أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - -كورشمات-الاستبداد حالة إسارات الكويئن اللامرئي














المزيد.....

-كورشمات-الاستبداد حالة إسارات الكويئن اللامرئي


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


ليس لي أي مزاج لاستخدام أية مفردة تركية في لغتي اليومية، لاسيما منذ موقف نظام تركيا الدموي من استقلال كردستان، والتحريض على احتلال كركوك، بل وإقليم كردستان كله، والإقدام على احتلال عفرين وكري سبي وسري كانيي في كردستان سورياإلخ، وإن كانت التركية اللغة التي تعلمت بعضها- قبل أن أنساها- إلى جانب: الكردية والعربية لغتي قريتي"تل أفندي" من خلال سميي و توأمي في بعض الحليب: إبراهيم حمزة المللي- من بكارة الجبل، رحمه الله، والذي لم يكن يفصل بين بيتينا إلا مجرد جدار وطيء. تعلمت التركية بعد أن تجاوزت في بوابة قامشلي- نصيبين، الحدودية. كنا أبي وأمي، وأنا و ثلاث أخوة وأخت، ذاهبين إلى كردستان تركيا حيث بيوت خؤولتنا وعمومتنا الذين لهم مصائف ومرابع ومشات: في الجبل، وفي السهل الذي أنصفته حدود الدولتين الطارئتين البالعتين لخريطة كردستان، في مافوق الخط الحديدي وما تحته: سر خت وبنخت!
في المحطة، كان موظفو الجمارك يدققون- أول جواز سفر تحصل عليه الأسرة- وسنزور معاً، أبي وأمي ونحن، كما حال طائرين جبليين عششا في أحد المرابع وعادا بفراخهما. الفراخ- نحن- الذين سنزور بيت خؤولتي جدتي- الوحيدة التي رأيناها من الجدات والجدود الأربع- وهم جميعاً من عمومتنا
فاجأت خالي وأنا أصوغ بعض العبارات بالتركية
سألني جميعهم: من أين تعلمتها؟فقلت من: الحدود
حقاً، تعلمت" حجرأساسها" من الحدود، وإن كان أبي لايزال يقرأ ويكتب بالتركية التي تعلمها، عندما ترك الوطن، وغادرإلى تركيا، يتابع شؤون أرض جده التي باتت في- يد- بعض الجيران، وقد نمَّ عليه بعضهم، ليربك ملف القضية في المحكمة التي لاتزال متواصلة منذ خمسينيات القرن الماضي، وإلى الآن، وكلما تمت محاولة-طمس الملف- جددها الأهل.

