أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جميل النجار - قراءة جديدة للتاريخ















المزيد.....

قراءة جديدة للتاريخ


جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)


الحوار المتمدن-العدد: 6624 - 2020 / 7 / 21 - 03:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قال كارل ماركس: "الإنسان نتاج التاريخ". وأنا أقول: "التاريخ نتاج الإنسان" أو "الإنسان صانع التاريخ". واختلافي مع هذا الفيلسوف الاقتصادي الإنسان؛ ليس لمجرد الاختلاف؛ إنما لكي أوضح، من خلال فهمي لنظرية ماركس في الطبيعة البشرية، والتي يربطها بمفهومه المادي للتاريخ، أن ماركس ربما أراد أن يقول: أن الإنسان يتغير في سياق تاريخ تطوره هو ليصبح نتاج للتاريخ. ونشتم في صياغة ماركس رائحة فلسفية جدلية، في حين أنك ستلمس في عبارتي الموجزة شيئاً من الواقعية العلمية المباشرة والسهلة. ولا شك في أن لكل وجهة نظر (من خلال العبارتين) سيكون لها من يؤيدها ومن يعارضها. وتِلْكُم هي طبيعة الأوراق الفكرية والتاريخية.
وما أود قوله أن المادة التاريخية التي تعلمناها كانت لوجهات نظر تختلف اختلافا بينا عن الكثير من وجهات النظر المعاصرة، والسبب يكمن في تطور النزعة الإنسانية للإنسان المعاصر عنها في الإنسان الأسبق في سياقه التاريخي. حتى وإن كان البشر يشتركون في نفس الصفات الأساسية التي يوضحها علمي التشريح ووظائف الأعضاء، ويختلفون في الجنس واللون؛ إلا أن علم النفس الديناميكي الحديث قد أثبت الطبيعة الإنسانية المشتركة للبشر. وللبشرية تجارب إنسانية تاريخية قامت عليها التصورات البوذية والمسيحية، وتبعتهما أفكار سبينوزا وعصر التنوير. وقد طورت البوذية صورة الإنسان إلى مفاهيم وجودية وأنثروبولوجية، بحيث أن كل الناس تحاول أن تجد جواباً شافيا على مسألة وجودها، وبأننا-كبشر- نتألم ونعاني جميعا. وبأن القوانين الحاكمة للسلوك الإنساني وردود أفعاله الإنسانية كلها واحدة، وأصبح في الإمكان أن يفهم الإنسان أخيه الإنسان.
وأكد الفلاسفة من أمثال "سبينوزا" و"جوته" و"هيردر" على أن الطبيعة الإنسانية المتأصلة في الإنسان؛ سوف تقوده إلى مراحل إنسانية تطورية أعلى وأرقى مع الوقت، وسوف تنحصر حياتنا المستقبلية في تطوير "الكل" عن طريق "الفردية" الأكثر وعياً بحاضرها ومستقبلها. وهذا التفرد الإنساني الذي حرر إنسانيته من كل المضامين القديمة تقريبا؛ لقادر على الارتقاء بما تبقى من غرائز ونوازع الإنسان البدائية القليلة والوصول بها إلى ما هو أبعد من "وثيقة حقوق الإنسان"؛ التي هي نتاج نقاش فلسفي احتدم لأكثر من ألفي عام داخل المجتمعات الأوروبية؛ وانتهى بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر 1948 بتصويت 48 عضواً من أعضاء الأمم المتحدة تحت القرار 217 بباريس.
من هذا المنطلق؛ لو قمنا بإعادة قراءة التاريخ البشري - قراءة إنسانية نقدية موضوعية صادقة- بمعيار وثيقة حقوق الإنسان؛ كأعظم إرث بشري حتى الآن، لجاءت أحكامنا على الشخصيات الأكثر تأثيراً في مجريات الأحداث التاريخية مخالفة تماما لأحكام من سبقونا من مؤرخين ومثقفين رأوا في الطغاة والقساة أبطالا أسطورية؛ رغم أن سكان الحضر في كل الحضارات السابقة قد اعتبروا جميع البرابرة همج ووحوش.
ومن وجهة نظري؛ فإن امبراطورية واحدة "عظيمة"، لأحمس - تحتمس الثالث أو سايروس العظيم أو قسطنطين الأول أو جنكيز خان أو الاسكندر الأكبر أو نابليون بونابرت، هي على عكس آفة ممالك الرب؛ التي حاربت من أجلها الأديان الدموية بأنبيائها الجهاديين، كانت هذه الامبراطوريات (غير المقدسة) في الواقع عامل استقرار كبير للسلام العالمي وأسست لعلاقات إنسانية متسامحة للغاية. لكن كل هذه الامبراطوريات "العظيمة" (من وجهة نظر المؤرخين) تعادل (في نظري) الأخوية "الفظيعة" للإخوان المسلمين المتعصبين وكل دعاة الجهاد المقدس ومعهم دعاة القومية والعنصرية الطواغيت كتشين شي هوانغ وكاليجولا وأتيلا وتوركيمادا وتيمور لنك وليوبولد الثاني وطلعت باشا سفاح الأرمن ولينين وستالين وموسوليني وهتلر وعايدي أمين وبينوشيه، وفي ركابهم كل زعماء الدكتاتوريات بالدول المتخلفة.
