أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزار جاف - عريشة بوجه العواصف















المزيد.....

عريشة بوجه العواصف


نزار جاف

الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:37
المحور: الادب والفن
    


الشعر وإن کان إستجلاء لإرهاصات الوجد و سعي حثيث لسبر غور المجهول، لکنه ومع کل تلک الجماليات اللفظية و الترانيم و الإيقاعات و الإستدلالات و المعاني الضمنية، يبقى حالة تکاد تکون محصورة مابين المحال المطلق و النسبي المفرط في شيوعه.
هذا الکلام الآنف، تولد في أعماقي وأنا أطالع منذ شهور عديدة في قصائد الشاعر الکوردي المعروف"فرهاد شاکلي"، والحق أنني قد خلت سأکتب قراءتي لبعض المجاميع من أشعاره خلال مدة قد لا تتجاوز الاسبوعين على أبعد تقدير، غير إنني ماأن طفقت أقرأ قصائده تباعا، حتى وجدت إحساس غريب ينتابني، إحساس قلما يحضر المرء مثله في هذا الزمن ومن الشعر تحديدا.
أتذکر في عقد السبعينيات من الالفية الماضية، کم کانت النشوة تجتاح کياني وأنا أستمع للزميل الناقد الراحل"أميد ئاشنا"وهو يلقي بأداءه الشعري المميز قصائد لقمم الشعر الکوردي الکلاسيکي، مع نبرة صوت ئاشنا المدافة بإيقاع قصائد نالي، کنت أخال ذاتي وقد رجعت القهقري الى أزمان مضت وأرى ذاتي وهي تبحث عن بدايات الحقيقة و کنه الاسرار الدفينة في عشق نالي الغريب لحبيبة، کنت أشعر بروحي وهي تحلق في فضاءات محوي المترامية فتبصر عوالم ماکنت أؤمن بها في الواقع يومئذ ومن جراء ذلک کنت أشعر بحالة من ضياع وتمزق أستشعر لذته برغم ساديته المفرطة.
يومها، عندما کنت أقرأ لشعراء تلک المرحلة، لم أکن أبدا أشعر بتلک الحالات الغريبة، وکنت أعلل نفسي، بأن زمن توله الوجد قد مضى، وإن من کان يکتب في ضوء شمعة أو فانوس أو حتى ضوء القمر وهو يذوب في أسرار الذات و مجاهيل الموضوع، هو غير الذي يکتب في ضوء مصابيح أديسون و سباق التکنلوجيا مع مشاعر إنسانية باتت تحس بالإنکماش يوما بعد آخر.
هذا التصور لطالما کان رفيقي ولم يغادرني أبدا وأنا أقرأ لمختلف الشعراء، بيد إنني حين قرأت لفرهاد شاکلي، لم أجد مناصا من الوقوف و التأمل بعمق في تلک الخمائل اللفظية البهيجة التي تعبق بعطر معانيها الحالمة.
"في الحلم
تقتفينني
مدينة فمدينة،
وقرية فقرية،
تحيلين البلدان لي مملکة ليل..
في الحلم
أنت مملکة رسوم بلا ضفاف و لاتخوم،
أنت منابع الرؤية و الشعاع..
وفي اليقظة،
کالغابات و الأحراش
تزينين مدينة ضياعي."*
واقع الامر، دفعني شاکلي وبقوة لتذکر "الحصري القيرواني" وهو يقول:
"نصبت عيناي له شرکا
في النوم فعز تصيده"
