس نظام سياسي جديد لدولة الريف المعروف ب "جمهورية الريف" جمهورية بمعنى الكلمة.
انتصار المقاومة المسلحة الريفية الامازيغية على جيش الاسباني الاستعماري في معركة أنوال, اصبح رمزا في النضال التحرري للشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار, ودرس للانظمة الاستعمارية لإدراك أن ارادة الشعوب لن تقهر, رغم زمن الاضطهاد والاستعباد .
كان لإنتصار حركة المقاومة الوطنية الريفية الأمازيغة في أنوال (21 يوليوز 1921) أهمية متميزة في الفعل السياسي الوطني والبعد الدولي, على الصعيد الوطني دعت حركة المقاومة الوطنية في المنطقة المحررة الى إجتماع مجلس الشعب, وتم إعلان الجمهورية (سبتمبر 1921) بقيادة محمد عبد الكريم الخطابي القائد العسكري للمقاومة المسلحة, وعلى الصعيد الدولي كان صدى الانتصار وإعلان الجمهورية مدويا تجاوز حدود الضيقة وحدود تامازغا(شمال افريقيا),بكون حرب الريف كانت أكثر نجاحا أنذاك بين الحروب التحررية ضد الاستعمار في القرن 20, تركت بصماتها على أسلوب الكفاح المسلح للحركات المقاومة العالمية, وكان لها تأثير كبير في البلدان "الاسلامية" وعموم بلدان حركة التحرر الوطني في العالم, التي آشادت بحركة المقاومية الوطنية الريفية وبأسلوبها التكتيكي العسكري, الذي أصبح نموذج عسكري يحتدى به في حروب حركة التحرر الوطني في العالم.
أعلان الجمهورية كشكل حديث للدولة بقوانينها ودستورها, لم يسبق لشعوب الدول "الاسلامية" أن عرفوه من قبل، وهذا جعل الريف رائدا في التنوير الحداثي, دولة ذي سيادة معروفة الحدود, لها علمها الخاص وعملتها ومؤسساتها السيادية.
إعلان الاستقلال, وبناء الدولة الحديثة لزم وضع دستور والعمل ببرلمان وإدارة مدنية وهذا ما تبنته الحكومة وما تحقق, بالاضافة الى تخطيط الدولة لتجهيز البنية التحتية من تعبيد الطرق وبناء المدارس العصرية لتلقين العلوم العصرية بدل الكتاتيب القرآنية التي كانت مرتبطة بالمساجد, مع إدماج البنات في المنظومة التعليمية, إدراكا منها بأن التعليم الحديث هو الكفيل بإنقاذ المنطقة من التخلف. كما قامت الحكومة بتنظيم علاقة القبائل بسلطة الحكومة و إصلاح القضاء وتنظيم المالية, وكانت الاهمية الكبرى في ظروف الحرب أن إستطاعت الدولة إقامة شبكة هاتفية ربطت بين مختلف المناطق وخصوصا شملت المعسكرات, سهلت على القيادة المدنية والعسكرية معرفة كل ما يحصل في أنحاء الدولة وفي مواقع القتال.
على المستوى الدولي حاولت جمهورية الريف الحصول على الاعتراف الدولي, فقد وجه رئيس جمهورية الريف محمد عبد الكريم خطابا الى عصبة الامم جاء فيه:" نحن, حكومة جمهورية دولة الريف, المعلنة في يوليو 1921, تعلن وتبلغ القوى المشاركة في مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 أن التوجهات التي تحكمت في هذه الاتفاقية لا يمكن تحقيقها, وكما بين التاريخ, وارتباطا بالخطئ الأولي بأن بلدنا يشكل جزءا من المغرب. جغرافيا, بلدنا جزء من القارة الإفريقية, ولكنه مختلف, فقد شكل من الناحية الإثنية عرقا مستقلا عن باقي الأعراق الإفريقية,... كما أن لغتنا مختلفة عن باقي اللغات, سواء المغربية, الإفريقية أو لغات أخرى.
