أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - ذبول العقل العربي: شراسة اليوتوبيا وصراع الاضداد..















المزيد.....



ذبول العقل العربي: شراسة اليوتوبيا وصراع الاضداد..


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 1587 - 2006 / 6 / 20 - 12:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ذبول العقل العربي: شراسة اليوتوبيا وصراع الاضداد.. القسم الا ول
"وضد ّ كلّ أمرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعـــداء"
الإمام علي
الصراع والبقاء للاقوى
سيبقى الأمر سجالا عند العرب بين قلة من المثقفين المنفتحين الأحرار الحقيقيين وبين كثرة من المنغلقين الخياليين الطوباويين، خصوصا عندما بدأت تتأسس بشكل ايديولوجي في تفكير العرب منذ العام 1979: آليات وعناصر ووسائل غريبة من التعصّب الأعمى في قمع ثقافتهم وفنونهم، والتنكيل بتراثهم، والجهالة بتاريخهم.. والمصيبة أن يتم كل ذلك من دون أي اكتراث للزمن، ولا أي احترام للتاريخ، ومن دون أي توازن ووسطية بين الدين والدنيا، وبين الواقع والمثال، وبعيدا عن أي منهج علمي ونقدي لدراسة النصوص وتوظيفها بعد نقدها وتفسيرها تفسيرا علميا. انه ـ مع الأسف ـ تأسيس غبي لا يقتصر على اقتحام ما يكتبه المعاصرون من نصوص أدبية، بل يجد البعض أن يجتث من أعماقنا كل نصوص القدماء والمحدثين وينهرهم بعد اتهامهم كي يسكتهم إلى الأبد في ظنه، ثم يهاجمون كل رموز اليوم مهاجمة رخيصة! ان ظاهرة الارهاب لم تأت من فراغ ابدا، بل كانت قد اوجدتها بيئة مساعدة وظروف حاضنة وادوات مؤهلة وتربية الحدود، بحيث كلما تقدّم الزمن وازدادت التشيؤات المعاصرة تصادمت الحياة عندنا بالمحددات من دون أي قطائع ولا تفقهات جديدة تساعد مجتمعاتنا على تقليصه او تخليصه من التناقضات..


متى تفاقمت التعقيدات؟
وربما يتساءل القارئ الكريم ـ كما سألني احد اصدقائي ذات مرة ـ: لماذا اخترت سنة 1979 بداية حقيقية للتحولات الماضوية في التفكير والممارسة العربيين على ارض الواقع. اجيب: ان الحياة العربية الحديثة لم تعرف على امتداد ستين سنة وللفترة 1929 – 1979 الا تنظيما دينيا قويا واحدا متمثلا بالاخوان المسلمين (تأسست هذه الجماعة عام 1928) ووجدت الى جانبه تنظيمات دينية ضعيفة برغم غلوها وتشددّها. صحيح انها كانت متشددة ولكنها لم تصل الى موقع القرار والمسؤولية في أي يوم من الايام، ولكن بعد مرور ستين سنة (أي عام 1979) تأسست اول جمهورية اسلامية متشددة طرحت مشروع " تصدير الثورة الدينية "، وكان لتأسيسها وقوتها الايديولوجية صدى كبير في اشعال العواطف وتهييج النقمة وايقاد المشاعر الدينية خصوصا ان هناك على الطرف الاخر مملكة اسلامية متشددة فتشكلّت على الجانبين منذ ذلك اليوم جملة هائلة من القوى والاحزاب والجماعات المتشددة في كل البلدان العربية والاسلامية، واتخذت كل واحدة منها اسلوبا بها للعمل السري والعلني، أي بمعنى: لأول مرة يجد الدين نفسه سلطة قوية وحادة جدا في السياسة والمجتمع معا، وقد دعي ذلك ابان الثمانينيات من القرن العشرين بـ " الصحوة الاسلامية ". لقد راهنت الملايين من العرب على تلك " الصحوة " من دون ان تسأل عن أي فلسفة سياسية لها، او أي برنامج لحكم مدني فيها، او عن أي اسلوب معاصر يحدد العلاقة بين الماضي وروح العصر؟؟ وعندما بدأ العصر في تسارعه التاريخي المذهل في السنوات العشر الاخيرة من القرن العشرين، غدت مجتمعاتنا ترتد على الحداثة والمعاصرة بشكل مخيف، ولم تزل تعيش تناقضا صارخا بين الماضي والحاضر، ولا يمكن التكهن بالمستقبل كيف سيكون؟

انقسام بنية التفكير العربي الراهن
ينقسم التفكير العربي اليوم الى ثلاث بنى اساسية: الاولى تمثلها اكثرية طوباوية ماضوية (= لا تنفك عن التفكير في مرجعيات الماضي) والثانية، تمثّلها اقلية تحديثية او معاصرة (= لا تنفك عن التفكير في مرجعيات هذا العصر).. اما البنية الثالثة، فهي على الهامش تعيش من اجل مصالحها الانية وهي تصفق للاقوى دوما وينضوي فيها مفكرون ومثقفون واعلاميون ومدنيون وجامعيون ومهنيون.. الخ، ولكنها لا تشكّل نقيض النقيض ابدا كي تنمو وتعيش! علما بأن أي بنية سيكون مصيرها الزوال ولو بعد حين.. ولكن بعد ان ينبثق نقيض النقيض في تفكيرنا وبناء الوعي الجديد.. وعندما يترسخ ديالكتيك فكري عربي واسلامي عالي المستوى في حياتنا واذهاننا.