هنا القيرواني وفي حلمه يقر بحالة المستحيل في نيله لحظوة معشوقته، لکن حبيبة شاکلي مع إنها تحفل بل المزايا الاسطورية، غير إنها ومع کل طلاسمها و ألغازها تقتفي أثره فيتجاوزان معا کل المدن والقرى، وحين يفرغان من من ذلک تبدأ البلدان التي تحيلها"مالکة وجد شاکلي"الى مملکة لليل يتسربل فيها الشاعر بدياجير الاسرار و مدلهمات البحث الابدي، لکنه يستدرک فجأة ويعود الى ذاته"في الحلم"ويجدها(مملکة رسوم بلا ضفاف و لاتخوم)، وهو بهذا يجعلها أعمق و أکبر من مملکته"البلدان"، وبهذا فهو يرجع الإعتبار لها بإستدراکه الرقيق هذا، ومن الحلم و اللاحدود لدوائر الخيال، وبصورة نستطيع تشبيهها بمقطع مسرحي لبريشت عندما يقطع حالة إندماج المشاهد و الممثل معا بنقلهما الى صورة مسرحية جديدة مغايرة لسابقتها وهو ماسماه بريشت"التغريب"، ينقلنا فرهاد مباشرة الى اليقظة، الى عالم الواقع المعاش، فنراها"کالغابات و الأحراش"، وکما کانت تحيل في الحلم "البلدان"الى "مملکة لليل"، فهي وفي اليقظة تزين مدينة ضياعه، والحق أن الصورة الواقعية التي رسمها في موازات الصورة الخيالية تبدوان مقنعتين و منطقيتين وکأن الشاعر يرسم لوحة ما وبيده ريشة في منتهى الحساسية.
ويبدو التألق لشاکلي في أوجه، وهو يقتحم فيافي التصوف فيشعر القارئ وکأنه أمام ناسک متشبث بسجادته في جوف وادي مظلم وهو يناجي أسرار الوجود من خلال تجليات ذاته.
"بشعاع معرفتک،
أنر جبل قلبي؛
فأحيل قلبي و روحي
حجر معبر دربک.
أواه..أي سنين ظلماء
هي الحرمان منک!
ويح مدينة الروح
دونما ذکراک،
أي قبر!
أي مقبرة صموتـة!"
وإذا کان المتصوف الايراني المعروف الشيخ سعيد أبو الخير يقول:
"لو صرت ترابا
لغدوت لترابک ترابا
لأنني لترابک صرت ترابا
فقد تطهرت"
فإن فرهاد وبدلا من أن يغدو ترابا للمطق، يحيل قلبه و روحه الى "حجر معبر"لدرب المطلق، إنه في حالة يمکن وصفها بالسعي للتسامي على حالة المألوف التي تحاصره في غربته بسقمها الإستثنائي، ولذا، وهو في وسط التقدم التقني و الحضاري لأوربا وبدلا من أن ينبهر بها وينجرف مع دقائق حياة تشهد يوميا التغيير، يجد روحه تواقة للنيل من معرفة أخرى، معرفة هي وحدها الکفيلة بإنارة دياجير أغواره المشرئبة بمدلهمات الإغتراب.
لکنه وفي غمرة سعي روحه لإشراقات المعرفة، نراه في ذات الوقت يشکو من حالة فيض في المشاعر، فهو يعاني من إرهاصات جنوح في العاطفة فتراه يدندن:
"أواه من حبک،
ما أوقحه!
يکاد يفضحني
في بعده وقربه،
سيان کنت في العلى، أو في الحضيض
والمنحدر
يضايقني،
ولايدع قلبي أن يکتم أي أسرار،
يرغمني
أن أفشيها واحدا واحدا".
وکأن شاکلي يريد أن ينتصر في المقطع الاخير للحلاج، حين يفشي الاسرار من دون أن"يصلب ويقطع من خلاف ويحرق ويرمى برماده الى نهر دجلة"، شاکلي من خلال قصيدته هذه يحاول رسم تجليات الروح في حالات عشقها فيجعلها فوق إعتبارات المکان"سيان کنت في العلى، أو في الحضيض و المنحدر"، لکنه يقر بعذابات من نوع و طراز آخر، تتجلى في "الحسرة و اللوعة و الحزن" وهو يقبع في قبوه الداجي بزنزانة زمن يکاد يکون جامدا. غير إن التدقيق في ماهية عموم حالة المکاشفة في هذه القصيدة للشاعر فرهاد شاکلي، تبين إنه سعى و بحذاقة و دقة للإدافة بين بعدين مهمين و حساسين هما: الصوفية في المعاني خصوصا من حيث ما يجسده الشاعر من حالة مکابدة و توله جامحة تعتري أعماق روحه، وبين الآنية التي تحضر الشاعر وتفرض تأثيرها في النص الشعري ولذلک وبدلا من إنجراف شعر شاکلي مع السياق الصوفي الى مالانهاية، نجده يحدد موقفا محددا من طوفان الفيض و يعيدنا الى الحاضر من خلال إفشاءه للأسرار"واحدا واحدا"، کما إن جسارة فرهاد و نزوعه الى التمرد في معاني شعره، تظهر واضحة حين يستخدم تعبير و کلمات من قبيل"أوقح"، "زخات الحب"، "مسجد أشعاري"، "تحرق الکون"، "الکلمة العارية"، کدليل على خطه الخاص الذي هو تأکيد على المعاصرة الزمانية في المعاني.