ولو قمنا بتسليط الضوء الحيادي على أعمال البعض من زعماء هذه الجوقة وطرحنا بعض الأسئلة الجدلية من وجهة نظر إنسانية، مثل: هل كان هتلر جيداً أم سيئاً؟ وهل يُعد أسطوريا كنجيز خان، ولماذا؟ سنعرف بأنه (أي هتلر) جاء إلى السلطة وهو يلعب على أساس المخاوف من السكان اليائسين، وقتل الملايين من مواطنيه، وكان القتل في دقة وقوة وسرعة التقنيات الهندسية الألمانية، وحاول القضاء التام على السكان اليهود والغجر في أوروبا، ونهب ممتلكاتهم، وشرع في حروب كانت بأي حال من الأحوال الأسوأ في أوروبا، وأثقل على بلده ديون حرب ضخمة ومستحيلة. والضرر الذي ألحقه بالعالم بشكل عام وأوروبا بشكل خاص يطغى على أي شيء فعله على الإطلاق يمكن أن يدخل في نطاق الأعمال الجيدة (مثل برامج مكافحة التدخين أو إبقاء الشيوعية في وضع حرج حتى عام 1945 أو كونه ناشطًا قويًا في مجال حقوق الحيوان).
وإذا قمنا بمقارنة أعماله بأعمال ستالين؛ سنجد أن ستالين قتل عدداً من الأشخاص أكثر مما قتل هتلر، الذي أباد العديد من اليهود والأقليات الأخرى باستخدام معسكرات الاعتقال ومعسكرات الموت؛ بسبب التحيز العنصري ولأنه اعتقد بأنهم أصل كل الشرور، كما قد قتل 15 مليون على الأقل- كانوا من المدنيين- من أصل 27 مليون ضحية سوفيتية. علاوة على ذلك قتل الملايين من أسرى الحرب السوفييت أو جاعوا حتى الموت. لكن؛ الأبشع منه في هذه النقطة هو ستالين؛ لأنه قتل من شعبه كل من لم يتفق معه وعارض أو لمجرد الشك في إخلاصه وتبعيته. وبينما قتل هتلر ما بين خمسة وستة ملايين يهودي، كان ستالين قد قتل ما بين 34 - 49 مليون شخص في الجولاج. ومن حيث الوسيلة؛ فقد قتل هتلر العديد من اليهود بغرف الغاز أو العمل الزائد، بينما كان الروس يتضورون جوعًا حتى الموت في معسكرات الاعتقال النازية. فمن منهما يمكن اعتباره أسوأ من الآخر؟ مع العلم بأنه لا يمكن أن يعزى أي من هذه الأعمال الوحشية إلى القتال؛ فكلا الرجلين يجسدان الشر بعينه، وأيٍّ منهما سيئ كالآخر.
فماذا لو انضم لهما جنكيز خان؟ حتما سيراه المؤرخون المعاصرون، بمنظار الإنسانية مجرد بدوي متوحش مثلما كان هتلر وستالين وغيرهم. حتى وإن رآه بني جنسه بطلا وكرموه في "أولان باتور"، وربما، أكثر من ذلك، قد يتفق بعض المثقفين في مغارب الأرض مع المنغوليين؛ وذلك لأن مدة 800 عام، تفصلنا عنهم؛ لديها طريقتها الخاصة الكافية لتهدئة النفوس من فداحة فظائعه، ويجعلهم ينسون المعاناة الإنسانية لأبرياء ذلك الزمان.
وإذا كان ستالين وجد في هذه الحياة ليقول: "إذا مات رجل واحد فقط من الجوع، فهذه مأساة، أما إذا مات الملايين؛ فهذه مجرد إحصائية"!. فقد وجدتُ أنا -كإنسان- لأقول: تجويع أو ترويع رجلا واحدا مأساة، أما قَتْلُ أو تجويع الملايين؛ فهو الإجرام بعينه والذي يعكس منتهى الوحشية والبشاعة، وعليه؛ نرى أن كل هذه الجوقة يجب أن تنظر إليها الإنسانية المعاصرة على أنهم أسوأ من مشوا على الأرض يوما ما.



#جميل_النجار (هاشتاغ)       Gamil_Alnaggar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصل العقيدة (سياقها التاريخي بين العلم واللغة)
- ما هو الوقت؟
- الديانة البوذية (سطورٍ الاستنارة البدائية المضيئة)
- مصر بإسلامييها إلى أين؟
- نفسية التشفي
- أصل النار (هل نحن حقا نعرف النار؟)
- مستقبل الدولار (الفرق بين التنبؤ العلمي والتخمين)
- انما هي نفسية البشر!
- الإدراك السليم والاضطرابات الإدراكية (معايرة إدراكنا ومدركات ...
- المعنى الغائب (للعدميين والعبثيين)
- تطور الحيتان من وحي التطور الأحيائي (12)
- نسبية الأخلاق
- حقيقة الحقيقة (ردا على الأسئلة الوجودية الكبرى 1)


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جميل النجار - قراءة جديدة للتاريخ