انني اعتقد بأن الزمن سيطول امام التحولات التاريخية، واذا كانت الاقلية (النخبوية) ستنتصر في نهاية المطاف، فان زمنها سيطول جدا، فالارض غدت مشبعة بالافات والصدامات والبشر ينوء عن العقل بسوء التفكير وهياج الظنون وحدة العواطف .. ولئن غدت الحياة العربية لا تجد مرجعياتها الا في الماضي.. واذا كان التاريخ سيعيد توازنه من جديد عاجلا أم آجلا، فسيدرك العرب في يوم من الأيام كم ضيعوا من الزمن، وكم صرفوا من الأتعاب، وكم تلفوا من القيم.. وكم توهموا الاوهام حقائق.. وكم حاربوا من العقلاء والعلماء والمبدعين.. وكم ساهموا في خلق تناقضات لا حصر لها ضد بناء مستقبلهم.

هوية المتشددين المتخلفين
انهم يريدون أن يؤسسوا هوية جديدة للقمع والتخلف والتراجعية وآلية صاعقة للتنكيل والارهاب بعد أن غدا القمع سيدا مطاعا والتنكيل أمرا مألوفا والإرهاب الفكري تقليدا مباحا لكل المتسلطين من الكهنة الجدد في المجتمع العربي وقواه، ولكن ضد الثقافة الحديثة والفن القديم والحديث معا وكل أشكال ومضامين الحياة المعاصرة! تساعدهم في ذلك قوى سياسية وحكومية عربية وغير عربية وجماعات ممّولة ودور نشر ومؤسسات رسمية ومراكز (بحوث) أهلية وأجهزة إعلام كبيرة وتضمن وجودهم سلطات ووزارات وقوانين.. اذ تعتني بأحكامهم وفتاويهم وتعليماتهم عناية فائقة وكأنهم رسلا منزلين وأولياء صالحين وملائكة مقدّسين!! وهؤلاء فعلا هم الذين جنوا جناية لا توصف على مصائرنا السياسية وليست الثقافية فقط من خلال ما أعطى لهم من الأدوار الوعظية والترديدية والتسويغية والتخويفية والتحريضية والتسلطية والقمعية التي أثرت بالصميم في الجيل الجديد، ونحن نرى اليوم نتائج ما زرعته الأيدي من الدعوات والصحف والخطب والمواعظ على الشاشات ومن خلال الكاسيتات في العقدين الأخيرين من القرن العشرين تارة باسم الصحوة الدينية وتارة باسم تصدير الثورة وتارة باسم الاحياء والسلف.. الخ. ان الضرورة تقضي اليوم ان يقف العقلاء في لحظة تأمل واحدة كي يجبوا على التساؤل القائل: لماذا يؤيد 75 % من العرب ابو مصعب الزرقاوي بعد مصرعه وهو الذي كان قد اعترف بعدة عمليات ارهابية راح ضحيتها ابرياء من مدنيين اطفالا ورجالا ونساء؟؟ هل ان مصرعه من قبل الامريكيين قد اكسبه التأييد ام انه رمز ثقافة اجتماعية مضادة بدأت تمتد في مفاصل الحياة؟؟


انهم ينحرون العقل والحرية!!
لقد وجدوا في السبل الحديثة والمعاصرة حاجتهم لتوزيع بلاهتهم وافكارهم السوداء المتخلفة.. تجدونهم في كل مكان يطلعون علينا على الشاشات والفضائيات والمواقع الالكترونية او ينشرون انفسهم في الكتب والمقالات والمجلات والمحاضرات والخطب.. بل والانكى من ذلك انهم وجدوا مواقعهم على شبكة المعلومات الدولية (= الانترنيت) لنشر بياناتهم وفتاويهم وخطاباتهم.. بل والاعتى من كل هذا وذاك تسربوا الى مناهج التربية والتعليم، فخلقوا في الجيل الجديد امراضا لا تعد ولا تحصى، وكلها نفسية يطول علاجها.. انهم لا يقتصرون على ملة او مذهب او طائفة او فرقة.. انهم من كل واد يتجمعون علينا لينحروا العقل علنا من دون أي تحّرج او تخوّف، فالسلطة التي يمتلكونها باسم (الدين) والدين بكل سموه منهم براء، غدت طاغية لا يمكن ان تعترض عليها ابدا.. دعوني اسجل بعض الحالات التي تثير الاشمئزاز والقرف:

ان نماذج لا تعد ولا تحصى لاولئك الذين يقتلون العقل ويضحكون بكلامهم على الناس وسواء كانوا من هذا المذهب او ذاك، فما يذيعه بعض المعممّين من المضحكات لا يمكن قبوله ابدا، ولا يلومني احد ان انتقدت هؤلاء فهم ليسوا برجال مقدّسين ولا بمعصومين.. لقد سمعت احدهم في واحد من المجالس ويصف نفسه بالسيد والدكتور (....) يقول: بأننا نحن من آل البيت والصلاة علينا واجبة وان الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو آدم الاول وآدم هو آدم الثاني ولم يأمر الله بالصلاة والتسليم على أي آل لأي رسول او نبي الا على آل الرسول محمد.. فعليكم بالصلاة والسلام علينا!! فتضّج القاعة بما أمر! وهنا لسنا في باب ضد القيم السامية في المجتمع، بل ضد ما لا يحتمله العقل. وسمعت معمّم آخر على احدى القنوات الفضائية الدينية الجديدة وهو يشرح للناس كيف ان سفينة نوح كانت تمخر على الماء الذي طافت الارض به، وفجأة تترنح السفينة وتتمايل وكادت تنقلب ولما هدأت.. قال: اتدرون ماذا اصاب السفينة؟ اجاب: انها كانت تطفو فوق مدينة النجف وكربلاء المقدستين وبتأثيرهما كادت تنقلب السفينة فوق الماء.. فضج من كان يسمعه بالصلاة والتسليم!

