|
شاعر الشام وشاعر الحركة التصحيحية ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6626 - 2020 / 7 / 24 - 19:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ في مستوى أول ، تختصره كوكبة أخرى من التساؤلات ، كيف نميز بين الشعر الجيد وأخر يشبه قراءة الكف ، فمنذ الأزل كانت ومازالت الاشياء الرفيعة ، جليلة بذاتها ، لا بحاملها أو بمحتفظها ، بل قد يتساءل الذهب بينه وبين نفسه ، هل قيمتي تنقص إذا كنت في عنق بخيلة أو في خزينة عرديد ، وهل الشريف بأخلاقه لا نسبه ، يتوسخ إذا إنزلقت قدماه في الوحل ، وهل يتأثر القمح من الذُرة لأنهما بجانب بعضهما ، أو لأن الورد ينبت من بين الشوك ، سيمنع قاطفه من قطفه ، أو ايضاً ، هل جميع من سجلوا اسمائهم في سجلات التاريخ من شجعان وشرفاء وكرماء وعلماء سيتساون مع الأخساء والنكرات والجواسيس لأنهم اجتمعوا في مقبرة واحدة ، لا ابداً ، لأن بإختصار ، طالما العطر يبقى عطراً حتى لو استنشقه ضبعاً ، فإن أصحاب الأخلاق لن يتأثروا بإجتماعهم القسري مع اللُعكاءُ .
سجل الشعر العربي بسجلاته عمر ابوريشه كواحد من أهم شعراء التقليدين الجدد ، ولد شاعر الشام عام 1910م في عكا من أب سوري وهو عالم / الشيخ شافع بن الشيخ الحلبي ، وأمه العكاوية الصوفية من عائلة اليشرطي ، كانت كما وصفها عمر أبنها ، ( مكتبة ثمينة على رجلين ) منها تعلم الشعر والمطولات والإحساس والعزلة ، ودرس في مدارس حلب ثم بيروت وبعدها أرسله والده إلى لندن لكي يتعلم الكيمياء ، لكن الرجل وقع في حب إمرأة بريطانية وبوفاتها المفاجئ ، ترك الدراسة وأصدر قصيدته الطويلة ، ( خاتمة الحب ) وبعد مشواره الشعري اللافت وتميزه في إصداراته وانخراطه بالعمل السياسي ، تم تعينه سفيراً من قبل الرئيس حسني الزعيم التى شهدت مرحلته بمرحلة الإنتقال من حكم العائلات الاستقراطية إلى حكم الشعب السوري والذي استطاعت بفترة قصيرة القضاء على الفساد ، اشتغل ابوريشه في السلك الدبلوماسي سفيراً من فترة 1949 - 1971) ، تنقل خلالها بين البرازيل والأرجنتين والهند واخيراً الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد ترك أعمال كاملة من الشعر ولديه ايضاً إصدار شعري باللغة الإنجليزية ، كان مع من نادوا في وقت مبكر من خلال قصائده بضرورة التصدي لمشروع الاستعمار ومنع تشكيل أنظمة ديكتاتوريات عربية ، لكن حلمه كما أغلب الحالمين لم يرى النور ، فالمنطقة للأسف خرجت من الاستعمار حتى وقعت بإستبداد الأنظمة .
دون أدنى شك ، بإتفاق أغلب النقاد ، يعتبر ابوريشه الأقوى إيقاعاً وصاحب حضور مميز ، وهذا قد أظهرته واقعة مثوله في البيت الأبيض ، عندما قدم أوراق إعتماده للرئيس جون كيندي كسفير للجمهورية المتحدة التى كان يرئسها الرئيس عبد الناصر ، اختصه كنيدي من بين الحضور وأمام موظفو إدارته وموظفين الخارجية آنذاك سأله ، يا سعادة السفير هل لك أن تحدث من في القاعة عن سوريا والسوريين ، أننا جميعاً كما أرجح ، لدينا فضول لكي نعرف أكثر عن بلدك وذاك الشعب الذي أنت تنتمي إليه ، فما كان لشاعر الشام سوى إبهار كنيدي والحاضرين بجواب لم يكن ابداً تقليدياً ، صحيح أنه استعان بعبارة قصيرة ، لكنها أقتصرت الرؤية الواسعة لحضارة سوريا والعرب ، قال هكذا ، يا فخافة الرئيس ( جدنا السوري هو يسوع المسيح ، أي أنه ربكم يا سيدي ) ، ومن هنا تحديداً وبهذه العبارة المقتضبة بدأت علاقة الرئيس كنيدي بالشاعر عمر ابو ريشه ، بل في إحدى الليالي وأثناء إستماع كنيدي لأفكار ابوريشه من خلال دمج الشعر بالتاريخ ، استفاقة الرئيس جون على فكرة يتيمة ، عندما تمنى لو كان الشاعر عمر ابوريشه أمريكي الجنسية ، كان يرغب بتعينه مستشاراً في البيت الأبيض ، لكن الشاعر ، رد بأدب عالي على تمني الرئيس ، بطريقة امتزج بها بين الطرافة والثقة ، قال ، لو كنت أمريكياً لكنت جالساً مكاناً يا فخافة الرئيس .
