أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج 6)















المزيد.....

-خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج 6)


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6554 - 2020 / 5 / 4 - 13:52
المحور: الادب والفن
    


فتح عينيه فبدا كسمكة أُخْرِجَت للتو من الماء، تراءى له طيف غرفة محجبة بالسواد تزينها في الأسفل سجادة على هيئة أشواك وردية ذات نقوش أقرب للطلاسم، راعته الوحدة التي شعر بها لولا صوت الرجل فوق رأسه ينبهه لوجود كائن يرصده، تأمله للوهلة الأولى وهو يضغط على نظره للتدقيق في الوجه ليبرز له "تقي" والده، بوجهه المدور وبشرته البيضاء الملساة من أي شعر، مع أنفه الطويل الحاد وشعره الغليظ الأبيض رغم تجاوزه الستين من العمر، برزت نظارته السميكة أكبر من وجهه، وقف ببذلته السوداء وقميصه الوردي ينظر له بعينين تعلنان عن سؤال معلق على شفتيه ينتظر الآخر يصحو من غفوته، كان في زاوية من الغرفة عمود مصباح طويل أثار فيه الانقباض، توارى بوجهه على جانب الوسادة هرباً من نظرة لم تخلُ من الحميمية لكنها تسبر اللحظة، محاولة فك شفرة الفتى المتجمد في قالب جليدي، لاذ وراء الصمت والسكون محاولاً التلاشي تجنباً للسؤال المعلق، شعر بالرجل يهم بالخروج دون أن يطرق بكلمة سوى النظرة التي اسْتباحَت كل المشاعر المختزنة بأعماق الأب الذي فضحته ومضة خاطفة عبرت للحظة، عيناه تقاوم دمعة ما برحت خرت من عين الأب الذي سارع بالخروج ومعه سؤاله المعلق، أغلق عليه الباب.
خارج الغرفة استقبلت الأب نظرات المرأة الأم والأشقاء والشقيقات الذين تجمعوا في قلب الصالة، كان عددهم خمسة الأم شفيقة، الشقيق الأصغر حامد، الشقيقات، جميلة الكبرى، رباب الوسطى، هما الصغرى وقد غاب عن الساحة الشقيق الأكبر شريف، اسْتيقظوا من إغفاءة الانتظار، كشباك فُتح وخرجت منه كائنات اسْتطلاعية، دون دهشة واستغراب، فقد اعتادوا مواقف مماثلة من قبل،كأن الأسيجة انهارت وصارت النزهات للمستشفيات والعيادات النفسية وحتى مراكز الشرطة طقوساً معتادة، مرات عدة وقفت فيها شعور رؤوس أفراد الأسرة حين كاد يتوقف فيها قلبه عن النبض ويفقد الحياة حينما يرتطم بالأرض أو يغمى عليه داخل السيارة، كانت الصورة ضبابية في البداية، خمنت الأسرة أن السبب المخدرات وكميات الكحول مع الأقراص وكل هذا المزيج، ساروا وراء كل الاحتمالات، امرأة، حالة نفسية، رغبة في إيذاء نفسه، لكن الاحتمال الآخر القابع وراء الجسد الخاطئ لم يخطر ببال أحدهم إلا تقي المرجاني بحدسه الأسطوري، ظل شبح الموت كطائر يحوم حول شرفة الدار، هذا الشبح يغرد بين فينة وأخرى كلما تجرع المخدر أو غطس في الكحول مع الأقراص وتوحد مع ذاته في ظلمة من الكآبة التي لا يعلمون مصدرها، الشكوك انتهت بالشقيق الأكبر شريف لوجود علاقات شاذة بين شقيقه سفيان وسائق العائلة الآسيوي منذ الطفولة وهو ما لم يتأكد منه، والشكوك لاحقت الأم شفيقة بأنه نتاج التمييز في العائلة بسبب الإفراط في تلبية رغباته، أما الأب تقي فقد غاص في حزنه السري واعداً نفسه بالبحث عن الأسباب ودعمه مهما كلف الأمر. والشقيقة الكبرى جميلة قديسة الأسرة فقد ظنت أن وراء الألم امرأة، اكتفت برعاية الأب طوال الوقت خشية المضاعفات، بدت الوحيدة في الأسرة تفوق الجميع في حمايةً الأب وإحاطته بالحب الذي فاق خيال الجميع، من غير أن يدركوا سر هذه العلاقة الحميمية، ومع تدهور الحالة من وقت لآخر نزعوا عنه الاهتمام لدى تولد شعور باليأس في كل مرة يسقط فيها، وحبسوا أنفاسهم في المرة الأخيرة عندما طالبهم بتركه يسافر وحده للعلاج.