فنحن الريفيون لسنا مغاربة بالقدر الذي يعتبر فيه الانجليز أنفسهم مختلفين عن الهولنديين... سعينا المطلق للاستقلال ورغبتنا في إجراء اتصالات مع باقي أمم العالم, ومن خلال هذا الإعلان ندعو جميع الأشخاص من مختلف مناطق العالم ومن مختلف الدول القدوم لاكتشاف المناطق المجهولة عبر علماء وجيولوجيين وكيمياويين ومهندسين لأهداف تجارية وليس لأهداف حربية.
ندافع عن مناطقنا ضد غزو القوات الإسبانية التي تحاربنا تحت ذريعة اتفاقية الجزيرة الخضراء, ... ونحن بصدد تحقيق الحرية الاقتصادية بدون تمييز في جمهوريتنا. وعليه, فنحن نعين ممثلا تجاريا للتنمية الخاص بالموارد التي تزخر بها بلادنا لجذب رجال الأعمال من جميع الأمم بشكل يتمس بالتنظيم والسلام والازدهار".
الا أن الدبلوماسية الريفية فشلت في إقناع الدول المتحكمة في عصبة الامم بإستقلال الريف وبناء دولة عصرية وهذا طبعا ما لا يمكن ان تسمح به الدول الامبريالية أنذاك, بقوتها العسكرية وتحالفها الطبقي الرامي الى الإحتلال وإستعباد الشعوب وإستغلال مواردها الطبيعية.
من جانب آخر كانت أخبار هزائم الجيش الاستعماري الاسباني وإنتصارات حركة المقاومة الوطنية الريفية وتتويجها بإعلان استقلال الريف غطت الصفحات الاولى لجرائد القوى التحررية, مما جلب تضامن شعبي واسع حتى داخل الدول الاستعمارية. ففي فرنسا شكل المعارضين لحرب الريف حركة تضامنية دولية, وفي مؤتمر البلدان الاسلامية المنعقد في القاهرة, إقترح المؤتمرين أن يتولى محمد عبد الكريم خلافة المسلمين((( لكن الخلافة لم تكن أبدا من أهداف محمد ع. الكريم الخطابي))).
لوقف إنتصارات الحربية لدولة الريف, إلتجأت القوى الامبريالية لتقوية الحليف الاستعماري الضعيف, وذلك بموافقة ألمانيا بتزويد إسبانيا بالسلاح الكميائي, الذي أستعمل بكثافة, ولعب الدور البارز بالاطاحة بالجمهورية الريفية (كان الريف أول بلد جرب في شعبه السلاح الكيميائي المحرم دوليا). تحالف القوتين الاستعماريتين إسبانيا وفرنسا وبدعم جند المخزن العروبي, ودعم غير مباشر إمبريالي أنجلو أمريكي. تعبأت فرنسا وإسبانيا للحرب وجندتا 800 ألف جندي وبينهم جنود المخزن العروبي, والعدد يفوق عدد سكان الجمهورية بثلاث مرات أنذاك, وشاركت في العمليات الحربية أكثر من 300 طائرة حربية بما فيها سرب من أمريكا. وتكلفت فرنسا لوحدها بمصارف الحرب تقدر بمليار و800 مليون فرنك فرنسي. كل هذه المعدات الحربية العصرية أنذاك والعدد الهائل من الجنود ضد جيش قليل العدد والعدة, يقدر بين 40 و65 الف بينهم 7000 جندي نظامي مسلحين بالبناديق وبعض المدافع والرشاشات من غنائم الحرب. اثناء الحرب الغير العادلة ضد شعب جمهورية الريف, قدمت الجماهير الشعبية الفرنسية بقيادة الحزب الشيوعي, كل الدعم الممكن والمساندة اللامشروطة لشعب الجمهورية الريفية, داعية الى السلام والاعتراف بجمهورية الريف واستقلالها, وقد جمع الاضراب العام الذي دعى اليه الحزب الشيوعي الفرنسي في أكتوبر 1925 ما يقارب 900 الف مشارك لمساندة تقرير مصير شعب جمهورية الريف, وكان رد حكومة فرنسا الاستعمارية اعتقال 2000 شخص متضامن مع الريف. وفي إسبانيا أتهم المتضامنين مع الريف بتهمة الخيانة العظمى.