أما الطابع الأوضح للشاعر ، كانت في واقعة استقالته عندما تولى الأسد الأب مقاليد الحكم في سوريا ، يُعتبر الموقف الأكبر في حياته ، لم يتردد لحظة واحدة بل لم ترف جفنه ، كان شديد الوضوح عندما قال مقولته الشهيرة ، أنني لا أستطيع أن أمثل دولة تحكمها عقلية مافيوية ، بالطبع نبوءة الشاعر تحققت للأسف ، تغيرت سوريا واستبدلت شاعرها الشامي ، الذي قال ذات مرة من على منبره المتجول ، ( أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للعلم / أمتي كم غصة دامية خنقت نجوى / علاك في فمي / أي جرح في إبائي راعف / فاته الآسي فلم يلتئم / ألاسرائيل ، تعلو - رايةً / في حمى المهد وظل الحرم / كيف أغضيت على الذل ولم / لم تنتفضي عنك غبار التهم ) ، لقد استبدلت سوريا شاعرها الشامي بشاعر الحركة التصحيحية / صاحب قصيدة ( يا صبحة هاتي الصينية / وصبي الشاي لكي وليا / والهوى يا صبحة طاب / يا صبحة يا أحلى صبية ) ، وبالتالي تحولت سوريا في زمن الأسد الأب ، لا تشبه تلك الضاربة في عمق التاريخ وباتت لا تعرف ، وأصبح كل من فيها يردد كلمات شاعرها المفروض بقوة اقبية الترهيب ، وأصبحت لسوريا وجهاً جديداً عبر إذاعة دمشق التى استمرت في تقديم الأغنية على مدار الساعة ، لدرجة أعتقد البعض بأن من الممكن أن تستبدل بالنشيد الوطني ( حماة الديار ) ، هكذا أراد أبو الحركة التصحيحية أن تكون سوريا .
إذن ، بالفعل ما يستحق التعمق به أكثر ، هو الفارق بين شاعر الشام وشاعر الحركة التصحيحية ، فالثاني بطبيعته المفرطة لا يغويه التريث أو التأمل أو أنه يفتقد للصبر الذي هو شرط جوهري لإنتاج كل شيء جيد ، ولو كان عمر ابوريشه من جماعة صبحة ، ما كان الرئيس جون كيندي جعله صديقاً له أو أعترف بإبداعه وتمنى لو كان أمريكياً ، بل بقرب كيندي من وعي عمر ابو ريشه ، تحول الرئيس الأمريكي المغتال مناصراً للثورة الجزائرية ، وألقى كنيدي خطبة نادرة ، بارك فيها للشعب الجزائري وقيادته بنصرهما على المستعمر ونيل استقلالهم ، وتمنى لهم النجاح وأكد على المصير المشترك في تحقيق الحرية من الاستعمار وحثهم على تبني مشروع النهوض السريع ، تماماً كما فعلت أمريكا . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستثمار بالإنسان هو الهدف الأساس لإرسال مسبار الأمل ...
-
بلقمة واحدة ابتلعت الصين إيران ...
-
حبة الرمل ونقطة النفط ...
-
القضية الفلسطينية رهينة سياسات الإدارة الأمريكية ...
-
من الخطأ أن لا نعرف حجم مصر ...
-
إتفاق السلام بين حركة طالبان وإدارة الرئيس ترمب / يقلب الطاو
...
-
ولاية الفقيه بين الصمت المطبق للضربات العسكرية ونشر السموم .
...
-
من رحم الاستخبارات إلى عرش القياصرة ...
-
المقدم السابق أبو أحمد علي رئيس مجلس الوزراء الحالي ...
-
جيش بلا لحمة وشعب بلا خبز ...
-
التوازن بين الواقع والحلم ...
-
قنبلة أثيوبيا النومئية ...
-
أسرلّت الضفة الغربية ...
-
الموت مرتين / ما فائدة الرأس فوق الماء ...
-
أبراج المعرفة وأبراج المعلومة ...
-
الليرتان شتشهدان مزيد من الإنهيار / ترقبوا ...
-
نجاحهما سيرسم لنجاحات مستقبلية والعكس صحيح ...
-
إذا كان قذف المؤمنات حرام / فكيف إذا كانت المقذوفة أم المؤمن
...
-
تحالف المصالح / لبنان نموذج لأرض لم تشهد استقلالاً حقيقياً .
-
كيف تحول الأقصى من قيمة إلى ثمن ، يقدر ب 50 مليار دولار ...
المزيد.....
-
تداول فيديو في الكويت لشخص قاد سيارته برعونة واستهتار على ال
...
-
مدفيديف أمام منتدى الأغلبية العالمية لعالم متعدد الأقطاب: أح
...
-
قوات خاصة تحمي -كنتاكي-.. ما -رسائل- السلطات العراقية وراء ا
...
-
-هدوء مفاجىء- في غزة وانتقادات إسرائيلة للهدنة -التكتيكية-
-
حادث تصادم بين سفينتين فلبينية وصينية في بحر الصين الجنوبي
-
بورتسودان .. محطة أخرى في استراتيجية النفوذ الروسي بإفريقيا
...
-
بديل السكر شائع الاستخدام ولكن مخاطره كبيرة!
-
الأسد يثير تفاعلا بإجابة عن صحة زوجته أسماء (فيديو)
-
مسؤول أوكراني: بعض الدول عرضت علينا الوساطة في إقامة اتصالات
...
-
نيبينزيا: نظام زيلينسكي غير مؤهل للتفاوض
المزيد.....
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
المزيد.....
|