محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 6549 - 2020 / 4 / 28 - 21:14
المحور:
الادب والفن
علم اجتماع المعرفة بين العلم و الفلسفة
24.04.2020
تمثل دراسة ( الأصول الإجتماعية للمعرفة ) الموضوع الأساسي لعلم اجتماع المعرفة ، وهو مايشير إلى أنه إذا كانت مهمة الفلسفة هي دراسة العلاقة بين الوعي والواقع بصورة عامة ، فإن مهمةعلم اجتماع المعرفة هي دراسة علاقة هذا الوعي ب ( الواقع الإجتماعي ) بصورة خاصة .
ومن خلال دراسة التشابك المعرفي بين هاتين العلاقتين يتبين : وجود عدد من المفاهيم المركزية التي يجري استخدامها من قبل غالبية الفلاسفة والعلماء ، سواء بفهم موحد أو متقارب ، ولا سيما في إطار بعض العلوم الحديثة (الهندسة اللاإقليدية ، النظرية النسبية ، السيبرنتيك ، الإبستمولوجيا /فلسفة العلم)
هذا مع العلم أن تعدد الآراء والمذاهب المعرفية ، سواء في العلم أو في الفلسفة ،هي دراسة العلاقة الجدلية بين الوعي والواقع ( الطبيعة المجتمع الفكر)، وهي مسألة طبيعية تجد تبريرها في :
1) قصور أدواتنا المعرفية المتاحة ، البيولوجية منها ( الحواس الخمس ) والتكنولوجية ( الميكروسكوب والتلسكوب ) ، وبالتالي قصورفكرنا ووعينا عن استيعاب وفهم هذا الواقع المعقد بأبعاده الثلاثة ( الطبيعة ، المجتمع ، الفكر ). أي أن جانباً من هذا الموضوع ( الواثع ) لابد وأن يظل بعيداً عن متناول اليد ، وهو مادعاه الفيلسوف الألماني كانط ( الشيء بذاته Ding an sich) ، أي غير المرئي وغير الملموس ، وذلك مقابل مايمكن ترجمته الى (الشيء المعطى أو الملموس Ding fuer sich).،هذا مع العلم أن تطورالعلوم والمعارف العلمية ، وبالتالي " الوعي " الفردي والجمعي سوف يحول باستمرار ( Ding an sich ) إلى ( ding fuer sich ) أي المجهول إلى المعلوم .
2) ان الإنسان وهو يكتشف الواقع ويغيره ، يكتشف ويطور نفسه أيضاً . وإذن فإنه سوف يظل محكوماً عليه ( كعالم أو كفيلسوف ) أن يقترب من الحقيقة كثيراً أو قليلاً ، وربما يلامسها ، ولكن دون أن يمتلكها كاملة ، الأمر الذي ينطبق على حقيقته وعلى وعيه هو ذاته كإنسان " عاقل " أيضاً .
3) لقد انغمس العديد من الفلاسفة – حسب كارل ماركس - في " التأمل الميتافيزيقي " للواقع بدلا من محايثته ، وفهمه وبالتالي العمل على تغييره . ولعل هذا مادفع ماركس إلى القول " لقد دأب الفلاسفة حتى الآن على تفسير الواقع بأشكال مختلفة ، في حين ان المطلوب هو تغييره " ( الموضوعة الحادية عشرة حول فويرباخ ) .
4) طبيعة الوعي نفسه ، وبالتالي العملية المعرفية ذاتها ، كونها تمثل انتقالاً مستمراً من الملموس إلى المجرد ( التصور ، التذكر ، التعميم ) الأمر الذي سمح بالاعتقاد بأن مانعرفه عن الواقع هو فقط ماندركه منه ، عبرالتلازم والتلاقح المعرفي الديالكتيكي بين حواسنا وعقولنا مع هذا الواقع .
5 ) وتلعب الأيديولوجيا دوراً كبيراً في تعمية الوعي ( العمى الأيديولوجي )، بحيث تجعل المرأ يرى الأشياء كما يحب ويرغب هو ، لا كما هي عليه بالفعل ، وذلك من حيث تضخيم بعض وسائل وأجهزة المعرفة على حساب بعضها الآخر ( تضخيم دور الحواس على حساب دور العقل او العكس ، تضخيم دور الوجدان على حساب دور الحواس والعقل معاً ) وبالتالي إحلال جانب / جزء من الحقيقة محل الحقيقة كلها . وينطبق هذا البعد الأيديولوجي على أصحاب " الشك المطلق " و " اليقين المطلق " أصحاب المسافة " الصفرية " بين المحسوس والمعقول من جهة ، وبين الوعي والواقع من جهة أخرى
إن تاريخ كل من الفلسفة والعلم ، ولا سيما بعد الإكتشافات الكبرى الثلاث في القرن التاسع عشر ( وحدة البنية الخلوية للكائنات الحية كلها ، قانون حفظ الطاقة وتحولها ، ونظرية التطور التي فسرت الترابط العضوي بين عوالم الإنسان والحيوان والنبات ) ، يشير إلى مجموعة من الحقائف العلمية التي باتت تقع في أساس نظرية المعرفة ، ألا وهي :
> الإنسان كائن طبيعي ، وهو يواجه الطبيعة بوصفه أحد قواها ، وليس منفصلاً عنها .وهو لايعتبر
ذاته كإنسان محكاً للحقيقة ( الخصم والحكم ) ، وإنما الحياة الواقعية هي المحك ، أي بتعبير آخر
الممارسة هي المحك وليست النظرية .