في ماي 1926 تسنى للتحالف الاستعماري ان تهزم جيش الريف وتأسر رئيس جمهورية الريف وتنهي إستقلال الريف. وقد آثارت وحشية ودموية الاستعمار الموحد, تنديد و إستياء وغضب في أوساط الشعوب والقوى التقدمية في العالم.
إخفاق دبلوماسية الجمهورية في منع حدوث الانهيار والسقوط, راجع بالاساس الى كون أن الزمن كان عصر الغطرسة الاستعمارية, لهذا لم تستجيب الدول الاستعمارية الكبرى لرسائل رئيس جمهورية الريف, كما رفضت عصبة الامم استقبال وفد جمهورية الريف, لانها لم تكن سوى منظمة استعمارية مهمتها حل النزعات بين الدول الاستعمارية, ان حدثت بينهم خلافات في تقسيم المستعمرات وإستنزاف مواردها الطبيعية وإستعباد البشرية.
انتصارت حركة التحرر الريفية ونجاعة اساليبها الحربية وتحقيق استراتيجيتها في الاعلان عن استقلال الريف, و رغم سقوط الجمهورية الا انها كان لها تأثير كبير على حركات التحرر الوطني في كل البلدان القابعة تحت نير الاستعمار في افريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية ونالت أعجاب قادة حركة التحرر العالمي مثل هوشي منه و ماو وتيتو وغيفارا.
رغم قصر زمن الجمهورية, الا ان الحكومة الريف الفتية, استطاعت صياغة دستور للبلاد و تشكيل مجلس وطني ( البرلمان) وتشكيل جيش للجمهورية يقدر بين 40 و65 الف, وكذا القيام بمشاريع تنموية في مجالات مختلفة اقتصادية وإجتماعية, كما قامت باصلاح القضاء واصلاح نظام الجبائي وتثبيت المبادئ الدمقراطية في التسيير المؤسساتي.
في احد تصريحات لرئيس جمهورية الريف, قال: " أردت أن أجعل من الريف بلد مستقل مثله مثل فرنسا واسبانيا, وتأسيس دولة مستقلة كاملة السيادة وليس إمارة خاضعة لقوانين وظهائير الحماية, اردت ان يشعر المواطنين ان لهم دولة كما لهم ديانة".
ما لم يفلح الرئيس في تحقيقه في عصرالجبروت الاستعماري والتخلف الداخلي, ليس قدر مقدر على الشعب الريفي بل هو عصر إندثر بفعل ضربات الحركات الثورية العالمية وما زال النضال الثوري في العالم وفي الريف كذلك لما بعد سقوط الجمهورية وكرنولوجية النضال الثوري الريفي في الزمن المعاصر شاهدة على إنتفاضة 1958-59, وإنتفاضة 1984 وأحداث 1990 و إحتجاجات 2011, وإنتفاضة 2016-2017.
إعادة التاريخ لمجراه الطبيعي كما رسمته اجندة الرئيس الراحل محمد عبد الكريم الخطابي, و كما سطره احرار العزة الريفية بدمائهم الطاهرة في أنوال وفي معارك تحرير الريف, وكما سطره كذلك شهداء الانتفاضات السابقة الذكر, هو واجب و مهام لثوار الريف الحقيقيون في نضالهم ضد الاضطهاد القومي والاجتماعي ومن اجل الكرامة و التحرر وتقرير المصير.
كوسلا إبشن
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