لقد وصل الصراع المذهبي والطائفي في مجتمعاتنا اليوم الى اقصى مداه عند اصحاب الغلو لدى كل من الطرفين: السنة والشيعة اذ نسمع من حين الى آخر ان كل طرف يكّفر الطرف الاخر.. السنة من السلفيين يطلقون على الشيعة اسم الروافض، والشيعة من الغلاة يطلقون على السنة اسم النواصب!! ان كلا من الطرفين يغالي باتجاه تحقير الاخر، وسوف لن تهدأ العلاقة الساخنة بين الطرفين الا عندما يتم الغاء تقاطع مصالح الطرفين سياسيا وتؤسس مؤسسات مجتمع مدني تنتفي منه الهوية الطائفية ولن يتعايش أي مجتمع منقسم على نفسه طائفيا الا من خلال فصل الدين عن الدولة، واّلا فالصدام الطائفي سيحّل في كل مجتمعاتنا العربية والاسلامية على هذا النحو المرير.


من يوقف هذا البؤس الفكري عند العرب والمسلمين؟
كتب أحدهم في كتاب رائع الطباعة والورق والتجليد السميك قائلا ما نصّه وهو ينقل عن ابن القيم (هذا الاخير هو تلميذ ابن تيمية): " ان معارضة الوحي بالعقل ميراث الشيخ ابي مرة (= ابليس).. واما رؤوس النفاة والمعطلين: ففرعون.. وجنوده كلهم ونمرود بن كنعان.. وارسطاطاليس وبقراطيس واضرابهما، وطمطم وتنكلوسا، وابن وحشية واضرابهم وابن سينا والفارابي وكل فيلسوف لا يؤمن بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه.. "! وانني أسأل: هل من تعليق على هكذا احكام ؟ هل يمكن لأي انسان ان يكفّر الاخر بمثل هذه السهولة وخصوصا اذا كانوا من رموز حضارتنا في التاريخ؟
اغتنم هذه الفرصة لأتقّدم الى حكومات دول (دينية) يزداد البؤس الفكري فيها الى حد مذهل، بحيث يزج بكل المثقفين الاحرار في السجون بسبب استنارتهم الفكرية والسياسية، وهذا ما يجري في كل اصقاعها. اننا نعلم بأن بعض تلك " الدول " ذات ثقل حقيقي في الحياة الاسلامية المعاصرة، ولا يمكن ان تبقى بعيدا عن أي توجهات اصلاحية سياسية وعن أي انفتاحات فكرية وعن أي تدقيق علمي او عن أي تحديث تربوي وعن أي تنوّر اعلامي.. وانها تحّسب ان ما تنتجه المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والخاصة في كل منهما صحيح من منشورات وكتب وثقافة بائسة.. وهذا ما يضر العقل ويجني على المجتمع.
دعونا نتوقّف قليلا عندما كتب أحد (الدكاترة) السعوديين في كتاب له طبع مؤخرا ايضا، فلنقرأ ما كتب وادعكم تتأملون هذا الفكر الخطير الذي اعتقد بأن خمسين سنة من انتاجه كانت كافية لصنع الارهاب بعد ان تراكمت كراهية الاخر يوما بعد آخر وخصوصا كراهية الغرب.. دعنا نقرأ: " من اخطر اسباب الاهواء بين المسلمين قديما وحديثا ترجمة كتب الاديان والفلسفة. وما تحويه من عقائد ومذاهب وفلسفات. وقد مرت الترجمة بمراحل: الاولى في عهد خالد بن يزيد بن معاوية، حيث امر بترجمة كتب الصنعة من اليونانية والقبطية الى العربية في اواخر القرن الاول. والثانية: ظهور عدد من المترجمين في القرن الثاني، منهم: يحيى بن البطريق ترجم المجسطي ايام المنصور، وجورجيوس بن جبرائيل الطبيب، وعبد الله بن المقفع (ترجم بعض كتب ارسطوطاليس) ويوحنا بن ماسويه. والثالثة: في اوائل القرن الثالث وما بعده، وقد اشتهر بالترجمة يوحنا بن البطريق، والحجاج بن مطر، وقسطا بن لوقا البعلبكي، وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي، وحنين بن اسحق وابنه اسحاق، وثابت بن قره الصابئ وحبيش بن الحسن، وقد ترجموا كثيرا من كتب الفلسفة. والرابعة: في القرن الرابع وما بعده، ومنهم متى بن يونس، وسنان بن ثابت بن قره، ويحيى بن عدي وابن زرعة.

ويعلق مستطردا هذا (المؤلف المعاصر): وقد ظهر التأثر بالكتب الاجنبية في وقت مبكر من بزوغ الاراء الشاذة في تاريخ الاسلام... وهكذا نجد ان هذا التيار العارم في ترجمة كتب الاديان والفلسفات والنحل قد اسهم بشكل كبير في انتشار الاهواء والفرق والبدع، والمقالات الفاسدة وكان رافدا قويا لأهل الاهواء ومصدرا مهما من مصادرهم.. ولا يزال هذا التيار من اسباب تأثر طوائف هذه الامة بالافكار والعقائد الوافدة من الامم الكافرة الهالكة. ويتمثل ذلك بالغزو الفكري ومظاهره كالعلمنة والحداثة والقوميات والحزبيات والشعارات الفارغة، ونحو ذلك " (انظر: د. ناصر بن عبد الكريم، الاهواء والفرق والبدع عبر تاريخ الاسلام: مسيرة ركب الشيطان (الحلقة الثانية) (ط2 الرياض: دار الوطن، 1417 هـ) ص 190-194).


