محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 6228 - 2019 / 5 / 13 - 12:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العنوان أعلاه ، هو العنوان الفرعي لكتاب الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي الذي صدر 1992 وذلك بمناسبة مرور 500عام على " اكتشاف أمريكا " ، وأيضاً مرور 500 عام على" سقوط غرناطة " آخر مملكة للثقافة الإسلامية في إسبانيا ، والذي صدر مترجماً إلى العربية ، عن دار الشروق في القاهرة ،عام 1999 م ، وبعنوان " حفارو القبور " .ورغم أن عمر هذا الكتاب تجاوز ربع القرن ، فإن مضمونه مايزال راهناً ، الأمر الذي سمح لي أن أشرك القارئ معي في قراءة هذا الكتاب الهام ، علماً أننا سوف نكتفي بعرض مانراه مهماً في بعض فصول هذا الكتاب ، لمعرفة الوضع العجيب الحالي الذي عليه أمتنا العربية عامة ، وسوريا خاصة ، ذلك أن معرفة السبب ،إبطال للعجب .
1. يرى غارودي ، أن صدام حسين قد ارتكب خطأ بالرد على الحرب الإقتصادية التي ارتكبت ضد بلاده ، بالغزو العسكري للكويت ، لأنه بهذا قد أعطى أمريكا الذريعة التي كانت تنتظرها منذ نصف قرن ، أي منذ محاولة مصدق تأميم البترول الإيراني ، والتي أدت في ذلك الوقت الى تحرك أمريكي في الخليج بحجة " الدفاع عن الحق الدولي " !! .ويعلق غارودي على أكذوبة " الدفاع عن الحق الدولي " بقوله : إن الدفاع عن الحق الدولي ، " لايمكن أن يكون انتقائياً ، لايمكن تطبيقه بعناد في حالة ضم الكويت ونسيان ضم القدس . صحيح إن القدس ليست سوى مدينة مقدسة، لكن الكويت مقدسة ألف مرة ، بما أنها محاطة بآبار البترول " ( ص 15 ) ويستشهد غارودي على مافعلته أمريكا والغرب بالعراق وذلك باعتراف الأمم المتحدة بأن " حرب الخليج 1991 قد أرجعت العراق إلى عصر ماقبل الصناعة " ، ذلك أن أمريكا ألقت على بغداد حتى اليوم الرابع من الحرب 60 ألف طن من المتفجرات وهو مايعادل خمس مرات ماألقوه على هوروشيما ! ( 16 ) .
2. في رؤيته للإشكالية التنموية في بلدان العلم الثالث ، ربط غارودي ربطاً جدلياً بين تخلف العالم الثاث و تطور البلدان الرأسمالية الغربية ( أوروبا وأمريكا ) ، وذلك أن " خمسة قرون من الإستعمار، من نهب ثروات ثلاث قارات ، هي التي أدت إلى تدميراقتصادياتها وتكبيلها بالديون (17 ) ، ويستشهد غارودي على صحة رؤيته هذه ، بما كتبه السفير المقيم في مرشد أباد عام 1769 عن آثار الإستعمار البريطاني للهند : " إن هذا البلد الجميل أصبح على شفا الخراب منذ اشترك الإنجليز في إدارته " ( 19) . وقد تمثل هذا الخراب ، وبعد أن تحولت الهند إلى ملكية خاصة ، واغتصبت بذلك من الفلاحين الفقراء أراضيهم التي كانت تتيح لهم إنتاج قوتهم ، بالمجاعة التي أدت إلى وفاة مليون شخص فيما بين عامي 1800 و1875 وإلى وفاة 15 مليون شخص فيما بين عامي 1875 و1900 . وتمثل كذلك باحتفاظ رؤوس الأمول الأجنبية بهيمنتها على هذا البلد بعد استقلاله 1947 ، حيث سيطرت هذه الأموال على 97%من البترول ، 93% من الكاوتشوك ، 62% من الفحم ، 73%من مناجم الحديد ...الخ (20 ) .
3. وبالنسبة لمن يريد أن يرى حقيقة العالم ، وليس من خلال صورته في التلفزيون ووسائل الإعلام ( والكلام لغارودي ) ، هناك حريقان مشتعلان في العالم اليوم ( وما زالا ،م ز ) : الحريق الأول هو التبادل غير المتكافئ بين الشمال والجنوب ، بين اقتصاديات الجنوب المدمرة كلياً بفعل قرون من النهب والإستعمار ، واقتصاديات الشمال المتخمة بما نهبته وسلبته من الجنوب .