" مم تعاني؟
عندما سألته جميلة لدى سماعها بكائه بحرقة أثناء مرورها بجانب غرفته ذات يوم جمعة، لدى اجتماع العائلة بعد الغداء، فتحت الباب واقْتَحمت عليه ورأته شبه عارياً ومحطماً يبكي على طرف الفراش، لم تَفر من منظره ألمُهلهَل وعُراه ، دَنَت منه وغطت جسمه باللحاف وتأملته ثم سألته، ليأتيها الجواب سريعاً بعد أن رفع رأسه عن السرير ونظر إليها بعينين حمراوين كانهما الجمر، وسط بحيرة من الدموع، عكست ملامحه حجم الألم الذي برز كسلسلة جبال صارمة ارتْسَمت على وجهه الوردي الداكن فَأطفَأت وهج الحياة منه.
"أنا امرأة!
جلست على الطرف، ربتت على شعره، ثم بدأت تمسح الدمع عن أسفل عينيه، بدا وجهها الأبيض الناصع كالحليب يذوب في احْتدام مشاعرها ألمُتأجِجة فَأضحَت بشرتها رصاصية اختفت وراء لون شعرها الذهبي الداكن، بدت جميلة تلك اللحظة كأُم تمتص ألمه الغائر، ظلت أناملها تداعب شعره لأكثر من ساعة، وكلما دَلف الغرفة أحدهم فأجاته بإشاره من يدها ليخرج إلا تقي لم تجرؤ على رشقه بتلك الحركة، اقْتحم المكان، أفسحت له الطرف وجلس بجانبها.
" لا توجد سعادة بمواصفات معينة، لأن المصنع في داخلك.
قال تقي عبارته وقد سقط في سطوة اليقين، نظر في عيني جميلة الفريدة كما يلقبها، خطفته شرفة النسيان التي عاهد نفسه ألا يغادرها ما بقي له من عمر على الأرض، انتزع من ذاته الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة ووضعها على مشواة اليقين ليدرك الآن سر الألم الحميم الذي تعايش معه ابنه من دون أي شكوى من حمم النار التي يتنفسها طوال الوقت.
"هذه إذن مدينة السر الأعظم التي عاش فيها سفيان"
همس تقي لنفسه المغسولة بألم فاق ألم ابنه، هذا ما ظنه وهو يشعر بوخز إبرة تدغدغ نافذة قلبه الرمادي المستهلك بفعل الزمن الشحيح المرح، رغم سطوة المال والنفوذ والوجاهة.
أشار لجميلة بالخروج إذ لَمَح هالة الوجع تذوب على بشرتها وإرهاق الوقت يجعلها تتلوى بخفاء، لمحها منهارة فأشار لها بالخروج، انْسْحبَت وهي تبتسم لوالدها وتربت على كتفه، أمسك بيدها وخرجت، التَفَت لسفيان الذي فتح عينيه على الأب.
"أُشبه برتقالة بنفجسية، هل رأيت برتقالة بنفسجية تقي؟
أزاح تقي اللحاف الآخر عن طرف السرير وأبعد المطفأة الممتلئة بأعقاب السجائر، ثم جلس على طرف الفراش مرة أخرى وأمسك بيد ابنه الذي نظر إليه من خلال دمعة بدت له كلوح من كريستال زجاجي، عصف به إحساس غائر في العمق وكأنه يعتذر عن الخطأ الفادح في جسده الممزق بشظايا الليل والسهر والألم والوحدة وسلسلة الانهشيريت التي سببها لذاته ولأسرته، اتسعت الدمعة في عين سفيان وتدحرجت ككرة ثلج حتى بلغت قمة صارية بدون شراع يوجهها، فانزلق صوته مختنقاً بحشرجة صاعقة وهو يقول لوالده الجاثم على حافة سريره وقد بدا هيكلاً مائياً.
" اعذرني يا أبي على خطأ جسدي، ليست لي يد فيه.
زاد تقي من ضغطه على يد ابنه كما لو كان هو من عليه الاعتذار، بدا السرير يرتفع في الجو، حلق في فضاء الغرفة ألمُتَأرجحة بين الصمت وحطام مشاعر معلقة بجرم هائل يتدلى من السماء يخترق الغرفة المسكونة بركام السر الذي تكسر على نصل الاعتراف الجسيم.
" ليست خطيئة، ابني سفيان، إنه وعد الْخَلق، هذا ما جرى عليه الكون منذ بدء الخليقة حتى اللحظة، أغلب البشر كسالى لا يفهمون سر الخَلق.
احتضنه بقوة وقال بعبارة حاسمة كأنها تختزل الزلزال الأرضي الذي سيحدث بعد حسم القرار.
"إصنع ما تشاء بالبرتقالة البنفسجية يا سفيان، أدعمك حتى الحياة والموت.