كلمة عتاب ونقد لابد منها
يطبع هكذا كتاب في العاصمة الرياض من دون ان يسأل المؤلف عن فحوى كلامه، او ان يراقب الناشر ما الذي نشر وينشر؟ ينشر هكذا كتاب في عاصمة دولة يتوجه اليها المسلمون من مشارق الارض ومغاربها؟ كم من مثل هذا الكتاب يطبع حتى اليوم ومنذ خمسين سنة؟ وهل يعقل ان ينشر هكذا كلام في العام 1417 هـ (= 1996 م) في قلب العالم الاسلامي؟ واذا كان العتب خفيفا على المملكة العربية السعودية نظرا للبنية الفكرية والدينية التي تحكم علاقاتها الثقافية بالعالم الاسلامي قاطبة.. فكيف سيكون العتب ثقيلا على مصر ونحن نجد ركاما هائلا من مثل هذا الغثاء يطبع وينشر على العباد في قلب مصر منذ خمسين سنة او يزيد؟ وكيف سيكون العتب ثقيلا ايضا على طهران وقم وما ينشر في ايران من كتب ومنشورات على الطرف الاخر من العالم الاسلامي؟ لقد شرح الاخ الاستاذ حسن العلوي بعض ما ينتجه الغلاة من الشيعة الجعفرية من كتابات بحق السيدة عائشة والصحابة اذ سمعته وهو يقّدم عرضا نقديا فاضحا على احدى القنوات الفضائية بهذا الصدد! ويرى بأن مثل هذه الثقافة تشعل المجتمع وتولد الكراهية والاحقاد.

ارجع لأقول: كم من الافكار الخاطئة قد نشرت منذ ان اعلن محمد قطب (رحمه الله) عن " جاهلية القرن العشرين " حتى اليوم؟ دعونا نتوقف عند كتاب نشر على غلافه عنوانه واسم مؤلفه ولقبه. لقد كتب على اعلى الغلاف: (المستشار الدكتور) علي جريشة وعنوان كتابه: الاتجاهات الفكرية المعاصرة والمنشور من قبل دار الوفاء بالمنصورة الطبعة الاولى عام 1986، وقد كتبه في المدينة المنورة، وهو كسلفه يبدأ بالفقرة الاولى معتمدا على كتاب الامام ابن القيم في كتابه: " مدارج السالكين بين اياك نعبد واياك نستعين.. وهو يقول: " اننا نعرض لتيارات فكرية سارت او سارعت في الغرب او الشرق قم قدمت الينا فصارعت في عالمنا الاسلامي عقدية الاسلام وشريعته. ولقد يستبين من ذلك اهمية الموضوع وخطورته.. انه ليس " ترفا فكريا " او كماليات عقلية.. انه قد يرتفع الى مرتبة الحاجة او الضرورة! " (ص 6)

ومن يتصفّح هذا الكتاب سيجده يكيل السباب والشتائم للاتجاهات الفكرية والسياسية الحديثة كالديمقراطية والدستورية والعلمانية والحداثة السياسية والفلسفات المدنية.. الخ من دون فهم ولا ادراك، بل وتصل درجة الاقصاء لفلاسفة التاريخ وفلاسفة العصر الى درجة لا يمكن تخيلها من الكراهية.. من دون ان يسأل امثال هؤلاء الكتّاب انفسهم: من الذي اوصل الحياة الحديثة الى اعلى مداها من التقّدم لولا فلاسفة العصر؟ وانا استغرب كاتبا ومناديا ومنذ اكثر من عشرين سنة متساءلا: لماذا يستخدم هؤلاء الكتّاب كل منجزات العصر ومخترعاته وهم يؤججون الكراهية ضد هذا العصر؟ ما نوع هذا التدهور الاخلاقي الذي يتصف به امثال هؤلاء وهم كثر في دنيانا العربية وعالمنا الاسلامي والذين تعجّ حياتهم وكل ميادين تفكيرهم بالتناقضات؟؟


نداء الى الحكومات العربية والاسلامية
وهنا اتوجّه الى كافة الحكومات في العالمين العربي والاسلامي ان تنتبه الى ما يحدث في سوق المزايدات الفقهية وما ينشر على الناس من افكار ودعوات تؤجج المسلمين وتشعل فيهم الكراهية والاحقاد.. بل وتوقف عجلة الحياة عن الاستمرار.. انادي باعلى صوتي ان ما يلقى على الملايين اليوم على شاشات الفضائيات من دعوات لتأجيج صراعات وبث فتنة واساءات ومجتزءات ومحرمات.. ما يطرح من اعلام تفقهات وتزوير متشابهات وصنع تلفيقات وتحريف منصوصات.. الخ كلها تقتل الزمن وتولد الاحباط والتناقضات.. ان مجتمعاتنا العربية والاسلامية بحاجة ماسة الى الاجتهادات والى تموضع المصالح المرسلة المتقاربة والموحدة والمتفقة مع ضرورات هذا العصر وحاجات ابنائه.. فهل هناك من يؤيدني في ما اقول؟ وهل هناك من يفكّر في الذي اعنيه بعيدا عن المماحكات وتشويه المقاصد والتهجمات!
ايلاف 15 يونيو 2006