غير أن ذلک لا يعني بالمرة أن الشاعر فرهاد شاکلي سوف يسلک طريقا مغايرا للذي سلکه الحلاج، لذا فهو يستدرک وبقوة ليقر:
"فحياتي: تردد و شک،
وموتي: إنتهاء و يقين."
وهو بذلک يجسد نفس ذلک الهدف الذي إبتغاه الحلاج في شعره:
"اقتلوني يا ثقاتي
ان في قتلي حياتي"
ونرى الشاعر يسير وفق السياق الآنف و کأنه قديس يسعى من تحت عريشة من قصب و أعشاب يابسة حين يقر بإنه:"قشا في مهب الريح" أو "أنا نجم مضطرب"، أن يحظى بسر عظيم من أسرار الوجود حين يخاطب الله تعالى قائلا:
"إن حصلت على حرف واحد من إسمک
فإنه نصيب تمنحني إياه،
أو هدية تنعم بها علي،
إسمک أصل کل الآفات،
إسمک بلسم کل الجراحات."
وإذا کان"الاسم الاعظم"يشکل هاجسا و هدفا سرمديا يرنو إليه معظم السائرين في دروب التصوف و العرفان، فإن شاکلي يلتمس من رب السموات و الارض أن يسبغ عليه بنعمة معرفة واحدة من أحرف إسمه الاعظم الذي تتجلى في حروفه کل أسرار الوجود.
إن شاکلي الذي يسير في فيافي المطلق بحثا عن طلاسم أسرار الکينونة، يقر بأن سعيه الروحي هذا يصطدم بمادية فجة تعترض سبيله عندما يقول:
"إذا ماحط على زجاج قلبي غبار،
فعلي أن أهجر نفسي اليباب"
وهذا الصوير الصوفي البديع ذکرني بمقطع شعري للشاعر"مظفر النواب" في قصيدة(خمرية سليمان الخاطر)، حين يقول:
"أيها الشارب، إن لم تکن شفافا رقيقا، کزجاج الکأس
لاتدخل عالم السکر و الکينونة الکبرى"
فزجاج قلب شاکلي حين يعتلي عليه شئ من غبار الدنيا، يشعر بإنه لم يعد بوسعه سبر أغوار الوجود وإنه ماعاد مؤهلا کي يدخل(عالم السکر و الکينونة الکبرى).

* النصوص الشعرية مترجمة من قبل الاديب جلال زنگابادي.




#نزار_جاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشن الامريکي لا يوافق الطبق الايراني
- حماس و فتح و قشة الاستفتاء
- حسين نعمة..لک الحق ولکن
- ماذا يجري في العراق؟
- عربستان..المصادرون في أوطانهم
- دولة کوردستان..واقع ستفرضه ترکيا و إيران
- أحمدي نجاد..معجزة الالفية الثالثة
- قادة خرجوا من القبعة الامريکية
- برکات سيدنا الشيخ
- حکومة تخطت حاجز الامر الواقع
- الإستخارة الإيرانية
- هذا ما جنته فتح على نفسها
- وحدة الاراضي العراقية أم وحدة أراضي ترکيا؟
- ترکيا و إيران على خط المجابهة مع الکورد
- إيران..عضو جديد في المحفل النووي
- رسالة کوردية الى واشنطن
- صفعة دبلوماسية للسيد غول
- الطعم الاسرائيلي في الصنارة الايرانية
- قمة الاسترخاء
- إذا کان القذافي بطلا فماذا يکون نجاد؟


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزار جاف - عريشة بوجه العواصف