"أُريد السفر وحدي.
"دعني أدعمك بمرافقتك، لا أريدك أن تواجه العالم وحدك ابني.
إعتَدل الابن على السرير من دون أن يسقط عنه اللحاف، يده ممسكة بيد الأب كأنها تمنعه من السقوط من فوق قمة جبل، عض شفته وتنفس زفرة ساخنة وقال وهو يزيد من الضغط على يد والده.
"صحتك لا تستحمل السفر.
ثم أردف وهو يستعيد بعضاً من ثقته التي أتْلَفَتها كثبان غيوم المشاعر المكبوتة طوال سنوات خمول الجسد وانتِكاساته المتتالية.
" ثق بي، سَأعالج الأمر وحدي، لقد تدبرت كل شيء باستثناء المال.
تناهت جلبة خلف الباب من الخارج، أسرع الأب بقفل الباب خشية أن ينقطع الحديث بين الاثنين، وهو الحوار الأول بينهما بهذا الوضوح الذي أزاح الستار عن العلاقة الضبابية الموغلة في عتمة ألْقَت بظلالها الكثيفة على أفراد الأسرة منذ تَكَور سفيان داخل شرنقة ظلت طوال المدة خريفية، كان خائفاً من الداخل ومنكسراً من الخارج أوصد قلبه بقفل صدئ ليزيل الحب تجاه الآخر، كان نرجسياً مع جسده وحده وخَشيَ أن يشاركه غيره معرفتة بخريطة الجسد وطلاسمه.
"يوجد مانع من تسللي لمعرفة ما تنوي فعله؟
نهض من فوق السرير يترنح بعد أن لَف جسده ببطانية وولج الحمام، ارتدى ملابسه وخرج ثم سار نحو أحد الأدراج بجانب طرف السرير المقابل وأخرج حزمة أوراق وبعض النماذج الصورية وأمسكها بيده دون أن يسلمها للأب الذي حدق بنظراته تجاه ما يحمله سفيان.
"سَأُحدث ثورة في جسدي.
زاد ذلك من غموض اللحظة، بدا تقي مشوشاً حتى أَدرَكَ سفيان حالته فاسْتدرك قائلاً بنبرة مُتَرنحة.
"راسَلْتُ عيادة في لندن تعالج حالتي، أُريد أن أرْسي على ميناء سلام، تعبت تقي، أُريد إصلاح خطئي في أي اتْجاه حتى لو تحولت أنثى.
هل أَنتَ واثق من المكان المتوجه إليه؟
أسقط جسمه على السرير وكاد يصطدم بوالده الذي ابتسم فيما هز رأسه معتذراً وقال بسرعة من حسم أمره.
"ليس أمامي سوى المغامرة أبي، وليس أمامك سوى دعمي حتى لو كُنْت امرأة منبوذة، فعلى الأقل أكون طبيعياً في أي ضفة أَقف عليها.
حلق الأب بعيداً من خلال وجهه الذي اجتاحته موجة انفعال غَيَرَت من تضاريسه فبدا وكأنه سافر بعيداً، نهض وأمسك بيد ابنه سفيان وقبلها وسط ذهول الابن.
" ليس لِي في الدنيا سواك أنت وجميلة.
ضحك سفيان وقال بنبرة تدل على أنه ما زال غائباً عن الوعي.
"جميلة حبيبتي؟ وحدها خارج السيرك.



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج 5)
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (4)
- المحظور الخلاق في الرواية...
- -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج (3)
- -خريف الكرز- الرواية التي مُنعت في بعض الدول. ج (2)
- -خريف الكرز- الرواية التي مُنعتْ في بعض الدول. ج (1)
- ماذا يحصل عندما تقود الحملان الأسود؟؟!
- الحرب القادمة بين عالمين...
- حب محرم - من رواية الخراف الضالة...
- رسالة من العتمة (........) يسرا البريطانية
- بحر الشهوات مقطع من رواية -قمر باريسي-
- خريف سنمار الإخباري
- ثقافة الأفيال الضالة؟ رؤية ضد تيار المقاطعة!
- هل تعود الشيوعية إلى أوروبا من باب الكورونا؟
- من رقصة أخيرة على قمرٍ أزرق
- مافيات عربية تغتال الأدباء...
- أزمة الرواية العربية... كشف المستور... ‏جوخة الحارثي نموذجا
- العمل المنزلي في زمن كورونا
- حجرُ النهاية
- العالم يتضامن في وجه الحرب العالمية على كورونا


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - -خريف الكرز- الرواية التي منعت في بعض الدول. ج 6)