http://www.sayyaraljamil.com



ذبول العقل العربي .. شراسة اليوتوبيا وصراع الاضداد.. القسم الثاني

د. سّيار الجميل

" ومن نكد الدنيا على الحّر أن يرى عدوا له ما من صداقته بّد "
المتنبي

المثقفون بين ايدي المتفقهين
إن الانقضاض على نصوص أدبية تاريخية موروثة أم إبداعية معاصرة مستحدثة يشكل آلية غير مسبوقة في القمع والإرهاب الفكري على امتداد تاريخنا ، وخصوصا وأنها ترتدي زي المتعبد الناسك الذي يريد أن يصف أحجار الحياة ويلونها على ذوقه ومزاجه ، والحياة متعددة الألوان ومتنوعة الأغراض والمشارب ومتباينة الصنوف والاتجاهات . إن الأمر ليس بهين أبدا ، فأمر الثقافة العربية عند مطلع القرن الحادي والعشرين ، أمر مفجع عندما يتحول ( الممنوع ) من مجرد شعارات فئوية سقيمة إلى قرارات حكومية نافذة ، فهذه السلوكيات التي انتقلت من طور المنغلقين على ذاتهم في أقفاص المجتمع إلى قرارات حكومية في بلاد لها تاريخ ثقافي وأدبي حافل في العصر الحديث ، يبدو الأمر خطيرا ، إذا ما أدخلت ( الدولة) أنفها في هكذا أمور كي تصادر هذا بحجة تجريمه وتمنح ذاك شهادة لحسن سلوكه ! ولا اريد ان اغالط نفسي عندما ادعو الحكومات العربية ان تقف سّدا منيعا امام ثقافة الكراهية وزرع الاحقاد وتوليد التناقضات وعندما انتقدها هنا لتوقف او تحجب مستحدثات العصر وابداعاته ! وكأنها تريد ان ترضي سلطات او احزاب او جماعات معينة ترفع شعار المحرّمات والممنوعات لاسباب سياسية ومزاجية لا لعوامل عقلية وعلمية ، وتمّرر كل الجنايات على حساب مستقبل المجتمع وصناعة الاجيال القادمة .

وتيرة التخلف .. عجلة مسرعة نحو الوراء
والمشكلة أنها لم تدرك أبدا أنها بعملها هذا إنما تزيد من وتيرة التخلف وهول التناقضات في المجتمع المحلي والعربي ، بل وستقف مجحفة ليس ضد جيل كامل ، بل ضد سلاسل الأجيال القادمة ! لقد دهشت جدا عندما علمت قبل ساعات بأن مصر قد منعت عرض فلم دافينشي كود ، بل وصادرت الرواية من الاسواق بطلب من بعض اعضاء البرلمان المصري ؟ وكأن هذا العمل سيقلب الدنيا ، وانا واثق تمام الثقة بأن العرب لا يدركوا فحوى هذه الرواية ولا فيلمها حتى اليوم ! وان ذهنيتهم لن تستوعب ما هو عليه الحال في ذهنيات مجتمعات اخرى . لقد كان المثقفون العرب دوما بايدي سلطة المتفقهين منذ ايام طه حسين وحتى اليوم ..
وان كلا من الفكر والابداع العربيين قد ارتهن رهانا صعبا لا يمكن ان يوصف بحيث كبّلت الثقافة العربية بكل حقولها وميادينها بالاصفاد ، وويل لمن يقف منتقدا هذا النسق الصلد من التفكير ، فالتكفير دوما ما يكون سلاح الضعفاء في مقابلة الحجة بالحجة ! وكل يوم يمرّ والحياة العربية تتصعب جدا نتيجة ما يطرح من تفقهات وفتاوى وحدود حول النصوص الادبية والموسيقى والفنون التشكيلية والمنحوتات والرواية والشعر والافكار الجديدة والمناهج المعاصرة والاتجاهات السياسية .. ولم يكتف بما هو معاصر ، بل رجعوا يتفقهون بابداعات القدماء من شعراء وفلاسفة ومتكلمين وفنانين ومؤلفين ومترجمين .. الخ

رموز الثقافة
دعوني أسأل : هل يعقل – مثلا - أن يحاكم الشاعر العباسي الشهير بأبي نؤاس على نصوصه الشعرية عند بدايات القرن الحادي والعشرين بتلك الطريقة الفجة التي سمعنا عنها قبل سنتين ؟ نصوص كنا قد درسناها في مدارسنا قبل أربعين سنة بكل حيادية وأمانة واعجاب !! وهل يمكن لبلد له تراثه المتنوع وله اعتزازه بقيمه التاريخية وبرجالاته المبدعين وبآدابه وعلومه وفنونه مثل مصر .. أن يرتد هكذا سريعا ضد تراث العرب الأدبي والفني ؟ ومن سمح لبعض من رجال التابو ان يؤسسوا حياتنا بطركية مغلقة وأن يحتكروا قنوات تلفزيونية لساعات طوال كي يدخلوا أنوفهم في كل موضوع فيوزعون الأحكام والفتاوى التي تخص موضوعات ثقافية وفكرية وسياسية وفلسفية قديمة وحديثة بحجة " هذا يجوز وهذا لا يجوز " ؟؟
ربما كان عندهم الحق في ان يعتمدوا على " نصوص" ، ولكن المشكلة ليست في " النص " كون كل نصّ ابن بيئته وزمنه بقدر ما اجدها عند من يتشددّ في " النص " ، " فالنص " ابن بيئته وظروفه وهو لا يستطيع الا التعامل مع الواقع بكل مفرداته .. وهنا تنفضح تناقضاته . انه يعيش في ازمة تناقضات دوما ، وانه طوال حياته يفكر في حزمة دائرة مغلقة لا يريد الخروج عنها ابدا .. وربما لا يشعر بها ، او قد يعي ذلك ويدلس على نفسه والاخرين ، فكيف بهم يمارسون الارهاب والقتل باستخدامهم الانترنيت وآخر ما وصلت اليه الحياة المعاصرة ؟ ثم الا يسألون انفسهم : هل من الحق استخدام منجزات العصر المتقدمة لتحقيق اهداف كارثية تحت ستار فقرات دينية سامية وبوسائل دموية بشعة في قتل الناس الابرياء ونفي الانسانية قاطبة ؟؟