إن حرية السوق ، التي تقف وراء هذا التبادل غير المتكافئ هي - بتعبير غارودي - حرية الأقوياء في افتراس الأكثر ضعفاً. ( 31 ) ويدلل غارودي على صحة استنتاجه هذا ، بقوله : إنه في عام 1954، كان يكفي لمواطن برازيلي أن يملك 14 كيسا من البن ، لكي يشتري سيارة جيب من الولايات المتحدة ، وفي عام 1962 كان يلزم نفس المواطن39 كيساً (31 ) (!!) .هذا وتمثل فوائد الديون غالباً نفس قيمة أصل الدين . وتساوي قيمة هذه الفوائد قيمة مجمل الصادرات مما يجعل أي تنمية مستحيلة ( والكلام لغارودي ) ( 31 ) . ويتابع غارودي : ومن أجل دفع الدين بالدولار الأمريكي ، تنتج البلدان المعانة كثيراً مما لا تستهلكه ، وتستهلك كثيراً مما لا تنتجه . ( 34 ) .
أما الحريق الثاني المشتعل في العالم الثالث ، فهو " آلية تسخير العالم الثالث لمصالح الغرب ويقوم بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . اللذين أنشأتهما وتسيطر عليهما الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ، عن طريق تقديم قروض للدول التي تمر بصعوبات معينة تحت شروط سياسية وإجتماعية وإقتصادية ومالية ، تسمى بحياء " برامج الإصلاح " أو " خطط الإصلاح البنيوي " . وعادة مايتكون هذا البرنامج ا( برنمج الإصلاح البنيوي ) من العناصر الآتية :
> خفض سعر العملة ،
> خفض اعتمادات التعليم ، الصحة ، الإسكان ،
> إلغاء الدعم الحكومي بما فيه الدعم الغذائي ،
> خصخصة الشركات العامة أو رفع أسعارها ( الكهرباء ، الماء ، المواصلات ..الخ )،
> إلغاء التحكم بالأسعار ،
> زيادة الضرائب ومعدلات الفائدة ، بهدف خفض التضخم .
هذا مع العلم ، أن القروض الجديدة عادة ماتقدم لتسديد فوائد الديون القديمة . ويعلق غارودي على دور كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بقوله : " وهكذا يخرب كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نصف الكرة الأرضية الجنوبي منذ عشرين عاماً ( أي منذ 1972 م.ز ) من الأرجنتين إلى تانزانيا من باكستان إلى الفيلبيين ، وبدؤوا الآن بتطبيق نفس الأسلوب في دول الشرق" (31 – 34 ).
4. وفي الجزء من الكتاب والذي يحمل عنوان " مظاهر الإنحطاط " ، يحدد غارودي مفهوم الإنحطاط بأنه " قطع أواصر النسيج الإجتماعي لتحويل المجتمع إلى ذرات لتخريب العلاقات الإجتماعية بين الجماعات القومية والدينية " الأمر الذي يعني : " أن الإنحطاط على المستوى الفردي هو الاهتمام بالنفس ورفض الآخر ... وعلى مستوى الجماعات هو النزوع إلى السيطرة ". ويصل غارودي هنا إلى الإستنتاج بأن " عبادة السوق ، والملكية المطلقة للمال تقودا مجتمعاتنا ، كل مجتمعاتنا ، إلى الإنحطاط ، وإلى الموت " ( 69 ) .ويرى أن الولايات المتحدة الأمريكية ، باتت بعد حرب الخليج ، تجسد كل أعراض الإنحطاط ، وذلك بقيامها بالآتي ، على حد وصفه :
> تراجع المسؤولية الجماعية لصالح الأنانية واللامبالاة ،
> تفاقم عدم المساواة ، (يتحكم خمس سكان الأرض بأربعة أخماس ثروات الأرض ص7 )
> التمييز العنصري ، الإقتصادي والثقافي ،
> تفكيك مستقبل المجتمع ، بسبب محاولة الإستفادة القصوى من الحاضر على حساب المستقبل ،
باستخدام الوسائل المتاحة دون الوعي بالأهداف النهائية ،( النفط على سبيل المثال ، م ز )
> تفكك الحضارة بتراجع المسؤولية الجماعية وازدياد التفاوت بين الناس .( 69 – 70 ) .
> تراجع الإخلاص للوطن أمام المصالح الخاصة .
وليس ذلك – حسب غارودي - سوى أمراض اقتصاد السوق في امتصاص كل "القيم " ، وكل
ماهو"اجتماعي" حيث المال هو وقود كل حركة وهدفها ، وعلى كافة المستويات وصولاً الى " المتاجرة بالدين " (71).
وبما أن الإحصاءات التي اعتمدها غارودي حول نسبة الأغنياء والفقراء في العالم ، تعود إلى ماقبل 1992 ، ( أنظر فقرة تفاقم عدم المساواة أعلاه ) ) فقد ارتأينا ، أن نحدث ( بضم النون وتشديد الدال ) هذه النسبة التي ذكرها المرحوم غارودي ، بالنسبة الجديدة التي ذكرتها منظمة " أوكسفام " البريطانية غير الحكومية ، في تقريرهاعشية انعقاد مؤتمر" دافوس" الإقتصادي لعام 2018 ، وهي أن 82% من الثروات التي تحققت في العالم عام 2017 تدفقت إلى جيوب أكثر سكان العالم ثراءً وعددهم 1% من سكان هذا العالم ، فيما لم يسجل نصف الفقراء أي زيادة تذكر ( !! ) . ـــــــــــــــــــــــ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