رحت، خلال شهر ونيف، من رحلتنا التاريخية الاولى في حياة العائلة، أنمي قاموسي التركي- عربي- كردي، من خلال أسئلتي للكبار، في قرية "بن أردكا" النائمة على الحدود كما قرية جدي شيخ يوسف" جمرلوك" التي يكاد رأسها يتوسد سفح الجبل بينما تمد أرجلها في أعماق السهل، وقد تركها ابنه الوريث: إبراهيم شيخ يوسف. جدي، الذي أطلق الشيخ علاء الدين الخزنوي اسمه عليّ، وكان رغبة الأسرة. رغبة أمي وأبي. أمي أكثر، لأنه لو سماني الشيخ باسم آخر لثبته أبي، دون رغبة أمي!
لنعد إلى عالم الكورشمة الذي أبهرني، منذ الطفولة، ولاسيما بعد انتقال بيتنا من القرية التي غادرها سكانها نحو المدينة، فكانت وجهة ابي وأمي إلى قامشلي، حيث أقرباؤنا هناك اكثر. كانت آلاف الاسرة تتجمع في كل طرف حدودي من جهة من هي تركيا اليوم، ومن جهة من هي سوريا اليوم، في انتظار أن يسمح لهم بالعبور إلى الاتجاه الآخر، وفي كل مرة كان يتمُّ السماح لقلة بالذهاب إلى هذا الطرف أو ذاك، ليتم منع الأكثرين، بل لربما يتم منع جميعهم، والسماح في مرات قليلة- وأعني المرات التي كنت بحكم فضولي أتابع المشهد القريب من بيتي- ذات مرة قال أبي لأمي:
ليتنا رحنا في الكورشمة لنرى أهلنا!
كان عابرالحدود" المكرشم"، يعفى من الحصول على جواز السفر، المكلف- مالياً- بحسب تلك الأيام، قياساً إلى فقرأبناء مجتمع لاموظفون فيه، لا إعانات، ولا أملاك للأغلبية، بل إن من لديهم أملاك قليلة فهي لم تكن لتكفي تأمين خبز هؤلاء و مصاريفهم البسيطة، و مايلزم لمتابعة تعليم أبنائهم
ماالكورشمة يا أبتي....!
سألته
الكورشمة، يابني: السماح للأهل ممن هم" فوق الخط وتحت الخط" باللقاء ببعضهم بعضاً وتبادل الزيارات.
أتذكر، كان مسموحاً لمن تشملهم الكورشمه بقضاء عطلة العيد ساعات، يتبادلون فيها الهدايا، وقد تصل يومين أو ثلاثة ولربما أربعة، في تدبير خاص، والويل لمن يزيد عن ذلك، حيث يترقبه السجن، في هذا الطرف أو ذاك!
مفردة" الكورشمة" بدأت تفرض ذاتها علي، منذ بدايات الحجرالصحي، وها نحن ندخل شهرنا الثاني، إذ إن زيارات الأبناء والأحفاد كانت في الأسبوع مرتين، ماعدا زيارات الحاجة، يهتفون إلينا: نحن آتون، نتبادل التحيات من وراء المسافات الفاصلة بيننا، يأتوننا بالورد، أو اللوازم، من مواد تموينية وغذائية وخضار وأدوية، وفيتامينات بدأنا نلجأ إليها في مواجهة- كوفيد19- ثم تنتهي الزيارة، يكملون" مشوارهم" مشياً نحو الحديقة، ومعهم أبناؤهم، إلى جانب بعض الجيران الذين يخرجون من حجرهم مع جرائهم وكلابهم للترويح، بعد أن غدت الشوارع قفراً خالية إلا من سيارات واقفة، ومغامرين قلة يشبون عن طوق الحجر الصحي.
يوم أمس، تأخرت الزيارة، فقالت أمهم: يذكرني حالنا بالسجناء الذين ينتظرون أهلهم كي يزوروهم ويلتقوهم من وراء القضبان
قلت لها:
أما أنا فأشبه حالنا بحال أهلنا في" بن خت" و"سرخت" الذين كانت ثمة حدود من ناربين الطرفين، وكثيراً ماكانوا ينتظرون" الكورشمة" ليلتقوا أهلهم لساعات، من دون جدوى!
معتقل كورونا الدَّولي، لامهرب من قبضة سجانيه اللامرئيين، وعسسه، وأشباحه، وكائناته: إنهم في كل مكان. وحدها البيوت محطات استسلام ورفع للرايات البيضاء، واعتراف بسلطانه، وهومايجعل الخارج عن إهاب البيت في عدة حرب المواجهة كاملة: الخوف والحذر والكمامة والقفازات وعبوات التعقيم والملابس التي نتبرأ منها، ما إن خرجنا من البيت وعدنا إليه، كي تخضع لإجراءات البراءة الناقصة- دائماً- من الخطر الكوروني!
لقد جعلتنا أيام الحجرالصحي، وفق فرمانات إمبراطورية كورونية، ندرك أهمية حريتنا، ومعاناة سجناء الرأي لدى دكتاتوريات العالم، وها هو الإمبراطور كورونا يفجر طاقات سجناء إيران لمواجهة سجانيهم، يكسرون جدران سجونهم، ويلوذون بالفرار، وإن كانت ثمة تراجيديا- غير متوقعة- تنتظر بعضهم، بعد وشوك الخلاص- كما حال- مصطفى سليمي- الذي يقع في فخ آخر، سنفضح فكيه في آن واحد!



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبراهيم محمود.. تحية وإشارة وأسئلة أولى
- مصطفى سليمي يكتب روايته ويمثل دوره في فيلم طويل ومؤثر
- عن أمسيتي في أووهان!
- منيار بونجق.. أنموذج من شبابنا المضحي!
- من اخترق سورالصين العظيم؟:ماساة وينليانغ...
- محاكمة أولى لدولة عظمى الصين في قفص الاتهام
- الكاتب في محنته الكبرى: وجريمة إعدام الآخر لذنب لم يرتكب
- سجون ومعتقلات الدكتاتور كورونا رؤساء وقادة ونجوم وهامشيون!
- في حرب كورونا الكونية العظمى أطباء وممرضون وطواقم صحية مقاتل ...
- مانفستو عالم رهن الانهيار كرة أرضية تتقاذفها أرجل فيروس لامر ...
- خلطة أمي لمعالجة كوفيد19
- السياسي الكردي وضرورة المراجعة الصادقة..!
- كورونا وأسئلة الوجود والعدم غياب دارالعبادة وحضورالله
- ماقبل كورونا مابعد كورونا
- قيامة كورونا: إعلام خارج التغطية
- الموت في زمن ال-كورونا-
- الطبيب الأمي
- إنها الساعة
- زوجتي تقود العالم
- المفكر السوري إبراهيم محمود وكتابه المهم: كورونا كورنر:


المزيد.....




- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - -كورشمات-الاستبداد حالة إسارات الكويئن اللامرئي