انهم ينحرون التاريخ والثقافة ايضا
هل غابت كل أوراق الواقع المرير بهول تناقضاته الحادة وعقم أوضاعه المزرية وبلادة أوزاره المفجعة .. وغرابة أطواره القاتمة وسماجة صوره ومضامينه وأشكاله .. حتى ينكّل بالتاريخ والتراث الأدبي تنكيلا مفجعا على أيدي أبنائه الذين نجدهم يتعصبون حتى ضد أنفسهم ؟ وهل ضاق أفق التفكير عند العرب إلى الحد الذي بدا فيه الشاعر القديم أبو نؤاس يخيفهم بنصوصه الغزلية ؟ وهل وصل العرب إلى الدرجة التي لم يجدوا شيئا لقتله إلا مواريث آبائهم وأجدادهم من المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين الكبار .. من دون أن يلتفت هؤلاء قليلا إلى ما لابد له أن يكون عند بدايات القرن الحادي والعشرين ؟ لماذا يثورون ويزبدون ويرعدون ضد ما لايتفق وافكارهم .. ولكنهم سرعان ما يلازمهم السكوت لينشغلوا بقضية اخرى .. وهكذا دواليك !
وهل عرف العرب بأنهم من أقوى وأشهر شعوب الأرض قاطبة في فن الشعر والأدب والثقافة الشفوية والمكتوبة .. حتى ينحروا أنفسهم بهكذا طريقة مجحفة ؟ هل سمعنا بالإغريق ينحرون فلسفاتهم الكلاسيكية كونها تختلف مع توجهاتهم السياسية زمعنقداتهم الدينية ؟ وهل سمعنا بالإيطاليين يحطمون مسارحهم الرومانية القديمة لأن أسودهم في سالف الأزمان كانت تفترس فيها عبيدهم ؟ وهل سمعنا بشعوب أقاصي آسيا تحرق نصوص بوذا في الحكمة ، لأنها لم تستقم والسلوك المعاصر ؟ هل سمعنا بحكومة الصين الماوية تعدم مبادئ كونفوشيوس ، لأنها لا تتفق والثورة الثقافية لماوتسي تونغ ؟ وهل سمعنا بالفرس يعدمون نصوصهم القديمة في القص الموروث ، كونها لا تتفق مع طرائقهم الدينية اليوم ؟ وحتى بعض الأفارقة في الغابات : هل سمعناهم يتركون ثقافتهم الفلكلورية المتوارثة كونها من الفنون المتخلفة عن الفرانكفونية التي غدوا يؤمنون بها ؟
فلماذا إذن ينحر العرب أنفسهم بأنفسهم وقد التفوا هذه المرة على الثقافة والأدب والشعر والفن والنقد والتاريخ ، وبمثل هكذا طريقة مفجعة ؟ وهل يحق للأحفاد محاسبة الأجداد بهذه الطريقة الغريبة لتجريم هذا والانتصار لذاك ! لقد قرأت من يهاجم قاسم أمين على أفكاره .. وثمة حملة شعواء كانت ولم تزل على طه حسين ومهاجمة نقداته .. وهناك من يوغل بشناعته ضد الشاعرين العراقيين الكبيرين الزهاوي والرصافي .. ولم يسلم ايضا لا ايليا ابو ماضي ولا ابو القاسم الشابي .. وأخرى جرت ضد نجيب محفوظ وتحريم ما صّوره وشخّصه في بعض رواياته ! وصولا الى ما تعّرض له عدد من الكّتاب والعلماء والباحثين والمفكرين العرب المحدثين .. وهكذا ، فالمشكلة ليست في أبي نؤاس لوحده في الماضي ، بل تتجاوزه إلى الحاضر وستستمر المعركة الخاوية ضد الآتي .. ان مشكلة العرب اليوم مأزومة ومتقرحة ضد كل معاني الحياة المدنية والدنيوية والدينية الخلاقة ؟ تاريخ طويل جدا متنوع المضامين ومتعدد الأضداد ومجتمعاتنا عاشت طبيعة الأشياء من دون أن تكبل نفسها داخل اقنية ولا تحشر انفاسها في توابيت عبر التاريخ !