> وهو ( الإنسان ) كائن مثلث الصفات ( بيولوجي ، إجتماعي ، واع ) . و تشير صفة الوعي هنا
إلى خاصية " العقل " التي تميز الإنسان عن الحيوان . والتي تشير إلى خاصية بشرية أخرى
أيضاً ، ألا وهي " العمل والنتاج " و بالذات إنتاج " الأدوات " ، وقد أوضح ابن خلدون هذه
الخاصية البشرية بقوله في " المقدمة " " لما كان الإنسان متميزاً عن سائر الحيوانات بخواص
اختص بها ، فمنها العلوم والصنائع التي هي نتيجة الفكر الذي تميز به عن الحيوانات..." ( المقدمة
، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر ، بيروت 1961 ، ط 2 ، ص 67 ).
> إن الإنسان وهو يغير الطبيعة ( بالعمل والإنتاج ) ، إنما يتغيرهوأيضاً معها ، أي أنه ينمي وعيه بذاته
، وينمي ملكاته المضمرة ، ويصبح بالتالي أكثر قدرة على اكتشاف أبعاد وأسرار هذه الطبيعة
والمحيط حوله ( الواقع ) ، وأاكتشاف العلاقة الجدلية بين وعيه وهذا المحيط .
> إن الوعي الذي هو انعكاس للواقع ( العالم الخارجي ) في دماغ الإنسان ،لايعتبرانعكاسا ميكانيكياً
بسيطاً لهذا العالم الخارجي ، بل إنه يمتلك درجة كبيرة من الإستقلالية عن هذا الواقع ، تسمح
له ( الوعي ) بأن يؤثر هو في هذا الواقع ، بما في ذلك في الدماغ نفسه ، وفي الجهاز العصبي أيضاً
إن هذه الإستقلالية هي التي تقف وراء خاصيات : التنبؤ ، والتجاوز ، والتخيل ، التي يمتلكها
الوعي البشري .
> هذاوقد استلزم الترابط بين الوعي والدماغ ، الترابط بين الوعي واللغة من جهة ، وبين النظرية
والممارسة من جهة أخرى .
> إن الوعي الفردي هو الإبن الشرعي للوعي وللوجود الإجتماعي ، من حيث أن الإنسان يولد
صفحة بيضاء يخط عليها المجتمع لغته وعاداته وتقاليده وتاريخه القريب والبعيد ، ولكن ، وبعد
كل هذا يبدأ التفاعل الإيجابي بين الذات والموضوع ( الفرد والمجتمع ) وبالتالي تبدأ عملية الأخذ
والعطاء بين الطرفين ، بما يؤدي إلى تطورهما وتغيرهما معأ ، في الأسرة وفي الشارع وفي
المدرسة وفي الشارع وفي امكنة العمل ... الخ .
> إن الإحساس هو الأساس الموضوعي والأولي للمعرفة ، إلاّأنه لايمكن تصور هذا الإحساس
منفصلاً عن الإدراك ، والتصور والتخيل والتذكر ، بما يشير إلى أن اللحظتين الحسية والعقلية
هما في العملية المعرفية لحظة واحدة موحدة متداخلة عضوياً وتاريخياً .ويتجلى هذا التداخل
والتلازم بين اللحظتين الحسية والعقلية في العملية المعرفية ، في التداخل والتلازم (في إطار
البحث الميداني) بين لحظتي الإستقراء والإستنتاج وبين المفاهيم والقوانين والنظريات ، في
محاولة الوصول إلى الحقيقة في البحث العلمي ، هذا مع العلم أن الطابع التجريدي للمفاهيم
والقوانين والنظريات ، لايجعلها تستغرق كافةخصائص الظاهرة العيانية الملموسة ، الأمر الذي
يجعل " الخاص " أكثر خصباً وثراء من" العام " ويجعل بالتالي الظاهرة الحية أغنى من مفهومها
التجريدي ، وهو ماعبر عنه الشاعر والفيلسوف الألماني " غوته " بقوله ( النظرية رمادية اللون
ياصديقي ، وشجرة الحياة هي الخضراء " .
الخضراء ) .
.
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