ضياع الادراك وخواء المنطق
ونسأل : هل يقف ديوان شعر معين أو فلم سينمائي محدد أو أغنية رومانسية حالمة أو رواية قصصية غير مألوفة أو مسلسل تلفزيوني جرئ أو أفكار تحررية غير محنطة .. هل تقف كلها او بعضا منها حجر عثرة في طريق الأخلاق الفاضلة والتربية السامية باعتبارها مسؤولة مسؤولية كاملة عن خدش الحياء والإفضاء إلى الانحراف الخطير ؟ وهل غدت الحياة العربية مثالية ومستقيمة وملائكية من كل الادران والموبقات والسلوكيات الطفيلية والمزيفة والمنافقة بمختلف تناقضاتها المتصادمة .. حتى يضحك على الناس بإدخال الثقافة العربية الحديثة داخل الشرانق والأقفاص والتوابيت بإشهار السيف أو بضرب الاسواط أو برجم الأحجار ؟؟
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبس
هل فهم أولئك الأغبياء قيمة هذا البيت الشعري الذي تتضمنه حكمة عالية المستوى يحتاجها القادة والزعماء العرب قبل مواطنيهم .. وأنها لعمري ، حكمة لابد أن يتعلمها العرب من أوسع أبوابها لا من أضيق مخارجها ! ولو لم تكن لها هناك حاجة أكيدة لما قالها صاحب هذا البيت الشعري قبل ألف عام مما تعدون !
ونسأل أيضا : إذا كان في شعر شاعر غزل خليع ، أو كان في رواية من الروايات توصيف حي لحالة شاذة ، أو كان في مقالة أحدهم فكرة حرة تعبر عن فهم من نوع غير مألوف .. الخ فهل عدم ذلك عند غيرهم من الشعراء والرواة والقصاصين وحتى عند بعض المتصوفة والفقهاء والمتكلمين القدماء والمحدثين ؟ ألم يسمع العرب من المثقفين والمسؤولين المعاصرين بـ " الأدب المكشوف " و " شعر المجون " في تراث ادب ( الامة العربية ) ؟ ألم يقرءوا آلاف الصفحات المليئة بكل تناقضات الحياة وإسرار الخلفاء والخلعاء والنبلاء والاعيان والمشايخ وجماعات المغنين وأخبار الجواري والحريم والقيان والغلمان وتنابلة السلطان .. ؟؟ وهل عدم التراث العربي كله على امتداد تاريخنا الحضاري وسلاسل أجيالنا من نماذج متعددة وتسميات متنوعة تتوزعها عشرات بل مئات من أمهات الكتب وهي تتضمن غزلا عذريا وغزلا خليعا وهجاء مقذعا وأوصافا نابية ؟ وهل عدمت الحياة العربية وغير العربية إلا من الوعاظ والنساك والزهاد والمتصوفة والمتبتلين والمريدين والمتوسلين والمساكين ؟ وأسأل : لماذا استخدم الشعراء المتصوفة مصطلحات كالخمر والسكر والدنان والحان والعشق والهيام والحب .. وهم يحلقون عاليا في تجلياتهم الروحية في ( الفيض الالهي ) ؟ هل سيأتي يوم من الأيام يعدم فيه الشاعر ابن الفارض مثلا ويسحب ديوانه بحجة قوله : " سكرت بخمر الحب في حان حيّها " .. الخ

ما الذي ستفعلونه بتراث العرب المتنوع ؟
نعم ، ما الذي ستفعلونه بتراث الآباء والاجداد لو تسلمتّم مقاليد الامور ؟ ما الذي ستجنونه بحق التاريخ لو منحتم القوة ؟ وهل باستطاعة وزارات الثقافة العربية أن تعدم شعر الخمريات والتشبب والغزل والنسيب والهجاء .. ؟ وهل باستطاعتهم سحب عشرات مراجع الكتب الموسوعية العربية التي تزدحم بجملة هائلة من النصوص الأدبية والشعرية والفلسفية والكلامية والبايوغرافية وهي لا تتفق وشهادات حسن السلوك المزيفة والصور المتناقضة في أيامنا هذه .. ليقرأ الجهال يوما ما نظمه على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الحمصي ديك الجن في الذي نشره الثعالبي عنه في موسوعته " يتيمة الدهر " من شعر المجون ؟
إن أجيالا من الأدباء والمثقفين العرب قد تربت على امتداد تاريخ طويل على أغراض الشعر المتنوعة ، ومنها الأدب الرخيص والهجائيات والنقائض وادب الخلاعة وادب المجون والغلمانيات والخمريات والنسوانيات .. وصولا الى لزوميات المعري الفلسفية ووصفيات المتنبي الإلهية وروميات أبى فراس الحماسية والنرجسية وحماسة ابو تمام البطولية ونقائض الفرزدق وجرير وخمريات ابو نؤاس وغيرها التي لا تعد ولا تحصى .. وقد قرأها الناس في الغدو والآصال اكثر مما يقرأها أبناء اليوم ، فلم تنحرف سلوكياتهم ولم تتبدد أخلاقهم ، بل عاشوا أعمارهم وهم يوازنون بين الأمور والحاجات في حياتهم وانهم قد أدركوا جيدا بأن الضرورات تبيح المحظورات . وان التعلم من هذا البحر الشعري الزاخر يبني الحياة ولا يهدمها ، وان التمتع بهذا الروي يسمو بالذات ولا يعدمها ، وان التعرف على هذا الفن أو الفكر أو النزوع يثري العقل ولا يخنقه ! وان حصيلة ذلك كلها تربي الملكات وتسمو بالمواهب وتصقل الإمكانات ما دام للإنسان عقل ومخ وضمير وتفكير وبعد نظر ..

من ذا الذي سيحاكمه التاريخ ؟
أيمكننا محاكمة كل أولئك العظماء على كل ما قالوه شعرا أو أدبا في عصورهم الخوالي التي عاشوا فيها ، زاهية كانت أم راكدة ، من دون أن يحاكمهم أحد على سلوكهم ..أو يعدم نصوصهم أحد بحجة سوء أخلاقهم ! وكنت أتمنى لو كان بيننا اليوم رجال أمثال : الزهاوي والرصافي واحمد لطفي السيد ومي زياده وخليل مطران وطه حسين ومارون عبود واحمد أمين وغيرهم من عشرات المثقفين الحكماء الأقوياء ليسمعوا ويروا ما حل بالثقافة الأدبية العربية من بعدهم ، وخصوصا عندما استباح ميادينها الجهلاء لا العقلاء ! وانفلتت الأمور في العشرين سنة الأخيرة من عقالها بحيث لم يعد البعض يحترم تخصصه مستغلا الظروف التي تمر بها الحياة العربية الصعبة ومستغلا الإمكانات التكنولوجية التي سخرت أمامه لكي يفتي كلّ حسب مزاجه ويحلل ويحرم حسب هواه .. متجاهلا تاريخنا بطوله وما اتصف به ذلك التاريخ من تنوعات وانطلاقات وابداعات ..

وأخيرا : سيتغّير الزمن بعد مرور جيل او جيلين !
ان الزمن سيتغير حتما اذ لا يمكن ان تبقى حياتنا على ما هي عليه اليوم .. وسيتغّير تفكير الناس عندما يترسخ الوعي عندهم شيئا فشيئا ، وعندما يتخّلص تفكيرهم من الاليات المسيطرة ومن اوهام لا اول لها ولا آخر .. عندما ستجد الروح بغيتها في ان تحّكم عقلها في مجريات الحياة .. عندما تجد في الدين فضاء من الموحيات الرحبة السامية التي تمنح الانسان الاخلاق والقيم وصيغ التعامل بالحسنى .. عندما تكتشف ان الذين يتكلمون من هؤلاء المتفقهين ما هم الا كسبة يستجدون بوسائلهم مصالحهم على حساب الحياة المدنية .. عندما تقف وهي حائرة على ما يحل من خراب في حياة الانسان باسم الممنوعات عليه .. عندما تتأمل كيف تحوّلت القيم والاصول الى ايدي محتكرين يتجارون بها وجعلها عوائق امام التقدم ، وعندما وجدوها وسيلة للتسلط ليس الاجتماعي حسب ، بل السياسي والثقافي في ان يكونوا هم ولا غيرهم في الميدان .. فهم بذلك يحاربون كل المبدعين وكل المثقفين والعلماء المتمدنين ويهاجمون المستنيرين ويصفونهم باشنع الصفات .. بل ويشوهوّن القيم المعاصرة والاتجاهات والفلسفات المعاصرة .. ان توزيعهم للاحكام جاهز تماما ، فكل المستيرين من المثقفين الاحرار هم في عرفهم من المتغربين والمتأمركين والعملاء والكفرة والملحدين .. من دون أي شعور بالذنب ومن دون أي احساس باللوم ومن دون أي تقّبل للرأي ومن أي استيعاب للافكار ومن دون أي قبول للنقد ، ومن دون أي حوار ومحاججة ومن دون أي تمثّل بالتعايش ومن دون أي مجادلة بالحق ومن دون أي تودد واحسان ومن دون أي اكراه ولا اقصاء او جفاء ، ومن دون أي الغاء وسباب وشتيمة .. ومن دون أي مصادرة للعقل .. والاقوى من كل هذا وذاك : من دون أي تكفير او تجريم او تفريق او مشروع قتل ! وكلها نّص عليها ديننا الاسلامي الحنيف .
ان تحولات التفكير العربي الراهن وتغيير الذهنية من المركبّة الى المنفتحة .. ولما هي عليه اليوم من اصعب الامور ، ولكن المحاكمة ستنال من اولئك الغلاة الذين نصّبوا انفسهم طغاة لهذا العصر .. بعد ان يتجاوزهم الزمن خصوصا وانهم سيتعرضون للنقد الكاسح بعد ان تتعّرى افكارهم وتموت قوتهم ويضعف نفوذهم وتضمحل سيطرتهم على عقول الناس بعد مرور جيل او جيلين وبين ثلاثين الى ستين سنة قادمة .. وعند ذاك سيصفق الاحرار بعد انتهاء المهزلة !



#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكهّان الجدد .. ورجال التابو...متى تخرجون من الشرانق المتيّ ...
- من ينقذ البصرة : فينيسيا الشرق القديم ؟؟
- هل ثمة غرفة عمليات أمنية لدى الحكومة الجديدة ؟
- هل المنطقة فوق فوهة بركان ؟ بعيدا عن الحرب العراقية الإقليمي ...
- الانغلاقات السياسية متى يتخلّص منها العرب؟
- مقاطع واضحة!!
- الرسالة وصلت
- العراق من منظور تأصيلي
- العراق غير قابل للتقسيم
- محاضرة الدكتور سّيار الجميل بمنتدى دراسات المستقبل بوردو / ف ...
- الديمغرافية السكانية : اللحظة الثالثة
- فضائيات عقيمة : اعلاميون مضللّون ومتكلمون بدائيون
- فوضى الابعاد : العراقيون .. هل يصعدون نحو الهاوية ؟
- رفقا بالنصف الآخر: حقوق المرأة العربية
- افتراق التاريخ
- معضلة العراق اكبر من مشروع مصالحة
- تجربة كوزموبوليتانية :عندما يكون للمدن مركزية جذب وعبقرية حي ...
- الحرة عراق: درس متطور في الاعلام المرئي
- رسالة صريحة في نقد خطاب السيد فاروق الشرع
- صرخة أعلنها للملأ : الخلايا النائمة تستيقظ بشاعتها


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - ذبول العقل العربي: شراسة اليوتوبيا وصراع الاضداد..